|
المعادلة الناقصة في حوار الحضارات
هوازن خداج
صحفية وباحثة
(Hawazen Khadaj)
الحوار المتمدن-العدد: 1878 - 2007 / 4 / 7 - 11:39
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
لقد اختلفت الآراء التي كتبت حول موضوع التفاعل بين الحضارات بشكل كبير، بعض الآراء عملت على مقولة صراع الحضارات، والأخرى عملت على مقولة حوار الحضارات. وإن ما يبرز في كلا الحالتين هو مفهوم الحضارة باعتباره العصب الذي يحرك علاقات الجماعات البشرية المختلفة و طبائعها و أنماطها و يوجه دوافعها و مساراتها في مجرى التاريخ الإنساني. مع إن المراجعة للتاريخ الإنساني، تبين لنا إنه لم يكن بيوم على المنحنى البياني لتطور الأمم المختلفة أكثر من حضارة واحدة على القمة، هي الحضارة الأكثر قوة والأكثر ارتقاء وفعالية. لكن هذا لم يلغ صفات الحضارات الأخرى وتأثيرها. فقد كانت خصائص الحضارات وما زالت تؤثر في العلاقات بين الدول، وإن تحقيق التعاون الدولي يتطلب توظيف تلك الثقافات للاستفادة منها في العمليات السياسية والاقتصادية والأمنية. إن مقولة حوار الحضارات تم التداول فيها في العقود الأخيرة من القرن العشرين- بعد أن توضحت التشكيلة الحالية بتمركز القوة في قطب واحد يسعى للسيطرة على العالم- في محاولة للالتفاف على مقولة صراع الحضارات، ومحاولة البحث داخل بنية الحضارات عن تفعيل ما يوفر مداخل للحوار والتفاهم والتقارب وإمكانية تقييد عناصر الصراع التي تسود علاقة الحضارات بعضها ببعض على مر التاريخ والتي تعتبر هي الأكثر فعالية في واقع التبادل بين الحضارات من مسألة الحوار. لهذا تضمنت مقولة حوار الحضارات بعض المعطيات لتنفيذها، مثل احترام الحياة الإنسانية، والحاجة إلى القيم الروحية، والتضامن الإنساني... وكلها قيم تعتبر مجرد محاولات لإيجاد بديل عن حالة صراع الحضارات. لكن الواقع يظهر أن الحضارات لا تتحاور فيما بينها بل تتصارع، فالحوار يكون عفويا تلقائيا نتيجة الاحتكاك الطبيعي وتبادل التأثير، وهذا ما يحدث عادة نتيجة تفاعل الحضارات أو تداخلها ولا يحتاج إلى نظريات وتخطيط مسبق وجلسات حوار أو ما شابه فهو عملية تاريخية تلقائية مبنية على السعي نحو النهوض الحضاري، مع الاستفادة مما قد تمتلكه الحضارات الأخرى الأكثر تطورا. وإذا أردنا أن نخصص البحث قليلا ليقتصر على دول العالم العربي والغرب، فمن اللافت أن الدراسات الهامة التي عنيت بشؤون الفكر العربي والحضارات العربية وإشكالياتها حتى مناقشة أسباب انهيارها ظهرت لأول مرة في الغرب منذ وقت مبكر وعلى أيدي كتاب ومفكرين غربيين، وقد تناولت مسألة العلاقة بين الغرب والشرق. فالعالم العربي الفسيفسائي بحق لا يعد طرفا فعالا في حوار الحضارات -حتى لو امتلك أهم وأعظم الحضارات بالسابق- إذ هو جملة بلدان ضعيفة متعددة ومتعارضة، غير قادرة على الوجود كطرف واحد ذو شخصية واحدة متميزة في موضوع الحوار ونديته، ولا يمكن اعتبارها خصما للدول المتطورة صناعياً وتكنولوجياً والأهم إنسانياً على صعيد قوانين المجتمع المدني البعيدة كل البعد عن التمييز بين إنسان وآخر دينياً أو أثنياً والمواطنة هي الأساس، عدا عن ذلك فإن الشقاقات الموجودة ضمن كل طيف من الأطياف العربية- دينياً كان أو أثنياً – لا يسمح باتخاذ موقف موحد تجاه أي موضوع إشكالي على الصعيد الحضاري، وإذا أضفنا لذلك أن العالم الغربي استطاع منذ زمن طويل الثورة والانتصار على "قرونه الوسطى"، فيما العالم العربي لا يزال يتخبط في ظلاميات القرون الغابرة لا يقوى على التقدم ولا يمكنه التشبث بالحاضر بل يتراجع رويداً إلى عهود ما قبل التاريخ، كل ذلك يجعل من حواره الحضاري مع الغرب الطامح والطامع (الذي انتصر –في الفترة الحالية على الأقل- بطريقة نهائية) عبارة عما يشبه حوار الطرشان. أما الاهتمام الغربي بالحضارة العربية والثقافة العربية فقد أتى لأسباب قد يكون أهمها: وجود النفط في هذه البقعة من العالم، وهو عصب التطور المستدام للدول الصناعية المتطورة، لهذا يتم التسابق للسيطرة عليه، وهنا لا توجد علاقة مباشرة للحضارة في الموضوع فهو موضوع اقتصادي سياسي بحت، لكن السياسة والاقتصاد كانا وما زالا يعملان بالتوازي كأسباب لسيطرة وفوز الحضارات. أما السبب الثاني الذي يبرز بوضوح هو موضوع الهجرة إلى الدول المتطورة والمنفتحة وقد يكون الأكثر أثرا هو الهجرة الإسلامية، فقد كانت الأفواج الأولى من المهاجرين من العالم الإسلامي إلى البلدان غير الإسلامية، ذات خصائص متقاربة يغلب عليها الطابع الشعبيّ العام، وقد كان البحث عن موارد الرزق وعن الحريات أكبر دافع لهذه الهجرات الأولى التي نتج عنها ظهور تجمعات إسلامية لها طابعها الخاص داخل تلك البلدان، فنشأت عنها مشكلات متنوعة، ناتجة عن محاولة التوافق والانسجام بين ثقافتهم وهويتهم، وبين المحيط الاجتماعي والبيئة الثقافية المنفتحة والمناخ الفكريِّ العام الذي وجدوا أنفسهم يعيشون في خضمه داخل هذه الدول العاملة والمنتجة، والتي تحاول بطريقة ما تفعيل الثقافات الأخرى والاستفادة من وجودها دون الدخول باشتباكات وضغوطات داخل مجتمعاتها. أما السبب الثالث ودون التوسع بأسباب نشأته، فهو بروز الفكر الإسلامي السلفي المتعصب والتيارات المتطرفة، التي تسعى لتحقيق دار السلام- وهي دارالإسلام- حيث يتعين أن يكون العالم أمة واحدة، تحكمها تقاليد الإسلام، وأن الذي يخرج عن قوانينها يتعين محاربته لرده إلى الصواب، وهذا ما تسعى الدول الغربية إلى محاربته أو تقليصه رغم إنها وقعت أحياناً بفخ التعميم تجاه العالم الإسلامي الذي لا يمكننا اعتباره بالكامل أصولي أو متطرف، ولا يمكن اعتبار الفكر السلفي ممثلاً للحضارة الإسلامية، وهو فكر آيل للسقوط بفعل التقادم لأن الزمن يمشي إلى الأمام فقط وهذه حتمية لا مفر من مواجهتها يوماً بالنسبة لهذه التيارات. إن هذه الأسباب، أدت للاهتمام بالحضارة العربية وتحديدا الإسلامية، في محاولات لوضع خطوط أساسية للتفاهم والتعايش، لكن هذا التعايش والتبادل الحضاري لن يتم إلا إذا حاولت الدول الأقوى والأكثر تطوراً التنازل عن إخضاع الآخرين لشروطها وقيمها العامة الناتجة عن مصالح اقتصادية وسياسية، واعترفت بوجود التعددية الثقافية الحضارية لكافة الدول، وقامت الدول الإسلامية بمحاولة التجديد والاجتهاد لتبني الفكر الذي يدعم التطور والنهوض من عصور الظلام، والاستفادة من كل ما هو جديد وملائم في محاولة البناء والاعتراف بهذا التنوع الثقافي الذي يساهم بتقوية الاحترام المتبادل الذي قد يعتمد عليه مستقبل البشرية، والتخلي من قبل كل الأطراف عن رواسب التمييز العرقي أو التعصب المذهبي وعدم إنكار الخصائص الثقافية أو الحضارية لأي شعب من الشعوب. هنا يمكن القول، إن حوار الحضارات لن يتم إلا في حال إدراك أن الحوار في خطاه الأولى ليس بين ثقافات ولكن بين جماعات ومجتمعات، وإن موضوعه بالتالي ليس هويتي وهويتك، وقيمي وقيم الآخر، ولكن مشكلاتنا المشتركة إنسانياً وثقافياً وسياسياً واقتصادياً... وإن هدف الحوار ليس الوصول إلى قمع وإلغاء الاختلافات الثقافية والحضارية ولا إيجاد تسوية بين القيم المختلفة التي تميزها، ولكن العمل فيما وراء الثقافات الخصوصية، لإيجاد قاسم مشترك إنساني أعظم من القيم الخاصة المغلقة وإيجاد فرص أكبر لتنويع المرجعيات حتى نستطيع الوصول للانفتاح على الآخر فهو الذي يؤسس لبناء حضارات مكتملة بإجماع إنساني. فالإنسان هو الغاية الأسمى وهو أعظم مخلوقات وإبداعات الله، وكل شيء وجد لخدمة الإنسان من حضارة وثقافة ودين وسياسة و...وليس العكس.
#هوازن_خداج (هاشتاغ)
Hawazen_Khadaj#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواطنة والتعابير التعددية
-
الديمقراطية- أنظمة الحكم والدساتير
-
الليبرالية والخلط بالمفاهيم
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|