في الواقع إن مهنة الصحافة ترتكز حاليا ، أكثر من أي وقت مضى على ضرورة أن الإعلام أضحى حقا من حقوق الإنسان . إلا أن هذا الحق لا يمكن أن يتمتع به الناس ويغير سلوكياتهم وعلاقاتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية إلا عن طريق الإعلام والتربية . ويقصد بهذا الحق ، حق الأفراد والجماعات والشعوب في الحصول على المعلومات الصحيحة من مصادرها ، أو من خلال وسائط تتمتع بالمصداقية . إلا أن هذا الحق لا يقف عند تلقي المعلومات ،ولكن يشمل استعمالها ونقلها إلى الآخرين بمختلف الوسائل ، واعتمادها لتعزيز المشاركة في توجيه الرأي العام وصناعة القرار وتحقيق التنمية .
والحق في الإعلام خاضع لقيود . لقد نصت المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه حق كل إنسان باعتناق الآراء العالمي لحقوق الإنسان على انه حق لكل إنسان باعتناق الآراء التي يريد ولكن هذا يجوز إخضاعه لبعض القيود ، وذلك لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة ، فالحرية المطلوبة هي حرية للجميع في إطار هي حرية للجميع في إطار صيانة كرامة الجميع .
وبالتالي فإن الحق في الإعلام هو جزء لا يتجزأ من حرية الرأي والتعبير وهو يعني كذلك الحق في الإعلام هو جزء لا يتجزأ من حرية الرأي و التعبير تخضع لضوابط من المفروض تنظيمها و لا تلغيها.
أما الحق في الاتصال فقد تم الإعلان عنه لأول مرة سنة 1969 عندما فجر نقاشا واسعا استمر سنوات طويلة من أجل تحديد مفهومه و مضمونه. و كانت منظمة اليونسكو في مقدمة الفضاءات التي أشرفت على إدارة الحوار بين الخبراء و ممثلي الحكومات في هذا الصدد. لا سيما و أن اليونيسكو راهنت كثيرا على الإعلام في النهوض بالواقع الثقافي و الاقتصادي للشعوب.وقد أوضحت مفهوم الحق في الاتصال على أنه حق الفرد في ان يعلم و يعلم ، و حقه في حماية خصوصيته و الانتفاع بموارد المعلومات،و هي حقوق تتمتع بها أيضا المؤسسات الإعلامية التي من حقها النشر و حرية الحركة و كتمان سر المهنة. ويتسع هذا المفهوم ليشمل النطاق الدولي، إذ يتضمن حق الدول في ضمان التدفق الحر و المتوازن للمعلومات، وفي حماية ذاتيتها الثقافية و حق الدولية في الرد و التصريح.
و قد ساهمت الدول العربية في الجدال حول مفهوم حق الاتصال، وكانت هذه المشاركة العربية نشيطة في الدفاع عن توزيع عادل للمعلومات على الصعيد الدولي، إلا أنه لم يصاحبها ارتقاء كيفي للأداء الإعلامي العربي، و لا الحرص على تمكين الإعلام من الحرية المطلوبة التي هي ضرورية لتمكينه من القيام بدوره الإخباري و التنموي.
و رغم أن بعض الصحافيين العرب لعبوا دورا طلائعيا، إلا أن الصحافة العربية في هذا المجال لا تزال محدودة جدا مقارنة بزملائهم، في البلدان الغربية، لا سيما إذا علمنا أن غلاقة الإعلام العربي بالحقوق الإنسانية – ثقافة و حركة و سيرورة- علاقة مزدوجة، لأنه بقدر ما يساهم الإعلام أحيانا في ثقافة حقوق الإنسان و التعريف بشاطات المدافعين عنها، فإنه يمكن أن يتحول إلى أداة في وضع المزيد من العراقيل و إثارة الصراعات.
و عموما لازال مطلوبا ، على الصعيد العربي،تفعيل دور الإعلام في التعريف بثوابت المنظومة الحقوقية وتكريسها و الانخراط في نشر ودعم ثقافتها و حركتها،لأن للصحافيين و الإعلاميين عموما دورا استراتيجيا في هذا المجال الذي يعتبر ميدانا من ميادين المعركة الحضارية. فلا ينبغي للصحفي أن يستهين بما يكتب و ينشر، شريطة أن يكون جادا في عمله، دقيقا في معلومات، فكم من مقال كتب له أن يغير الكثير من الأشياء ؟ وكم من رأي التقطه شخص أو مجموعة أو هيأة فكان منطلقا لإنجازات تاريخية أو شكل انطلاقا لطفرات مهمة ؟
الحـق فـي الإطـلاع عـلى الـمـعـلـومات المجال القضائي نموذجـا
يعتبر أغلب الحقوقيين و أهل الاعلام أن الاطلاع على المعلومات القضائية من المبادئ الأساسية التي تكفل عدالة المحاكمة ، إضافة إلى مبدأي علنية المحاكمات و الأحكام . وهذا ما يخوله ، في نظرهم مبدأ حرية الرأي والحق في الإعلام.
إلا أنه يبدو أن هذه المبادئ الأساسية تتوافق أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى ، اعتبارا لضرورة احترام مبادئ أخرى تكفل هي كذلك عدالة المحاكمة، ومن ضمنها استقلالية القضاء ومبدأ فرضية براءة المتهم والحاجة للمحافظة على حقوق وحريات الأشخاص و المؤسسات المفروض حمايتها.
ففي مرحلة التحقيق و التقصي يسود مبدأ السرية. و هذا وضع لحماية مبدأ أساسي آخر من مبادئ المحاكمة العادلة وهو فرضية البراءة التي يقضي بأن يعتبر كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية عادلة تصدر حكما نهائيا. فكل الإجراءات المسطرية المرتبطة بالتحقيق و الاستقصاء تشددت حول مبدإ السرية ، إذ أن التحقيق يظل سريا ما لم تحل الدعوى على قضاء الحكم . وقد منع القانون الجاري به العمل نشر وقائع التحقيق قبل تداولها في جلسة علنية.
إلا أنه يعتقد البعض أن هناك إستتناءات يجب أخذها بعين الاعتبار، لا سيما فيما يرتبط بجرائم الفساد الإداري وحاجة وحق الرأي العام المشروع في الإطلاع على مثل هذه القضايا في مرحلة مبكرة ومتابعتها. إلا أن حاجة الرأي العام و الإعلام عموما قد لا تتفق دائما مع فرضية براءة المتهم ومبدأ استقلالية القضاء و الحاجة لإبعاده عن أي تأثير، بما في ذلك تأثير الرأي العام و التأثير الإعلامي المفرط.
وفي هذا المجال هناك جملة من الممارسات لا زالت تعتبر بمثابة نشاز، نذكر منها النشر المفرط و المخالف للقانون الجاري بها العمل لوقائع التحقيقات الأولية خاصة بالنسبة لجرائم الشرف أو المرتبطة بالأسرة، والنشر المفرط للصور قبل المحاكمة و الإدانة ، لا سيما فيما يتعلق بما يمكن تسميته بالجرائم العادية.
يعتبر حق المواطن والإعلام للإطلاع على المعلومات القضائية من المبادئ الأساسية التي تكفل عدالة المحاكمات ، وهي المرتبطة بمبدأي علنية المحاكمات والأحكام القضائية ومبدأ حرية الرأي والإعلام . لكن هذه المبادئ تتناقض أحيانا مع الحاجة إلى احترام مبادئ تكفل هي كذلك عدالة المحاكمات ، وألا وهي استقلالية القضاء وفرضية البراءة للمتهم والحاجة للمحافظة على حقوق وحريات الأفراد والمؤسسات والهيئات.
ففي مرحلة التحقيق الأولي والتفصيلي يسود مبدأ السرية وذلك لحماية مبدأ أساسي من مبادئ المحاكمة العادلة وهو فرضية البراءة القاضي باعتبار كل متهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة علنية عادلة.
وقد شدد القانون على سرية هذه التحقيقات ، كما حظر قانون الصحافة على جميع وسائل الإعلام ، تحت طائلة المتابعة ، نشر أو بث وقائع التحقيقات قبل تلاوتها والتصريح بها من طرف الجهات المسؤولة المعنية .
طبعا هناك حاجة وحق الرأي العام في الإطلاع على الأحداث والأخبار القضائية في مرحلة مبكرة ومتابعتها ، خاصة المتابعات القضائية المرتبطة بالشأن العام ، لكن هذه الحاجة وهذا الحق لا يتفقان دائما مع فرضية براءة المتهم ومع استقلالية القضاء والحاجة لإبعاده عن أي تأثير بما فيه بأثير الرأي العام والتأثير الإعلامي المفرط.
وفي هذا الإطار يعتبر مخالفة النشر المفرط لوقائع التحقيقات الأولية و التفصيلية وكذلك نشر الصور في مرحلة الاستقصاء والتحقيق ، لاسيما و أنه من المكن أن الأشخاص الذين ثم التشهير بهم بنشر صورهم .
أما في مرحلة المحاكمة فيسود مبدأ العلنية . ويعني هذا المبدأ توفير حق و إمكانية حضور الجمهور ، بما في ذلك الصحافة ، في قاعة المحاكمة . ويعتبر هذا المبدأ من الضمانات للحفاظ على حريات المواطن الأساسية إن يبدو الجمهور و الرأي العام كشاهد ورقيب على القضاء في تأدية رسالة العدالة وتطبيق القانون. علما أن السرية في هذا المجال قد تدعو إلى التشكيك. إلاّ أنه يجوز منع الجمهور والصحافة من حضور المحاكمة كلها أو تعض جلساتها لداوعي النظام العام أو الآداب العامة أو الأمن أو لحرمة الحياة الخاصة لأطراف الدعوى أو حين يكون من شأن العلنية في بعض الظروف الاستثنائية أن تخل بمصلحة العدالة.
الحــق في الـمــعـلــومـــــات مجـــال البــيئـة نـمـوذجـا
إن الحق في العيش في بيئة سليمة هو حق أساسي من حقوق الناس الأساسية، وهو حق كرسته وعززته مختلف الاتفاقيات والمواثيق الدولية حتى أضحى مرتبطا ارتباطا عضويا بحقوق الإنسان.
إلا الواقع المعيش بعيد كل البعد عن تكريس هذا الحق وتمكين المواطن من الاستماع به. وبذلك فلم يعد بإمكان تجاهل الحاجة إلى ضرورة التصدي الحازم لمصادر التلوث المتنوعة والتدمير المنتظم والمستديم للببيئة.
لكن لكي يكون للمجتمع القدرة على حماية البيئة يجب أن يكون حق الحصول على المعلومات ممارسا فعلا ومكوسا فعليا على كافة المستويات. وفي الحقيقة إن حماية البيئة ترتكز على مسؤولية أفراد المجتمع الواعين بيئيا وايكولوجيا. وتبقى الدولة الضامن لحصول المواطنين على الحق في المعلومات.
فعندما يتسلح المواطن بالمعرفة الكافية واللازمة لبيئته يمكن أن يتحفز للسعي للمساهمة الفعالة في تقليص التلوث و اعتماد الطرق الأنظف للتعامل مع البيئة. فمن خلال التمكين من الحصول على المعلومات و تسهيل الإطلاع عليها و تقديم التقارير و نشرها يمكن للحكومة أن تمنح المواطن القدرة على مراقبة بيئته و الحفاظ عليها .
إن غياب المعلومات حول الملوثات المستعملة لا يساعد على حماية البيئة بل على العكس من ذلك بالتمام و الكمال، تحرم المواطن من أدوات أساسية لحماية نفسه و بيئته.
و في هذا الصدد يعتبر إعلان – ريو – بمثابة إعلان عن اتفاق عالمي لحماية . و هو إعلان ركز كثيرا على الحق في الحصول على كافة المعلومات البيئية .
فمن حق المواطن التعرف على قائمة الملوثات السامة، و من يولد النفايات الملوثة ومن يرمي بها إلى الهواء و التربة و الماء، و ماهي الكميات التي تقذف إلى الطبيعة سنويا. إن مثل هذه المعرفة ستمكن المواطن من المساءلة بهدف الحفاظ على البيئة و حمايتها. لان هذه المعرفة تعتبر الوسيلة الوحيدة للمساءلة.
إن التوق لمجتمع سليم و خال من الملوثات يتطلب الاهتمام و المسائلة عبر الإقرار بحق المعرفة و التوصل إلى المعلومات.
ادريس ولد القابلة