|
المثقف ورهان الاختلاف
عامر عبد زيد
الحوار المتمدن-العدد: 1878 - 2007 / 4 / 7 - 11:49
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
"قراءه في مشروع ناجح المعموري"
من أهم ملامح الاختلاف انه يمثل عتبة جديدة تعبر عن انفصال بين الحداثة التي اتسمت بتمركزاتها حول مقولات مثل الحقيقة والهوية والموضوعية والتقدم أو الانعتاق الكوني والأطر الأحادية والسرديات الكبرى أو الأسس النهائية للتفسير. بالمقابل فان ما بعد الحداثة تتصف بكونها بعيدة عن الحتمية والقطعية. يدرك المثقف الذي يسعى للمغايرة طبيعة المشهدية التي تتمظهر في السطوح والمرتبطة بالرهانات المتغيرة وفي هذا نجد في قراءة "ناجح المعموري الخلافية في حقول النقد الثقافي عبر بعدين: الأول نقد الذات والثاني نقد تمثلات الأخر حول الذات خصوصاً القراءة الصهيونية. اولاً: نقذ الذات: "يقول السيد المسيح: ان أحدكم ليرى القشة في عين أخيه ولا يرى الخشية في عين نفسه" ان القراءات الاصولية لا تعرف سوى مدح الذات وذم الأخر وإسقاط الصور النمطية عليه ويستدعي هذا ضرورة إعادة قراءة الموروث برؤية مختلفة ومنهج جديد يتقاطعان مع السائد في الجو الاكاديمي والثقافي في مسعى هادف الى خلق مثاقفة بين الواقع وحاجته الى التحديث بعلاقة مع الأخر عبر اطروحاته القائمة على المغايرة في مجال الثقافة وبين الموروث القديم الذي يشكل ارضاً بكراً لم تقرأ بطريقة الاختلاف. فالأفكار ليست مجرد صوراً ومرايا، بقدر ما هي استراتيجيات معرفية لفهم العالم والتعاطي معه. بهذا المعنى. كل فكرة هي عبارة عن قراءة، لتفسير واقع أو تأويل حدث، أو صرف لفظ، أو شرح ظاهرة، أو تحليل تجربة، أو فك شيفرة، أو تفكيك بنية، أو صوغ مشكلة، أو معالجة قضية، أو تحويل علاقة أو ترتيب صلة)(1) تكشف هذه الأبعاد الثلاثة: الواقع، واللغة والمغايرة المنشودة، والتي لا يمكن ان تتحقق الا بازالة الاطلاق وتقديس الأفكار: لان صياغة الذ1ت ابعد من ان تحتويها فكرة أو مؤسسة أو عقيدة، انها أرحب وأوسع من ذلك. ويوفر هذا لنا فرصة ان نكون منتجين ومغيرين فاعلين لا فقط مستهلكين لأفكار الأخر- سواء كان ذلك التراث أو الغرب. وهذا ما أشار له بورديو مؤكداً العناصر الثقافية المكونة للسلطة حيث قال: "ان السلطة الرمزية، من حيث هي قدرة على تكوين المعطى عن طريق العبارات اللفظية، ومن حيث هي قدرة على الابانة والاقناع، واقرار رؤية العالم أو تحويله، ومن ثم قدرة على التأثير فيه)(2) ضمن هذا التوصيف بالامكان إدراك قراءة ناجح المعموري للذات المتمثلة في ملحمة جلجامش بوصفها تجربة جديدة تجاوزت القراءات القائمة على فلسفة حضور الّدال، والمدلول وتطابقهما. بينما تفضي فلسفة الغياب حضور الدّال وغياب المدلول والفرق بين الاثنين (ان فلسفة الحضور تقوم على مبدأ التمركز فيما تقوم فلسفة الغياب على مبدأ (الاختلاف)(3) أ- المسكوت عنه في ملحمة جلجامش: اشتغل الباحث على كشف بنية الغياب عبر البحث عن المسكوت عنه في ملحمة جلجامش وخصوصاً قراءة اغتيال انكيدو، وهي بالتأكيد مفارقة في الكشف عن الحضور المغيب، لان النص أشار في مسكوته الى غياب قائم على التقاطع بين نظامين لكل منهما سلطته: تمثل الأولى سلطة الأنوثة والأخرى خطاب الأنوثة المقصي داخل الخطاب الذكوري الذي يمثله جلجامش في الوقت الذي كان فيه انكيدو وممثلا للخطاب الأنثوي المقصي وحاولت هذه القراءة المقارنة بين سلطتين ثقافيتين، حيث رأى الباحث ان دخول انكيدو الى مدينة أوروك كان من اجل مقاومة الملك الطاغية وشكل دخوله للمدينة/ الحضارة. قطيعة معرفية بين سلطة الالوهية المؤنثة والسلطة البطرياركية التي بدأت تتشكل بعد ملحمة الخليفة البابلية (حينما كنا في العلى) فالبحث عن بنية الغياب التي تجاوزها الحضورالمباشر للمعنى واستحضار الدلالة الغائبة هو ممهد للظهور في تلك العلاقة التي اتسمت بالمتصادم بين الخطاب الانثوي والخطاب الذكوري وهذا أشار له المعموري في فهمه لمصطلح المسكوت عنه وما أحدثه من تشظي في المعنى . ب- خطاب الخصب ونقد تمثلات الأخر. حاول الباحث الكشف عن ثنائية العلاقة بين الخطابين الأنثوي والذكوري ومؤكداً على الاتي: 1. الخصب بوصفه خطاباً مرتبطاً بالمكان حيث أكد على ان الخصب لا يتضح في النصوص والعقائد والشعائرالسحرية اذا لم يكن له علاقة ثابتة مع المكان الذي صاغ نظام الانبعاث. ولكن ماهي مميزات المكان وتفرداته واختلافاته عن غيره من الأمكنة المتجاورة معه(4) بمعنى ان للمكان اثر في صياغة الفكر عبر التحديات التي تعرضها الجغرافية وما تتركه من آثارها في المنظومة فان العلاقة بين الهوية والمكان علاقة حميمة، لان المكان شرط للخبرة الانسانية ولعلاقتنا بالدين والثقافة المساهمين بعناصرهما في بناء هويتنا الفردية والجماعية. حيث أكد الباحث على نصين في دراسة خطاب الخصب هما: نص الآلهة إنانا/ عشتار التي سرقت "النواميس الالهية" بعد زيارتها الى الاله "انكي" على الرغم مما يتمتع به هذا الاله من خصائص الحكمة/ والمعرفة/ السحر/ والطب الا انه لم يستطع الصمود أمام الطاقة الخلاقة، التي تمتعت بها الاله انانا/ عشتار في الاغواء. اما النص الثاني فهو سرقة الاله "زو" طائر الصاعقة للنواميس ذات العلاقة المباشرة باستقرار الكون وبقاء انتظام الطبيعة عبر خصوبتها وتجذرها. وكانت محاولة "زو" خلخلة للكون وتفكيك ركائزه. لذا استنفر الاله كل قدراتهم من اجل استعادة هذه النواميس وهذا ما قام به الاله انليل (5) وأكد الباحث على العلاقة بالمكان ودوره في تأسيس خطاب الخصب العراقي لكنه من ناحية ثانية أراد إظهار تعارض بين الأنثوي والذكوري كما في ملحمة جلجامش بوصفها ممثلاً لهذا الخطاب الذكوري الذي جسد سلطة الذكورة التي مارست القمع وهذا ما كشفت عنه قراءة ناجح المعموري. 2. أضفى الباحث على المكان دوراً فاعلاً في صياغة ثوابت هذا الخطاب وتميزه في العراق وسوريا عما سواه في اليونان ومصر ولكنها ومع الاختلاف لم تكن شاذة وانما هي وسط محيط ديني/ حضاري، له مدارات متقاربة وان كان التغاير في العلاقات والمسميات الخارجية واضحاً(6) وظهر النسق الجامع للاساطير الشرقية خصوصاً الكنعانية حوارها مع الاصول العراقية (لان "عناه" العاشقة/ الام تكرست في الخطاب الكنعاني والسومري، بوصفها آلهة حازت على عناصر الانبعاث المعروفة في الخطاب الاسطوري العراقي، الا انها مختلفة عنه في مجال الانبعاث النسلي الذي لم تعرفه المنظومة)(7) وأكد في تحليله لهذا الخطاب واتساقه وعلاقاته اتساع الفضاء الاسطوري وتشعبه وحيازة الالوهة الذكورية الكلية صفات الالوهية الشابة، حيث تداخلت صفات وخصائص الالوهة المهيمنة على الخطاب الديني، (أي الخصائص الشابة حصراً صفات الاله الشاب دموزي/ تموز وتتداخل عناصر دموزي/ تموز مع الاله الأكبر "إيل". ومثلما تتشاكل عناصر الالوهة المؤنثة "عناة" مع خصائص الآلهة انانا/ عشتار ويتحقق التناوب بين الاثنين، الذكورة/ الأنوثة وبين دموزي/ تموز والاله "إيل" وبين انانا/ عشتار وبين الآلهة "عناة" الا ان القراءة أشرت حواراً في مجال "عناة" الفكري، وغيابه في مجال انانا/ عشتار. واعني به مدار الخصب/ الانبعاث الذي عرفته الالوهة المؤنثة الكنعانية/ عناة، ولم تعرفه انانا/ عشتار(8). أراد الباحث التأكيد على وظائف كل من "عناة" وعشتار وتباينهما بين الخطابين العراقي والكنعاني ولعل هذا قريب من موقف" نائل حنون" في تأكيده على فعالية الاغواء بوصفها احد خواص عشتار وانكاره الانبعاث لدى تموز(9). وفي هذا اختلاف مع القراءات التقليدية التي أدمجت بين الاثنين كما هو الحال في لغز عشتار لفراس السواح. ان الباحث هنا متغاير مع تلك الدراسات الاقليمية التي تمركزت حول مركز حضاري وجعلته اصلاً وألغت الأخر أو اعتبره طرفاً كما هو الحال في قراءة فراس السواح في تمركزه حول سوريا وسيد القمني حول مصر، الا ان المعموري تجاوز هذا لانه تجاوز المنهج الحداثوي على مستوى الرؤية والمنهج الى ما بعد الحداثة في تأكيده على الحوار الحضاري وتجاوز إشكالية الاصول التي اعتبرها نتيشه وهماً. لكن الباحث المعموري أكد على امكان رد طبيعة الاشكالية الحضارية على مستوى المضمون الايديولوجي والفضاء الفكري. لان القراءة وليدة حاجات حضارية لا يمكن الغاءها وتحويلها الى قراءة طرفية خالية الفائدة. ويحقق أمرين: الأول منهما تجاوز التمركز العرفي والثاني تحليل الخطاب ضمن أبعاده الحضارية والتي تقف ندّاً لقراءات الاصولية للتوراة والانجيل أو القراءات اليونانية التي حازت الراسمال الرمزي واستوت عليه، اما بادعائها التعالي كونها نصاً مقدساً يعود الى اصل مفارق أو تظاهرها بالعقلانية مقابل الاسطورة في نقد ناجح المعموري غياب لهذا الامر لانه اساساً قد تجاوز الادعاءات العنصرية والعرقية. فهذه النصوص ومن الناحية الطبولوجية تنطلق من وساطة الاسطورة بين الحدث الطبيعي والنص الديني المتعالي والنص الفلسفي فلا يمكن فهم النص الديني الا عبر ربطه بسلسلة من العلاقات وتعود به الى الاسطورة التي اعتمدها اصلاً ومن اجل فهم النص الفلسفي لابد من العودة الى الاسطورة التي كانت هي وسيطاً بينه وبين الحدث الطبيعي ويحقق هذا اموراً عدة منها:- 1- انسنت النص المتعالي الديني عبر كشف اصوله الاسطورية يحقق هذا كشفاً لتعاليه وتعرية للادعاءات المتعالية فيه. 2- يسهل فهم النص ضمن اطار مرجعياته وظروف القراءة. 3- كشف لعمق الاضافة في المنتج المعرفي الشرقي ودوره الحضاري واضاءة تمركز القرارات الغربية حول المركزية الاوربية.وهذا ما كشف عنه المعموري في نقد تصورات الأخر، من خلال: 1- القراءات الغربية- المسيحية: قدم الباحث هنا نقداً لتلك التصورات التي تنظر الى الثقافة بوصفها نظاماً مغلقاً مكوناً من المعتقدات واصدرت احكاماً تقييمية تمركزت حول الذات وأقصت الأخر عبر التمركز حول اللغة، الذي أشار له جاك دريد أي نقد الميتافيزيقا ووجدنا المعموري يطبقه في مجال الثقافة التي تتجلى في النصوص والخطابات أو في المؤسسات والمشروعات الثقافية وبهذا تغدو قابلة للتركيب والتشكل واعادة صرفها وتحويلها وتحقق هذا عبر نقد التمركزات الايديولوجية التي أصبحت اليوم شعارات خاوية ومطلقات هشة اتاحت مزيداً من التمركز وهو ما أشار اليه الباحث في تلك النظرة القائمة على تفضيل اليونان عما هو سواها من خلال التذرع بالعقلانية التي قدمتها الحداثة عبر وثوقياتها لتؤسس الفرق العرقي والجغرافي للغرب مقابل الأخر الشرقي فالجغرافية لا تحفز الذاكرة فحسب بل تحفز الاحلام والاخيلة فالباحث هنا يحاول الكشف عن ذلك التفاعل بين الجغرافية والذاكرة والتلفيق الذي يحاول إعادة إنتاج المعنى عن طريق توظيف المؤسسات التي يسميها فوكو (أنظمة أو مؤسسات الانضباط) القائمة على إدخال الفرد في نسيج سردية جمعية للغرب من اجل هوية ليست اعتباطية بل هي عملية تأويل للماضي والتاريخ والثقافة عبر عملية تجميل للهوية والتاريخ؛ وهذا الماضي الذي مازال يتحدث الينا عبر النصوص التي أعادت إنتاجنا عبر ادعائها تمثيل الحقيقة في وقت لا تعدو سوى تحيزات ايديولوجية. وحاول المعموري قراءة فلسفة الحداثة ووثوقيتها انطلاقاً من ما بعد الحداثة التي جردت تلك الوثوقيات من بعدها العلمي حتى بدت تلك الغيرية بوصفها مقولاً توسسها فكرة السلب أو النفي فالانا لا يفهم الا بوصفه سلباً أو نفياً لـ (الأخر) (ان بناء الهوية يكون مشروطاً بافتراض وجود هوية مثالية أخرى تكون بمنزلة مخزن الاضداد)(10). هذا هو اللا مفكره فيه في نظرة الغرب الى التراث القديم والذي وصفه ناجح المعموري امامنا في بحثه عن الاختلاف بعيداً عن التمركز الايديولوجي ففي دراسته "تأويل النص التوراتي- اسطورة العذراء عناة"(11). يحاول كشف تلك العلاقة بين النص الاسطوري والنصوص المقدسة ويكشف الاتساق والتحولات في الوظائف وبالتالي الاعلان عن الاصول واثرها في النصوص المقدسة وأكد الباحث: ان الحضارة العراقية/ السورية/ الكنعانية/ المصرية مهتمة بالخصوبة وادامة الحياة والابقاء على حركتها بالخصوبة وادامة الحياة والابقاء على حركتها وفاعليتها. لهذا يذكر وظيفتين للالهة عناه (وظيفة عناه الخاصة بالحرب والتسلط والابادة، لها صلة مباشرة وقوية بنظام الخصوبة والديمومة)(12) وتظهر جدلية الصراع بين الحياة (عناه/ بعل) والموت بالاله (موت) (الظلمات/ هي الموت، والعالم الاسفل، الاندثار الذي يتعرض له الانسان والنبات/ لان صعود الظلمات في الحياة يعني غياب الاله البعل وعناة وسيادة الاله (موت). ولذا فان النصوص الكنعانية ركزت تماماً على الحياة وممارسة المتع واللذائذ فيها، لانها –حياة- تتبدى من خلال الاكل/ الخبز وممارسة الجنس والانجاب وتقديس الارض مواسم الخير فيها ومثل هذه الاعتقادات تدعو الى التعلق بالارض حتى التقديس. الا ان هذه الاسطورة تحولت الى سلسلة من الاعتقادات والاعتقاد المسيحي (القمح/ المسيح) (كان القمح رمزاً للاله الشاب في العديد من ديانات الشرق السورية/ الكنعانية/ المصرية وامتد متماهياً مع السيد المسيح للعلاقة التبادلية بين القمح بوصفه رمزاً دالاً على الاله المصري اوزيريس والسيد المسيح، الذي حاز على الكثير من صفات ادزيريس المصري، وكذلك البعل)(13).
2- نقد القراءات اليهودية والصهيونية: ناقش فيها المعموري السلطة وانساقها ووظائفها في محاولة تهدف الى انسنة العالم وتجريده من ادعاءاته والعمل على كشف الاكراهات والارغامات التي تهدف الى إقصاء الأخر وإسقاط كل القيم السلبية عليه. وهذا ما كشف عنه المعموري في القراءة التوراتية التي أضاءت التراث السوري والعراقي القديمين وسعت لإيضاح خاصية التوراة وقطعيتها مع الاصول الشرقية الأخرى عبر ادعاءاتها التوحيدية المتعالية المتحققة في خلال تأميم الراسمال الرمزي القديم باسم التعالي الميتافيزيقي للتوراة التي كرست النخبوية والعنصرية القائمة على إقصاء الأخر وإسقاط الصور النمطية عليه وتبرير قتله. وقد تناول هذا في كتابه "التوراة السياسي" اذ قدم في ثلاثة فصول عدداً مهماً من المواضيع ذات الصلة المباشرة بالخطاب التوراتي باعتباره خطاباً متعالياً ومتمركزاً وكشف الباحث عن الاصول الشرقية المغيبة والمسكوت عنها وهي: الأول: الرثاء التوراتي وتناصاته مع الآداب القديمة من حيث البنية وعناصرها ومضامينها اذ توصل الى ان القصدية الواضحة في تذويب العناصر الدينية فيها، الآلهة والعقائد والطقوس من اجل الشطب على الشخصية الجزيرية وعبر التلاعب بالتراث المصري والسوري والعراقي واعادة صياغته بما يوحي بخاصيته وقطيعته مع الاصول في الشرق(14) ومن نماذج التناص الرثاء العراقي القديم في ملحمة جلجامش وحصراً فيما يتعلق برثاء جلجامش لانكيدو ورثاء شاول ويوناثان حيث وجد الباحث تشابهاً فيما بينهما لانهما [جلجامش وداود] ملكان وارتبطا بصداقة حميمة جداً والتزم كل منهما بميثاق مع الأخر في رحلة العمر الطويلة المحفوفة بالمخاطر والاهوال(15) وهكذا تبّدت المرجعيات العراقية للرثاء في النص التوراتي من الناحية الطبولوجية.وكشفت الاسطورة بانها الاصل والرابطة بين الحدث الطبيعي والنص التوراتي. والثاني: الخصب بوصفه خطاباً للتوراة والاداب القديمة على الرغم من اختلاف الرؤية لكن النص احتفظ بالارث القديم فالباحث هنا يتابع هذه الرموز ومنها عصا يهوذا رمزاً لفحولة الشيخوخة حيث قال: (لعل أهم الوظائف المناطة بهذه العلاقة الرمزية هي الخصب باعتباره نظاماً لم يعرفه بني اسرائيل من قبل بسبب رعويتهم وبدويتهم واستمرار ارتحالهم، ومن خلال ذلك اعتقد بني اسرائيل بانهم تساووا مع جيرانهم في تأسيس وترسيخ نظام للخصب بحيث تخلصوا من عقدة الاخصاء الملاحقة لهم عبر التاريخ الطويل.)(16) والثالث: حقق نجاحاً في تجريد التعالي المقدس للعرقية اليهودية في اللغة والخطاب التضحوي الكاذب (الهولوكوست) في مسعى العزل الميتافيزيقي واثاره في الخطاب التوحيدي وعلى ضوء الاشكالات السياسية وابعادها الايديولوجية بوصفها رهانات تركت اثراً في تصورها لذاتها ولعلاقتها مع الأخر. ونجح المعموري في تجريد خطاب الهوية اليهودية – الصهيوني في دعواه في خطابه النصحوي الذي حاول تشكيل الهوية القصية المعتمدة على مقدسات تخيلية سردية تدعي تعاليها كنص الهي. وقدم الباحث في كتابه "أقنعة التوراة"(17) جهداً نقدياً جيداً في نقد الأخر وكشف تهاوي اطروحاته التي انطوت على نقد مفهوم الهوية المغلقة القائمة عليها التوراة والقراءة الصهيونية ومجهوداتها في بناء هوية يهودية – صهيونية. ويمثل هذا الجهد النقدي محاولة من اجل انسنة المشروع الديني وادخاله ضمن حدود المتناهي وتجريده من افقه المتعالي ثم العمل على كشف مزالق القراءة الصهيونية وما تقوم عليه من تحيزات. هذا الامر تحقق من خلال البحث في تناصات التوراة واستعاراتها الاسطورية: (كان الدور الذي قام به الكهنة متميزاً وذكياً، حيث خضعت الاسفار الى تدوينات عديدة تمثلت تلك الاساطير والاداب وكان تمثلها في منتهى الدقة بحيث تحولت الى اقعنة(18) ولابد من الاشارة الى: اولاً: نقد الزمن المقدس الذي يمثله السبت اليهودي، وتحقق هذا عبر استعراض متون النص واصوله الشرقية وادعاءات اليهود وسلوكهم البرغماتي. وفي باب التأصيل قال: (معروف بانه طقس ديني، تتعطل فيه الفعاليات في بابل القديمة، وكان يسمى "شابيتو" حيث يعني التعطل تماماً عن ممارسة أية فعالية بالنسبة للمرأة وخصوصهاً عندما تداهمها فترة الطمث)(19) ثم قام بتأميم هذا الرمزية واعتبرت الديانة اليهودية يوم السبت علاقة ذات دلالة ايديولوجية بوصفه دالاً على العهد المقدس بين الشعب وربه يهوه ، فان اثبات الجذر الأول يبطل التعالي مما يجعل الادعاء فارغاً وما يعزز هذا النقد العلاقة البرغماتية التي اعتمدها اليهود للاستيلاء على ذلك والتعامل معه خاصية يهودية. الثاني: تناول الباحث الوظائف التي استعارها (يهوه) ومقارنتها باصولها الشرقية وبتجريد الادعاءات النخبوية مثل الوعد الالهي واسطورة "شعب الله المختار" واكراهاتها الاقصاءية بحث الأخر عبر قتله، وسلبه الارض كما أكد الباحث على ان قسوة يهوه ودمويته نتاج لميتولوجيا مكان صحراوي وظروف معقدة وحيازات معروفة من آلهة الشرق وعلى الرغم من اضعاف البنية المؤسسة ومضافاً لها الحالة الاقتصادية التي عاشتها القبائل الرعوية وما نتج نفسياً عنه من انكسارات،هذا كله، اظهر خيارات جديدة وتشكلت تكونات اجتماعية وثقافية ساهمت في تعميق الوعي المتشظي وعمقته الفوضى السياسية والدينية التي أوجدت خلافاً قائماً على التحبيك السردي التخيلي المولد لظاهرة الاصطفاء العرقي لشعب دون سواه. ووجدت الحل في نشوء تلك العلاقة التخيلية القائمة على الاصطفاء العرقي لشعب دون سواه. ان الباحث يعلل ظهور تلك المقولات وسرود الهوية باعتبارها استجابة لجملة من الحالات التي أراد معالجتها باختلاق مقولات تخيلية، وبهذا فهو يحاول تجريد المشروع التوراتي وامتدادته الصهيونية من تعاليه الميتافيزيقي ليغدو ضمن حدود الاناسة.
ثالثاً: حاول الباحث وقد افلح في نقد المؤسسة الدينية واثرها في تكون تلك الرؤية المغلقة التي حاولت احتكار المعنى عبر اسقاط اليهود في براثن عقدة الذنب عبر تأويلها للمصائب والمحن على انها عقاب على تخلي هذا الشعب عن طقوس الولاء. ان البحث المعمق الذي ينشد الاختلاف هو الذي يدرس مؤسسات السلطة وبيان تناهي مشروعها وكشف تحيزاتها. فالوهم العقائدي الايديولوجي القائم على الاقصاء وليد سلطة المؤسسة الدينية التي أرادت معالجة حالة الضياع التي مر بها اليهود في الشتات بعد الخروج من مصر أو الترحيل الى بابل وفقدان وهم الهوية، فان المؤسسة عمقت هذا عبر زرعها (حلم الخلاص والحياة السعيدة لمواجهة حقيقة الصحراء)(20).
المصادر 1- على حرب، الماهية والعلاقة، المركز الثقافي العربي،ط1،1998بيروت ص81. 2- عبد الهادي، سحر الرمز، دار حوار،ط1،1994،اللاذقية، ص40. 3- مختار الفجاري، خطاب العقل عند العرب، تونس، ص37. 4- ناجح المعموري، اسطورة الخصب في حضارات الشرق الادنى، م: اقطار ، عمان، ص167. 5- المرجع نفسه، ص168. 6- ناجح المعموري، نون والقوس، ط1، مطبعة الروزتا، عمان، 2005، ص8. 7- نفس المرجع،ص7-9. 8- نفس المرجع، ص9. 9- نائل حنون ،عقائد الحياة والخصب ،الاهلية،ط1،2002،عمان،ص74-92. 10- ارفن جميل شك، الاستشراق جنسياً.ت:عدنان حسن،ط1،قدمس للنشر،ص82. 11- ناجح المعموري، تأويل النص التوراتي (اسطورة العذراء عناة، جريدة الاديب، ع88، دار الاديب، بغداد، 2005، ص20-21. 12- المرجع نفس، ص20. 13- المرجع نفسه، ص20. 14- ناجح المعموري، التوراة السياسي، الاهلية، عمان، ط1، 2002، ص9. 15- المرجع السابق، ص99. 16- المرجع السابق،ص212. 17- ناجح المعموري، أقنعة التوراة والقراءة النقدية،ط1، الاهلية للنشر والتوزيع،عمان، 2002،7ص-9. 18- المرجع السابق، ص7.
#عامر_عبد_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجذور الحضارية لمدينة الكوفة
-
رابطة المواطنه
-
مقاربة نقدية في السرد الروائي
-
الأعلام والعولمة
-
مهيمنات السلطة وإثرها في تشكيل الوعي الغربي
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|