|
وداعاً سيادة المستشار المحافظ
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1898 - 2007 / 4 / 27 - 11:12
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
بُعيد إصدار الحكم بحبس د. أيمن نور – و الذي أختلف معه لأسباب عدة، و لكن أؤمن بكل تأكيد بنصاعة صفحته مما لفق له – كتبت مقالاً بعنوان: محافظ الجيزة القادم، في إشارة للقاضي الذي أصدر هذا الحكم، و الذي سبق و أن أصدر أحكام شبيهة بهذا الحكم، في مجافاتها لقواعد القانون و روح العدالة، و تنويهاً لتسرب الفساد لنفوس بعض القضاة، ممن خضعوا لعملية التدجين التي مارسها النظام المباركي مع الهيئة القضائية، تلك السياسة التي تعد إستمراراً للإعتداء على الفقيه القانون الشهير السنهوري في الخمسينات من القرن العشرين، و إن كانت قد إتخذت شكل أخر. اليوم - كما هو معلوم - أصبح من المحال إرسال بلطجية لضرب قاضي في مقر عمله، و لا سبيل للقيام بحركة تعسفية، مهما قيل عنها إنها تنظيمية، بحق القضاء و القضاة، كما حدث فيما عرف فيما بعد بمذبحة القضاة في الستينات من القرن المنصرم، و لن يصدق الجميع أن قاض نزيه إنتحر بإلقاء نفسه من شرفة منزله، كما حدث مع أحد القضاة في الستينات أيضا، لهذا كانت وسيلة مبارك أكثر مناسبة للعصر، فالوسائل تختلف و لكن الهدف واحد، هو إصرار السلطة الحاكمة، أيا من كان المتربع على قمتها، على إخضاع القضاة المصريين النزهاء - و رثة القاضي المصري الأصيل الحارث بن مسكين في شموخه و عدله و شجاعته في الحق – لرغبات الحاكم حتى لو كانت تحيد عن الصراط المستقيم بجلاء. في عصر مبارك، أو لنسميه عصر الشدة المباركية، و التي إستمرت حتى اليوم ربع قرن و يزيد - حتى تتضاءل معها الشدة المستنصرية الشهيرة، و الشدة الأشهر التي حدثت في عصر يوسف بن يعقوب،عليهما السلام، و التي وردت بالقرآن الكريم و التوراة، و التي إستمرت الواحدة منهما سبع سنوات عجاف فقط – أصبح البديل عن الركل بالأقدام و الضرب بالقبضات، و الإلقاء من الشرفات، و الإبعاد عن منصات القضاء، أي البديل عن سيف المعز، هو ذهبه، ففي عصر أصبح الفقر عنوانه، و الحياة كفاح لا ينتهي من أجل الوصول للحاجات الأساسية للإنسان، من مسكن صحي، و غذاء متوازن كافي، و تعليم مناسب، و ملبس لائق، أصبح المال وسيلة ترويض، فأصبحت الإنتدابات للخارج و لجهات داخلية في مصرنا، تمنح كمكافأة و تمنع كعقاب، أما من يتفانون في خدمة السلطة العليا، فإن المناصب التنفيذية البارزة تغدو وسيلة المكافأة، لهذا شهدنا في هذا الحقبة الغبراء من تاريخ مصرنا المحروسة، تنامي ظاهرة: السيد المستشار المحافظ، في الأسكندرية، و الجيزة، و بني سويف، و كفر الشيخ، و غيرهم من المحافظات، بالطبع تختلف المحافظة حسب درجة مكانة القاضي المدجن و مقدار ما قدم من خدمات للنظام الحاكم أبان جلوسه على منصة القضاء، و أحيانا ما يكون منصب المحافظ تمهيد لخطوة أكبر، و أعني بها منصب وزير العدل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان وزير العدل السابق، المستشار أبو الليل، محافظاً للجيزة، إلى أن رحم الله سكان الجيزة من وطأة إدارته، حين تمت ترقيته لمنصب وزير العدل، و كان إسمه أبان توليه وزارة العدل خير معبر عن طبيعة العدالة في عصر الشدة المباركية المزمنة، حيث العدالة غدت هي أيضا كالليل البهيم، لا يراها أحد. مبارك، و إراحة لنفسه من عناء التعامل مع القضاء و القضاة - حيث القانون، مهما كانت طبيعة القائم على تنفيذه، يحتاج إلى وقت، حيث قيود الإجراءات، و الحقوق المكفولة للمتهمين، و درجات التقاضي التي يجب أن تمر بها كل قضية إلى أن يصبح الحكم الصادر بخصوصها نهائي واجب النفاذ - قرر اللجوء للحل العسكري الباتر، و كانت التعديلات الدستورية الأخيرة التي يجيز إحالة المدنيين للقضاء العسكري تبعاً لهوى الحاكم. هذا التعديل الدستوري نزل، و بلا ريب، نزول الصاعقة، على من باعوا ضمائرهم من رجال القضاء و النيابة، و الذين كانوا يتطلعون لمنصب محافظ، أو أي منصب تنفيذي لامع، فقد بارت تجارتهم، فقد جاء البديل، الأسرع و الأكثر عسفا وجوراً، فلا عزاء لهم، و سوف يتبع بوار تلك التجارة، إختفاء تدريجي لظاهرة المستشار المحافظ، إلى أن تتلاشى نهائيا، بعد مكافأة المجموعة الأخيرة، من المستشارين المدجنين من رجال القضاء و النيابة، من الذين خدموا النظام المباركي بإخلاص و تفان قبل التعديلات الدستورية الأخيرة. التعديل الدستوري الخاص بتقنين إحالة المدنيين للقضاء العسكري حسب هوى الحاكم، يدل على أمرين: أولا: أن القضاء المصري في أغلبيته نزيه، و إن لوث ثوبه الناصع، بعض الرذاذ. ثانيا: أن القانون الطبيعي، هو قانون أيضا نزيه، و إنه مهما بلغت محاولات ليه لخدمة السلطة، فإنه لا يقارن بأي حال بالإحكام العسكرية. كلا الأمرين لا يرضيان الطاغية، فكان هذا التعديل. فودعا قريب أيها المستشار المحافظ، و سنرى مزيداً من السادة اللواءات المحافظين، مزيداً من عسكرة مصر، و كأنه لا يكفي العسكر الذين إحتلوا أغلب المناصب، من السيد العقيد رئيس المركز، إلى السيد العميد رئيس النادي الرياضي، إلى السيد اللواء المحافظ و رئيس الإتحاد الرياضي و رئيس الهيئة و حتى رئيس الحي، و الذين سينضم إليهم قريبا قادمين جديدين: سيادة اللواء القاضي و سيادة اللواء ممثل الإدعاء.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإقطاعيون الجدد
-
إنه إسفين بين الشعب و جيشه
-
العنصرية الخليجية الإعلامية ضد المصريين
-
عدالة طالبان المبصرة
-
دعوا الجيش في ثكناته، و اخرجوا الشعب من لامبالاته
-
مزيد من الجبروت يا آل مبارك
-
مارية المغربية رأيتها، فأين المصرية؟
-
زغلول شيعي، و كيرلس سني، هذا ما يحتاجه العراق
-
لا لمكافأة الطغاة، و نعم للتحدي
-
الخطوات اللازمة قبل إلغاء معاهدة 1979
-
عندما يتوقف تعليم رئيس مبكرا
-
هل من المصلحة إختفاء إيران كقوة؟
-
بعث قانون العيب في ذات الملكية، إنتصارا لنا
-
نريد محاكمة شعبية لمبارك
-
أقتل ثم أدفع، مادام القتيل مصري
-
حتى في أزمة الدواجن إبحث عن الديمقراطية الغائبة
-
هل هذه هي الدولة التي نرغبها؟ الكفاءة في مصر
-
الثورة ضرورة و ليست طاعون
-
نعم تحرري مدني، و لكن لا أحب أمريكا
-
جبهة معارضة جديدة، و إلا فإنتظروا إتفاق مكة مصري
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|