|
محادثات لتجديد الفشل كل أسبوعين!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1889 - 2007 / 4 / 18 - 12:44
المحور:
القضية الفلسطينية
اللقاء بين الوفدين الفلسطيني، برئاسة عباس، والإسرائيلي، برئاسة اولمرت، في القدس الغربية، إنَّما هو الأوَّل في "سلسلة لقاءات" دورية نصف شهرية، اقترحتها رايس الشهر المنصرم، وقَبِلَها الطرفان؛ واللقاء الدوري الثاني قد يُعْقَد في "أرض فلسطينية"، ليست "القدس الشرقية"، وإنَّما أريحا، فإذا عُقِد هنا فإنَّ إسرائيل تكون قد تخلَّت عن اعتراضها المبدئي، غير المُعْلَن، على التباحث مع الفلسطينيين في أرضهم. رايس، والتي تكره، كما إدارة الرئيس بوش على وجه العموم، "الجداول الزمنية (المصطنعة)"، حدَّدَت متى تبدأ سلسلة اللقاءات؛ ولكنَّها أحجمت عن تحديد متى تنتهي، أو متى يمكن أن تنتهي، أو كيف يمكن أن تنتهي. وهذا كله قد يفيد في منع منتقدي ومعارضي اللقاء الأول، وما سيعقبه من لقاءات، من الإدلاء بتقويم سلبي، فالنتائج "الحقيقية" لن تَظْهَر إلا في نهاية السلسلة، التي لا نعرف، ولا حتى اولمرت وعباس يعرفان، متى تنتهي.
اللقاء الأول، وعلى أهميته في أمور لا أعتقد بأهميتها، لم ينتهِ إلى نتائج "مُعْلَنَة" يمكن أن تدعو إلى شيء من التفاؤل الواقعي؛ ولكن استأثر باهتمامي "اللقاء المُغْلَق" بين اولمرت وعباس، والذي استغرق ساعة، ولم يتحدَّث كلاهما عن نتائجه، أو عن المحادثات التي دارت فيه. هذا اللقاء إنَّما يوحي إلى كثيرين بأنَّ لدى الرجلين ما يُبرِّر هذا اللقاء، وما يرغبان في إخفائه حتى على أعضاء وفديهما؛ ولكن هذه هي طريقة المحادثات.. طريقة الأبواب المغلقة، والبُعْد عن عيون وآذان وسائل الإعلام، التي تفضِّلها، وتدعو إليها الولايات المتحدة في استمرار.
القائلون بأهمية وضرورة وإيجابية هذه اللقاءات نصف الشهرية سَيَرون، وسيدعوننا إلى أن نرى معهم، أنَّ إسرائيل، وعلى الرغم من رفضها أن تبحث الآن مع الفلسطينيين في قضايا اللاجئين، وحدود الدولة الفلسطينية المقبلة، والقدس الشرقية، قد قَبِلَت البحث في "الأفق السياسي"، وهي التي أصرَّت منذ اتفاق طابا 2001 على جعل القضايا الأمنية، وقضايا حياة الفلسطينيين اليومية، هي الموضوع الوحيد للمحادثات بين الطرفين. هذه المرَّة، بحثت إسرائيل مع الفلسطينيين في بعض من قضايا "الأفق السياسي"، كمثل "شكل" و"مفهوم" الدولة الفلسطينية المقبلة، وعلاقتها بجيرانها. وقد شرح عباس لاولمرت أبعاد ما قرَّرته قمة الرياض في شأن "مبادرة السلام العربية"، وكيف أنَّ هذه المبادرة لا تتعارض مع "رؤية الرئيس بوش"، في شأن "حل الدولتين"، و"خريطة الطريق". وأحسب أنَّ الوفد الفلسطيني حاول إقناع الوفد الإسرائيلي بأنَّ العبارة الأهم في "المبادرة العربية"، في شأن قضية اللاجئين الفلسطينيين، ليست عبارة "قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الرقم 194"، وإنَّما عبارة "الحل العادل المتَّفَق عليه".
محادثات "الأفق السياسي"، وما يوازيها من محادثات في شأن القضايا الأمنية وقضايا الحياة اليومية للفلسطينيين، يُراد لها، أي تريد رايس لها، أن تستمر بلا "جدول زمني (مصطنع)"، وإلى أن يتوصَّل الطرفان إلى "اتِّفاق" يسمح لهما (ولأطراف آخرين) بالانتقال إلى بحث قضايا الحل النهائي؛ ولكن السؤال الذي لم تُجِبْنا عنه رايس هو "هل يمكن التوصُّل إلى اتفاق على قضايا من قبيل شكل ومفهوم الدولة، وعلاقتها بجيرانها، قبل التوافق على الحل الدائم، شكلا ومحتوى؟".
نَعْلَم أنَّ "الاتفاق"، أي اتفاق، بين خصمين سياسيين لا يمكنه، مهما كان شاملا وجوهريا، أن يَسْتَنْفِد كل الخلاف بينهما، فبعض من الخلاف (والنزاع والصراع) يجب أن يبقى حتى يبقى الاتفاق ذاته، أو حتى يصبح التوصُّل إليه أمرا ممكنا. على أنَّ هذا لا يعني، ولا يمكنه أن يعني، أنَّ الاتفاق على شكل ومفهوم الدولة، وعلى علاقتها بجيرانها، يمكن أن يتحقق قبل أن يستوفي شرطه الأولي وهو الاتفاق على شكل ومحتوى الحل النهائي لمشكلات اللاجئين، والقدس، وحدود الدولة، والمستوطنات، والمياه.
ويكفي أن يتفق الطرفان، إرضاءً لرايس، على محادثات "الأفق السياسي"، بمعناها هذا، وبأسلوبها هذا، حتى يتأكَّد ويتضح أنَّ الهدف لا يتعدى إجراء محادثات يتلهى فيها الطرفان (أو الأطراف) عن القضايا الحقيقية بقضايا لا لون لها، ولا طعم، ولا رائحة، إنْ أفاد البحث فيها في شيء فإنَّما يفيد في جَعْل اللقاءات الدورية نصف الشهرية لقاءات من أجل تجديد، وإعادة إنتاج، الفشل ذاته كل أسبوعين. وقد يفيد أيضا إدارة الرئيس بوش في سعيها (الذي له أسباب داخلية في المقام الأول) إلى إظهار عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، أو بين العرب وإسرائيل، على أنَّها تمضي قُدُما، وتسير في الطريق القويم.
ليس من أفق سياسي لكل تلك السلسلة (التي رأيْنا أولى حلقاتها) من لقاءات ومحادثات "الأفق السياسي"؛ ولا أحسب أنَّ الأضرار التي يمكن أن تصيب الفلسطينيين إذا ما أوقفوها وتوقَّفوا عناه يمكن أن تفوق الأضرار التي ستلحق بهم إذا ما استمروا فيها.
وأحسب، أيضا، أنَّ لجنة متابعة تنفيذ مبادرة السلام العربية والتي ستجتمع على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة يمكنها أن تسدي خدمة جليلة إلى الجهود والمساعي المبذولة لـ "تفعيل" تلك المبادرة إذا ما دعت الفلسطينيين إلى التوقُّف عن محادثات "الأفق السياسي (المسدود)".
وهذا الموقف يجب أن يأتي في سياق تعديل التصوُّر الاستراتيجي ـ التكتيكي الذي شرحه وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إذ قال إنَّ هذه اللجنة (وما شابهها من لجان ومجموعات عمل عربية) غير مكلَّفة بالتفاوض مع إسرائيل، وليس من حقها التفاوض مع إسرائيل؛ لأنَّ التفاوض هو شأن يخص كل طرف له مشكلة مع إسرائيل، ملمِّحاً، في الوقت نفسه، إلى احتمال أن تتحدَّث مجموعة عمل عربية (من الدول التي لها علاقة دبلوماسية مع الدولة اليهودية) إلى إسرائيل، على أن يتم هذا التحدُّث في طريقة لا يُفْهَم منها أنَّ الدول العربية قد لبَّت شرط أو مطلب إسرائيل وهو "التطبيع أولاً".
"تفعيل" مبادرة السلام العربية إنَّما يحتاج أوَّلا إلى موقف عربي تدعو فيه الدول العربية الفلسطينيين إلى التوقُّف عن كل محادثات سياسية مع إسرائيل قبل تلبية الدولة اليهودية لشرطين أوليين هما: أن تقف حكومة اولمرت من مبادرة السلام العربية (بعد شرحها وتوضيحها دوليا) موقفا يسمح باتِّخاذها مَدْخلا إلى تفاوض سياسي بين العرب وإسرائيل، وأن توافق تلك الحكومة، بعد ذلك، وفي سياق ذلك، على أن تكون قضايا الحل النهائي هي موضع التفاوض السياسي مع الفلسطينيين.
والأهم من ذلك أن يوضِّح العرب لإسرائيل أنَّ تجاوبها هذا يمكن، ويجب، أن يفضي إلى السلام الشامل (الذي يستوفي الشروط العربية للتطبيع) بينما يمكن أن يفضي عدم تجاوبها إلى تعريض ما أُنْجِز حتى الآن من سلام (وتطبيع) معها إلى الخطر.
عدا ذلك، لن نرى من التفاوض السياسي إلا ما يشبه لجهة نتائجه وأهدافه ودوافعه اللقاء الدوري الأول بين عباس واولمرت، ولن يعطي اولمرت للسلام إلا ما أعطاه له في قوله، عشية بدء أعمال قمة الرياض، "إذا التقوني (أي إذا التقاء الزعماء العرب) فسوف أسمعهم ما يُدْهشهم (لجهة مرونته واعتداله واستعداده للتنازل)"؛ ثمُّ في قوله، قبيل اللقاء الأول مع عباس، "إذا التقوني فسوف أسمع منهم ما يمكنهم قوله في شأن مبادرتهم"!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الناخِب الجيِّد-.. هذا هو!
-
متى يصبح العرب أهلاً للسلام؟!
-
-ثقافة الموت- التي يجب تغييرها!
-
-استضافة- في كردستان أم -استيعاب- في غزة؟!
-
جرائد يومية أم أوراق يانصيب؟!
-
-مبادرة- البرزاني!
-
-زلزال- فجر الجمعة المقبل؟!
-
-عمرو خالد-.. إلى متى؟!
-
لماذا -تطرَّف- العرب في قمة الرياض؟!
-
لِتُعْلِن إسرائيل -مبادرتها-!
-
عندما يُسْتفتى الشعب!
-
-قمة التضامن العربي-.. مع بوش!
-
لا تعديل ل -المبادرة- ولكن..!
-
-القانون- لا يميت الأحزاب وإنَّما يدفنها!
-
حيتان على مائدة عشاء!
-
جمهورية -العائلة المقدَّسة-!
-
-مبادئ الرباعية- في -البيان الوزاري-
-
من أجل هذا النمط من -الجماعية-!
-
قطار سلامٍ سكَّته -التطبيع-!
-
الظواهري.. لسان يبحث عن آذان!
المزيد.....
-
هوت من السماء وانفجرت.. كاميرا مراقبة ترصد لحظة تحطم طائرة ش
...
-
القوات الروسية تعتقل جنديا بريطانيا سابقا أثناء قتاله لصالح
...
-
للمحافظة على سلامة التلامذة والهيئات التعليمية.. لبنان يعلق
...
-
لبنان ـ تجدد الغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت
...
-
مسؤول طبي: مستشفى -كمال عدوان- في غزة محاصر منذ 40 يوما وننا
...
-
رحالة روسي شهير يستعد لرحلة بحثية جديدة إلى الأنتاركتيكا
-
الإمارات تكشف هوية وصور قتلة الحاخام الإسرائيلي كوغان وتؤكد
...
-
بيسكوف تعليقا على القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان: نطالب بوقف ق
...
-
فيديو مأسوي لطفل في مصر يثير ضجة واسعة
-
العثور على جثة حاخام إسرائيلي بالإمارات
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|