قصة: مهاباد قرةداغي
ترجمة : ميديا رؤوف بيكه رد
من الأفضل ألا أضيع هذه الفرصة من يدي ، عليّ أن أفكر وأقرر قبل أن يستيقظا. الصراع الذي بينهما يزعجني. لا أعرف لمَ طوال اليوم لا يركنان، لمَ يجعلان ذاتي المتعبة ساحة قتالهما، غالبا ما يجبرانني على أن أهاجر تاركاً لهما جسدي ، أنا اذهب وهم باقيان، أبحث عن مكان يريحني قليلا، ولكن أنى ذهبت نقلا صراعهما وحولاها جحيماً عليّ، وما علي سوى أن أعود إلى منفى جسدي أتصالح معهما. نحن الثلاثة نسكن هذا الجسد، للآن لم اقل أو افعل ما يمليه علي قلبي. لم أكن سوى طالب مطيع لأفعال يأمرانني بها . قلت (طالب مطيع) لأني خجلت أن أقول عبدا مطيعا. هذا الخجل يقتلني. لست خجولا، هو الذي يقول لي أخجل ، نعم ، الطويل القامة، يقول لي كن مؤدبا . رغم أني في داخلي أكره قوانينه ، ولكنني مجبر على أن اسمعها أنفذها ، لان أغلب الناس يحترمونني لخجلي . يقول لي لا تتحدث مع النساء ، لا قُبَل ، رغم أن قوة غامضة تشدني نحوهن و أحبذ أن أكون معهن دائما ، ولكنني كلما اقترب من امرأة أتذكر كلامه وأخجل ،أتراجع .
الآخر ـ معاندة لطويل القامة وكرهاً له ـ يشجعني أن أفعل ما أرغب به، ولا أبالي بكلام الناس. ذلك
القصير القامة يقول لي إلى متى تدفن رغباتك , كن حراً , ولدت حرا وعليك أن تعيش حياتك حرا.
وأنا أتوسطهما صامتاً ولا أنبس بحرف، لكي يحبني ويحترمني الناس ،أنحني للطويل القامة
وأسكت ، ولكنني أكره صمتي هذا ، أعلم أن هذا الشخص الصامت ليس أنا بل غيري ويحتل جسدي.
محرم على صاحب البيت بيته ، جسدي وهو جالس فيه، ولكن كيف إبرهن أن هذا جسدي وليس
جسد من فيه ، لأفكر قليلا ، ما هو برهاني على أن هذا جسدي ؟! ماذا تقولون لو أوقظهما ليشهدا
معي ؟! لا ، لو فعلت سيتشابكان فيما بينهما ويغيرا الموضوع ويجعلاني أنسى ، الأفضل لي أن أفكر وحدي وأبحث عن دليل آخر لأبرهن لكم بأن هذا جسدي وليس جسد من احتله دون حياء .
لا ، ليست لدي ملكيته ، ولكنني صاحبه ، لأني لا أتذكر أن أحدا اشتراه مني ، انه لي واكثر من هذا ، قبل أن أصبح نطفة ، كنت زوج كروموسوم ، كنت اعلم بما حدث بين أمي وأبي .
أبي ، أو بالأحرى جسد الشخص الذي كان داخل أبي أمر بهذا النوم . أي نوم؟ ، أبي كان يجبر أمي ليقوم بسرعة بما أمر به من قبل الجسد الذي يركنه . أمي ، أو بالأحرى تلك المرأة التي تركن جسدها أمرتها أن تكون مطيعة وأن لا تعارض رغبة أبي ..
اتحد جسداهما ، وكما التقيا وتحاضنا ، هكذا كروموسوم ( x ) احتضن (y) وكونا
النطفة ، هذه النطفة كنت أنا ، عندما ولدت سمعت هلاهل المولدة ، كان صوتها نشازا ، بشرت أمي وأبي بذكوريتي . بكيت ، بكيت كثيرا ، بكائي ليس لانفصالي عن أمي ، كنت اعلم بأنني يجب أن أتعرف على عالم أوسع من رحم أمي و أنشأ فيه ، ولم يكن بكائي من أجل قص حبل سرتي بشفرة ميتة وإعطائها لامي داخل منديل وقولهم لها أن اقذفيها في غرفة دكتور ليصبح ابنكِ دكتورا.
كان بكائي لأنهم طردوني ووضعوا جسداً ذكورياً بدلا مني . جدتي عندما كانت تقول كيف للرجل ان يبكي ، كانت تسمي رجلاً ذلك الذي عمره دقائق فقط.
هل صدقتم هذا الدليل أم تريدون أدلة أخرى ؟ حسنا ، لا تحدث لكم عما حصل بعد ذلك . في ذلك
الجسد كنت أؤمر يوما بعد يوم لأقوم بواجب هذا الذكر ، كانت واجباته صعبة ، كان عليه أن لا يخاف من أي شيء ، بالأخص الظلام ، أنا كنت أخشى الظلام كثيرا ، لكثرة ما حدثتني جدتي عن الجن والأشباح ، ولكنني كنت اخفي هذا الخوف على اعتبار أني رجل ولا أخاف شيئا .
أحد هذه الواجبات التي كنت أؤمر بها من قبل ذلك الجسد الذكوري الذي يسكن داخلي ، أن أضرب أختي ، كان عليها أن تخاف مني وأن لا تخطئ ، وان لا ترفع رأسها بوجودي ، أو تضحك ، الضحك للأنثى عمل مشين . ذلك الذكر الذي يسكنني ، كان يشجعني على ضرب أختي كلما اعجز عن القيام بعمل ما أو الفشل في مجال ما .
كانت أختي تبكي وتتوسل تحت قدمي أحيانا : " ماذا فعلت يا أخي ، لماذا تضربني ؟ توبة ، توبة " .
كنت استغرب . لم تفعل شيئا ، عندها حق ، أنا لا أتركها إلا بعد أن تقول التوبة ثلاث مرات !
لم تتب الى الله بقدر ما كانت تتوب إلي ، عفواً ليس لي ، بل للذكر الذي وضع فيً ، لا ، لا أنزه نفسي ، أنا متهم ومخطئ اكثر من هذا الذكر، لأنه كان علي بأي شكل من الأشكال أن أُطرده من جسدي وأن لا أجعله يقوم بتلك الجرائم باسمي ، أو يجعلني أقوم بتلك الجرائم . أنا مخطئ أيضا . لكن الآن أريد تصحيح خطأي واقرر،أما أنا أو هو .
الليلة وقبل أن يستيقظا علي أن أفكر وأقرر، أقرر أن ادخل نفسي الى جسدي أنا، وأطرد أناي الآخر. يكفي هذا ، لم يعد باستطاعتي . ثلاثون عاما أسندا إليّ هذا الدور بدون تغيير.
جعلا جسدي قناعاً ترتديه ذكوريتي . ثلاثون عاما . ثلاثون . لا أستطيع الفصل إذا كان جسدي هو
القناع أم ذكوريتي لشدة الامتزاج بينهما .
بشكل القناع هذا جعلت زوجتي تخاف مني الى درجة لا تصدق . غالبا وأنا أفكر وحدي اندم على أفعال هذا الذكر اللعين . كنت أقول لنفسي : ما هذه القوة الظالمة التي تنفجر مثل البركان في داخلي على امرأة جميلة مثلها .
لا أعرف لماذا لم أعش يوما في حياتي دون شك . أشك بأن زوجتي ليست نقية معي .لم أعرف مصدر هذا الشك ، لم أر منها شيئا .لم تخرج من البيت دون أن تسألني ..كنت أخاف أن تفتح عينيها وتتعلم ، حينئذ تستطيع اكتشاف سري . السر الذي في رجولتي ، بأن الذكر قناع فقط ..
كنت أخشى أن تكتشف أن هذه القوة ليست قوتي ، بل هي دور أقوم بها , لها فقط . كنت أخشى هذا اليوم ولكنه حدث أخيرا , أخيرا اكتشفت أن رجولتي ليست إلا قناعاً لا معنىً له ..
كيف اكتشفت ذلك؟ الآن سأحدثكم عنه .لأدخن هذه السيكارة أولا ،لا تستعجلوا ، لأخذ نفساً ، انتم لا تعرفون معنى هذه المرارة ! كأنها لذة ذلك اليقين الذي انتصر على الشك , كنت ليلتها وحيدا يملؤني الشك ، كانت زوجتي عند أهلها , لم أشك بها في تلك الليلة ، لأنني كنت مطمئنا بأن أباها مثلي لا يدعها تتحرك بسهولة , كنت أشك بنفسي، برجولتي ، الشك جعلني أن أجرب، أجرب هل أنا رجل أم لا ؟.
رفعت سماعة التلفون وطلبت منها أن تأتى إلي , لأجرب نفسي وأحصل على النتيجة . جاءت وخلعت قبقابها ، هجمت عليها وخلعت ملابسها قبل أن تجلس ، كأنني لص محترف وعملي الوحيد الخلع .
كنت على عجلة للتجربة ، لم أخجل منها ، كنت أعلم أنها ليست كزوجتي . لا أحد يخجل منها ولا هي تخجل من أحد ، رأت أقنعة كثيرة ، بقدر عدد الرجال الذين كانوا يزورونها والذين كانت تذهب إليهم.
كنت مشغولاً بتجربة رجولتي عندما اقتحمت زوجتي المكان . بالضبط في لحظة خلعي لقناعي .
نعم ، رأت بعينيها واكتشفت ما هي الرجولة ! ومن أجل هذا طلقتها . لأنني بعد هذا الحدث لم أستطع استخدام القناع . طلقتها !.
منذ ذلك اليوم وأنا أحارب باستمرار هذين الشخصين اللذين يسكنان داخلي . الطويل والقزم .
أريد طرد هذين الغريبين أعود الى جسدي . لقد أتعبتهما وها هم نائمان الآن ، غير عارفين أني
أحدثكم عن هذا اليقين . انهما متعبان وربما لم يستيقظا بعد ، في ما مضى كانا يستيقظان ويتحدثان بدلا عني . لا يقولان إلا الكذب .
الوقت تأخر ، وأنا متعب ، لكن علي أن اقرر ، لا أستطيع النوم إلا بعد أن أقرر . لأسلكم أولا هل صدقتم أن هذا جسدي وأن ذلك المستأجر القبيح سكنه ؟ أي أجار؟ انه لم يستأجره ، بل احتله ، احتله بقوته ، ولكنني لن أخافه بعد الآن ، لأنني لم أؤمن مرة أخرى بهذه القوة ، أريد أن أعيش طبيعياً ، كأي إنسان لديه الإحساس ، أريد أن أتذوق الحياة .
أكون سعيدا ، تعيسا , أخاف ، أحلم ، عند الحب أشعر بدقات اللذة والعشق ، أريد أن أنسى إنني رجل واذكر فقط إنني إنسان تتهيج أحاسيسه بالأحداث الحلوة والمرة . ولكن بوجود هذا الذكر في داخلي وفي جسدي لا أستطيع أن اشعر بالأشياء الطبيعية التي تحدث حولي .لا يتركني! لا، لا يتركني! يشجعني
على التباهي والقوة ، فقط لتقال له تلك الكلمة التي تدغدغه بشكل هستيري . أية كلمة ؟ الرجولة !
لذا أريد أن يكون نومهما هذا نوما أبديا ولن أوقظهما . سأقذف بهم خارجا وهما نائمان .
كونوا شهوداً ، من الغد سأعود إلى جسدي .
2002 تشرين الثاني
دانمارك