|
لا يمكن تطوير المجتمعات وتحديثها بامثلة تسلطية تقصي الانسان من دائرة الفعل السياسي
حكمت الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1890 - 2007 / 4 / 19 - 12:01
المحور:
مقابلات و حوارات
حوار مع باسط بن حسن مدير المعهد العربي لحقوق الانسان
لا يمكن تطوير المجتمعات وتحديثها بامثلة تسلطية تقصي الانسان من دائرة الفعل السياسي
حاوره في تونس: حكمت الحاج
إضافة إلى شغله منصب مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان، يرأس باسط بن حسن هيئة تحرير المجلة العربية لحقوق الإنسان. نشر العديد من المقالات والدراسات الفكرية حول شؤون الثقافة والسياسة و حقوق الإنسان. إلى ذلك فهو شاعر أصدر حتى ألان ثلاث مجموعات شعرية هي : (عطر واحد للموتى) عن دار توبقال بالمغرب عام (1989). (الصباح لا يبادلنا جواهره) عن منشورات انترسينيه بباريس 1992 (ابعد من الحضيض) عن منشورات تبر الزمان في تونس عام 2001. كما ساهم في تحرير العديد من الكتب المهتمة بحقوق الانسان في الوطن العربي. انجز رسالة جامعية حول(الميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب). وهو عضو ادارة المجلس الافريقي لحقوق الانسان . وقد سبق له ان حاضر في موضوع (حقوق الانسان) في الجامعة التونسية . كما حاضر في الموضوع نفسه في المعهد الدولي لحقوق الانسان في ستراسبورغ بفرنسا. التقيناه في تونس العاصمة، في مكتبه بالمعهد العربي لحقوق الانسان ، فكان هذا الحوار :
طفا على سطح الاحداث موضوع المجتمع المدني وحقوق الانسان واصلاح المنظومة السياسية العربية من داخلها بما يوائم العصر الديموقراطي . . . من موقعكم كباحث وكعامل في حقوق الانسان، كيف تنظر إلى هذا الموضوع ؟
لابد من التذكير اولا بان المنطقة العربية لم تشهد بلورة لمنظومة اقليمية في مجال حقوق الانسان مقارنة بالاقاليم الاخرى ، فقارة اوروبا مثلا صاغت المنظومة الاوروبية لحقوق الانسان منذ اواسط القرن الماضي، وهي منظومة طورت نظام حماية حقوق الانسان إلى انشاء محكمة اوروبية لحقوق الانسان. كما شهدت القارة الافريقية إنشاء منظومة لحقوق الانسان والشعوب طرحت رؤية لحقوق الانسان تعتمد التكامل في محاولة لايجاد حلول للتوترات المفهومية بين حقوق الانسان والشعوب مثلا، والحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وطرحت تجديدات على منظومة حقوق الانسان الدولية مثل الربط بين حقوق الانسان ومنها الحق في التنمية. . ولكن النظام الاقليمي العربي في مستوى جامعة الدول العربية بقي في عزلة عن هذه التحولات الكبرى في فكر ومنظومة حقوق الانسان. فميثاق جامعة الدول العربية مثلا وخلافا لكل مواثيق المنظمات الدولية الاقليمية الاخرى مثل الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، لم يجعل من حقوق الإنسان والديموقراطية اساسا(للعمل العربي المشترك) كما ان منظمات المجتمع المدني العربي بقيت مهمشة في عمل الجامعة العربية من حيث الاليات والاجهزة. وحتى الميثاق العربي لحقوق الانسان لسنة 1994، نشأ وهو يحمل في جوهره أشكاليات عدة تؤكدهذا الغموض في التعامل مع المرجعية الكونية لحقوق الإنسان ومع الالتزامات الدولية باحترام حقوق الإنسان. فغياب منظومة متكاملة لحقوق الإنسان تعبر عن سياسة والتزام واضحين لجامعة الدول العربية لا يعبر عن(عجز تقني) لإنشاء نص من النصوص يعتمد من طرف الدول العربية وفقط ، بل هو تعبير عميق عن إشكاليات مرت بها مجتمعاتنا العربية وعن أسئلة أساسية لم تطرح وهي أسئلة موفقنا الحضاري من التحديث ومن صياغة وجود يكرس قيم المشاركة والحرية والكرامة والمساواة والعدل. فعدم وجود منظومة لحقوق الإنسان، هو في نهاية الامر عجز عن تحقيق الادنى المشترك في النظرة إلى الحداثة تستوعبها المجتمعات العربية وتحولها إلى فعل حضاري شامل. فلو نظرنا إلى المجتمعات العربية فاننا سنلاحظ انه برغم بعض التطورات الطفيفة فانها تعيش كلها قصورا في استيعاب ممارسة (السياسي) تقوم على مبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية. فتحليل قوانين الاحوال الشخصية والصحافة والنقابات والاحزاب والجمعيات يمكن ان يفسر عدم امكانية الوصول لهذا المشترك. وقد صاحب غياب منظومة عربية لحقوق الانسان تطور شهدته الدول العربية لمنظمات المجتمع المدني في السنوات الاخيرة بظهور مجموعة كبيرة من المنظمات غير الحكومية العاملة في مجالات عديدة مثل حقوق الانسان والمراة والطفل والتنمية . . الخ . ولكن هذا التطور تواجهه عوائق عديدة، تشريعية وسياسية منعت هذه المنظمات من التحول إلى قوة اقتراح تضغط في اتجاه تطوير(السياسي) في بلداننا، وفي اتجاه تطوير منظومة عمل الجامعة العربية. فالعوائق اذن كانت في داخل الجامعة العربية. فالعوائق اذن كانت في داخل الجامعة العربية ومن خارجها ايضا. فالشعارات التي رفعت من اجل اصلاح منظومة الجامعة العربية وادماج مفاهيم حقوق الانسان في هذا الاصلاح، هي في معناها العميق تعبير عن ازمة عميقة او شاملة يمر بها العمل العربي المشترك ومشروعيته، وكذلك شهادة على حجم المطالبة الشعبية بالحق في المشاركة كسبيل للاصلاح الديموقراطي.
فالمطالبة باصلاح المنظومة العربية على اساس الديموقراطية وحقوق الانسان ليست وليدة ظرفية خاصة بقمة من القمم بل تندرج في اطار دعوات لاصلاح الجامعة العربية ضاربة في القدم إلى اواسط القرن الماضي. فلا ننسى الحركات السياسية العربية وكتابات المثقفين وحركات الاحتجاج الشعبية التي طالبت بمفاهيم حقوق الانسان ولكنها حوصرت ووقع احتواؤها عن طريق سلطات السياسة والايدلوجيا والمال. فالدعوة إلى تجديد المنظومة العربية كانت تعبيرا عن دعوات شاملة لتحديث الخطاب السياسي والديني والثقافي في عالمنا العربي.
*ولكن ثمة من يقول، تبعا لمجريات الاحداث الراهنة وتداعياتها، ان الاصلاح ماهو الا منظومة مفروضة بشكل من الاشكال على واقعنا العربي، فكيف نوفق بين ماذكرته اعلاه، وبين ماهو متداول في هذا الخصوص؟
-لا يمكن الحديث عن اية عملية اصلاح او تحديث لمجتمع من المجتمعات بدون تجاوز هذه الثنائيات بين القديم والجديد، والخارجي والداخلي، وغيرها من الشعارات. فالعديد من المؤسسات والاتجاهات الفكرية عملت ونادت بتحديث مجتمعاتنا منذ سنوات عديدة معتبرة ان تحديث أي مجتمع هو مسار معقد تتفاعل فيه عوامل عديدة نابعة من داخل المجتمعات ولكنها تتأثر بعلاقتها بالاخر المتعدد. فعملية التحديث هي دعوة لتجاوز مركزية الانا وانغلاقها وفتح الانا الحضاري على مختلف المؤثرات. فالاخر ليس الخارج فقط انما هو المتعدد في ثقافتنا ومجتمعاتنا ايضا. ولكن ثمة نزعة لحصر اية عملية اصلاح في مركزية منغلقة تجعل من أي انفتاح وكانها عملية خيانة لمجموعة من المقدسات والمطلقات. فالعديد من الاتجاهات اقصت هذا التفكير المتعدد وادت إلى اعتماد مفهوم للهوية يقوم على الانغلاق لذا فان كل مطالبة بالاصلاح تواجه في بلداننا بهذا المفهوم المتشدد للهوية.
*تاكيدا لكلامك، كانت اية دعوة إلى الاصلاح مبنية على حقوق الانسان والديموقراطية تنعت في جانب من نشاط العرب الفكري والسياسي على انها استجابة لدعوات الاخر الغربي، ولكن مانراه الان هو انقسام مشابه انما على مستوى البنية السياسية، فهل هذا انعكاس لنا يمور ويغلي في داخل المجتمع العربي؟
-نحن نمر بفترة غائمة ملامحها تتسم بسقوط مرجعيات متعددة وتحولات دولية كبرى بعجز الكثير منا عن استيعابها. فكاننا في وضعية قد نطلق عليها(رعب الاصلاح)او(فوبيا الاصلاح). فالاصلاح هو تعرية للذات الجماعية. . تعرية تبعث بالمسلمات وتفتح الذات الحضارية على اسئلة عديدة وقاسية. فما تصدره العديد من المنظمات ومراكز البحوث، وما يكتبه بعض المثقفين العرب بجرأة، دليل على ذلك. وتقرير التنمية البشرية لعام 2003فتح العيون امام جراح حضارية مرعبة. . والسؤال المطروح الان هو مدى قدرة مجتمعاتنا على التحديق في هذا العراء وطرح الاسئلة الاساسية.. وفي هذا الصدد هناك نزعتان: نزعة ترغب في الاصلاح والبحث في ادواته، ونزعة اخرى يرعبها هذا العراء فتعود إلى شعارات حول الصفاء والهوية لتداوي هذه الجراح. وما يزيد الامر تعقيدا هو ان اية عملية اصلاح تستوجب تخليا عن المصالح الضيقة سواء اكانت سياسية ام مادية ام ايديولوجية. فهناك ثمن للاصلاح يجب ان يدفع. . فهل ان الاطراف مستعدة لدفع الاثمان وانشاء مسار يقوم على مواثيق للمواطنة تجمع بين مختلف الاطراف التي تتنازل عن جزء من مصالحها من اجل المصلحة الفضلى للانسان العربي؟ الاصلاح هو مسار للحوار بين مجموعة مصالح يضمن تخلي السلطات عن نوازع الهيمنة والاستبداد، ويضمن من الطرف الثاني صيغة للمشاركة تطور المشاركة الشعبية القائمة على اساس الحوار والتضامن. فما نحتاجه هو اصلاح الانماط السلطوية السائدة وبناء مجتمع مدني يقوم على قيم الديموقراطية وحقوق الانسان. فنحن في حركية حضارية تتطلب تجاوزا لثنائيات سطحية من نوع الاصلاح من الخارج ومن الداخل والبحث في ادوات تطور رؤية مختلف الاطراف المعنية بالاصلاح. وهنا تاتي اهمية ايجاد حوار بين السلطات العربية ومختلف اطراف المجتمع المدني حول معنى الاصلاح الذي نريد، يدمج المجتمع بمختلف فئاته في اطار امثل للمشاركة السلمية التي لا تعني زوال السلطات القائمة بل تعني تغيير النظرة إلى مفهوم السلطة.
*هل يعني هذا ان اية عملية تغيير واصلاح لمجتمعنا العربي وان كانت تنبع من اساس واقعنا واشكالياته الخاصه انما تحتاج لتفعيلها لى مبادرة من(الاخر) كي يضعها على مسارها الحضاري الصحيح؟
-لقد قلنا ان اية عملية اصلاح يجب ان تتوجه إلى مختلف الاطراف المعنية بهذا الاصلاح حكومية كانت ام غير حكومية. ويمكن ان اؤكد في هذا المجال ان قراءة متمعنة للوضع الدولي الراهن تؤكد ان مختلف الفاعلين منفتحون اختياراً او اضطراراً على الوضع الدولي. فالحكومات العربية تتحرك في اطار عولمة مهيمنة توزع الادوار وتتحكم في احيان كثيرة في القرار السياسي والاقتصادي وحتى الثقافي وهي جزء من علاقات دولية اصبحت فيها حقوق الانسان والديموقراطية معطي اساسيا. اما منظمات المجتمع المدني فهي جزء من حركية دولية اصبحت فيها المنظمات غير الحكومية ذات تأثير لا يمكن نكرانه في صناعة القرار، كما تربطها شبكات كبيرة تتدخل في مختلف مجالات الحياة. فصياغة القرار الداخلي في أي مجتمع من المجتمعات يتاثر بالمعطى الدولي، لذلك فان عملية الاصلاح لا يمكن ان تتحول إلى مسار بدون ان تستوعب الاطراف المعنية هذا البعد وان تدمجه بحركة نقدية واعية في أي تفكير اصلاحي. هنا نعود مرة اخرى إلى الحديث عن الاخر. فالاخر هو ليس فقط قوى الهيمنة الدولية، بل هو كذلك مسارات خارجية متعددة لمجتمعات مدنية دولية ولمساقات فكرية وثقافية واجتماعية تحمل امكانات التطوير وتؤثر فينا احببنا ذلك ام كرهنا. فهل يمكن ان نتجاهل مثلا حركات النقد المهمة للعولمة وما تقترحه؟وهل يمكن ان نتجاهل كذلك حركات حقوق الانسان الدولية او الابداعات في مختلف مجالات الفكر الانساني، بدعوى تميزنا الحضاري او خوفنا على تاريخ نؤبده في امثلة مطلقة؟
*وهل عند العرب ما يناظر هذه الحركات، فكرية كانت، او اجتماعية؟
-ان نشأة الاتجاهات الفكرية العربية الحديثة (وحركات حقوق الانسان العربية جزء لا يتجزأ منها) كانت نتاج حاجة عربية ملحة لتطوير الثقافة السياسية في مجتمعاتنا، ولكنها كذلك نتاجا لتثاقف مع حركات خارجية نادت بثقافة كونية لحقوق الانسان التي قامت على نقد شامل للاستبداد في مختلف معانيه في مجتمعاتها. فحركة حقوق الانسان قامت على مفهوم للكونية يعتبر ان تطور المجتمعات لا يمكن ان يقوم بدون اعادة تعريف للانسان كحامل لقيم العدالة والمساواة والكرامة بقطع النظر عن جنسه او لونه او لغته. . الخ. . هذا في حد ذاته تثوير للرؤية إلى الإنسان في مفهومه الحديث. ومن هنا نفهم محاولة بعض السلطات ضرب هذا التوجة الكوني والتشكيك فيه لأنه في حقيقة الامر يقوض من دعائم السلطة بمعناها القديم. . السلطة التي تقوم على اسس تضرب المشاركة في صنع القرار وتجهض المساواة والعدالة والحرية. وقد ساهمت حركات حقوق الإنسان الدولية في دعم نشوء منظمات المجتمع المدني العربية وساعدتها على إبلاغ صوتها على المستوى الدولي ودعمتها بشكل كبير. إن القراءة المتمعنة للتطورات الهامة التي وقعت في بعض دول أمريكا اللاتينية والقارة الأفريقية تبرز إن التحول من أنظمة دكتاتورية شمولية إلى مشاريع ديموقراطية، فديموقراطية، قد اعتمد على استيعاب لسلطات هذه البلدان للتحولات الدولية وتأثيرها على سياساتها الداخلية، وعلى استيعابها لتفاعل المجتمعات المدنية لهذه البلدان مع الحركة الدولية لحقوق الإنسان.
*تكلمت عن مساهمة حركات حقوق الإنسان الدولية في دعم نشوء منظمات المجتمع المدني العربية. ماهو هذا الدعم؟ وما كيفيته؟
-تتمثل أهم صيغ الدعم في تبادل التجارب في نشر ثقافة حقوق الإنسان والتعرف على مختلف الأدوات في سبيل دعم قدرات المنظمات في الدفاع عن حقوق الإنسان ونشر ثقافتها وتمكين المشاركة العربية في الآليات الأممية لحقوق الانسان، إضافة إلى حماية ناشطي حقوق الانسان في البلدان العربية الذين يتعرضون في احيان عديدة إلى مضايقات حين أداء مهامهم. كما يتمثل الدعم في توفير موارد مالية للمنظمات غير الحكومية العربية للقيام بأنشطتها.
*تتناقل وسائل الأعلام بين الحين والاخر أحاديث عن التمويل في هذا السياق إلى درجة الإحراج. فهل هناك حقا شروط واملاءات لهذا التمويل الأجنبي؟
-أنا اعتبر إن طرح قضية التمويل الأجنبي هو جزء من هذه الضبابية الشاملة في التعامل مع قضايا التحديث بصفة عامة ودور المنظمات بصفة خاصة. وستكون اجابتي على سؤالك ذات شقين : فالتمويل الاجنبي يتم اتخاذه في معظم الاحيان كذريعة لالصاق مجموعة من التهم بكل العاملين والعاملات في المجال وذلك بتخوينهم واعتبارهم احيانا جزءا من احد الطوابير العميلة. فالمشكلة اولا تنبع من الرؤية لدور هذه المنظمات. فمن بين المبادئ التي يقوم عليه مفهوم المجتمع المدني، مبدأ التضامن، ولا يمكن ان ننكر هنا ان المجتمع المدني أصبح معطى من بين معطيات المعونة من اجل التنمية ومن بين عناصرها الأساسية تمويل مشاريع لدعم التنمية في مختلف المجتمعات، فلماذا نحاول إخفاء حقيقة صارخة هي ان الحكومات، وبشكل ادق، بعض الحكومات العربية منخرطة في هذه الشبكة الكبيرة من التمويلات من اجل التنمية. فلماذا نقصر الهجوم على التمويل الاجنبي فقط عندما يتعلق الامر بمنظمات حقوق الانسان، في حين ان نسبة مهمة من التمويل تخص جامعات ومراكز بحثية ومنظمات تنمية وبيئة ومعوقين وغيرها... لقد قمنا في المعهد العربي لحقوق الإنسان بدراسة حول تمويل منظمات حقوق الإنسان في 16 دولة عربية، وقد أبرزت الدراسة خلافا لما يروج في بعض وسائل الأعلام ان غالبية تلك المنظمات هي منظمات فقيرة ومعدمة تعوزها حتى مهارات الحصول على تمويل أجنبي. وهناك كذلك فكرة تحتاج إلى تنسيب وهي ان الممولين او الإطراف الممولة تفرض شروطها على التمويل في كل الحالات في حين ان معرفتنا بسياسات الممولين تبرز ان الممولين يعتمدون الحوار مع استراتيجيات مستقلة تبلورها المنظمات انطلاقا من قراءتها لوقعها. كما ان العديد من الممولين يفرضون شروطا تمنع مسؤولي لمنظمات من التلاعب بهذه التمويلات، ان كانت هناك رغبة في التلاعب.
*والشق الثاني من أجابتك لو تكرمت، فالموضوع كما ترى على غاية من الأهمية والحساسية؟
-الشق الثاني من الجواب هو قضية الاعتراف بدور المنظمات في مجتمعاتنا. ذلك ان عدم الاعتراف بهذا الدور يمنع المنظمات من الحصول على حقها من التمويل العمومي ومن القيام بحملات لتمويل نشاطاتها داخل بلدانها. ان تمويل المنظمات هو جزء من النظرة إلى (السياسي). فالاعتراف بالحق في المشاركة هو الذي يضمن حصول المنظمات على حقها في دعم مجهودات التنمية في بلدانها. قضية التمويل يجب تنزيلها في دعم الديموقراطية داخل مجتمعاتنا بطريقة تصبح فيها المنظمات جزءا من العملية الديموقراطية تتحصل بموجبه على جزء من الاموال العامة لتعيد توظيفها لدعم مشاريعها من اجل دعم التنمية البشرية الشاملة. كما ان تنزيل قضية التمويل في اطار الاصلاح الديموقراطي سيمكن من طرح موضوع الادارة الجيدة للموارد بما يعنيه من شفافية ومحاسبه ، اذا ان اصلاح الانظمة السياسية يمكن من ايجاد ثقافة للادارة الجيدة للحكم ستنسحب على ادارة المنظمات نفسها بحيث توجه المنح المالية توجيها يخدم المصلحة العامة.
*هل سيتم الاعتراف اخيرا، تبعا لموضوع الاصلاح، بدور منظمات المجتمع المدني العربية.
-لقد طرحت سابقا قضية الاصلاح وقلت انها تتجاهل معطى اساسيا الا وهو دور منظمات المجتمع المدني، مما ساعد على فشل المشاريع التنموية. فكيف يمكن ان نطور المجتمعات وان نحدثها بأمثلة تسلطية تقصي الانسان(الذي هو موضوع التنمية و الإصلاح)من دائرة الفعل السياسي؟ ان الاعتراف بدور المنظمات كقوة نقد واقتراح هو مدخل لتحقيق مجموعة من المبادئ من بينها تقييم اداء السلطة في مختلف مجالات حقوق الانسان وتطوير الاداء السياسي. كما ان عمل منظمات المجتمع المدني سيمكن من تطوير ثقافة تقوم على مبادئ المساواة والحوار وقبول الاختلاف وتنمية مفهوم للمواطنة يعتمد الفكر النقدي المبدع.
*انت تشجعني الان لكي اصوغ سؤالي القادم بالشكل الآتي: فانطلاقا من تجربتك الشخصية كمبدع وكحقوقي، وعبر تجربة المعهد العربي لحقوق الإنسان الفريدة من نوعها في العالم العربي من حيث هو منظمة تربوية تدريبية، هل يمكننا الحديث ألان عن مسار جديد ينتقل بمفاهيم حقوق الإنسان كمواجهة ونضال إلى حقوق الإنسان بوصفها تربية وثقافة؟
-لقد ظلت ثقافة الإنسان ولمدة طويلة مجرد عنصر تابع لنشاط حماية حقوق الإنسان همش في عمل المنظمات غير الحكومية، في حين إن التحليل المتأني لنظرية حقوق الإنسان وتعريفها الحديث يبرز إن هذه الثقافة هي من جوهر تعريف (الحق) واحد شروطه الأساسية إلى جانب الشروط الأخرى المتمثلة في المؤسسات والتشريعات والمراقبة والحساب.. فلا يمكن لحقوق الإنسان ان تنهض بدون وعي فردي وجماعي بها، يحول الحقوق إلى منظومة قيم تصان وتحمى بواسطة العوامل السابقة الذكر. ولقد اكد الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبقية المواثيق الدولية على ان الثقافة والتربية يجب ان تهدف إلى بناء كيان للبشر على مبادئ الحرية والاختلاف والنقد والابداع الحر. فثقافة حقوق الانسان هي التي تساعد على تطوير العلاقات داخل المجتمع لتقوم على بناء مواثيق لـ(المواطنة) تحل النزاعات والصراعات حلا سلميا ، وتضمن توزيع الادوار على اساس المواطنة والمشاركة بدل العنف والاقصاء وتدمير الاخرين ونفي ذواتهم . وبذلك تصبح حقوق الانسان مجال (ابداع) لوضعيات انسانية تقوم على المشترك الانساني واداة تفعيل لهذا المشترك. هذا المفهوم يجعل من حقوق الانسان مطلبا تتحد فيه منهجية حماية الانسان من انتهاكات حقوقه، والتوعية بهذه الحقوق. ان اعطاء ثقافة حقوق الانسان موقعا مركزيا في استراتيجيات الاصلاح المجتمعي تعني تحريك فاعلين اجتماعيين عديدين يجمع بينهم افق مبادئ اساسية تقوم عليها حقوق الانسان وهي كما قلنا العدالة والحرية والمساواة والكرامة. . الخ ويمكن ان نذكر من بين اهم هؤلاء الفاعلين : المؤسسات التعليمية والاعلام وصناع الثقافة ومبدعو الفنون والاداب والمنظمات غير الحكومية اضافة إلى المؤسسات الرسمية المعنية.
*اذن نحن في العالم العربي في حاجة ماسة كما هو واضح من كلامك إلى منظومات وطنية متكاملة تسعى إلى نشر ثقافة حقوق الإنسان، أليس كذلك؟
-نعم بكل تاكيد. وهو الامر الذي يعمل المعهد العربي لحقوق الانسان على ما انجازة بالتعاون مع شركاء عديدين. فمنذ تاسيس المعهد عام 1989 وهو يسعى إلى بناء ثقافة حقوقية تعتمد مرجعية كونية عالمية بمعنى انبنائها على انجز دوليا في مجال حقوق الانسان وساهمت في وضعه حضارات ومدنيات عديدة. وقد عمل المعهد من خلال ادماج حقوق الانسان في مناهج التعليم وفي المواد الاعلامية وتطوير قدرات العاملين في المنظمات غير الحكومية وكذلك في المؤسسات الرسمية والعاملين في مجال انفاذ القوانين، عمل على صياغة ثقافة (نقدية) مفتوحة على امكانات المواطنة، وهي ثقافة ابداع تخرج عن المطلقات والتجمد والانغلاق والموت.
*بناء على ما سبق الحديث فيه، هل يصح القول عن (استقالة) المثقف العربي في الظرف الراهن؟ وهل لذلك اية علاقة بالمنظومة الفكرية لحقوق الانسان؟
-ثقافة حقوق الانسان بهذا المعنى المقترح، قد تعيد تاسيس مفهوم المثقف العربي بوصفه ناقدا للانساق المغلقة و البنى المهيمنة، وبوصفه مساهما في بناء فكر متحرر يبعد المثقف عن احتوائه من طرف سلطات السياسة والايديولوجيا والمال. . فما نلاحظة اليوم هو ذلك النزوع إلى اغراق المثقف العربي في خدمة الاستهلاك المعمم او خدمة السلطات، واللهاث وراء مؤسسات الجوائز. . بل نلاحظ اكثر من هذا ان المثقف في اغلب الاحيان، اصبح اداة تبرير لكل مايتعارض مع حقوق الانسان والديموقراطية وذلك بتبرير العنف و الانغلاق. . فثقافة حقوق الانسان هي محاولة لابراز رؤية مختلفة تضع المثقف في تجربة الوجود بما هي نقد وابداع ، وهي معان يقوم عليها جوهر حقوق الانسان. انه لمن المؤلم حقا ان نرى اليوم مثقفين ينبرون للدفاع عن انتهاكات حقوق الانسان ويواجهون قيم الكونية (بما هي اشتراك في التجربة الانسانية) بقيم ضيقة تزيد في التباس امورنا ومقاربتنا للقضايا الراهنة. فسؤال حقوق الانسان مطروح اليوم بشدة على المثقف العربي كسؤال وجودنا، ومن المهم ان يدمج هذا السؤال في سؤال الإبداع الاساسي الذي يطرح في وجه الشاعر والرسام والروائي والفنان. والباحث. . . . الخ. ان الدفاع عن حقوق الانسان ونشر ثقافتها بالنسبة الى المثقف العربي اليوم هو في حقيقة الامر دفاع عن شرط الابداع بوصفة حرية مطلقة.
*مرة اخرى دعنى اسالك : هل انت متفائل؟
-الافق الان مفتوح على كل الاحتمالات. ولكن من الاهمية بمكان ان نؤكد ان كل رغبة في الاصلاح لا يمكن لها تجاهل مجموعة مبادئ لعل من اهمها قضايا المساواة بين الجنسين والاعتراف بالمتعدد في مجتمعاتنا مثل الاقليات واللاجئين و (البدون) وحرية الرأي والتعبير ودور المنظمات غير الحكومية.
#حكمت_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إِفْرِضْ مَثَلاً
-
تأملات في الديمقراطية وحقوق الإنسان
-
القسم الثاني والأخير من الصلة بين الشعر والسحر 2-2
-
الصلة بين الشعر والسحر 1-2
-
حكمت الحاج.........ما معنى أن أكون موجودا، ولماذا علي أن أمو
...
-
قراءة في أصل التفاوت بين الناس ل جان جاك روسو منقولا الى الع
...
-
د. رجاء بن سلامة: الحجاب مهما تجدّد شكله واستعماله يتناقض مع
...
-
قراءة فلسفية في مجموعة شعرية/ بقلم الناقد التونسي الزاهي بلع
...
-
النِّسْرُ وَالصَّيَاْدُ
-
حجر الجنون للشاعر فرناندو ارابال
-
الفيلسوف التونسي د. فتحي التريكي في حوار مع حكمت الحاج حول ا
...
-
ذلكَ -الْجَازْمَانْ- المُذْهل المُتَحَكّم في الصمتْ
-
نصّ مدهش عائد إلى لغته الأمّ : قصيدة نثر طويلة عن بستانيّ ال
...
-
لا تَتَبَاهَ يَا موتُ بنفْسِكَ
-
سائلي عن العراق نحن عراقات كثيرة
-
نقش على ضريح الطاغية
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|