جمال حامد الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 1874 - 2007 / 4 / 3 - 11:29
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
1. المؤسسه العسكريه العراقيه بين ماض معتم وحاضر مشوه 6 اتخذ بول بريمر الحاكم المدني لسلطة الاحتلال قراره بحل الجيش العراقي بعد مشاورات اجراها مع قيادته في واشنطن ,ومع بعض القاده العراقين المتصدرين سياسة ونظام الحكم في العراق الجديد حيث تبلورة واكنملت ابعاد الصوره ونسيجها بذهنه والتي تمخضت عن قراره الخطير بحل المؤسسه العسكريه العراقيه وكافة توابعها والذي تعزز بمذكراته التي نشرها بكتابه الموسوم عامي في العراق ,اذ يقول ((اصدرت الامر رقم 2 في 23/5/2003 والمعنون حل مؤسسات والذي شمل وزارة الدفاع والحرس الخاص وميليشيات حزب البعث المسماة فدائي صدام كما شمل دفع نهاية خدمه لكل المسرحين من هذه المؤسسات وان ادارة التحالف بصدد تشكيل جيش جديد كخطوه اولى نحو خلق قدرات عسكريه للدفاع عن النفس للعراق الحر وسوف تكون هذه القوه التي تخضع لمسؤلين مدنين مهنيه وفعاله عسكريا وممثله لكل العراقين )).
سلطة الاحتلال بسطت نفوذها على كامل السياده العراقيه عقب سيطرتها على بغداد في 9/4 ولم تعد هناك دولة وحكومة او مؤسسات الا وخضعت لهذه السلطه, والقرار الكارثي بحل المؤسسه العسكريه العراقيه العريقه والمتجذره , قرارا امريكيا صرفا ,لكن هل كان هذا القرار حكيما وصائبا او كان مدروسا ومهيئ له مسبقا من قبل الاداره الامريكيه؟؟
من المعلوم ان الاداره الامريكيه كانت تخطط لاسقاط النظام الصدامي في العراق ابتداء من تبنيها لقانون تحرير العراق الذي اتخذه الكونكرس الامريكي في سنة 1998 والذي بموجبه رصد مبلغ 97 مليون دولار لسبعة فصائل عراقيه معارضه لنظام صدام في الخارج ,وعلى ضوء ذلك القرار ووفقا لمخطط الاطاحه بصدام ونظامه, شكلت الاداره عدة لجان من خبراء وكوادر عراقيه متخصصه معارضه لصدام, وتم استضافتهم بدورات متلاحقه في واشنطن لتحليل ودراسة مؤسسات الدوله العراقيه ودوائرها المختلفه والخروج بتصورات ورؤى لكيفية ادارة وتمشية هذه المؤسسات بشكل نموذجي متطور يتماشى مع ما ترتئيه الاداره الامريكيه بعد اسقاط نظام صدام وتأسيس الدوله العراقيه الجديده على انقاضه .وكان من بين هذه اللجان لجنة وزارة الدفاع التي تشكلت من خبراء وضباط عراقين كبار معارضين للنظام والذين كان لهم موروثا وباعا طويلا في هذه المؤسسه .فلم يتبادر بذهن أي فرد من المشتركين بهذه الدورات بطرح فكرة او راي بحل الجيش العراقي بعد نظام صدام ولم ترد أي اشاره او تلميح من الجانب الامريكي المشرف على هذه الدورات بصدد حل الجيش العراقي.
ياترى من اين تولدت هذه الفكره ,هل كانت ذاتيه من بنات افكار الحاكم المدني وتصوراته من ان الجيش العراقي جيش عقائدي يدين بالولاء المفرط للحزب الواحد وللقائد الواحد وان بقائه واستمراره لايتناسب مع نظام ديمقراطي تعددي دستوري يتنافى مع مبادئ وقيم واخلاق الحزب الواحد ,ام ان هذا القرار بحل الجيش لا يعدو ان يكون قرارا ارتجالي شكلي لانه جاء الى العراق ولم يجد مايشير الى وجود جيش عراقي بالمعنى الصحيح كون الجيش انهار تماما وان كل منتسبيه تركو مواضعهم وثكناتهم ومعسكراتهم وفرو الى بيوتهم مخلفين ورائهم ممتلكات الجيش وعدته واجهزته طعما لذيذا للنهب والسرقه .
الا ان المتمعن بكتاب عامي في العراق لبول بريمر يلاحظ انه ظمنيا امتزج اراء وتصورات الساسه القيادين العراقين المتحالفين مع امريكا حيث ينوه لها في معرض توضيحه لهذه الحاله ((قال لي الطالبني انه افضل قرار اتخذته ادارة التحالف خلال عملها في العراق الذي امتد لاكثر من 14 شهرا )) ويستطرد في كتابه ايضا ((اتصلت بعبد العزيز الحكيم لضم بعض ميليشيات بدر التابعه للمجلس الاعلى .كما ساءلني الحكيم انتم عازمون على تشكيل جيش ياحضرة السفير .انك قلت ان الجيش سيقوده ضباط عراقيون فمن هؤلاء الضباط؟؟فقلت له اعدك سيكون قائد الكتيبه الاولى شيعي ,وقد اوفيت بذلك الوعد )).وفي ذات المعنى يقول ((خلال ايام من حل الجيش زرت مسعود البرزاني وعبر لي عن اعجابه بقرار حل الجيش العراقي وقدم لي التهاني بذلك وقال لي ان ادارة التحالف جاده بخلق عراق جديد وموحد .وقال ان اعادة ضباط من الجيش السابق سيمثل خطاء كبير ولكننا نحن الاكراد انفصلنا عن العراق فقد قاتلنا جيش البعث منذ البدايه ولو عادو لقاتلناهم ولاندلعت الحرب الاهليه))
نستشف من حديث بريمر ان القاده العراقين كانو مع القرار ومستئنسين به ومؤيديه .ولو ابدو هؤلاء الساسه أي اقتراح او رائي او حتى مناقشه قبل اتخاذ القرار لكن فيه مرونة او تروي من قبل الاداره الامريكيه .
وتبقى تداعيات هذا القرار الخاطئ توقض مضاجع وضمائر الساسه العراقين وحلفائهم لما آلت اليه الحاله العراقيه من كوارث وازمات نتيجة لتردي الوضع الامني وفقدان النظام على اثر الفراغ الذي تركه قرار حل الجيش العراقي حيث اضحت حدود العراق مفتوحة من جميع الجهات للمتسللين الحاقدين و المفسدين الطامعين بالعبث في امن العراق وزعزعت استقراره .فضلا عما لحق بممتلكات الدوله من نهب وسرقه, وبالاخص من مستودعات هذا الجيش واسلحته والياته ودباباته التي ابهضت العراق واثقلت كاهله لما بدد عليها من ثروات واموال لتغطيتها والتي فككت وبيعة كخرده لتجار الحديد , بل ان القسم الاكبر منها تسرب خلف الحدود عن طريق السماسره والمتربصين باهانة العراق واذلاله . ناهيك عن مخازن العتاد الخفيف والثقيل التي تضج به مخازن الجيش ومستودعاته والذي نهب هو الاخر واضحى بيد اعداء العراق وشعبه من التكفيرين والصدامين ليرتد الى صدور العراقين ويحصد الالاف من الابرياء في مجازر بشرية مروعه لم يهدئ اوارها الى يومنا هذا. والانكى من كل ما تقدم ان الفرار الانف الذكر خلق جيشا من العاطلين بلا مورد مالي يسدو لهم معيشتهم وعوائلهم وانهم اضحو ارضا خصبة وهدفا سهلا مهيئا لكل المناؤين والمعارضين ولمن يروم الانقضاض على النظام العراقي الجديد من الارهابين والصدامين والتكفيرين حيث استطاعو استمالت اغلبهم للانخراط في صفوفهم عن طريق الرواتب المجزيه والمحفزات الماديه المغريه ومن لم يلتحق اويحاول التملص و الالتحاق بالجيش الجديد يعرض حياته وحياة عائلته للخطر, الامر الذي جعل الكثير من الضباط ومن رتب و صنوف الجيش المختله للانضواء تحت رحمة المتمردين والخارجين عن سيادة الدوله وقوانينها .ونظرا لما يتمتع به هؤلاء من خبرة ومهارة وتجربة في كيفية البراعة باستخدام السلاح وترويضه تفوق كثيرا عناصر ومنتسبي الجيش الجديد والذي يفتقر الى مقومات ومستلزمات الجيش النظامي الرصين.. وما نلمسه في حياتنا اليوميه من مشاهد للعبوات الناسفه والسيارات المفخخه والتفجيرات المتنوعه والمقاومه المسلحه خير دليل على عدم التكافؤ بين جيشنا الجديد والمجاميع الارهابيه المسلحه العامله في الخفاء.
فالجيش العراقي لم يكن جيشا لصدام كما يحلو للبعض ان يوسمه انه جيش للعراقين جميعا وما سياسة التبعيث التي انتهجتها القباده السابقه الا سعيا منها لجعل الجيش نسخة ممسوخة تدور في فلكها . ,الامر الذي لايعني ان منتسبي الجيش بكافة مفاصله وعروقه وافراده مؤمنين و معتقدين بمبادئ وسلوكيات حزب البعث. فالايمان لايتاتى بالضغط والاكراه وانما انتماء وشعور ذاتي نابع من قرارة المرئ وادراكه والانتماء الحزبي للاعم الغالب كان وظيفيا تقتضيه الظروف المعيشيه ومتطلبات الحاجه بغية الاستمرار في الحياة والتواصل معها وليس ايمانا راسخا نقيا بمفاهيم ومعتقدات حزب البعث .الا القله الذين انصهرووتقولبو بسلوكيات واساليب صدام وتوجهاته وتشبعت عقولهم وافكارهم بمبادئ ومفاهيم حزب البعث .هؤلاء كان على قادة النظام الجديد وحلفائهم اقصائهم واستبعادهم لانهم يشكلون عبئا مناوئ وتركة ثقيله للنظام الجديد, وليس حلا نهائيا لمؤسسة عسكريه لها امتداد متأصل من تاريخ ونشات الدوله العراقيه الحديثه .وثمة دروس ومعطيات يسطرها التاريخ لتجارب الشعوب وحركاتها التحرريه التي قلبت بها انظمة ضاربة عروقها في القدم كالثوره البلشفيه التي اطاحت بنظام القياصره لكنها لم تمس او تسرح مؤسستهم العسكريه العتيده رغم الحصار المطبق لثورتهم الفتيه من قبل الجيوش الالمانيه ورغم المنادات من بعض اركان الثوره بحل الجيش وتقديم ضباطه وقادته للمحاكم الا ان حنكة وشجاعة قائد الثوره لينين وتوجيهاته بالاستفاده من تجارب وخبرات وكفاءات قادة الجيش القديم وضباطه ولكونهم دولة حديثه بحاجة الى جيش قوي متمترس بالقيم والمفاهيم والمبادئ العسكريه.
.وكذاك الحال في ثورة ايران الاسلاميه التي قوضت معاقل حكما امبراطوريا موغل بقدمه حيث تترى ارشادات وتوصيات الامام الخميني من منفاه الى شعبه الثائر ان افتحو صدوركم للبنادق الموجه اليكم من اخوتكم وابنائكم العسكرين ولا تمسوهم باذى فان مرجعهم الاخير اليكم وبين صفوفكم . وفعلا انظم الجيش الى الشعب المنتفض وانتصرت الثوره ولم يسرح من الجيش الشاهنشاهي الا النزر اليسير.
قد يتبادر الى الذهن اني في معرض الدفاع والمحابات للجيش العراقي السابق والمتتبع لقرءاة ما كتبته في الفصول السابقه يجب التهمه عني ويعفيني من هذا التوجس كوني ذكرت الكثير من مساؤ واخفاقات وشائنات هذا الجيش مع ابناء شعبه ووطنه والتي لازالت جروحها غائرة لم تندمل في نفوس شعبنا. فضلا عن كونه كان آلة قمع وسوط سخره الساسه والمتسلطين على رقاب الناس لكن حراجة الموقف الذي يمر به بلدنا الان تستدعي ان يكون لنا جيشا قويا نظاميا يعتمد العقيده والاسلوب العسكري للتصدي ومعالجة الهجمات البربريه الحاقده وليس الى جيش هجين مشوه ضعيف متعدد الولاءات.
جمال حامد الناصري
يتبع
#جمال_حامد_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟