أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - رامي الغف - حوار مع الشاعرة والأديبة الجزائرية الدكتورة حنين عمر















المزيد.....


حوار مع الشاعرة والأديبة الجزائرية الدكتورة حنين عمر


رامي الغف

الحوار المتمدن-العدد: 1878 - 2007 / 4 / 7 - 11:55
المحور: مقابلات و حوارات
    



حاورها/الصحفي:رامي الغف
* نعيش في زمن فقد الوطن فيه معناهُ و فقدت الهوية فيها شكلها وفقد الانتماء فيه طعمه
* نزار قباني أستاذي الذي علمني الحب والشعر والثورة والحرية

* الشاعرة حنين عمر.. شاعرة ذات لونِ مميز، جمعت بين حروف كلماتها قطوفاً من الرومانسية و الرقة و الحلم و الدفء و الجرأة ، استطاعت عبر أعمالها الأدبية التعبير عن المرأة و مشاعرها و أحلامها و أفكارها بمقدرة فريدة. كيف كانت بدايتك مع الشعر ؟ وما هي أهم المؤثرات التي أثرت في تكوين اتجاهاتك الأدبية ؟
- كيف كانت بدايتي مع الشعر؟ الوردة لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع العطر ، و الشمس لا تعرف كيف بدأت علاقتها مع الضوء، والجسد لا يعرف كيف بدأت علاقته مع الروح ، وأنا لا أعرف كيف بدأت علاقتي مع الشعر ولا أستطيع تفسير نوعها أو تحديد ماهيتها أو إعطاء فلسفة ما لها لأن الشعر من علم ربي . كل ما اذكرهٌ ، هو إنني كنت طفلة لم تتم تسعة أعوام ، تلعب لعبة الكتابة لتسلي نفسها وتقاوم اكتئابات فراغها ووحدتها فاكتشفت أثناء تلك اللعبة لعبة أكثر تسلية اسمها الشعر. كنتُ أقرأ كثيرا في طفولتي ، وكان نتيجة ذلك بالضرورة أن أبدأ في نسج حكايات صغيرة تشبه ما كنت اقرأه كنوع من الانعكاس الطبيعي لحالتي ، وذات يوم اكتشفت كتابا في الرفوف العليا من المكتبة ، صعدت لتلتقطهُ وتسقط على الناصية الحديدة ، لم تكترث حينها بنزيف جرح استقر في ركبتها ، لأن نجرحا اكبر كان قد تفتق في روحها وأعلن بداية نزيف القصيدة. لقد قرأت كثيرا قبل تلك اللحظة ، ولكن عنترة وقيس وبشار بن برد فشلوا جميعا في إقناعي بدخول مدارسهم ، لأنهم لا يجيدون التعامل مع الأطفال ولا يفهمون سيكولوجية القطط . عكس أستاذي نزار الذي أقنعني من أول سطر بأن أضع شريطة حمراء في شعري وأتبعه بكامل إرادتي . إن ذلك اللقاء الخرافي وتلك الوحدة التي كنت أعيشها في طفولتي إضافة لعدة عوامل آخرى مثل اتجاهات والداي الثقافية و مكتبة بيتنا الضخمة صنعت بداية امرأة تكتب...
* تكتبين قصيدة النثر برأيك هل حققت قصيدة النثر ما طمح إليه الشعراء أم إنها مازالت تحاول إثبات ذاتها؟
- علي أن أعترف أولا أنني في وقت ما من طريقي لم أكن أعترف بقصيدة النثر اعترافا كاملا ولم أكن أمارسها ولم أكن أستسيغ سوى موسيقى العروض والقوافي ، و لعل الفضل في جعلي أقيم علاقة مميزة معها الآن يعود لأستاذي الشاعر الأردني : "جريس سماوي " الذي حثني على تجريبها ، ونتيجة لهذا التجريب تكونت علاقة رائعة بيني وبينها أهم ما فيها هو أنني أمسكت بماهية نسيجها واعتمدت على فلسفة التفكيك وعلى الجرس الموسيقي الداخلي ، وهي باعتقادي أهم أسس القصيدة النثرية التي تميز النصوص الشعرية النثرية عن النصوص السردية . لكنني أملك مبدأ معينا في قضيتها و يتمثل في كوني أشترط على من يمارسها أن يكون ملما بالموسيقى العروضية ، لأن ذلك – عكس ما يقوله الكثيرون- أمر ضروري لبناء الموسيقى الداخلية للنص. فأنا أحب أن أثبت قدرتي على البناء والهدم ...في آن واحد !!!
*نعم ولكن القصيدة الآن هل أثبتت ذاتها وحققت ما تطمح إليه أو ما طمح إليه الشعراء أو الشاعرات أيضا؟
- مع إني من أصدقائها ومن متقبليها على اختلافها و امتدادها وممن يمارسون لعب الشطرنج معها إلا أنني أعتقد إلى حد الآن ، أن ما حققته قصيدة النثر من انجازات أقل بكثير مما تسببت به من كوارث في الشعر العربي .
* هل نستطيع أن نسأل أن القصيدة النسائية هل هي بخير الآن؟؟؟ وهل تسير هذه القصيدة في طريق الإبداع أم هي تكرر ما قيل وما يقال؟
- إن كان هناكَ سماء رجالية وسماء نسائية ، هواء رجالي وهواء نسائي ، ألم رجالي وألم نسائي ، فإن تصنيف الأدب الرجالي والأدب النسائي يكون قابلا للنقاش . الألم هو الألم ، و النزيف هو النزيف ، ولا فرق بين دم رجل ودم امرأة إلا في عدد الكريات الحمراء ، ولستُ أؤمن مطلقا بمعايير أدبية عنصرية ، لأن كل الأسوار وكل الفروق وكل الأجناس تختفي أمام ورقة الكتابة ، فلا يبقى منها سوى روح ٌ و أصابع . لكنني لن أفوت فرصة هذا السؤال لأفضح الإحصائيات الأدبية المروعة التي تكشف ضآلة المساحة المؤنثة بالنسبة لمساحة الصوت الرجالي ، فعدا بعض الأسماء النادرة مثل : نازك الملائكة ، و فدوى طوقان ...لا يوجد امرأة واحدة استطاعت أن تحفر جدار التاريخ بأظافرها عميقا مثلما فعل أستاذي نزار قباني أو محمود درويش أو حتى المتنبي . ولن ألقي اللوم على رجال القبيلة فقط ، لأن المرأة تواطأت معهم على ذاتها في أغلب الأحيان ، فبعض الأديبات قطع مسرورٌ رؤوسهن كرها والبعض الآخر قطعن بأنفسهن رؤوسهن طوعا ،وبعضهن أكلتهن القبيلة خوفا على شرفها ، و بعضهن أكلن شرف القبيلة . ولأننا حاليا نعيش عصر النشاز الحضاري والاجتماعي والشعري ، عصر تشابه الأصوات والأشكال و الوجوه ، فإننا نحتاج ثورة توقف هذه المجازر التي ترتكب في تاريخنا المؤنث ، تفنع سيف مسرور بحماية اللواتي يكتبن بأرواحهن ، و تقنعه في الوقت ذاته بقطع رؤوس من يكتبن بأجسادهن . تلك الثورة لابد أن تأتي في شكل امرأة لها ملامح القصيدة ، ولها صوتٌ منفردٌ وجميل و قوي كفاية لمواجهة القبيلة ، امرأة تمارس الحرية ولا تمارس البغاء ، تأكل الشوكولا ولا تدخن السجائر ، تواجه قاتليها ولا تفر منهم ، تلبس الجينز بعد الظهر وتقيم صلاة قيام الليل بعد العشاء .
*كل ما كان الإنتاج الأدبي ابعد كان الضوء أكثر تسليطاً عليه بينما الأدب الشرقي أو حتى الدول المجاورة نجد بأننا نجهل ما تبدع، لماذا تملكتنا تلك الحالة الغريبة لهذا الشكل ؟
- لماذا؟ لأننا تعودنا على الانغلاق والاكتفاء الذاتي و العيش " مستورين " ، و لأن إعلامنا العربي يفضل أن يروج لراقصة بدل شاعر . ولأن الكاتب الأمريكي ، يبيع خمسين ألف نسخة على أقل تقدير ، و يحلم ببهرجة "هوليود" و بشهرة "كان" على أقل تقدير ، بينما يهدي الشاعر العربي نسخه لأصدقائه ويرجوهم أن يقرؤها ولا يحلم إلا بتأبينية لائقة بعد موته. إن السؤال في حد ذاته لا محل له من الإعراب في ظل الحالة المزرية التي يعيشها الأدب العربي ، فإن كان الشارع الجزائري مثلا ، لا يقرأ للكاتب الجزائري ، فكيف يكون منطقيا أن أطلب منه الإطلاع على الأدب الكوري أو حتى الأدب التونسي .
*لمن تقرأ الشاعرة حنين عمر ؟ وماذا تقرأ ؟
- تقرأ لمن يقنعها أنه يستحق أن تبقي مصباح طاولة سريرها مشتعلا حتى الفجر ، تقرأ لمن تشعرُ أنه يكتب !!! أما المهرجون والمرتزقة وأصحاب الملاهي الليلية فهم لا يستهوون فضولي . على أنني أحب أن أطلع ولو من باب المعرفة بالشيء على كل ما يمكنني الإطلاع عليه ، لأنني أتعلم من أخطاء الآخرين أكثر مما أتعلم من مثاليتهم ، و ألتمس في رقصاتهم الخطوات الخطأ لأتجنب تكرارها في رقصتي . أما بالنسبة لنوعية قراءاتي ، فلا أستطيع أن أصنف لك كاتبا بعينه ، ولا أن اذكر كتابا باسمه، لأن في ذلك إجحافا بحق الآخرين ، لكنني أحب قراءة الأدب الفرنسي كثيرا باعتبار اللغة الفرنسية لغتي الأولى و أحب قراءة القباني باعتباري تلميذته ، و أحب قراءة حنين عمر أحيانا لأنني في كل مرة اكتشفها من جديد . وقد أضيف هنا بندا غريبا في سؤال القراءة ، فالقراءة قد تمتد لدي إلى اللوحات الفنية أيضا ولا تتوقف عند حدود الكتب...وأشير هنا إلى تمام الأكحل وإسماعيل شموط اللذان يكتبان بالألوان أجمل القصائد ويعرضان القضية الفلسطينية على العالم بأسره من خلال تلك اللوحات التي...أقف طويلا أمامها وأستلهم منها حالات مذهلة تزيد عدد الأوراق المكتوبة في أدراجي.
*ماذا تمثل الكتابة بالنسبة لك ؟ وهل لك طقوس معينه في الكتابة ؟
- لا تمثل لي أي شيء ،وقد يبدو ما أقوله الآن غريبا بعض الشيء ، ولكنني لا أريد أن أكذب على من سيقرآني ، ولا أريد أن أبدأ ديباجة طويلة أسرد فيها كل كلمات التبجيل والتقديس والمداهنة لحساب الكتابة ، ببساطة لأن ما يمثل شيئا ما بالنسبة لشخص ما يشترط فيه أن يكون كيانا منفصلا عنه ، بينما أنا والكتابة شيء واحد. فالكتابة قدرٌ ، مثل لون عيوني ، وشكل أصابعي، واسم المدينة التي ولدت فيها ، لا أستطيع أن أظلمها ولا أن أنصفها ، ولا أن أتقبلها ولا أن أرفضها ...وما علي سوى أن أجد طريقة جيدة للعيش معها تحت سقف جسد واحد . فكما تتعايش الفأس مع يد حفار القبور ، وكما تتعايش الخيوط مع يد نساجة النول تتعايش الكتابة مع يدي لتحفر قبرا ورقيا لاختلاجاتي ولتنسج بساطا سحريا لمشاعري و لتحاول تغيير العالم. أما الطقوس التي تسألني عنها ، فنصوصي ليست ابنة مهراجا ولا وريثة عرش بريطانيا لأعلن حالة الطوارئ قبل ميلادها في كل البلاد . بالنسبة لي ، بعض الآيات من سورة مريم ، و قابلة جيدة تفي بالغرض !!! إنني لست " شيخه " تقيم زارا قبل الكتابة ، ولست ممن له طقوس شعرية أو هندية او بوذية . فقد أكتب في المطبخ وأنا اقطع البصل ، وقد اكتب في الباص أو الشارع أو على القمر كل ما احتاجه لذلك هو قلمٌ جيدٌ وورقة أو شاشة كمبيوتر، لوحة مفاتيح، و برنامج/ word/.
*من هم أبرز الأساتذة الذين تتلمذت على أيديهم وتفتخر حنين عمر بهم ولماذا ؟
- حين التقيت نزار قباني كان هو في الستين من عمره وكنت أنا في التاسعة ، و منذ ذلك الوقت تعلق مصيري به وتعلق باسمي لقب : تلميذة القباني . وقد يرى البعض أنه لقب لا يمثلني تماما ويفضلون تسميات أخرى أطلقت علي مثل جنية الكلمات أو سندرلا الشعر العربي ...لأنني خضت تجارب أوسع من مدرسة القباني كالرواية والقصة والشعر الشعبي من جهة إضافة لاختلاف الأساليب الشعرية في قصائدي البحرية كما أشاء أن أسميها والتي لا علاقة لها بالمدرسة النزارية . وقد يرى البعض أن هذا التعلق ما هو إلا دعاية مجانية ومحاولة مني أن أستظل بجدار القباني لأنه حالة متفردة ولا يمكن استنساخها. وأنا أؤيد أنه لا يمكن استنساخها و أؤكد أنني خضت تجارب أبعد من المدرسة القباني وتمردت عليها ما شاء لي جنوني أن أتمرد ولكنني فخورة بلقب التلميذة المتمردة و مستمتعة بدورها و معترفة بفضل أستاذي نزار. إنني لا أسعى إلى الاستيلاء على عرشه ولا إلى تكرار تجربته ولا إلى تقمصه ، أنا فقط أحاول أن افتح مدرسة الحب مرة أخرى و أحاول أن أواصل مشاريعه و أظنه سيكون فخورا بي أيضا ما دمت أحارب لأجعل مساحة الحزن على الأرض أقل مما هي عليه الآن ومساحة الحب أكبر مما هي عليه الآن.
*أحلامك على المستوى الشخصي ؟ وعلى المستوى الأدبي ؟
- أحلامي الشخصية لا تتعدى أحلام امرأة رومانسية ، بيتٌ صغيرٌ ورجل تحبه وطفلٌ اسمه نزار ويناديها ماما . لكن لأحلم - بكل هذا - يلزمني وطنٌ أبني بيتي عليه وهوية أقدمها للمأذون الشرعي ، و انتماءٌ أطبع به طفلي ، و لأننا في زمن فقد الوطن فيه معناهُ ، و فقدت الهوية فيه شكلها وفقد الانتماء فيه طعمه ...فأحلامي ستبقى للأبد حبرا على ورق ، و أغنية لم تكتمل ، و حزنا أعجبته الضيافة العربية . أما أدبيا ، فأحلامي لا تتعدى ضفيرتين وشريط قرمزيٌ ، أبقى به للأبد تلميذة في مدرسة الحب ...تلميذة لا تطمع بمنصب الناظرة لأنها تفضل الحفاظ على طفولتها ، وإنما تطمح إلى إقناع مئة مليون عربي باللعب معها في الفناء .

*ماذا تمثل المفردات التالية في شعر ووجدان الشاعرة حنين عمر كاظم ؟
الحب : آخر حبة شوكولا في جيبي
الوطن: عصفور أخضرٌ طار عبر شباك الحنين
الأمل : طفلٌ صغيرٌ بعيون حزينة
الغربة : حقيبة سفر ثقيلة و جواز سفر ضائع .
الحلم : مخدرٌ قوي نتعاطاهُ لكي نعيش.
الحياة : رواية أنا بطلتها ولا اكتبها .
*في حياة كل منا لحظات لا تنسى ، قد تكون لحظات سعيدة أو مؤلمة فما هي أهم اللحظات في حياة حنين عمر والتي لا تنساها؟
- أهم اللحظات ، هي اللحظات التي لم تأت بعد ...ولأنني امرأة تحب أن تعيش كل لحظات حياتها فأنا أعتقد أن كل لحظة من حياتي لها ماهيتها الخاصة جدا ، وطعمها الخاص جدا ...وأنه من المحزن أن تسقط من ذاكرتنا بعض منها لأننا لم نربح فيها مليون دولار . لحظات كثيرة قد أتحدث عنها هنا مثل لحظة ميلادي والضوء الخارجي لعيادة القديسة " آنا " ، مثل لحظة اكتشافي الكتابة...وأنا في الرابعة من عمري، مثل لحظة اصطدامي بنزار قباني وانضمامي إلى مدرسة الحب...مثل لحظة سقوط بغداد التي زلزلت كياني العربي...مثل لحظة لقائي بكاظم الساهر ...مثل لحظة إمساكي بأول نسخة من روايتي الأولى...هاته اللحظة التي يقرؤني فيها شخص ما لا اعرفه و لا اعرف ما هو انطباعه الآن عني . فما أكثر اللحظات المهمة في حياتنا ، وما أقل قدرتنا على استيعابها كلها ، ولكنني متأكدة أن اللحظة الأهم التي لن أنساها ستكون :لحظة موتي...
*ترين نفسك ِ مختلفة عن الآخرين وقد قلتِ أن اختلافكِ كان نتيجة سلسلة تصادمات مع العالم في مواضع اعتاد الأدباء وغير الأدباء على تقبلها..أنا هكذا والعالم هكذا لا يعجبني "فما هي الصدمات التي واجهتيها ؟؟؟
-لو سألتني هذا السؤال قبل سنتين فقط لقلت لك أنه لا يوجد صدمات في حياتي ، ولكنك تسأله اليوم ، واليوم لم أعد قادرة على عد الصدمات ، وأسوء شيء قد يحدث لي هو أن أصبح في خانة رمادية : خانة ( لا اعرف) ، هناكَ حيث لا نعي الأبيض من الأسود ، ولا نستطيع الثقة بأنفسنا ولا بغيرنا . أسوء شيء قد يحدث لك هو أن ينكشف القناع عن أشخاص أحببتهم وصورتهم في مخيلتكَ على هيئة مختلفة تماما عن حقيقتهم ، حينها تشعر بالغباء وبالا جدوى وبالرغبة في البكاء. إلى وقت قريب ، كنت أعيش بالأبيض والأسود ، و لم يكن الرمادي في حساباتي ، أما اليوم فأنا أعرف جيدا أنه موجود في تعاملاتنا ، موجود في علاقات الحب ، والصداقة ، والسياسة و التجارة ، وأنا اقر بوجوده ولكنني لا أقر بسلطته علي ولا أقبل التعامل معه ، و لا الرضوخ لمجتمع يحولني إلى آلة إنسية خصوصيتها أن تشبه الجميع ، و مهمتها أن تعيش وتأكل وتنجب و تصمت ، لذا أعلن التمرد على كل صدماتي ، وأجهز مسبقا نفسي لصدمات أخرى ولكنني محاربة من الدرجة ، محاربة قررت أن تستمر في ثورتها لأنها هكذا والعالم هكذا لا يعجبني ولأنني أقول دائما : أن التعود على تقبل الخطأ لا يمنح الخطأ شرعية الصحيح، ولا يمنح العالم شرعية أن يجبرني على تقبله.
*حين تعود حنين عمر إلى أعماق نفسها، كيف تراها حقيقة؟
- " حنين عمر " صديقتي ، وأنا أحبها وأشفق عليها لأنها مجرد طفلة تمردت على القبيلة باقتناع كبير أن الأمر مجرد لعبة ستنتهي مثل كل لعبة أخرى لصالحها. ولأعترف أنني أقف أحيانا أمام مرآتي ، أنزعج من أعوامي الاثنين والعشرين ، أجمع شعري الطويل في ضفيرتين وأربطها بشرائط حمراء...ثم أتساءل : من أنا ؟ فتجيبني حنين : أنت عاشقة وثائرة ومجنونة !!! وهذا جواب غير كاف بالنسبة لي ولكنه كاف بالنسبة للقصيدة.
*إلى أي مدى فقدت القصيدة فعاليتها في هذا الزمن المعلب؟
- ما يحزنني هو أنني ولدت في زمن يأكل المشاعر بالشوكة والسكين ويتفنن في اغتيال كل الأشياء الجميلة ، زمنٌ لا يمهلنا كي نكبر ، و لا يترك لنا نقطة من العطر آخر الحلم. ولكنني رغم ذلك أعلن أنني لن أستسلم أبدا له ، ولن أترك له شرف الانتصار علي وعلى القصيدة ، لن أدعه يحولني إلى علبة صفيح ، ولا إلى دمية من خشب ولا إلى سيجارة كوبية ، ولن اسمح له أن يأكلني ولا أن يأكل أحلامي ولا أن يجعلني بلا إحساس. ربما قد أنهزم في معركة ، وربما قد أنزف حتى الموت ، ولكن كل جرح ما هو إلا مطلع قصيدة وكل نزيف ما هو إلى رغبة في الكتابة ، وكل معركة ما هي إلا بعض الحرب...ولن أدعه يفوز في هذه الحرب ، لأن القصيدة لم تفقد فاعليتها بعد ما دام هناك شخص واحد على الأرض يؤمن بها وبقدرتها...ولو كان هذا الشخص أنا فقط ، ولا اعتقد أنني وحدي –فقط -!!!
*أهناك من قوّة للثّقافة في زمن طغت فيه ثقافة القوّة؟
- تظل قوة الثقافة أكبر بكثير من ثقافة القوة لأن الأولى هي أساس الثانية ، ولأنه لا خير في " أجساد البغال وعقول العصافير " ، ولأن التاريخ لا يحتفظ بالدبابات ولا بالقنابل النووية في مخازنه ويحتفظ بأشعار المتنبي و بقصص ألف ليلة وليلة . إن القوة الحقيقية المهيمنة حاليا على الأرض هي قوة الثقافة ، الثقافة الغربية التي عرفت كيف تسيطر علينا وفتحت المجال لثقافة القوة حتى تكمل أحكام قبضتها جيدا على عقولنا ، ولكننا- لأننا مشغولون بقضية تحريم أو تحليل الإنترنت للمرأة - نعتقد أن قوة الغرب كامنة في أسلحته واقتصاده...وأننا لا نملك إلا أن ندعوا ليغيثنا " طير أبابيل" . ولو عرف العرب الحقيقة- بعد أن يتفقوا على مسألتهم الأولى ،لأيقنوا أن سبب تخلفهم ما هو إلا نتيجة حتمية لإهمالهم جوانب ثقافتهم وتعلقهم بحبال الهواء وتحولهم من مكتبة عالمية إلى ملهى عالمي تعيش فيه الراقصة أحسن من الأديب ، ويفضل شبابه مشاهدة الكليبات الخليعة على قراءة كتاب ، وتنحصر أحلام نسائه في عملية جراحية تجميلية و ثوب يكشف أكثر مما يستر . لقد كنا أمة عظيمة حين كنا قادرين على الكتابة ، وتحولنا إلى أمة بلا معنى حينما أصبحنا غير قادرين على فعل شيء سوى الرقص ، وإن واصلنا هكذا فسنرقص قريبا آخر رقصة...
*هل تتوافق أشكال النصوص الشعرية الجديدة مع واقع الهزيمة و الإحباط؟ أهي نصوص تجرّنا للداخل و لا تواجه؟
-أرى أن النصوص الجديدة تنقسم إلى حزبين ، حزبٌ موغل في التفاصيل الخارجية ، وحزبٌ موغل في التفاصيل الداخلية ...حزبٌ همهُ أن يكتب واقع الهزيمة والإحباط أو أن يبالغ في تمجيد القبيلة على حساب النص والجمهور وحزبٌ آخر همهُ أن يكتب عن نفسه و عن حالات سيكولوجية تكون غالبا إرهاصات شخصية و لا تؤسس لنص قابل للاستهلاك الجماعي. وبين هؤلاء وأولئك ، مازلتُ أؤمن – فقط - بالنصوص التي تحمل الوطن بيد والإنسان بيد أخرى ، بالنصوص التي تكون برقية عاجلة إلى العالم ، تزلزل قشرة الأرض ، و تكون خاصة وعامة في آن واحد ، رقيقة وقوية في آن واحد ، طيبة و متمردة في آن واحد...قادرة على التأقلم مع واقع الهزيمة و على تأريخه من جهة وقادرة في نفس الوقت على ممارسة التوغل في أعماق الذات من جهة أخرى. ولعل غالبية النصوص التي تتناثر بالمئات يوميا على شبكة الانترنت وفي الصحف العربية تفتقر إلى ذلك الربط الضروري ، فقد منحت قصيدة النثر ما شاء الله من أفق التخريب الإبداعي لأشباه الشعراء، ومنحت الهزيمة العربية ما شاء الله من الخيبة لتخريب ما تبقى من الشعراء الحقيقيين.
*لنعد إلى نزار قباني.هو منعطف مهم في طفولتك.حدثينا قليلا عن تلك المرحلة في حياتك ؟؟؟
- تلك المرحلة كانت أجمل مرحلة في تاريخ طفلة لم تكبر إلى الآن ، كان تعرفي على القباني أجمل من كل ما منحته الساحرة الطيبة لسندرلا، لأن ساحري الطيب نزار لم يكتف بمنحي القصيدة فقط بل منحني القدرة ذاتها على الكتابة، القدرة التي لا تختفي بعد منتصف الليل ...بل تزداد قوة وإعجازا وامتدادا. ربما لأنني كنت طفلة مؤهلة لتحمل أوجاعهُ أنا الوحيدة في ابتعادي الضائع . جدران غرفتي آن ذاك كانت بيضاء بلون إلا معنى ، ولعبي كانت حزينة لأنني أهملتها ولم أعد ارغب باللعب بمفردي ، ولا بممارسة طفولة لم تكن على مزاجي، لهذا بدأت الكتابة في السابعة لأهرب بها إلى عوالم أخرى والتقطني القباني ليدخلني مدرسة الحب ، لأنني كنتُ موهوبة في رسم أبطال من الورق...ومفصلة على مقاس القصيدة ، وقادرة على استيعاب كل دروسه. في أول علاقتي معه كنت فتاة مطيعة ومكتفية بقراءة قصائده وخربشة بعض السطور خفية عنه ، ولكنني تمردت بعد ذلك وأصبحتُ أمارس أفعالا غريبة وتمارينا صعبة لأتمكن من صنع نفس الدهشة التي يصنعها كانت تلك التمارين مجرد لعبة استمتع بها في البداية ثم تحولت فيما بعد إلى ما لم يكن في الحسبان !!!
* كيف ترى الشاعرة العلاقة الجدلية بين مجال عملها وبين أعمالها الأدبية؟ وهل لتخصصها في الطب انعكاس على كتاباتها؟
- الانعكاس موجود وطبيعي بالتأكيد ، ذلك أن صوري في معظمها متعلقة بالجسد وبالألم المادي الذي اعكس فيه الألم الروحي ...فنجد الجراح والنزيف ورائحة الكحول في قصائدي...ونجد الشفاه والأيادي والعيون ... ونجد التناغم المدهش ما بين الروح والجسد !ّ!ّ! فضلا عن ذلك فإن معظم بطلاتي في رواياتي كن طبيبات منها رواية "حينما تبتسم الملائكة " ، "الحب في زمن الايدز " و "كل الطرق تؤدي إلى روما"...ربما لأن في كل بطلة أكتبها بعض مني يكتبني.
*أما من سؤال منّيت النّفس أن يطرح عليك يومًا و انتظرت أن تجيبي عليه بشغف؟
- أحلم دائما بالسؤال الذي...لن أعرف كيف أجيب عليه !!!
*قبل أن نختتم هذا الحوار, وبكلمات قليلة, ما الذي يمكن أن تكتبه إلى جوار كل من هؤلاء؟
- نزار قباني- أستاذي الذي علمني الحب والشعر والثورة والحرية
- محمود درويش- شاعر كزهر اللوز أو أبعد
- بدر شاكر السياب- غريبٌ ينتظرني دائما على الخليج
- الابنودي- شاعرٌ حفر اسمه في التاريخ
- نازك الملائكة- زعيمة الانقلاب الشعري الأول
- فدوى طوقان- وردة من حديقة مقدسية
- سعاد الصباح- امرأة تقاوم القبيلة



#رامي_الغف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة العربية وعلاقتها بالتنميه الشامله
- الشباب ما بين غول البطالة وغياب قانون للتشغيل والحماية الاجت ...
- الفلسطينيون يبيعون ممتلكاتهم لمواجهة الفقر
- العولمة واستغلالها لكينونة المرأه
- تعتبر نفط فلسطين القومي
- طبقة الأوزون.. بين الواقع والإجراءات الوقائية


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - رامي الغف - حوار مع الشاعرة والأديبة الجزائرية الدكتورة حنين عمر