-إعلام العولمة -
في واقع الأمر لا تعد تكنولوجيا الاتصال مظهرا جديدا في العالم فبإسثتناء مطبعة غوتنبرغ قبل أكثر من 500 سنة ، فإن بواكير التقنيات الإلكترونية بدأت قبل نحو قرن ونصف باختراع التلغراف واللاسلكي والهاتف ، قبل أن يجري خلال النصف الأول من القرن الماضي اختراع الراديو والتلفزيون ثم في نصفه الثاني إطلاق الأقمار الصناعية وانتشار الهواتف النقالة والحواسيب والأنترنيت .
وكان مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات من أكثر المجالات تسارعا في التطور . وأهم ما تحقق في هذا التطور ربط وسائل الإعلام مع الوسائل الإلكترونية الحديثة وخلق منظومة اتصالية مبنية على ربط مختلف الوسائل، الشيء الذي مكن من قيام ثورة إعلامية ومعلوماتية . وهكذا اتفقت خمسة عشر شركة أمريكية وأوروبية ويابانية على مشروع لتطويق الكرة الأرضية بمجموعة من الأقمار الصناعية تمكن أي فرد في العالم من الاتصال بأي شخص والتقاط البث الفضائي مباشرة .
كما أن النظام الأهم هو دمج التلفزيون بالحاسوب والهاتف والانترنيت للحصول على جهاز واحد متكامل يوفر للإنسان كل ما يحتاجه من معلومات وأخبار وترفيه وتبضع وعقد الصفقات التجارية وإجراء مفاوضات سياسية وإلقاء محاضرات، وبذلك تم إلغاء كل الحواجز والحدود والمساقات وكل القيود والمحرمات .
إلا أن هذه التكنولوجيا ، كمستلزمات أو كصناعة أو كانتشار ، مازالت حكرا على دول الشمال، وأن معظم دول الجنوب لم تتمكن من مسايرة هذا التطور أو التفاعل الإيجابي معه، إذ أن 1% فقط من سكان هذه الدول التي تحتضن غالبية ساكنة الأرض يمكنهم التمتع بمزايا هذه التقنيات .
وتشير الإحصائيات الدولية أن 88 شركة تسيطر على صناعة تقنيات المعلومات والاتصالات وأن 39منها أمريكية و19 أوروبية غربية و7 يابانية. وحتى مع وجود صناعات للحاسوب وبعض التقنيات المتطورة في دول نامية مثل الهند، فإن هذه الصناعات لازالت منحصرة فيما يسمى بالقوى الصلبة (Hard power)، بعد أن تخلت معظم الدول المتقدمة عن صناعتها وأصبحت تركز على صناعة البرمجيات المسماة بالقوة المعرفية اللينة soft power وهي التي تمكن من تشغيل الجهاز الحاسوب والاستفادة من إمكانياته.
إن هذا التطور التكنولوجي جاء ليعمق الهوة بين الشمال والجنوب ولينضاف إلى التوزيع غير المتكافئ للثروة في العالم ، إذ أن 20% من الدول تستحوذ على 85%من الناتج الإجمالي للعالم و على 85% من المدخرات العالمية. و هذا الوضع يمكن من أكبر القطاعات الاقتصادية.
و إذا كان الغرب عموما يسيطر على و سائل إعلام التي أصبحت من أكبر القطاعات الاقتصادية.
و إذا كان الغرب عموما يسيطر على و سائل الاتصال و المعلومات ) أمريكا و حدها تمتلك 65%من المادة الإعلامية العالمية ( ، فإنه يسيطر أيضا على المضامين المنقولة من خلالها.
وقد لاحظ الجميع خلال تسعينات القرن الماضي تركيزا كبيرا للرأسمال في شركات و مؤسسات الإعلام و الاتصال الغربية .
و هكذا تكمن الشمال، لا سيما أمريكا ، من بناء قوة تأثير مهمة في العالم بسبب استحواذه على الوسائل و المضامين و السيطرة على مفاتيح تطورها. و في هذا الصدد يعرف إعلام العولمة بأنه سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة ، لا تلتزم بالحدود الجغرافية و إنما تطرح حدودا غير مرية ترسمها شبكات اتصالية معلوماتية على أسس سياسية و اقتصادية و ثقافية و فكرية، لتقييم عالم المؤسسات و الشبكات التي تعمل تحت إمرة شركات متعددة الجنسيات.
و يسعى إعلام العولمة إلى تحقيق جملة من الأهداف من أهمها : دمج الثقافات الوطنية و إلغاء خصوصيات
المجتمعات و الدول، و ذلك لتعميم نموذج – المواطن العالمي- و هذا أمر و صل إلى حد التدخل في صياغة سلوك الأديان وتحديدا الإسلام . وطبعا تعمل العولمة الإعلامية على دعم ومساندة العولمة الاقتصادية ، علما أنه توجد في خمس دول – الولايات المتحدة – ألمانيا – فرنسا – بريطانيا – اليابان. 172 شركة من أصل 200 هي أكبر الشركات التي تسيطر على الاقتصاد العالمي ، وهي تحتاج لترويج صورة ثالوث العولمة وهي تتضمن : 1- النظام الاقتصادي يستخدم السوق العالمية كآلية للمنافسة
2- نظام ثقافي يسعى تغيير الواقع الثقافي القائم لتقبل تخريجات السوق العالمية
3- نظام إعلامي يعتمد على توظيف تكنولوجيا الاتصالات للاختراق الثقافي قصد الترويج لثقافة الاستهلاك .
وإذا كان ما سبق ذكره يبرز أساسا الجوانب السلبية، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن التقنيات الحديثة توفر جملة من الإيجابيات من ضمنها أنها حققت للإنسان القدرة على التواصل الحضاري المباشر ووفرت إمكانية الحصول على كمية هائلة من المعلومات بأسرع وقت وبأقل كلفة ، وهذا من شأنه تعزيز فرص تطوير البنى العلمية والثقافية للدول النامية ، كما شكلت مصدرا للمعلومات والأخبار.
فإذا كان القول بأن العولمة حاليا هي واقع لا فرار منه قول صحيح ، فإن المشكلة تكمن في الانصياع للعولمة والاستسلام لكل متطلباتها وهذا سلوك لا يمكن من الإستفاذة من جوانبها الإيجابية للتمكن من القيام بتنمية حقيقية وليست ظاهرية أو شكلية .
إن تكنولوجيا الاتصال التي تستخدمها العولمة وسيلة للهيمنة يمكن أن تكون هي ذاتها واحدة من أدوات التصدي للآثار السلبية للعولمة وذلك من خلال ما تقدمه من إمكانيات شريطة استعمال تلك الأداة ضمن منهج تنموي وارتكازا على رؤية واضحة المقاصد في ظل سيادة مناخ حرية الفكر والرأي في نظام ديموقراطي .
إدريس ولد القابلة
المراجع :
1- المبادئ الاقتصادية المؤسسة للعولمة من منظور تاريخي – حسين بيومي – مجلة الثقافة العالمية عدد 104 فبراير 2001
2- العولمة والديمقراطية – كمال مجيد – دار الحكمة لندن
3- فخ العولمة : الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية " هانس بيتر مارتن وهارالد شومان "-
4- قصف العقول – فيليب تايلور – 2000.