|
من تاريخية الجمهورية الأولى: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة المالكة 3-3
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1881 - 2007 / 4 / 10 - 11:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لم نعثر بين الأدبيات المتداولة، ما كان يدور بخلد العائلة المالكة من كل العملية وخاصةً عبد الإله، لأن شهودها غائبون، وما دون هو سرد شفوي ابن ظرفه المرتبك ويعتمد على موقف قائله وناقله والغاية منه. وهنا لابد من التأكيد على أن المفاوضات وما دار فيها من مضامين حتى تلك المتعلقة بما جرى من أحاديث بين الملك وولي عهده.. قيلت من أنصار الملكية على وجه التحديد، وبالتالي تم تسويق أفكارها بما يلائمهم. فعلى سبيل المثال " تؤكد وقائع واحداثيات يوم الثورة وتقرير العقيد طه البامرني قائد الحرس الملكي الذي تولى الوساطة والتفاوض بين الثوار والأسرة الملكية، أن عبد الإله يتحمل مسؤولية قتل إفراد الأسرة ومن ضمنها فيصل لأنه منع خروج الملك إلى مقابلة الثواروالاستسلام لهم حيث كانت خطة الثورة تقضي بإعتقال الملك ووضعه تحت الإقامة الإجبارية لمدة اسبوع ومن ثم تنازله عن العرش... وإن الأمير عبد الإله، رفض توسلات أبن شقيقته الملك باللقاء مع الثوار والتفاهم معهم على صيغة تناسب الطرفين وتحفظ الدم، وأصر على خروج النساء والأطفال بصورة لا تليق بتقاليد الأسرة في محاولة للتأثير على الضباط والجنود بعد أن أجبر أمه المرحومة الأميرة نفيسة على قيادة الموكب وهي ترفع المصحف في حركة استعراضية بينما توارى هو خلف الجميع ساعياً إلى الهروب من قبضة الثوار مستغلاً حياءهم واحترامهم للنساء ومستفزاً لمشاعرهم الوطنية والانسانية...[1]". ومما يكسب هذه القول الكثير من المصداقية ما أكدته الأميرة هيام زوجة ولي العهد من أن الخروج كان "... على الترتيب التالي: الملك فيصل والأميرة عابدية والملكة نفيسة أم الأمير عبد الإله تحمل قرآن في يدها ثم الأمير عبد الإله ثم أنا وتبعنا بقية الخدم[2]". وقد أكد هذا المضمون مسؤول استخبارات القصر المقدم محمد شيخ لطيف بقوله: " أنه جرت محاولة لتهريب الملك خارج القصر إلا أن ولي العهد رفض ذلك وقال للذين أقترحوا تهريب الملك أني احملكم مسؤولية أي أذى تحصل للملك [3]". آنذاك " طوقت الأميرة عابدية الملك الذي انهارت قواه وخارت عزيمته وهو يتطلع بعينين حائرتين زائغتين ويستمع إلى صوت المذياع الترانوستور وهو يذيع اناء الثورة...وانزوت الملكة نفيسة والدة عبد الإله في ركن، وفتحت القرآن الكريم وهي تتلو آية الكرسي بصوت مرتفع وراح الأمير يحاول تهدئة النساء ولم تفارق اللفافة شفتيه وهو ينفث دخانها بشكل متتابع ...[4]". وإستسلمت في خاتمة المطاف، قوات الحرس الملكي للقوة المهاجمة، يوصفها البامرني بالشكل التالي: " خطر لي مكالمة الأمير عبد الإله تلفونيا وأطلب إليه الخروج مع الملك للذهاب إلى مقر قيادة الثورة فوافق الجميع على هذا الاقتراح، أخذت تلفون الباب النظامي وطلبت من بدالة قصر الزهور أن تحصل لي على الأمير عبد الإله فحضر شخص على التلفون وقال أنه الشريف واعتقد أنه قال الشريف حسين، فقلت له أريد الأمير عبد الإله فقال لا يتمكن من الحضور واخبرني بما تريد لأبلغه، فقلت له بلغه بأنني وجميع الحرس انضمينا إلى الثورة بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف وأن ضباط الثورة يطلبون حضوره مع الملك خلال خمسة دقائق وإلا فإن القصر جاهز للنسف وإن حياتهما في خطر. فقال نعم سيدي سابلغه وخلال خمسة دقائق خرج عدد من نساء القصر في صف واحد وخلفهن وفي الوسط يسير الملك وعبد الإله متوجهين إلى الباب النظامي[5]". والسؤال المطروح لماذا أخرج الوصي معه أفراد العائلة والخدم وبعض من أفراد الحرس؟ في حين أن القوة المهاجمة طلبت إستسلامه والملك فقط، إذ هم ليسوا بحاجة إلى أفراد الأسرة و الحشد الباقي؟ (ربما) أراد أن يستميل العطف من أفراد القوة المهاجمة عندما يشاهدوا النساء، خاصة والدته الكبيرة السن والتي كانت تحمل القرآن في يدها. أم أن النيران التي شبت في أعلى القصر، كما يقول أنصار الملكية، قد هددتهم؟ رغم أنها كانت بعيدة عنهم. أم أن ولي العهد أراد أن يؤثر عليهم بواسطة الملك الشاب وكان، كما تقول الوقائع، خائفا جداً؟. وتأسيساً على ذلك يمكننا التأكيد على أن الجو النفسي والحياتي كان مشحوناً داخل القصر وبين أفراد العائلة المالكة والقوة المهاجمة. وكانت الريبة تقاسم الطرفين ويقف التوجس كالطيرعلى رؤوسهم.. وعند خروج العائلة المالكة حسب الترتيب الذي سبق ذكره، واجهوا مجموعة من ضباط القوة المهاجمة وهم: النقيب مصطفى عبد الله، النقيب سامي مجيد، النقيب عبد الله الحديثي، النقيب منذر سليم، النقيب حميد السراج، الملازم الأول عبد الكريم رفعت، الملازم الأول حبيب شبيب ومدرعة يقودها الملازم الاحتياط محمد جواد غصيبة ومجموعة من المراتب والجنود. وبعد وقوفهم في صف واحد بالقرب من النافورة وسط الحديقة الامامية فتحت النيران عليهم بصورة مفاجئة وأردتهم قتلى، بإستثناء الأميرة هيام والخادمة رازقية، حيث نجت الأولى نتيجة سقوط الملك عليها مما حماها من الرصاص وأصيبت إصابات غير قاتلة نُقلت، وكذلك الخادمة، إلى المستشفى كلٍ على انفراد، لغرض المعالجة. في الوقت نفسه أصيب عدد من الضباط المهاجمين منهم مصطفى عبد الله وحميد السراج كما قتل ضابط صف من بينهم. أما من الحرس الملكي فقد أصيب ثابت يونس ومات في المستشفى لاحقاً. الإشكالية تكمن هنا في من بدأ أولاً بإطلاق الرصاص ولماذا تم ذلك ؟. لقد أختلفت الروايات وتناقضت في الإجابة على ذلك. ولكن يمكن جمعها في روايتين أساسيتين متناقضتين في الطرح والسبب والمضمون: - الرواية الأولى: وهي المتبناة من أنصار الملكية والمروية عن لسان ضباط الحرس الملكي وكذلك المتبناة من الأكاديمي حنا بطاطو دون الإمعان في ماهيتها من قبله. وفحواها أن الملازم اول عبد الستار سبع العبوسي، هو الذي بدأ بإطلاق النار على العائلة المالكة، إذ عندما رأهم في الساحة " كان العبوسي يقف خلف العائلة المالكة تماماً، ويفصله عنهم خط شجيرات صغيرة على الأرض. وبلمح البصر.. فتح رشاشته من الخلف مستديراً من اليمين إلى اليسار... ثم لم يلبث أن فتح مصطفى عبد الله نيرانه من الأمام على البشر الموجودين أمامه وفتح بقية الضباط المشكلين نصف حلقة نيران رشاشاتهم وجاءت النيران من الأمام والخلف ومن الجانب من كل يد تحمل سلاحاً في تلك اللحظة ... [6] ". ينتاب هذه الرواية العديد من نقاط الضعف، في الشكل والمضمون. إذ أنها تبتعد عن سرد الوقائع كما جرت، حسب رواية شهودها سواءً العبوسي أو البامرني وحتى الكاتب د. فالح حنظل نفسه. والتي يمكن لمسها مما يلي: - لم يكن الكاتب شاهد عيان على واقع المعركة ولم ير التفاصيل التي أوردها، مما أعطى لخياله حرية التصور؛ - تتناقض هذه الرواية مع ما أورده المنفذان الرئيسيان للواقعة وهما العبوسي والبامرني، وكلاهما دونا شهادتهما في حينه، بينما دَوَّن د. حنظل الواقعة بعد 13عام على وقوعها. - إذا كان إطلاق النار جاء من الخلف فكيف يصاب ضابط الحرس الملكي في صدره وهو كان في آخر الرتل كما أشار الكاتب إلى ذلك؟ في حين أن الرصاص إنهمر من الأمام من المصفحة العسكرية كما يقول البامرني في تقريره، ويقول العبوسي أنه كان يسير نحو الباب الرئيسي، فإلتفت إلىالخلف فشاهد عبد الإله وبقية الأسرة. فكيف تم اغتيالهم من الخلف كما يشير د. حنظل. - وإذا صدق ما كتبه الكاتب، فكيف يمكن أن يطلق العبوسي النار من خلف الأسرة في الوقت الذي كان أمامها أفراد القوة المهاجمة الذين كانوا يشكلون نصف دائرة حول الأسرة وبالقرب من نافورة القصر؟ - ونصب ذات النقد على القوة المهاجمة كيف ترمي يمنة ويسره على العائلة المالكة ووراءها يقف العبوسي؟ إن هذه الرواية تفتقد إلى أركان اساسية حتى تقنع القارئ بصحتها، رغم وضوح طابعها التبريري التي كانت ترمي إليه بهذا الشكل السردي وما ينتابها من خلل، وقد أراد غضفاء مسحة من المأساوية على الواقعة بشكل درامي لإستدرار العطف الساذج. أما الرواية الثانية: والتي أعتقد أنها أكثر موضوعية ، فتشير بأصابع الإتهام إلى ضابط الحرس الملكي النقيب ثابت يونس، والذي كان من المتحمسين جداً إلى العائلة المالكة، والذي كان يحرض ولي العهد على ضرورة التصدي للقوة المهاجمة أو على الأقل الهروب من القصر. تقول الوقائع أنه في البدء صعد إلى الطابق العلوي بغية التصدي للمهاجمين، ولما منعه ولي العهد.. الذي أمره بالذهاب للتفاوض معهم وهو محملا بالشكوك والنفور من الحركة وأقسم كذباً على الضباط المهاجمين عندما سألوه عن مكان الملك وولي عهده، كما مر بنا. وعند الاستسلام وخروج العائلة المالكة لمواجهة القوة المهاجمة كان يونس ثابت في آخر الرتل ومن ثم تسلل إلى سطح القصر وبدأ برمي القوة المهاجمة " فأصيب النقيب مصطفى عبد الله بطلقة نارية في صدره. وسقط أرضاً والدم يمزف من جرحه وتهاوى بين الشجيرات النقيب حميد السراج وقد أصابته طلقة نارية في كعب قدمه وسقط ضابط صف برتبة رئيس عرفاء قتيلاً من المهاجمين..."، مما أدى بالقوة المهاجمة إلى الرد بفتح النار بكثافة عالية على العائلة المالكة وعليه أيضاً، مما أصابته "... طلقة نارية أخترقت رئته اليمنى ونفذت ، فهرب إلى الجهة اليمنى ومعه ضابط صف من الانضباط الخاص...[7] ". لقد عمقت عملية الرمي هذه من قبل ذات الضابط، المخاوف السابقة لدى القوة المهاجمة حيث كانت تعتقد أن عملية الاستسلام ما هي إلا خدعة تدبر ضدهم. وقد أكد البامرني من جانبه هذا التخوف الذي سيطر على عقلية ونفسية الضباط المهاجمين. وتأسيساً على ذلك يمكن الاستنتاج من أن الفعل غير المنضبط والتصرف غير المتزن من قبل النقيب ثابت يونس، قد أشعل لهيب النفوس المتوجسة التي لم تستطع السيطرة على ذاتها. وهذا ما يصفه تقرير العبوسي نفسه بالقول: " وكان خلفهم عدد من حاشيتهم وخلفهم عدد بعض الضباط وبينما تقربوا مني سمعت اطلاقات نارية اتجاهي، فأجبت عليها بالمثل بصورة غير إرادية وعلى أثر ذلك سقط عبد الإله والملك والمرأة على الأرض[8] " وقد أيد مضمون الواقعة العديد من الضباط بينهم وصفي طاهر " الذي جاء إلى بيت زكية خيري بعد بضعة أيام من ثورة 14 تموزوذكر كيف وجد جثة نوري السعيد، وكيف كان العبوسي قد تصرف برد فعل لا أكثر حينما فوجئ بالنقيب ثابت يونس يفتح النار على فصيل العبوسي ورد هذا بعفوية [9]". وقد ذكر صبحي عبد الحميد حول الموضوع ويقول: " وفي أثناء اقتراب الأسرة المالكة من الضباط وهم في حديقة القصر فتح أحد حراس القصر النار من مكمنه في السطح فأصاب النقيب عبد الله مصطفى، فأرتبك الضباط وظنوا أنهم وقعوا في كمين، ففتحوا النار دون وعي على الأسرة... وهكذا سببت حماقة أحد الحراس في قتل الملك الشاب والنساء في حين لم يكن في مخطط التعرض لهم ...[10] ". هذه الرواية هي الأكثر تماثلا نسبياً مع ما وقع.. وتنسجم وتنسجم مع منطقية الحدث وظرفه المقترن بفورة الغضب والترقب، التحفز والتوتر النجم عن الخوف من هروب الملك وولي العهد أو أحدهما، مما سيشكل خطراً جدياً على الحركة برمتها، خاصةً غذا علمنا أنه لا يزال طرياً في أذهان الضباط ما حل بمؤسستهم العسكرية في اعقاب فشل حركة مايس التحررية عام 1941من تسريح وطرد طال أكثر من ثلثها، واعتقال وتشريد وسجن المئات منهم ومن المدنيين المتعاطفين. وأصبحت هذه الإجراءات أحد أهم دوافع التكتل الغائي لحركة الضباط الأحرار فيما بعد. الخلاف الأرأس في هذه الرواية هو من بدء بإطلاق النار على العائلة المالكة؟ هل هو العبوسي أم مصطفى عبد الله أم المدرعة التي كان يقودها غصيبة؟ لقد اختلف شهود الحادث في تحديد البادئ في الرمي من قبل القوة المهاجمة، لأن " شهادات الشهود تتحدد في مثل تلك الحال المفعمة بالقلق والمغلفة باللهب والدخان والزعيق بإستقامة بصر الشاهدز. قد تتناقض الشهادات مع بعضها ولكن أي من اولئك الشهود لا يكذب.. فالشاهد الذي تقع عينه على مصطفى عبد الله وهو يفتح النار لا يمكن أن تقع عينه في الوقت ذاته على المدرعة وهي تفتح النار أو على على عبد الستار العبوسي وهو يفتح النار فيشهد أن مصطفى عبد الله هو الذي فتح النار... إننا لا يمكن أن نجد أحداً خلال تلك الدقائق في حديقة قصر الرحاب يقف موقف المتفرج، يدير عينيه فيما حوله بهدوء وروية.. يرصد الحركات والانفعالات ويتتبع ما في من غليان ليعطي شهادة كاملة فيما بعد...[11]". وبعد إطلاق النار ومقتل العائلة المالكة.. قام ضباط القوة المهاجمة على وجه السرعة، ما بين الثامنة والثامنة والنصف، برفع جثث القتلى لإرسالها إلى الطب العدلي، وجلبت لذلك سيارة من نوع بيكأب (فان)تابعة للقصر قبيل دخول الجماهير الغفيرة الزاحفة على القصر تلبيةً لنداءات الإذاعة بالهجوم عليه. ومع ذلك شاهد بعضهم الجثث وهي تنقل إلى السيارة، التي سارت حتى بلغت ثكنة الرحاب المجاورة للقصر " حيث أعيد رفع جثتي الأمير والملك، ووضعتا بسيارة جيب عسكري ركب معهما ضابطان. أما سيارة اليكأب فقد توجهت بسرعة إلى الطب العدلي في المستشفى المدني حيث وريت جثث النساء في حفرة في مقبرة قريبة [12]". أن فصل جثتي الملك والأمير ، هو لأجل أرسالها إلى مقر الإذاعة لأجل التأكد منها، من قبل قيادة الثورة ومن ثم إرسالها إلى الطب العدلي. لكن هذا ما لم يحصل، إذ شقت سيارتان طريقهما بصعوبة بالغة نظرا للحشود الهائلة من الناس المتوجه إلى القصر .. وقد أفلحت السيارة البيكأب الأولى بالسير ولم تثر أية شبه عن طبيعة حمولتها. في حين أعاق الإزدحام الشديد السيارة الثانية. وقد " حاول الضباط الا يعرف أحد بأن سيارتهم تقل جثتين. إلا أنه سرعان ما فطنت الحشود الهائلة التي راحت تركض وراء السيارة، وقد شهرت المسدسات والخناجر والهراوات. وكانت أعداد من الجنود قد وقفت على جوانب الطريق المكتظ، وهم يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجاً...وحالما وصلت السيارة إلى النقطة المواجهة لمبنى المحطة العالمية.. إلتفت حولها أعداد أخرى من الناس والكل يريد أن يلقي نظرة على الأموات. وإزاء الضغط المخيف للحشود المتلاطمة من المسلحين المحيطين بالسيارة من كل جنب.. قام أحد الضباط برفع جثة الأمير من قدمه.. وسلم القدم إلى أقرب الموجودين إليهز. وسحبت الجثة من السيارة.. وألقيت أرضاًز.. أنتهز الضابطان فرصة إنشغال الغوغاء بجثة الأمير.. فأطلقا العنان لسيارتهما التي تحمل جثة فيصلوعبروا بها شوارع بغداد دون أن يشعر بهم أحد.. وتوجهوا إلى وزارة الدفاع.. حيث أمروا بالتوجه بها نحو مستشفى الرشيد العسكري [13]"، وقد كان ذلك في حدود التاسعة صباحاً. ترى أين موقع عبد الكريم قاسم من هذه الأحداث المروية على لسان ضابط استخبارات القصر الملكي، بالمقارنة ما كتبه زكي خيري حيث يقول : "أما عبد الإلهفقد ألقى عبد الكريم قاسم بجثته إلى الجمهور لسحلها، ليطمئن الناس إلى أن الملكية أنتهت, وكانت لعبد الكريم قاسم سابق في السحل في حرب فلسطين الأولى ضد إسرائيل، حيث رتب سحل جاسوسين من جواسيس العدو(لرفع معنويات الأهالي)حسب زعمه. فالحكام دائماًهم البادئون بالعنف وليست جماهير الشعب... [14]". ستدحض أية قراءة حية لوقائع اليوم الأول للثورة ولمجريات تحرك القوات المنفذة، ما نُسب من مزاعم لقاسم وذلك لـ : - أن واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة المالكة تمت في حدود الساعة الثامنة صباحاً ؛ - أن عملية نقل الجثث إلى الطب العدلي قد تمت ما بين الثامنة والثامنة والنصف؛ - أن جميع ضباط القوة المهاجمة للقصر كانوا من الضباط الصغار، بما فيهم الضابطان اللذان رافقا جثتي الملك وولي العهد ولم يكن بينهم ضابط برتبة كبيرة؛ - لم يكن قاسم ولواءه 19 قد وصلا بعد إلى بغداد عند مقتل العائلة المالكة؛ - كما تدلل كل القرائن على أن قاسم دخل بغداد في حدود العاشرة صباحاً ،أي بعد أكثر من ساعتين من التمثيل بالجثث؛ - كان قاسم معروف، حتى من خصومه، انسانياً بطبعه، يكره العنف لذات العنف، والخصومة لذات الخصومة، ذو سريرة صادقة. وكان يسترشد بمبادئ سامية عناوينها الأكثر بروزا: الرأفة ، التسامح، العفة. وقد سن قاعدة جديدة [الرحمة فوق القانون] و[ عفا الله عما سلف]. هذه المبادئ تتنافى وما نسبه زكي خيري لقاسم؛ - كما أن الضابط الذي أرخ للحدث يعرف عبد الكريم قاسم جيداً؛ وهل من المنطق أن يقوم قائد الثورة بمرافقة جثث هامدة لا حراك فيها؛[15] - ولم يشر إطلاقاً اي باحث أو كاتب أو سياسي من الذين كتبوا عن تموز، ما سيق من قول وما نسب من فعل لقاسم ؛ - أما بصدد ما ورد في حرب فلسطين، فهي الأخرى لا تستقيم ومنطق الحقيقة وحركة الحرب وتاريخها. وتأسيساً على ذلك لم يرم قاسم جثة عبد الإله الى الجماهير لأجل التمثيل بها، إذ أنه حتى بالنسبة لنوري السعيد الذي وضعت جثته في البدء في قبو وزارة الدفاع و" أمر بنقل جثتي السعيد وولده صباح الذي قتلته الجماهير لتدفنا سراً في مقبرة الأعظمية( مقبرة السجن- ع.ن) أبان ساعات منع التجول... [16]". حيث في اليوم التالي عرفت الجموع الغاضبة مكان القبرة فنبشته وأخرجوا جثته، دون أبنه، ومثلوا فيها. وهكذا أنتهى مرحلة من تاريخ العراق المعاصر ..لتبتدء أخرى تختلف عنها في الماهيات والقوى الاجتماعية ، في نمطية إدارة الصراع الاجتماعي والتحديث الاقتصادي، في القيادة السياسية والوافع المحركة، في طبقية النخبة السياسية والأهداف المستقبلية، في العلاقات الاقليمية والدولية، في المناخين الفكري والثقافي ...ألخ وهذا ما سنبحثه بعض منها لاحقاً .
[1] -هارون محمد، ثورة 14 تموز العراقية بين الحقائق التاريخية والمغالطات الثأرية، جريدة القدس العربي في 8 تموز 1999، لندن. [2] - . مستل من الموسوعة،ج.7، ص. 86، مصدر سابق. [3] - مستل من المصدر السابق،ج.7، ص.63. [4] - د. فالح حنظل، أسرار، ص. 116، مصدر سابق. [5] - خليل إبراهيم حسين، الموسوعة، ج.7.ص.24، مصدر سابق. [6] - د. فالح حنظل/ ص. 125 ، مصدر سابق. ويحاول أنصار الملكية إعطاء هذا القتل غير المبرر بُعداَ إيمانياً من خلال أن العبوسي بعد مقتل العائلة المالكة، أصيب بمرض نفسي نتيجة مراودة صورة عبد الإله له في أحلامه( وقيل الملك الشاب)، بلغ به الأمر إلى الإنتحار عام 1970. لا يخفى على القارئ اللبيب الأبعاد السياسية الكامنة وراء هذه الرواية، التي ينفيها رواة آخرون. صحيح أن العبوسي أنتحر لسبب غير معروف .. قد تكون أسباب أخرى وقد تكون هي. لكن يبقى المغزى السياسي كامن هنا. [7] - د. فالح حنظل، أسرار، ص. 125-126، مصدر سابق. [8] - مستل من المصدر السابق، ص. 144. [9] - من رسالة الروائي المبدع المقيم في أمريكا محمود سعيد إلى المؤلف بتاريخ 30/05/ 1996. [10] - صبحي عبد الحميد/ أسرار ثورة 14 تموز، ص. 100، مصدر سابق. [11] - عبد الجبار العمر، الكبار الثلاثة، ص. 204ن مصدر سابق. [12] - د. فالح حنظل، ص. 127، مصدر سابق. [13] - المصدر السابق، صص. 127-128. [14] - زكي خيري، سليقة الشعب العراقي.. ثورية أم عنفية/ طريق الشعب، العدد 9 أذار 1995. [15] -يصف د. فالح حنظل، قاسم بالقول " كانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها العميد الركن عبد الكريم قاسم. وقد بدأ أمامي يصول ويجول أمام أفواجه بقامته العسكرية المشدودة شدا كأنه سيف غرز في الصخر، وبدا كل ما فيه وكانه خلق للجيش والقيادة... كان صوت عبد الكريم قاسم يشق السكون .. رفيعا.. ثاقباً.. صارماً ...". ص.76، مصدر سابق. [16] - د. مجيد خدوري، العراق الجمهوري، ص. 88، مصدر سابق.
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من تاريخية الجمهورية الأولى: واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة
...
-
من تاريخية الجمهورية الأولى:واقعة قصر الرحاب ومقتل العائلة ا
...
-
مرثية الروح.. في وداع الدكتور عطا الخطيب
-
14 تموز_ العطاء الدائم، مقابلة
-
دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري : ثورة 14 تموز وا
...
-
من وثائق الجمهورية الأولى النيرة، تموز 1958- شباط 1963 ، 2-
-
من رسائل عبد السلام عارف الى عبد الكريم قاسم
-
وثيقة تاريخية: وصايا عبد الكريم قاسم أثناء الحرب الفلسطينية
...
-
قراءة في: ثورة 14 تموز وإخراجها القسري من الحياة:
-
مقابلة صحفية للدكتور عقيل الناصري
-
دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز(5-5) -
...
-
دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 4-5
-
دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 3-5
-
دراسات في التاريخية الفعلية للتغيير الجذري في 14 تموز 2-5
-
دراسات في تاريخية التغيير الجذري في 14 تموز 1-5
-
محاولة تقديرية لجرد أسماء الضباط الأحرار في العراق
-
عبد الكريم قاسم... رؤية ما بعد الثامنة والأربعون
-
عرض مكثف لمحاضرة المرأة – الرجل.. السلطة كحق تاريخي مخوّل
-
تموز14: الضرورة والماهية 4-4
-
14 تموز : الضرورة والماهية 3-4
المزيد.....
-
العثور على جثث 4 أطفال في الجزائر عليها آثار حروق
-
-إعصار القنبلة- يعصف بالساحل الشرقي لأمريكا مع فيضانات ورياح
...
-
في خطوة رائدة.. المغرب ينتج أول اختبار لفيروس جدري القردة في
...
-
أذربيجان تتهم الخارجية الأمريكية بالتدخل في شؤونها
-
ماكرون يسابق الزمن لتعيين رئيس للوزراء
-
نائب روسي ينتقد رفض زيلينسكي وقف إطلاق النار خلال أعياد المي
...
-
ماكرون يزور بولندا لبحث الأزمة الأوكرانية مع توسك
-
الحكومة الانتقالية في سوريا تعلن استئناف عمل المدارس والجامع
...
-
رئيس القيادة المركزية الأمريكية يزور لبنان للتفاوض على تنفيذ
...
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|