|
الدين ضحية لصراع -الهوية- السني الشيعي
فاخر السلطان
الحوار المتمدن-العدد: 1881 - 2007 / 4 / 10 - 11:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل يمكن الدفاع عن شريحة من المسلمين تحاول أن تعيد أو تفلتر أو حتى تقطع علاقتها بتاريخ الدين؟ حيث هي في الواقع لم تقطع علاقتها بالله أو بالوحي ولا بعقائدها الإيمانية والمعنوية، وإنما أرادت أن تضع حدا لعلاقتها التقليدية والمادية المصلحية بالتاريخ الديني، فهي رفضت قبول التبعية للتاريخ وعارضت الخضوع للماضي الاجتماعي الديني الساعي إلى أن يصبح أساسا لحياتها في الحاضر، وأبت منهج التقليد، تقليد الإمام والفقيه غير المنتمي للواقع الراهن ولأسس الحياة الجديدة. لا يمكن بناء تلك العلاقة والدفاع عن تلك الشريحة إلا بطرح نهج للتدين يستمد أسسه من أصل رئيسي بعثت من أجله الأديان، ومن ضمنها الدين الإسلامي، وهذا الأصل هو ما ينتج الإيمان الطبيعي المتحرر من الزوائد التي أدخلت عليه غصبا عبر التاريخ، الإيمان الهادف إلى بناء علاقة فطرية مع الله، لا الإيمان الفقهي الساعي قبل أي شيء إلى استغلال الظروف والمصالح في الدنيا لتثبيت هوية المسلم الدينية وإلى إلغاء الآخر الرافض لهويته، وهو ما نرى انعكاساته في صراع الهوية المرتبط بالمصالح الدنيوية، ومن ضمنها السلطوية، في المجتمعات الإسلامية، ومنها في المجتمع الكويتي، بين جماعات التشدد السني والتشدد الشيعي، أو كما يسميه البعض بين السلفية السنية والسلفية الشيعية، وهو صراع تافه وسطحي يستند إلى قضايا وأحداث سياسية تاريخية دينية، وباتت نتائجه مؤثرة بشكل سلبي على أصل الدين أي الإيمان، وتهدد بتفكك المجتمع، وبدأت تؤثر سلبا على المصالح الوطنية، فأصبحنا نشاهد الدفاع عن تلك القضايا والأحداث التاريخية - وليس عن نهج التديّن - يحظى بأولوية عند تلك الجماعات، ولو أدى ذلك إلى زعزعة الأمن والسلم الاجتماعيين. فهل يمكن - مثلا - وصف الدفاع السني السلفي أو الهجوم الشيعي السلفي على صحابة نبي الإسلام بأنه أصل من أصول الدين وأحد أركانه، أم أن ذلك يعكس فحسب ما جرى من صراع تاريخي اجتماعي وسلطوي وكان يجب ألاّ يقحم الدين فيه، مثلما يحصل الآن؟ فلا همّ لمعظم المنتمين إلى ضفتي السنة والشيعة إلا الدفاع أو الهجوم على القضايا التي تحفظ هويتهم الدينية التاريخية، ولو أدى بهم الأمر إلى استخدامهم أساليب غير أخلاقية نهى الدين والعقل عن استخدامها. هل هذا الدفاع أو الهجوم يصب في مصلحة المجتمع والوطن، أم أن السلفيين والمتشددين في الجهتين غير مبالين إلا بتلك الأحداث التي لا تعكس سوى مسألة الهوية لكل طرف، فيما مصلحة الوطن وأمن المجتمع يأتيان في مرحلة متأخرة من اهتماماتهم؟ فإذا ما واصلت المدرسة الفقهية التقليدية، لدى السنة والشيعة، والتي تتبنى نشر منهج الهوية الدينية وتعتبره أحد مهامها الرئيسية في الحياة، في الظهور على هذه الشاكلة من دون السعي إلى إعادة إحياء نهج التدين المعبّر عن العلاقة الفطرية بين الإنسان وباريه ورفض الزوائد التي أدخلت على الدين عبر التاريخ، فإن أكثر المتضررين من ذلك هو الدين نفسه، ثم المواطن وأمن الوطن وسلامة المجتمع المحلي. إن التديّن المصلحي والمادي المستند إلى الهوية الدينية يعبر في أبرز تجلياته عن الطائفية البغيضة، إذ لا هم لأصحاب هذا النوع من التديّن إلا الاستناد إلى التاريخ للدفاع عن وجودهم وهويتهم والسعي لإلغاء الهويات الدينية المذهبية المنافسة التي عادة ما يسمى أصحابها بالخوارج الجدد أو المرتدين الجدد، فيما قضية الإيمان والعلاقة الفطرية مع الله تأتي في مرحلة لاحقة، بل قد لا تأتي، إذ يكفي لهؤلاء دفاعهم عن هويتهم الدينية، وهو دفاع يجلب لهم "الحسنات" للحصول على ضمانات تعينهم على مسألة الحساب في يوم الآخرة، حيث هنا تتحول العلاقة الإيمانية مع الله من علاقة فطرية قلبية معنوية، إلى علاقة مادية ومصلحية صرفة، ومن صور تحقيقها التأكيد على الطائفية وعلى التمسك بالخزعبلات والخرافات بهدف تقوية الوجود والهوية!! فليس مهماً لدى هؤلاء المتمصلحين من الدين السعي لتهيئة ظروف اجتماعية ونفسية تجعل الإنسان قادرا على بناء علاقة إيمانية ومعنوية مميزة، ليس فقط لأصحاب الدين الإسلامي، وإنما لجميع الأديان، بل ما هو مهم بالنسبة إليهم في الدرجة الأولى هو التأكيد، من خلال استغلال المساجد والحسينيات وغيرها من الوسائل الدينية والاجتماعية، على الهوية الدينية التي تؤدي إلى حصولهم على "حسنات" بطرق متعددة ومنها الطرق غير الأخلاقية، كالسب والشتم والغيبة والنميمة وحتى القتل والإلغاء، حيث نشاهد أمثلة متعددة على ذلك في مختلف المجتمعات العربية والإسلامية، وأبرزها تلك التي تتجلى شواهدها في العراق اليوم من إلغاء أنصار المذهبين السني والشيعي لبعضهم بعضا، ومن تمادي الطرفين على الموت في سبيل الدفاع عن الهوية الدينية ولو أدى الأمر إلى انهيار الوطن والمجتمع وإبادة الأسر وتحول الإنسان إلى قاتل بالمطلق من دون أي رحمة، بل إلى تضعضع موقع الدين نفسه، إذ سيطغى على الدين طابع العنف لأن مهامه ستكون منصبة على تأكيد قضايا الهوية والمصلحة، في حين كان على أصحابه أن يهيئوا الأجواء للحريات، الدينية وغير الدينية، لحماية موضوع الإيمان، لكن للأسف فإن ما يحصل على أرض الواقع هو عكس ذلك تماما. إن بناء علاقة إيمانية ومعنوية متميزة في المجتمع تحتاج إلى نشر فهم للدين تصب مخرجاته في هذا الإطار، فهم يخدم الجانب القيمي والمعنوي والأخلاقي للإنسان، في حين أن ما نراه ونتلمسه من تصرفات وسلوكيات أنصار المدرسة الفقهية التقليدية وأتباع التأكيد على الهوية الدينية هو عكس ذلك تماما. فالخوض في المسائل الروحية المعنوية، بعيدا عن تداخلها بالمسائل السياسية والاجتماعية والمصلحية، من شأنه ألا يهدد الإيمان الفطري بأي شائبة مادية ظاهرية تعرقل طريقه ومسيره.
#فاخر_السلطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ الدين بين تقديسه ومقاطعته
-
تأشيرة نجاد تزيد عزلة ايران
-
عصر البدعة.. لا التبعية والتقليد
-
الحداثة والتفسير الغيبي.. والتقليد
-
. الفقهاء ورجال الدين مساهمون نشطون في تخلف المجتمعات
-
لماذا يعارض الفقهاء التجدد؟
-
الحب العنيف.. المتطرف
-
الدين حينما يكون غير إنساني
-
الفهم الديني الجامد.. والإنسان الجديد
-
الفهم الديني غير المسؤول: الموقف من حزب الله نموذجا
-
بوش يتخبط.. لكن ماذا عن الإسلاميين؟
-
التعددية في بعدها السياسي
-
التعددية في بحر وجودها وتعريفاتها
-
مناخ التعددية عبر التاريخ
-
متى يتوقف نبض الحياة المتحرك
-
كعادتهم خلطوا الحابل السياسي بالنابل الديني
-
مكاسب وخسائر طهران
-
الإكراه الديني يعادي الإيمان
-
استبداد المدرسة الفقهية
-
اخوان الكويت.. ومعركة رئاسة البرلمان
المزيد.....
-
السيسي لرئيس الكونغرس اليهودي العالمي: مصر تعد -خطة متكاملة-
...
-
الإفتاء الأردني: لا يجوز هجرة الفلسطينيين وإخلاء الأرض المقد
...
-
تونس.. معرض -القرآن في عيون الآخرين- يستكشف التبادل الثقافي
...
-
باولا وايت -الأم الروحية- لترامب
-
-أشهر من الإذلال والتعذيب-.. فلسطيني مفرج عنه يروي لـCNN ما
...
-
كيف الخلاص من ثنائية العلمانية والإسلام السياسي؟
-
مصر.. العثور على جمجمة بشرية في أحد المساجد
-
“خلي ولادك يبسطوا” شغّل المحتوي الخاص بالأطفال علي تردد قناة
...
-
ماما جابت بيبي..فرحي أطفالك تردد قناة طيور الجنة بيبي على نا
...
-
عائلات مشتتة ومبيت في المساجد.. من قصص النزوح بشمال الضفة
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|