أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سامي الشّيخ - الإرهاب وأشكاله















المزيد.....


الإرهاب وأشكاله


سامي الشّيخ

الحوار المتمدن-العدد: 565 - 2003 / 8 / 16 - 01:51
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


د. سامي الشّيخ*
درعا - سوريا
ما المقصود بالإرهاب؟ وهل يوجد تعريفٌ جامعٌ مانعٌ له ؟ بالكاد نقع على تعريفٍ عامٍّ جامعٍ مانعٍ متّفق عليه، فبعض التّعريفات تقتصر في تناولها له على البعد السّياسي فحسب إذ ترى أنَّه : " .. شكل من أشكال العنف السّياسي ضدّ حكومة ما ( ولكنّه غالباً ما يستهدف مواطنين بسطاء ) مكرّس لخلق مناخ من الذّعر ، ويسعى الإرهابيّون ، أيضاً،إلى إرغام الحكومة على الخضوع لمطالبهم ، ويستعمل المصطلح ، أحياناً، لوصف الأعمال الّتي تقترفها الحكومات نفسها والمكرّسة لخلق الشّعور بالخوف لدى السّكّان ." ( مجموعة من المتخصّصين ،ترجمة الدكتور أنطون حمصي ، قاموس الفكر السّياسي ، الجزء الأوّل ، منشورات وزارة الثّقافة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، دمشق ،1994)
وبوسعنا النّظر للإرهاب على أنّه : نشاطٌ عدوانيٌّ جرميّ يستهدف إلحاق الأذى الماديّ والمعنويّ بالإنسان (فرد ،جماعة ، دولة ) وبالممتلكات العامّة والخاصّة ، و بالبنى والمؤسّسات والمرافق الحكوميّة وغير الحكوميّة ، بهدف تحقيق أغراضٍ سياسيّة وغير سياسيّة ، تلبية لنزوعٍ عدوانيّ راسخٍ في فكر ومعتقد الجهة المنفّذة .
وللإرهاب أشكالٌ متعدّدةٌ أبرزها : الإرهاب المسلّح ، الإرهاب السّياسيّ ،الإرهاب الاقتصاديّ ، الإرهاب الفكري ، الإرهاب المجتمعي ، والإرهاب النّفسي .
الإرهاب المسلّح :
وصورته استخدام العنف المسلّح بواسطة ،حكوماتٍ أو جماعاتٍ أو أفراد بهدف إلحاق الأذى بالإنسان، وبالممتلكات ،و بالمرافق والمنشآت الخدميّة والاقتصاديّة العامّة والخاصّة ، وغالباً ما يذهب ضحيّته أُناسٌ أبرياء .
والإرهاب المسلّح قد يكون خارجيّاً أو داخليّاً ، تقف وراءه جهات عديدة حكوميّة وغير حكوميّة . ومن الأمثلة على الإرهاب المسلّح الخارجيّ : الاحتلالات العسكريّة والأعمال العدوانيّة الحربيّة على الدّول والشّعوب المستقرّة والآمنة ،من جانب بعض الدول والجماعات والأفراد ، كالحملات العسكريّة الأجنبية الرّومانيّة والفارسيّة واليونانيّة والمغوليّة والصّليبيّة والتّركيّة على الوطن العربيّ في الأزمنة الغابرة ، والبريطانيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والألمانيّة واليابانيّة والأمريكيّة والصّهيونيّة على العديد من دول العالم في الحقب الوسيطة والحديثة والمعاصرة ، وفي هذه الأيّام بوسعنا الإشارة لنموذجٍ فريدٍ من الإرهاب العسكريّ الدّولي ممثّلاً بالحملات العدوانيّة العسكريّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة وبريطانيا على أفغانستان والعراق والتّهديد باستخدامها ضدّ عددٍ آخر من دول العالم ، وهي بالطّبع أعمال وتهديدات تفتقد للمسوّغات القانونيّة والشّرعيّة من جانب الأمم المتّحدة ، ومجلس الأمن ،والكثير من بلدان العالم .
النّقطة الأخرى : ليست جميع الأنشطة المسلّحة إرهاباً جرميّاً جنائيّاً ، فأعمال المقاومة المسلّحة في مواجهة الغزاة والمحتلّين ، هي أعمالٌ مشروعة وفاقاً للقانون الدّوليّ والأخلاقيّ والإنسانيّ كونها أعمالاً من طبيعة دفاعيّة لا عدوانيّة ، حتّى لو ذهب ضحيّتها المحتلّون سواء كانوا عسكريّين أو مدنييّن ،لأنَّ الغزو والاحتلال شكلان من أشكال الإرهاب الجرميّ ينبغي مكافحته بكلّ الوسائل المتاحة والممكنة ، ومن الأمثلة على ذلك مقاومة العديد من شعوب العالم للاحتلالات الأجنبيّة : كمقاومة الشّعب الأمريكيّ للاحتلال البريطانيّ ، وشعوب العالم لجيوش النّازيّة والفاشيّة ، ومقاومة الصّينيّين والكوريّين للاحتلال اليابانيّ ، و العرب للاحتلال التّركيّ والأوروبيّ ، و شعب جنوب إفريقيا لنظام الفصل العنصريّ ( الأبارتيد )، ومقاومة الشّعبين الفلسطينيّ واللّبنانيّ للمحتلّين الصّهاينة . ومقاومة العديد من الشعوب الّتي يقع عليها العدوان والاحتلال .
أمّا الإرهاب الدّاخليّ الحكوميّ فمن الأمثلة عليه : عمليّات الإبادة والتّطهير العرقيّ الدّاخليّ الّتي أشرفت على تنفيذها والقيام بها أجهزة حكوميّة ، كتلك الّتي جرت في القارّة الأمريكيّة على أيدي الأجهزة الحكوميّة الأمريكيّة بحقّ الهنود الحمر (السّكّان الأصليين ) ، أو كتلك الّتي جرت على أيدي قوّات نظام الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا( الأبارتيد) بحقّ المواطنين الأفارقة ، أو كتلك الّتي حدثت في شيلي وكمبوديا على أيدي القوّات الحكوميّة المسلّحة ، أو كالّتي حدثت في يوغسلافيا بحقّ المسلمين على أيدي القوّات الحكوميّة الصّربيّة ، وفي فلسطين المحتلّة بحقّ الفلسطينيين على أيدي القوّات الصّهيونيّة منذ العام 1948 حتّى هذا التّاريخ ، وفي العراق بحقّ المواطنين العراقيين على مختلف انتماءاتهم السّياسيّة والمذهبيّة والقوميّة ، على أيدي النّظام العراقيّ السّابق ، أو كتلك الّتي جرت في راوندا وفي عدد من بلدان العالم .
وأمّا إرهاب الأفراد والجماعات المسلّحة غير الحكوميّة : فقد شهدته العديد من دول العالم بما في ذلك دول عربيّة ، حيث القيام بأعمال القتل والاغتيال والتّفجير والتّخريب على أيدي أولئك الأفراد وتلك الجماعات، كالّتي شهدتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، وبريطانيا ، وإيطاليا ،وإسبانيا، واليابان ، والفليبين ، وإندونيسيا ، وروسيا ، وبعض البلدان العربيّة في فترات مختلفة .
على أيّة حال ما يميّز الأعمال الإرهابيّة المسلّحة _ الخارجية والدّاخليّة _، هو أنّها من طبيعةٍ جرميّةٍ جنائيّةٍ، مهما حاول مرتكبوها إسباغ المشروعيّة القانونيّة والأخلاقيّة عليها .
أمّا الإرهاب السّياسيّ :
فنوعان : خارجيٌّ وداخليّ . أمّا الخارجيّ : فهو ما تمارسه دولةٌ أو مجموعةُ دولٍ بحقّ دولةٍ أو جماعاتٍ أو أفرادٍ يتواجدون في بلدانهم بأشكالٍ مختلفةٍ أبرزها : ممارسة الضّغوط السّياسيّة بهدف حملهم على تغيير سياساتهم ومواقفهم حيال القضايا المختلف فيها لمصلحة الدّولة أو مجموعة الدّول الأقوى، كالتّهديد باتّخاذ إجراءاتٍ عقابيّةٍ بحقّهم على مستوى العلاقات السّياسيّة والدّبلوماسيّة والتّمثيليّة ، ووضعهم في قائمة الدّول والجماعات والأفراد المعادين بذرائع شتّى ، كذريعة ممارسة الإرهاب ، ودعم الجماعات الإرهابيّة ، وممارسة الاستبداد ، وغياب الدّيمقراطيّة ،والحريّة ، ورعاية الفساد ،وغير ذلك من الذّرائع المشكوك في صدقيّتها .
من هنا يرمي الإرهاب السّياسي الخارجيّ إلى حمل الدّول والجماعات والأفراد لتغيير سياساتهم لصالح سياسات الدّول الإرهابيّة صاحبة النّفوذ والسّيطرة ، ومن الأمثلة على ذلك سياسة الإدارة الأمريكيّة إزاء الدّول المختلفة معها في أسلوب التّعامل مع بعض القضايا الدّوليّة ، كتلك الدّول الرّافضة للعدوان الأنغلو أمريكي على العراق ، ولنهج سياسة المعايير المزدوجة في التّعامل مع القضايا الدّوليّة ، وللانحياز الأمريكي الأعمى للكيان الصّهيوني ،وتصنيف بعض الدّول والجماعات على أنّها دول وجماعات شرّيرة ومارقة ، لعلّة عدم خضوعها للمشيئة الأمريكيّة .
أمّا الإرهاب السّياسي الدّاخلي : فهو خاصية النّظم الدّيكتاتوريّة الفاشيّة الّتي تفتقد للممارسة السّياسيّة الدّيمقراطيّة بينها وبين مواطنيها ، بحيث تحول دون المشاركة الشّعبيّة الواسعة في مؤسّسات الحكم والإدارة المختلفة ، الأمر الّذي ينتهي إلى فرض نمطٍ أحديٍّ من التّفكير السّياسيّ وتعميم ثقافة الاستبداد والعبوديّة القائمة على احتقار الحريّة السّياسيّة والبرلمانيّة للمواطنين في التّعبير عن آرائهم ، ومشاركتهم في انتخاب ممثّليهم لمجالس الحكم المحلّيّ ، وانتقادهم الأخطاء والمثالب والعيوب والنّواقص النّاجمة عن سوء سياسات تلك النّظم ، ويتعاظم هذا النّوع من الإرهاب في البلدان الخاضعة لسيطرة المؤسّسة العسكريّة فيها ، بحيث تغدو الحياة السّياسيّة معطّلةً أو شبه معطّلةٍ ، ويضمحلّ دور الأحزاب السّياسيّة الوطنيّة لدرجةٍ لا تستطيع معها الإسهام في تقرير الحاضر والمستقبل السّياسي للبلاد . فيعيش معظم الشّعب في حالةٍ من القلق والخوف والرّعب وانعدام الأمن والاستقرار ، ويصبح التّعبير عن الرّأي ، والعمل في أطر وأحزاب سياسيّة وطنيّة و جبهويّة أمراً بعيد المنال ، يستوجب إنزال أشدّ أنواع العقوبات قسوةً بمن يسعون لتحقيق ذلك .
من ناحية أخرى يفضي الإرهاب السّياسي الدّاخلي إلى إنتاج العديد من المظاهر المرضيّة والزّائفة ، كالكذب، والافتراء ، وضروب النّفاق المختلفة ، ويسهم في خلق روح الحقد والكراهية والانتقام بين المواطنين و أنساقهم السّياسيّة من ناحية ، وبينهم أنفسهم من ناحية أخرى ، الأمر الّذي من شأنه تهديد السّلم الاجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد ، وإفساح المجال أمام بروز النّعرات المذهبيّة والطّائفيّة والعرقيّة تبعاً للتّركيبة الاجتماعيّة الثّقافيّة للمجتمع ، وإضعاف الشّعور بالمواطنة لدرجةٍ كبيرة ، ممّا يضعف البلاد ويجعلها عرضة لنهب المعتدين والطّامعين ، دون مقاومةٍ تُذكر ،ناهيك عن جعل الاستقرار السّياسي الدّاخلي مهدّداً بفعل أحداث العنف والانقلابات السّياسيّة محتملة الحدوث .
الإرهاب الاقتصادي :
وينقسم إلى قسمين :إرهابٌ خارجي وإرهابٌ داخلي ، أمّا الخارجي فهو ما يُمارس على الدّول والحكومات والجماعات والأفراد ، من جانب قوىً دوليّة فاعلة ، سواء كانت دولاً أم منظّمات أم شركات تُعنى بالنّشاط الاقتصاديّ ورؤوس الأموال ، بهدف ممارسة الضّغوط عليها والقبول بسياساتها المختلفة . والإرهاب الاقتصادي ليس معزولاً عن المرامي السّياسيّة للجهات الّتي تقف وراءه ، ومن الأمثلة على ذلك : فرض العقوبات الاقتصاديّة على الدّول والمراكز الصّناعيّة والزّراعيّة والتّجاريّة الوطنيّة في عددٍ من الدّول، بما في ذلك تجميد أرصدتها الماليّة ونشاطاتها الاستثماريّة في الخارج والاستحواذ عليها ، والتّهديد بالاستيلاء على مصادر الثّروة فيها ،كشكلٍ من أشكال العقوبات المتّخذة بحقّها ، كتلك الّتي فُرِضَت على الجماهيريّة العربيّة اللّيبيّة ، والعراق ، والمنظّمات والمؤسّسات والجمعيّات الخيريّة الّتي تتّهمها الولايات المتّحدة بدعمها للأنشطة الإرهابيّة في العالم . ومن أشكال الإرهاب الاقتصاديّ : التّلويح باتّخاذ إجراءات اقتصاديّة عقابيّة بحق الدّول والجماعات المعارضة لسياسة الإدارة الأمريكيّة حيال بعض القضايا الدّوليّة ، ومن الأمثلة على ذلك : تهديد الإدارة الأمريكيّة لبعض الدّول الرّافضة للحرب العدوانيّة الأنجلو أمريكيّة على العراق ، بالإلماح لإمكانيّة فرض عقوبات اقتصاديّة عليها ، بما في ذلك حرمان بعض الدّول من عائدات استثماراتها، وعقودها التّجاريّة الّتي كانت قائمةً قبل العدوان على العراق .
ولا يفوتنا الإشارة للسّياسة الاقتصاديّة الموجّهة لمنظّمة التّجارة العالميّة وصندوق النّقد الدّولي إزاء الدّول الّتي لا تحظى برضى ودعم الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، كشكلٍ من أشكال الإرهاب الاقتصادي الدّولي المعمول به في العالم أيضاً.
وبالطّبع فإنَّ ضحايا الإرهاب الاقتصادي لا تنحصر على الدّول والحكومات والفعّاليّات الاقتصاديّة الوطنيّة فحسب ، بل تمتدّ لتطاول شعوباً بأكملها تكون في مقدّمة ضحايا هذا النّوع من الإرهاب ، الأمر الّذي ينتفي معه وجود أيّ مبرّرٍ قانوني وأخلاقيّ يجيز استخدامه بالصّورة الّتي يستخدم فيها . فَمَنْ دفع ثمن الحصار الجائر على العراق طيلة اثني عشر عاماً ؟ أليس الشّعب العراقيّ نفسه ؟! فأيّ قيمة لشعارات التّحرير والتّنمية والتّقدّم والازدهار الّتي روّج لها الأمريكيّون للعدوان على العراق ؟؟؟!!! . مَن دفع ثمن الحصار الاقتصادي الصّهيوني على الشّعب العربي الفلسطينيّ في فلسطين المحتلّة ؟ أليس الشّعب الفلسطينيّ الّذي يزعم الأمريكيّون و(الإسرائيليّون) الحرص على مصالحه ؟! . إنَّ حجز الأرصدة العراقيّة ،والأموال الفلسطينيّة ،من جانب الإدارة الأمريكيّة ،والكيان الصّهيونيّ بما في ذلك إغلاق أسواق العمل أمام العمالة الفلسطينيّة لسكّان الضفّة الغربيّة وقطاع غزّة في مناطق 1948 شكلٌ من أشكال الإرهاب الاقتصاديّ الّذي نتحدّث عنه .
أمّا الإرهاب الاقتصادي الدّاخلي : فيتمثّل في مزاولة الضّغط والتّهديد والمضاربة من جانب بعض الأنساق السّياسيّة والاقتصاديّة المحليّة على الأفراد والمنشآت الاقتصاديّة الخارجة عن تلك الأنساق ، سواءٌ كانت حكوميّة أم غير حكوميّة . وما فرض القيود الاقتصاديّة الّتي تحدّ من فاعليّة النّشاط الاستثماري لتلك الأطراف ، والدّخول في مضاربات اقتصاديّة فيما بينها سوى بعض أوجه هذا النّوع من الإرهاب ، كذلك يعدّ انعدام تكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع الواحد وحرمان بعضهم من الحصول على لقمة العيش والتّهديد بفقدان العمل ، وسنّ تشريعات اقتصادية تحدّ من حريّة الاستثمار المحليّ ، أحد أوجه الإرهاب الاقتصاديّ الدّاخليّ أيضاً .
الإرهاب الفكري :
ثمّة أسباب منتجةٌ للإرهاب الفكري أبرزها : غياب ممارسة الحريّة والدّيمقراطيّة والوعي ، وانتشار الظّلم والاستبداد بما لا يتيح للمرء التّعبير عن أفكاره دون خوفٍ أو قلق .
فإنتاج هذا النّوع من الإرهاب لا يقتصر على جهةٍ بعينها ، فثمّة جهة معنيّةٌ بإنتاجه وبممارسته . من ناحية أخرى يفضي إرهاب الفكر للعديد من النّتائج العمليّة والملموسة أبرزها : الحدّ من فاعليّة الفكر المبدع، فرض سلطة الرّقيب ،ازدهار اللغة الرّمزيّة للتّعبير عمّا يعتمل في العقول خشية وقوع عقوبات محتملة بحقّ أصحابها ، الارتداد والنّكوص إلى الذّات ، النّزوع نحو الباطنيّة ، و التّخلّف الثّقافي والحضاري .
وتنتشر ظاهرة الإرهاب الفكري أكثر ما تنتشر في المجتمعات التّقليديّة المنغلقة ذات الثّقافة الأحديّة . وهذا لا يعني عدم وجود تلك الظّاهرة في المجتمعات المتطوّرة في العالم ، ومن الأمثلة على ذلك : الحملات العدائيّة الّتي تعرّض لها المفكّر الفرنسي روجيه غارودي ، والنّائب البريطانيّ جورج غالوي ، ورئيس فِرَق التّفتيش لنزع أسلحة الدّمار الشّامل في العراق ،الأمريكيّ رولف أكيوس وغيرهم من الشّخصيّات الفكريّة والسّياسيّة والثّقافيّة والإعلاميّة الغربيّة المتعاطفة مع القضايا العربيّة العادلة في مواجهة السّياسات الإمبرياليّة الغربيّة والصّهيونيّة الظّالمة ، وذلك بتهديد الأمن الشّخصيّ لكلّ واحدٍ منهم وتقديمهم للمحاكم القضائيّة ـ في بلادهم ـ  بدعم وتحريض من القوى السّياسيّة والاقتصاديّة والإعلاميّة الصّهيونيّة .
وعليه فظاهرة الإرهاب الفكري ظاهرةٌ عالميّةٌ ، غير أنَّ حجم انتشارها في الدول والمجتمعات الأقلّ تطوّراً أكثر منها في الدول والمجتمعات الأكثر تطوّراً .
الإرهاب الاجتماعي:
هو تهديد مجتمعي للأفراد الخارجين عن سلطة مجتمعهم ، بآرائهم وسلوكياتهم وعاداتهم وتقاليدهم الخاصّة بهم . والإرهاب المجتمعي ليس وقفاً على جهة مجتمعيّة بعينها، إذ يمكن لأكثر من جهة مجتمعيّة ممارسته بحقّ أفراد المجتمع بدءاً من أصغر وحدة مجتمعيّة ممثّلةٍ بالأسرة وصولاً لأكبر مؤسّسةٍ مجتمعيّة ممثّلةٍ بالمجتمع . فالفرد بوصفه كائناً اجتماعيّاً يتأثر بالمجتمع الّذي يعيش فيه و بأنساقه الاجتماعيّة المختلفة بغض النّظر عن ماهيّة تلك الأنساق وخصائصها ، ولكن ما أن يخرج أو يحاول الخروج عن تلك الأنساق حتّى يُقابَل بالتّهديد والوعيد من مجتمعه بوصفه سلطةً فاعلةً في الحياة الاجتماعيّة للأفراد الّذين ينتمون إليه .
فمثلما للدّولة قوانينها وتشريعاتها الّتي لا تجيز للمواطنين الخروج عنها ، كذلك للمجتمع عاداته وأعرافه وتقاليده الّتي تُعاقب وتُجزي أيّ فرد من أفراده الخارجين عنها، فالعقاب الاجتماعي غير المبرّر للفرد هو أحد أوجه الإرهاب المجتمعيّ ، كذلك حرمان المرأة من حقوقها الشّخصيّة كعنصرٍ فاعلٍ ومهمٍّ في المجتمع يعدّ شكلاً آخر للإرهاب المجتمعيّ أيضاً .
من هنا فالإرهاب المجتمعيّ خاصيّة أساسيّة للمجتمعات التّقليديّة المتخلّفة ، بوصفها مُعَطّلاً من مُعطّلات النّموّ والتطوّر والتّقدّم والازدهار .
البعد النّفسي للإرهاب:
للإرهاب بعدان ماديٌّ ومعنويّ ، أمّا الماديّ : فيتمثّل في الآثار الحسيّة النّاجمة عن استخدامه . وأمّا المعنويّ: فيتمثّل في الآثار النّفسيّة المباشرة وغير المباشرة على حياة الإنسان . بمعنى أنَّ جميع أشكال الإرهاب العسكري والاقتصادي والسّياسي والفكري والمجتمعي تترك بصماتها على النّفس ، فمشاهد القتل والاغتيال والإبادة ،والتّفجير ، والتّخريب ،والتّدمير ،والاعتقال ،والإذلال ، والظّلم ،تفضي إلى حالة من الخوف والهلع والشّعور بالقلق وانعدام الأمن والاستقرار في النّفس .
من هنا لا تقلٌّ الآثار النّفسيّة النّاجمة عن الإرهاب فداحة عن الآثار الماديّة له ، بل قد تتجاوزها في معظم الأحيان . والسّؤال : ما السّبيل لتفادي الآثار النّفسيّة للإرهاب ؟ بلا شكّ أنَّ الآثار النّفسيّة للإرهاب وثيقة الصّلة بالأشكال المختلفة للإرهاب ، فحيث وُجِدَ الإرهاب وُجِدَت الآثار النّفسيّة بالضّرورة ، فالعلاقة بينهما أشبه ما تكون بعلاقة العلّة بالمعلول ، أو السّبب بالنّتيجة . بمعنى أنَّ زوال تلك الآثار من حياة الإنسان مرتبطٌ جوهريّاً بزوال الإرهاب نفسه ، الأمر الّذي يستدعي تضافر الجهود الدّوليّة الحكوميّة وغير الحكوميّة للتّخلّص منه .
 
* كاتب وباحث و أمين سرّ الاتّحاد العام للكتّاب والصّحفيّين الفلسطينيين بدرعا
 
 




#سامي_الشّيخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإصلاح البروتستانتي من المفهوم إلى الشّموليّة


المزيد.....




- ماذا يحدث في دمشق بعد عملية طرطوس الأمنية؟
- أذربيدجان تقيم يوم حداد وطني غداة مقتل 38 شخصا في حادث تحطم ...
- لقطات جوية لشاطئ دينامو في أنابا بعد كارثة بيئية
- سلطات البوسنة والهرسك تعتقل وزير الأمن
- إغلاق مضيق البوسفور أمام حركة السفن
- -كلاشينكوف- تختبر مسيّرة عسكرية ضاربة
- في اليوم الـ447 للحرب: الرضّع يتجمدون من البرد في غزة واليون ...
- القضاء الإداري يقبل طعن المبادرة ضد إلغاء انتداب موظفة بالمج ...
- -يجب علينا ألا ننتظر ترامب لإتمام الصفقة مع حماس- - هآرتس
- وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع (صور)


المزيد.....

- لمحات من تاريخ اتفاقات السلام / المنصور جعفر
- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - سامي الشّيخ - الإرهاب وأشكاله