محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1892 - 2007 / 4 / 21 - 09:48
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
إيران من الدول المارقة حسب التقييم الأمريكي للدول الخارجة عن الإرادة الأمريكية التي تبغي الهيمنة والسيطرة علي العالم وإقامة نظام عالمي جديد تكون فيه الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القوة الوحيدة القادرة علي إخضاع كل القوي الأخري للتخديم علي الإرادة الأمريكية في تطلعاتها في أن تكون القوة الوحيدة المسيطرة علي العالم دون منازع , وفي حالة ظهور أي قوي أخري خارجة عن الإرادة الأمريكية تكون حسب التقييم الأمريكي مصنفة علي أنها قوة مارقة يتوجب محاصرتها وإضعافها بكافة أساليب الهيمنة والسيطرة الأمريكية عبر الأحلاف الدولية الدائرة في فلك المنظومة الأمريكية .
وهناك العديد من الدول المارقة الأخري والخارجة من حسابات الهيمنة الأمريكية علي العالم ومن هذه الدول كوبا التي يصفها نعوم تشومسكي في تساؤل ينم عن حالة الهيمنة الأمريكية فقط دون أن يكون لها تأثير في عالم القوي الدولية :
بالنسبة للولايات المتحدة فالدول المارقة هي الدول التي لا تستمع إلي أوامرنا، و الحالة الأكثر غرابة هي التاريخ الحديث هي حالة كوبا. هل كوبا تمثل خطرا علي الولايات المتحدة؟ أو هل مثلت خطرا علي الولايات المتحدة في أي فترة من التاريخ!؟ http://:www.taqrir.org/showarticle.
وهذا رصد سياسي يؤكد علي فرضية السيطرة الأمريكية فقط علي العالم دون أن يكون للدول المارقة بالمعيار الأمريكي ثمة تأثير في ميزان القوي العالمي , إذ أن المصلحة الأمريكية هي التي تقنضي إخضاع الدول لإرادتها السياسية في بعض الأحيان , والإرادة العسكرية في أحيان أخري , فمثال الخضوع للإرادة السياسية متمثلة في المملكة العربية السعودية التي تعتبر من أشد دول العالم تعصباً وتطرفاً في نشر المفاهيم والأفكار الدينية في العالم ومنها تخرج العديد من قادة الجهاد والمناوئين حتي لنظام الحكم السعودي علي إعتبار أنه مخالف لأحكام الشريعة الإسلامية , ومنها تخرج قادة العمليات الإرهابية التفجيرية في العالم , وهي التي تستخدم الدين والمال كسلاحين من أخطر الأسلحة في العالم للإبقاء علي نظام الحكم الملكي واستمرار سيطرة الأسرة الحاكمة علي مقاليد الحكم والسياسة بواسطة ثروة البترول الهائلة وعائدات الحج والعمرة التي تمثل عائدات مالية مهولة .
هذه التساؤلات تؤكد علي أن معيار التوجهات الأمريكية هي المصلحة التي تسعي الولايات المتحدة الأمريكية لإقرارها من خلال حزمة سياسات إجرائية تهدف منها إلي تحقيق المصلحة ويضرب نعوم تشومسكي المثال علي ذلك ذاهباً إلي العام 1958 الذي يعتبره : عاما هاما للغاية في السياسة الدولية، ففي هذا العام حددت إدارة الرئيس الأمريكي السابق إيزنهاور ثلاثة أزمات رئيسية في العالم.
الأولي كانت إندونيسيا، الثانية شمال أفريقيا و الثالثة الشرق الأوسط. و كل حالة اشتملت علي وجود بترول ، بالإضافة إلي كونهم جميعا يمثلون دولا إسلامية . إندونيسيا و مصر كانتا دولتان علمانيتان و الولايات المتحدة دعمت المملكة السعودية (أكثر دول العالم تطرفا من الناحية الأصولية) ضد مصر التي كانت تقود الاتجاه العلماني بين الدول العربية .
ويتسائل تشومسكي :هل كان ذلك بسبب صراع الحضارات؟ لا كان ذلك من أجل خدمة المصالح الأمريكية كما رأتها الإدارة الأمريكية آنذاك. الإدارة الأمريكية دعمت سوهارتو الديكتاتور الذي قتل ما لا يقل عن مليون اندونيسي.
و في الحالة الثالثة أزمة "استقلال الجزائر"، قامت فرنسا بما يجب من أجل احتواء أثار استقلال الجزائر بوجود مخابراتي ضخم بعد رحيل قواتها إلي الدرجة التي لا أستبعد معها قيام فرنسا و المخابرات الفرنسية بنصف المذابح التي حدثت في الجزائر خلال السنوات العشرة الماضية.
و هذه الأمثلة و غيرها لا تدل علي "صراع حضارات" بل علي أنماط سياسية للقوي الكبرى في سعيها لتحقيق مصالحها .
ومادامت المصلحة هي القصد والوجهة والمبتغي من وراء صراع القوي الدولية فهل عميت الدول العربية عن الطريق الذي يصل بها إلي مصالحها حتي علي المستوي الإقليمي , مادامت المصلحة هي ذلك العلم المبني للمعلوم في جميع أنظمة القوي العالمية , وأمريكا هي الدولة العظمي الرائدة في هذا المضمار , وقد سعت لتحقيق مصالحها علي كل صعيد من الأصعدة , وتعتبر الدول العربية من أعظم الأساليب التي تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أهدافها في بناء صرح المصلحة الأمريكية بجميع معانيها الإسترايجية والعسكرية والإقتصادية !!
فما الذي تستفيده الدول العربية من تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية ؟!!
من قراءة التاريخ السياسي للأنظمة العربية يتبدي مدي الهوان والذل الذي مرت بمراحله المتعددة من خلال التحالف العربي الأمريكي الذي يريد أن يجعل من كفة الصهيونية العالمية هي الكفة الراجحة لجميع الموازين ومنها علي وجه خاص ميزان القوي الصهيونية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية , وأي قراءة للملفات الثنائية بين أمريكا وأي دولة عربية نجد أنها في صالح الأمريكان علي الدوام وتصب في النهاية في مجري نهر المصالح الإسرائيلية علي الدوام !!
فما الذي يجعل الأنظمة العربية ترتمي في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية بالرغم من أن العداء الأمريكي واضح المعالم لتلك الأنظمة ويتم التعامل بلغة السيد الأمريكي للعرب العبيد !!
إن الشعوب العربية لم تجني أي ثمار تذكر من العلاقات مع الولايات المتحدة , والثمرة الوحيدة المرة التي جنتها الشعوب العربية من هذه العلاقات هي ثمرة الذل والهوان والإستعباد للشعوب العربية من جانب الأنظمة الحاكمة لتلك الشعوب , وهذا واضح من تعدد الرؤساء المتوالين للولايات المتحدة الأمريكية من خلال الحياة الديمقراطية علي الطريقة الديمقراطية الأمريكية التي تقدس الحريات الفردية , ويتم خلالها تداول الحكم والسلطة , ومع ذلك تدعي الولايات المتحدة الأمريكية بالكذب والزور والغش والخداع السياسي المغلف بصيغ ديبلوماسية ماهرة أنها ترعي الديمقراطيات في العالم العربي وترعي الحريات , وتهتم بحقوق الإنسان ومنها حقوق الأقليات المضطهدة في الدول العربية , وهذه إدعاءات كاذبة تروج لها الآلة الإعلامية الأمريكية الجبارة التي توجه مشاعر وأحاسيس ووجدانات المواطنين العرب في الإتجاه الذي تريده , وذلك بالرغم من أن هذه الحيل السياسية والديبلوماسية أصبحت حيل مفضوحة لأن الواقع السياسي العربي يكذب أمريكا وأتباعها الذين يدورون في الفلك التي هي صانعته , لكي يتم الحصول علي أكبر قدر من المصالح , وفي المقابل السكوت عن سفاهات الحكام العرب وإنتهاك حريات الشعوب العربية وسرقة مقدرات وخيرات الشعوب بالفساد والإستبداد بالحكم والسلطة في مقابل السكوت الأمريكي , وغلق كافة الملفات السوداء للحكام العرب , بل ومشاركة تلك الأنظمة في سرقة وسلب ونهب مقدرات الشعوب العربية بالمشاركة مع الولايات المتحدة الأمريكية في مقابل سكوت أمريكي رهيب عن فضح تلك الأنظمة حتي تستقر حياة المواطن الأمريكي , وتشقي حياة المواطن العربي , فهما في الإثم السياسي سواء !!
ولعلنا نكون قد علمنا لماذا لاتفكر الأنظمة العربية في اي صيغة من صيغ التحالفات مع إيران , بل وتسعي كل الأنظمة العربية حالياً برعاية أمريكية للتحالف مع دولة إسرائيل شريطة غلق كافة الملفات الساخنة والموجعة للشعوب العربية ومنها حق العودة , وقضية القدس , والأسري الفلسطينيين , وملفات التعذيب للأسري من النساء والقصر وصغار السن , والملف السوري المحمل بأوجاع مواطني هضبة الجولان المحتلة , وسكان الضفة والقطاع , ومايهم الولايات المتحدة هو الإعتراف بإسرائيل من جانب كافة الدول العربية , بل ومن جانب منظمة حماس !!
فهل يجوز في ظل حالة التردي والهوان العربي أن تضغط الأنظمة العربية بورقة التحالف مع إيران عبر إتفاقيات مشتركة بين إيران والدول العربية حتي تتمكن تلك الدول من الحصول علي أكبر قدر من المصالح للشعوب العربية بعيداً عن الضغوط الأمريكية علي الأنظمة العربية التي تتهمها شعوبها بالخيانة والعمالة لأمريكا وإسرائيل ؟!!
هل من الممكن إذا حاولت الأنظمة العربية قراءة الملف الخاص بالمشهد العربي بالمقلوب قد تفلح في صياغة مشروع سياسي عربي / إيراني , في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل تكون أساسياته المصلحة العربية / الإيرانية , ويتم الحصول علي أكبر قدر من المصلحة للقضية الفلسطينية المأزومة بالأنظمة العربية التي تاجرت بهذه القضية علي مدار التاريخ ومنذ نشأة الأزمة الفلسطينية وولادتها علي المسرح السياسي العربي ؟
وكذلك القضية العراقية المأزومة بخيانات الأنظمة العربية منذ بداية الغزو العراقي للكويت , في حرب الخليج الأولي , والثانية , والأزمة اللبنانية الإسرائيلية , وأزمة مرتفعات الجولان , وإعادة صياغة ميزان القوي الإقليمية علي هدي من تحالف عربي / إيراني !!
أعتقد اننا لن نستطيع التفكير بعقلية الباحثين عن المصلحة للشعوب العربية مادامت هذه الأنظمة العربية هي التي تحكم بعقلية الفساد والإستبداد وإغتصاب الحكم والسلطة والبقاء علي كراسي الحكم بقهر وإستذلال الشعوب العربية بالدساتير والقوانين المزيفة لإرادات الشعوب , وبالبلطجة الأمنية التي تتقنها الدول العربية في مواجهة الشعوب العربية , لأن الحرية السياسية , والعدالة الإجتماعية , والديمقراطية غائبة عن المعادلة السياسية في العالم العربي , والفارض نفسه في المعادلة هو الوصاية السياسية التي توظف الوصاية الدينية في إستمرار معادلة الفساد والإستبداد التي تساوي في النهاية , حكام عرب !!
ومن هنا لايمكن أن نقلب الصورة !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟