|
(4) رسائل حب خليجية
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 1888 - 2007 / 4 / 17 - 10:43
المحور:
الادب والفن
يومياتي 7/5 ولد عارياً . عاش عاريا . لم يكن يملك غير دمه . انه مملوك . انه عبد لا يحمل أي معنى من معاني الحياة غير ذكريات الخدمة القسرية في منزل السيد المالك .كل شيء في عينيه اسود في ذلك المنزل . ليس في النهار بقية . لا أمل , بل لا يوجد أي بصيص للأمل . عبد يحتضر في حياته . مخنوق من قلبه . أنفاسه متقمطة . لا يستطيع ان ينشر من لسانه شيئا . قيل له : ــ كان يا ما كان ، تحت النجوم ، في الليل الأخير أثناء هدوء الأمواج في البحر يمكنك ان تصعد إلى ظهر الباخرة البريطانية " ركبي " . لا تنطق شيئاً أمام الواقف في باب الدخول إلى الباخرة غير كلمة واحدة هي ( حجارة ) . هذه الكلمة وحدها هي المنقذ وهي جواز السفر عبر البحار كي تصل إلى عالم ليس فيه عبد يشترى أو يباع وليس فيه مثل هذه الأوجاع . نالت الكلمة معناها الواسع عند سبعة أشخاص غارقين في عبودية القديم . صعد العبد الأول بلمسة شديدة من الحذر . صعد الثاني بعينين غير واثقتين . صعد الباقون وهم يلتمسون حساسية السيوف . وأخيراً صعد السابع بوجه ورقي حزين . أرادوا أن يطردوا الوسن من محاجرهم وهم ينزوون في طرف غير مضيء من أطراف الباخرة . يسكبون أهات مالحة وهم يرحلون عن أرض عاشوا فيها مثل آبائهم بزمن معتم . تركوا بيوتهم ، ثم تركوا بيوت أسيادهم بعد ان اجتاحتهم أحلام جديدة تتحقق لهم في الغرب وفي بريطانيا تحديداً قد تبرد جراح حياتهم الذليلة. أبحرت الباخرة لمدة ليلة واحدة ، ثم ليلة أخرى . كان العبيد السبعة ينامون فيها ويحلمون . يأكلون ويشربون ويؤمنون ويخمنون وقليلا ما يضحكون ويتسامرون همسا ً لكنهم مع ذلك ظلوا يتعثرون . ثم وقعوا في فخ القدر حين ابلغ قبطان الباخرة عن وجودهم . فتشت السفينة وفق ترتيبات خاصة وضع خططها الرائد كلايتون قائد سفينة صاحبة الجلالة " رأيفل مان " . معروف عن هذا الرائد قدرته الفائقة على تطبيق خططه بدقة وسرعة فوقع العبيد السبعة في القبضة فانزلوا من الباخرة التجارية " ركبي " وتسلمهم القائم بأعمال المقيم السياسي . هؤلاء العبيد السبعة كانوا ضحية الذي اشتراهم . لا أحد يدري حقيقة الأقاويل والإشاعة . كذلك لا أحد يعرف من هو البائع ومن هو المشتري . الكل كتموا المغامرة سواء من العاملين على ظهر الباخرة التجارية " ركبي " أو العاملين على ظهر السفينة العسكرية " رأيفل مان " .. سر ملكية هؤلاء السبعة صار مثل عصفور حلق بين عالم السفينة وأمواج المياه . لم يبدو أي واحد من المسئولين غاضبا كما لم يسمع احد تهديدا للعبيد السبعة . لكن الرائد كلايتون بدا أمام الجميع بمنطق من يريد حماية أنظمة السفر من دون التجاوز عليها . كل المسافرين استمتعوا بمشهد التفتيش . الأجانب كانت وجوههم قد توهجت . أكثرهم يسمع ، أول مرة ، عن تجارة الرقيق . مارسوا كل أنواع تجارة التوابل والسجاد والبقول والحبوب والمشروبات إلا هذا الصنف . قال أحدهم أن هذا النوع من التجارة يحتاج إلى اكبر قدر من الشجاعة التي يجب أن تتسم بقدر عال من التواضع أيضا . أما العرب الذين كانوا على الباخرة ، سواء من المسافرين أو الخدم ، فقد ومض في عيونهم وميض مباغت . نظروا إلى العبيد السبعة وهم ينزلون من الباخرة نظرة مباغتة حزينة . أعاروا اهتماما كبيرا للحزن الذي طغى على وجوه العبيد . قال رجل آخر : ــ لا داعي للفزع بشأنهم . سيعيشون عبيدا أيضا ولكن بمكان آخر . العبيد مثل الضياء لا يمكن الاستغناء عنهم في كل مجتمع وفي كل عصر . بدأت الشائعات تتولى من رصيف الميناء إلى سطح الباخرة وغرفها أيضا . البريطانيون سيأخذونهم بلا ثمن . يا لها من فرصة ثمينة حصل عليها هؤلاء العبيد ..! خيّل للجميع ان تاريخهم يستحق تسجيله بعد اليوم . سوف يرون المتعة في لندن أية في غيرها من المدن البريطانية فبمقدورهم في بريطانيا الحرة ان يعيشوا بقية حياتهم أحرارا . بدأ الخدم وغير الخدم يتحدثون بعين الحسد عن احتمالات مستقبل العبيد . قيل ، في ما بعد ، ان العبيد مثلوا أمام الرائد مايلز قنصل بريطانيا الذي كان مسئولا عن قضايا المحاكم والدعاوى التي تقام في الخليج وفي شرق أفريقيا كلها . بعد عدة جلسات عقدها القنصل لمحاكمة العبيد السبعة ، دون وجود محام ٍ أية محلفين أية شهود ، اتضح ان العبيد السبعة كانوا يريدون ، بمعية سيدهم المجهول ، السفر على خارج منطقة الخليج . اكتشف ( القاضي – القنصل ) عقب عدة جلسات محاكمة انه لا يوجد نص في أي قانون من قوانين الإمبراطورية البريطانية يمكن الاعتماد عليه في إصدار الحكم . فقد وقعت جريمة التهريب في مياه وبحار بعيدة عن مياه وبحار الإمبراطورية . ليس بوسعه أن يصدر حكما يكون عادلا . المدعي لا يحمل جنسية بريطانية ولا المدعى عليهم . المخبر غير معروف الجنسية . التهمة لا تمس ولا تتعلق بأمن المملكة ولا بأموال المواطنين البريطانيين . المسالة في غاية الصعوبة أمام القنصل – القاضي . قضى أيام المحاكمات يقلب الأوراق والقوانين لكنه لم يتوصل إلا إلى القرار الذي نص على مصادرة الرقيق باسم صاحبة الجلالة . لم يكن القرار سوى افتراضا قانونيا لم يكن فيه أي موقف يتعلق بالحرية التي ننادي بها نحن أبناء وبنات بريطانيا العظمى بل قال أمام احد اصدقائه انه وجد نفسه كمن يخوض في مستنقع يبحث عن خنفساء سوداء يركب على ظهرها للتخلص من هذه القضية . لا أدري هل يتمكن التاريخ في المستقبل ان يقول كلمته الصريحة الصحيحة عن هذا القرار إن كان عادلا أم لا . هل أراد القاضي أن يهرب من جهده ليصوغ قرارا بديلا عن الحرية ..؟ لا ادري .. الشيء الوحيد الذي أحسست به هو الألم . بل تمزقت من الألم فإذا كانت الحرية قائمة في وطننا فلماذا لا نقيمها خارجه أيضا ..؟ ليس لي قدرة على التفكير المتزن لأقول رأيي في هذه المسألة . مشاعر العبيد أنفسهم ظلت متلاطمة طيلة أيام المحاكمة وبعدها . لم يستطيعوا أن يعرفوا مستقبلهم وفقا لقرار القنصل . كانوا يعتقدون أن رقابهم في خطر لكن القرار جعلهم يتعاطفون مع أنفسهم بأمل بقاءهم على قيد الحياة ، وربما لا سجون تنتظرهم ..لكن ماذا بعد ..؟ انتهى الخطر الآن . أما عواطف الناس الذين تابعوا المحاكمات فقد كانت مضطربة . بيد ان موعد صدور القرار أشعل شمعة الفرح في عيون بعضهم من طيبي القلب . الآخرون انصرفوا إلى أعمالهم مولعين بالاستهزاء من كل ما تعلق بالقضية والقاضي . علمت أن رسالة – من مجهول – أرسلت إلى الخارجية البريطانية تحدثت بحماسة وحرارة عن أخطاء كبرى ارتكبها القنصل – القاضي . قالت رسالة المجهول أن الإخفاق التام كان من نصيب القاضي . فهو لا يملك ، بموجب القانون ، الصلاحيات ولا الإجراءات التي اتخذها . ثم طلبت رسالة المجهول إحالة القضية إلى الحكومة البريطانية . كان الوزير البريطاني قد تابع بنفسه أوراق القضية بعد ان أثارت رسالة المجهول الموجهة إلى وزارته الكثير من الشكوك والهواجس . طلب بعدها تقديم الموضوع برمته إلى وزارة العدل والقضاء الملكي البريطاني . سررت حقا لموقف فالون وأنا أتخيله يخوض مباشرة غمار معاناة العبيد وغموض القرار الصادر بحقهم . اشعر انه طاف ويطوف في أنحاء الوزارة كلها لبحث آثار هذه القضية التي امتزجت بقرار القاضي وبقسوة كلام وواقعية صاحب الرسالة المجهول الهوية والجنسية . بحكم علاقته بالخارجية دهش فالون خلال اطلاعه على أوراق القضية كما توقعت ُ . امتلأ قلبه شفقة على العبيد الذين لا يعرف احد عن مصيرهم إذ لا توجد أية إشارة إلى هذه النقطة رغم أنني اعتقد أن إشارات أخرى واضحة يتمكن بواسطتها فالون أن يخمن ان العبيد السبعة هم في عهدة القنصل حتما . من يدري بماذا سيفكر فالون ..؟ ربما سيفكر بإرسال رسالة مستعجلة إليّ ليوقظ في قلبي رغبات قديمة في امتلاك عبد من العبيد السبعة يقوم بحمايتي وحراستي وخدمتي . ربما يتذكر أيضا بعض أيام السنوات الماضية وأحاديثنا المتكررة في ظلال حديقة البيت على مقعد مشترك منعزل كنت فيها مستسلمة لأحلام حافلة بالرؤى الارستقراطية وبقصر كبير مليء بالخدم والحراس . كنت أضع راسي على كتفه فاشعر بالراحة بينما يده تداعب يدي فاشعر براحة اكبر . آه ما أحلى تلك الساعات التي افتقدها الآن ففيها كنا نتبادل كلمات الحب رغم أنني كنت اشعر وكأني سجينة بين يديه إذ كلما أحسُ بارتعاش ٍ في جسده يندفع حالا إلى إرادته في خلع ملابسي كلها باحثا عن شيء ما في كل أنحاء جسدي يتلمسني ويفحصني بعينيه المذهولتين ثم يلملم ساقيه على ساقي أحس بهما مرتعدتين ثم يتألق برغبة جنسية عارمة . آه كم اشتاق لتلك الساعات الممتعة الجميلة يا فالون . ان ساعاتي الحالية تفتقد الخصوصية .. إنها من دون شك ساعات وأيام وشهور العقم الجنسي .. إنني ألجم جسدي في كل لحظة فوقتي كله ومشاعري كلها متضامنة مع عمل الخارجية البريطانية ليكون مشهدها عاليا في منطقة الخليج كلها لتبرهن أن القانون الحر يعلو رؤوس الجميع وليس رأس المال فوق الجميع كما يعتقد الكثير من الناس هنا . حكم رجال القضاء الملكيون في هذه القضية بصورة مختلفة عن اغلب التوقعات مما احدث شيئا من الحرج والارتباك للقنصل بعد أن أثار قرار لندن جدلا كثيرا في الصحافة وفي مجال العلاقات الدبلوماسية وفي ساحات القضاء . حكم رجال القضاء الملكيون بان الاستيلاء على الرقيق على ظهر سفينة بريطانية غير حكومية راسية في ميناء أجنبي لم يكن له أدنى مبرر ، خاصة وان سلطات البلد التي يتبع لها الميناء لا تعلم بالموضوع ولم تبلغ بتفاصيله ولم تشارك بالمحاكمة ولم تتابع سيرها داخل القنصلية مما قد يخلق لها أسبابا عديدة للاحتجاج على سياسة الإمبراطورية ويتهم قنصلها بالتجاوز على الحقوق القضائية للسلطة المحلية . أكدت لندن أن القنصل كان عرضة للانتقاد الشديد لأنه لم يرسل الرقيق إلى لندن لمحاكمتهم في دائرة اختصاص باعتبارهم كانوا على ظهر سفينة بريطانية ، واعتبرت ذلك خطا كبيرا لا فرار من اتخاذ موقف تجاهه من قبل وزارة الخارجية . ظلت حتى الآن إرادة الحكومة البريطانية لا تميل إلى إطلاق سراح هؤلاء العبيد ولا تريد إبقاءهم من دون ان يحصلوا على حريتهم كأناس أحرار فعلا . كريستين ـــــــــــــــــــ ( يتبع )
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
( 2 ) رواية-رسائل حب خليجية
-
( 3) روابة - سائل حب خليجية
-
1303إلى الشاعرة العراقية وئام ملا سلمان .. جواب رقم (1) ..!م
...
-
(1) رسائل حب خليجية
-
شكسبير يحلم أن يكون عضوا في البرلمان العراقي ..!!مسامير 1302
-
1301لا ثقافة في وزارة الثقافة .. !!مسامير
-
1300طشطشوا الماء تحت قدمي الكويتية نورية الصبيح ..!! مسامير
-
1299مسامير جاسم المطير
-
1298مغص وزارة الثقافة يسبب صداعا حتى للأطفال.... مسامير
-
1297جاسم المطير
-
1295جاسم المطير
-
1294جاسم المطير مسامير
-
1293مسامير جاسم المطير
-
1292مسامير جاسم المطير
-
1291مسامير جاسم المطير
-
1290عار البصرة يتجلى في معمل الورق..! مسامير
-
1288 الكوكايين في سجن بادوش وليس في ملعب ماروش....مسامير ..!
-
1286مسامير جاسم المطير
-
1285مسامير جاسم المطير
-
1283 كثير من الناس يستخدمون كل أعضاء جسمهم إلا العقل .. !!م
...
المزيد.....
-
خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع
...
-
كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
-
Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي
...
-
واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با
...
-
“بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا
...
-
المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
-
رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل
...
-
-هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ
...
-
-جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
-
-هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|