|
مرسوم أمن دولة ضد الثقافة!!
بدر عبد الملك
الحوار المتمدن-العدد: 1870 - 2007 / 3 / 30 - 12:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
نتوهم أن من يحاولون الهيمنة على المجتمع برمته هم مجموعة تحركها الأهواء والرغبات، بقدر ما هنالك من مشروع اختطاف كامل للمجتمع بكل السبل والوسائل، وتشييد الثقافة الطالبانية بعد أن اخفق المشروع في أفغانستان وتحول إلى مجموعة من الفلول الهاربة والخلايا النائمة، لعل اللحظة تأتي للانتقام للمتبقين منهم في شتى المدن والأمكنة. ونخطئ إذا ما اعتقدنا أن محاكم التفتيش انتهى زمنها منذ القرن الثالث والرابع عشر، وان موطنها كان أوروبا وحدها، فقد امتدت بعد تلك القرون إلى مناطق مختلفة وزمن مختلف، فقد تغلغلت إلى بلدان كبلدنا على أمل أن تحكم قبضتها في الخفاء والعلن، ونخطئ مرة أخرى إذا ما تملكنا وهم السبات بأن تلك المجموعات لا تعمل ضمن مخطط أوسع من السيطرة على المساجد والأحياء والمدارس، والجمعيات والمجالس والمؤسسات المصرفية، ومجلس النواب وغيرها من المفاتيح الحيوية لكي تمر مشاريعهم بيسر وسهولة وتحت حجة الديمقراطية، والدفاع عن الدستور والتشريع والإسلام، وبذلك يضحكون مرة أخرى على ناخبهم بقدر ما يوهمونه بأنهم يدافعون عن الإسلام ويحمونه من الأشرار والدخلاء والثقافة المستوردة. ويكررون على أسماع المريدين والبسطاء في مجالسهم بأن الثقافة تلك، تهديد لقيمنا وأخلاقنا وينبغي محاربتها وإلا ضاع الإسلام من وطننا وضاعت القيم والأخلاق من بين أيدينا، من جراء تلك الثقافة اللعينة والشيطانية. لهذا انطلقت حربهم على ربيع الثقافة كجزء من الامتداد المستمر للحرب المتواصلة على البرامج الثقافية والفكرية التي شاهدناها دائما خلال هذه السنوات الفائتة من عمر المجلس الوطني، وعرفنا مرارتها معتمدين حاليا على أهم المنابر السياسية بعد اعتمادهم في السابق على المساجد كمدخل للحرب المعلنة على الآخرين، وكأنهم وحدهم المدافعين عن الأخلاق في المدن الفاضلة. من هنا نبعت فكرة شن الحرب المستعجلة على ربيع الثقافة، بإقرار مجلس النواب للجنة تحقيق برلمانية لربيع الثقافة من قبل عدد من النواب بتشكيلها لتنطلق أكثر من مداها الحالي، وكأننا نستبطن ما في الضمائر من نوايا، ونواصل في المستقبل تشكيل لجان أسوأ منها تذكرنا بالمكارثية الأمريكية التي ندمت الولايات المتحدة الأمريكية لاحقا بتشكيلها، فتم رد الاعتبار للمثقفين الذين حاصرتهم اللجنة لكي يتخلوا عن صداقاتهم لمجرد أنهم في وسط ثقافي مفتوح على الأفكار المتعددة في مجتمع ديمقراطي، وكانت التحقيقات ترتكز في المحاسبة والمساءلة لكيفية وطرق تفكيرهم وضمائرهم. وعلى ضوء تلك الخفايا والممكن واللاممكن يتم محاسبة الفنان والمثقف ويحاصر ويسجن، ويتم عزله ومحاربته في رزقه وحياته. المكارثية انتهى عهدها منذ عقود، ومحاكم التفتيش انتهى زمنها منذ قرون، ولكن محاكمنا السوداء انبعثت من رماد الوقت في زمن ربيع الإصلاح والديمقراطية والتحديث والانطلاق، وكأنما مشروع الإصلاح غرفة مغلقة على مجموعة صغيرة تمكنت الصعود إلى مجلس النواب، وخدعت ناخبيها لمجرد أنهم قدموا لهؤلاء الناس ذات يوم حقائب مدرسية وبطانيات، وقاموا بأعمال خيرة بأموال الآخرين، وبتلك المنح والعطايا والتبرعات والصناديق الخيرية تغطوا خلف تلك الحقيقة بأقنعة مشروعهم الطالباني في رصد كل ما هو ابداعي وتنويري وخلاّق، يتيح لشعبنا الانطلاق ومعايشة العصر والانسجام مع الزمن وملامسة الروح الإنسانية والإبداعية من خلال تلك الأعمال الجميلة ونافذتها كالفن والأدب. بينما ترى تلك المجموعة الصغيرة في قبة المجلس الوطني نفسها مسكونة بوهم الخوف والرعب من ربيعنا الثقافي، ونسيان وظيفتهم النيابية في متابعة ومناقشة الأولويات بهدف جر الناس لمتابعات شكلية، وإيهام الناخبين أنهم يدافعون عن الفضيلة باعتبارهم الحرّاس الحقيقيين لبوابة الأخلاق الفاسدة التي ستغير ملامح الإسلام الذي يفهمونه بنهجهم، ويتجاوزون حدوده بتوظيف مواد دستورية بقراءة خاطئة، وتفسير خاطئ في تجاوزهم لحقوق الآخرين ورغبة الآخرين في العيش بطريقة مختلفة في فهمهم للإسلام المتسامح وليس المتشدد. إن تلك الروح العدوانية للثقافة لها تفسيرات عدة وعميقة الأبعاد، وليس كما يتوهم البعض، لكون الثقافة البذرة الروحية لشجرة الشعوب المتجذرة ولكونها القوة المؤثرة على الإنسان والمجتمعات، ولا يمكن حصارها في مواد ومشاريع قمعية، غير أنهم يدركون أن مجرد انتزاعهم مواد تلجم حركة الثقافة، فإنهم يدفعون مشروعهم لخطوات أخرى للامام، ينتظرون توقيتها لكي يتم الهجوم نحو مواقع متقدمة لمشروعهم الطالباني الخفي. إن ربيع الثقافة يشكل نقطة تحول واختبار للجميع، وللطرفين المناهضين من الظلاميين والمبدعين ومحبي الثقافة والإبداع والحياة في جدلية الصراع بين الموت والحياة، بين العودة للماضي بكل إرثه المميت وبين المعاصرة الممتدة من عمق الثقافة الخلاقة في التراث الإنساني، حيث في تلك الإبداعات كمنت روح الإنسان منذ قرون وتواصلت في تحديها أمام الحرق والشنق والمصادرة. واليوم باسم الشرعية النيابية كمنت تلك القوة الظلامية داخل بيت الشعب لمعاقبة الشعب في أجمل جانب من حياته وهو الفن والأدب والثقافة، وهي المعبر الحقيقي عن وجهه المنير في الداخل والخارج. فلماذا خرجت تلك المجموعة في المجلس النيابي بلجنتها وكأنها مولود مسخ لمرسوم امن الدولة؟ ولكنه في رداء معاد للثقافة هذه المرة وليس للسياسة، بعد أن أحسوا أنهم خارج البرلمان لا يمكنهم استملاك المجتمع وخطفه بسهولة في كل مواقع الصراع.
#بدر_عبد_الملك (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|