أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد نور الدين جباب - الفكر العربي يودّع الماركسية















المزيد.....

الفكر العربي يودّع الماركسية


محمد نور الدين جباب

الحوار المتمدن-العدد: 1867 - 2007 / 3 / 27 - 12:04
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


الفكر العربي يودّع الماركسية

إن فساد الحكام هو الشكل السياسي للطاعون
أرسطو

ليس الهدف فتح باب الفكر العربي على مصراعيه، الذي يبدو أنه يعيش أزمة شاملة ، إنما الوقوف عند كتاب صدر عن‘ دار الفارابي‘ لمفكر ماركسي كبير ،أمره التاريخ بالتخلي عن سرديته الماركسية والبحث عن أخرى تروق له .إنه المفكر الطيب تيزيني الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في سبعينيات القرن الماضي من خلال مشروعه ‘ الثوري ‘قراءة التراث العربي الإسلامي من منظور ماركسي. وعلى امتداد ما يزيد عن ثلاثة عقود كرسها للتأسيس النظري والكفاح الأيديولوجي ضد التيارات الإصلاحية ودعاة النهضة الحضارية ،أمثال المفكر أنور عبد الملك وعبد الله العروي و زكي نجيب محمود وغيرهم. لقد ظل يتهم تلك الأسماء الكبيرة ،بالتلفيقية و الهجانة و القصور واللاتاريخية والإصلاحية.وبعد كفاح طويل، هاهو يعيد صياغة أفكاره على أسس جديدة صدرت في شكل "بيان في النهضة والتنوير العربي".
وهذا التحول الجديد نحو المواقع الإصلاحية لا يقتصر على أفراد ،بل أصبح خاصية الفكر العربي ، بعد التغييرات البنيوية العالمية .مما جعل هذا الفكر يقف في مفترق الطرق يواجه مأزقا شاملا بعد سقوط السرديات الكبرى التي احتمى بها حينا من الدهر: الماركسية سقط حاملها الاجتماعي، فلم يعد اليوم وارد الحديث عن دور الطبقة العاملة في تغيير التاريخ. واللبرالية تحولت إلى وحش في شكلها العولمي، أما الإسلام السياسي فقد كفّر وهاجر . هذه الوضعية، في صيغتها الراهنة، جعلت الفكر العربي يراهن على المسألة الثقافية والحضارية .لكن ذلك استلزم فصل التقدم الحضاري عن التقدم الاجتماعي وإحلال مكانيك الحضارات ،أو ما يسمى صراع الحضارات ،محل الديناميك الاجتماعي والسياسي.وهذا يفرض منهجية أخرى في التعامل مع التاريخ إحدى نتائجها الفكرية التخلي عن وحدة التاريخ العالمي، لتحل محله الوحدات الحضارية المستقلة.
إن المفكر الطيب تيزيني لا يشذ عن الخط العام لهذا التوجه الفكري الجديد، فهو يدرك أن العالم لم يعد يحتمل مشروعا ثوريا . لكن بعدما فرغت من قراءة الكتاب الذي يشتمل على ثلاثة فصول وخاتمة وعبر 182 صفحة .وجدته متميزا في الرؤية والموقف، فهو لم يعزل المسألة الثقافية والحضارية عن سياقها وملابساتها السياسية و الاقتصادية، وذلك من خلال نقده المزدوج للنظام العولمي الذي يسعى لابتلاع العالم ،وللدولة الأمنية التي هيأت العالم العربي لقمة سائغة في أيدي الغزاة .
إن المرحلة الشديدة الخطورة التي تمر بها أمة العرب جعلته يصوغ مشروعا نهضويا ضامنا للجميع .أو كما يقول في مكان آخر ،إنه مشروع أمة تستباح الآن ،بل " على وشك التفكك والابتلاع من قبل عمالقة العولمة وجيبها الصهيوني، بحيث يغدو غير مسوّغ أن يجري الحديث على يسار ويمين فيها". لكن ما هي ملامح هذا المشروع ؟ ينطلق مما يصطلح على تسميته ‘ الحطام العربي المفتوح‘، يجعل منه مدخلا ومتنا لمشروعه الذي يعني به، أن الانهيار العربي الراهن ليس حالة مطلقة ،إنما هو حالة تاريخية وتجاوزها أمر محتمل. لكن ذلك مرهون بتأسيس وعي تاريخي جديد يتأسس من خلال، قراءة نقدية جديدة لتاريخ الفكر العربي أساسها يقوم على الإقرار بوجود ‘ عمق تاريخي ‘للأمة إضافة إلى الإقرار بوجود تجارب لديها في النهوض كما في الانحطاط . وذلك لاكتشاف قانون يكون عاملا في بعث النهضة المرجوة . مما تطلب منه عملية (مسح ) التاريخ ليقف عند المحطات الشامخة في تاريخ الأمة ،كما يقف عند انكساراتها، بدءا بذلك التوهج الحضاري الذي ظهر في أواخر العهد الأموي وجل العهد العباسي الذي لعب دورا في تأسيس نهضة أوروبا الحديثة . مرورا بالقرون الأربعة التي يكون فيها العثمانيين أسياد الموقف وقوفا عند عصر النهضة العربية قبل التدفق الاستعماري الغربي وانتهاء بالنهضة التي حققت استقلال الأمة .وهذا ( المسح ) التاريخي مفاده أننا أمة عرفت عقب كل انكسار نهوضا ، وأن الأحياء منا،إن أرادوا أرادت الأمة ، مرة أخرى، تأسيس نهوض جديد.
بعد هذا التأسيس النهضوي، يلج بنا مباشرة إلى المرحلة المعاصرة و عقابيلها الراهنة. ليقف عند المنعطف الجديد مبينا ملامحه، فيصطلح على تسميته‘النظام العالمي الجديد‘ أو ‘ النظام العولمي ‘ إنه النظام الاقتصادي و العسكري والثقافي والسياسي الذي يسعى في اتجاهه العمومي إلى ابتلاع العالم.و يعد المشروع الصهيوني أحد حلقاته الأساسية. وهذا لا يزال آخذا مداه حتى الراهن وهو في حال تدفق متصاعد. يفصح عن نفسه سياسيا مع سقوط بغداد والمساومة على بقية العواصم العربية. كما يفصح عن نفسه ثقافيا بقوة و وحشية في إطار تفتيت الهُويات التي دللت على كونها محفزة للتقدم التاريخي ، وابتعاث ما دلل على كونه معيقا لذلك التقدم ، مثل العرقية والطائفية والمذهبية و التكفيرية و الظلامية وهي محاولات لإخراج العرب من تاريخهم الخاص وإدخالهم في التاريخ العمومي كلقطاء.
إن هذا التفكيك لتاريخ الآخر ، إنما هو نمط من أيديولوجيا ما يسميه ‘الهزائم التاريخية للشعوب ‘.إنها دعوة للعرب للكف عن الحلم بمشروع يستعيدون من خلاله تحقيق كرامتهم .لكن هذا الهجوم الخارجي ،مها كانت هيمنته، ما كان ليصل إلى هذه الدرجة من التسلط ، لولا التسلط الداخلي، و الإقصاء السياسي ،وإلغاء الفعل الثقافي والسياسي الذي تقوم به الدولة الأمنية، التي فككت المجتمع السياسي و بقايا المجتمع المدني وتحويل الفساد إلى إفساد قصدي، عبر ما لا يحصى من وسائل اللصوصية و الرشوة والتفكيك المؤسساتي والإفساد القضائي و التدمير التعليمي ونشر الدعارة. فهيأت بذلك العالم العربي لقمة سائغة في أيدي الغزاة العولميين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
هنا يعاد طرح ذلك السؤال الخالد ، ما العمل ؟ عولمة تذلنا وعسكر يقمعنا أين المفر ؟ بعض ولى وجهه شطر أقبية السفارات...؟ وبعض آخر كفّر و هاجر إلى المغارات . لكن التيزيني لا من أولئك و لا من هؤلاء فهو لازال يراهن على الحطام العربي المفتوح، لأن التاريخ لا يُغلق على الإطلاق ولكي يبقى مفتوحا يستعير مفهوما بدأ تداوله في الفكر العربي في الآونة الخيرة ، كأحد مخارج الأزمة ، وهي الكتلة التاريخية،التي يعدها الحامل الاجتماعي لمشروعه. والكتلة التاريخية ( bloc historique ( بالمفهوم الغرامشي لا تتحدد بطبقة ولا فئة اجتماعية محددة ،قد تكون قوى اجتماعية متباينة تتقاطع مصالحها في مرحلة تاريخية . يحددها التيزيني أنها ‘ من أقصى اليسار الوطني والقومي الديموقراطي ، إلى أقصى اليمين الوطني و القومي الديموقراطي . بعد ذلك يتكفل التيزيني بتسطير برنامج ثقافي تنويري.و بعدما يعرّف طبيعة المثقف العضوي الذي توكل إليه هذه المهمة التاريخية . يتصدى للتيارات اللاتاريخية أو تلك التي تتنكر للخصوصيات الحضارية . هذه الأخيرة التي يحدد ملامحها من خلال تركيزه على ما يسميه ، الهوية الذاتية ، و العمق التاريخي ،و الذاكرة التاريخية و الوعي التاريخي و الإرادة السياسية .هذه المكونات الحضارية تعد الرافعة، بواسطتها، تنجز الأمة مهماتها النهضوية التنويرية. تاليا تصوغ نفسها بمثابة كتلة تاريخية تمكنها من تجاوز حطامها .لكن ذلك مرهون بشرطين اثنين لضمان نجاحه ، أولا نظرية المعرفة التي ترى نفسها ناتجا لتطور تاريخي ، وثانيا حوارا نقديا عقلانيا من موقع الأنساق المعرفية المعاصرة. هذان شرطان مسبقان، عندها يفتح الحوار مع الجميع ممن يؤمنون بهذه الأرضية التنويرية بدون استثناء ،بما فيها التيارات الدينية. لأن الإسهام في مشروع نهضة الأمة يمثل "فرض عين "على الجميع، وليس " فرض كفاية".
إن المفكر الطيب التيزيني تراجع كثيرا عن المقولات الماركسية ،لكنه لم يقبل يوما التراجع عن مواقفه النقدية .وقبل كتابه هذا ‘بيان في النهضة و التنوير العربي ‘ كان قد بعث ،بعد سقوط بغداد، ببيان للنظام السوري بعنوان ‘سارعوا وافتحوا أنتم قبل أن يفتح الغزاة .‘ أما الترجمة السياسية لمشروع التيزيني الجديد الموسوم (بيان في النهضة و التنوير العربي) فإني أراه مشروعا سياسيا في معركة سياسية ،يتقدم به للنظام والمعارضة على حد سواء في سوريا: يقدم اليد اليمنى للنظام من خلال نقده الصارم للتدخل الخارجي في الشأن الداخلي، ورفضه المطلق للتغيير من الخارج. واليد اليسرى للمعارضة ليؤسس لها مشروعية داخلية ،حتى لا تُستقطب خارجيا، من خلال نقده الصارم للدولة الأمنية التي أتت على الزرع و الضرع ، فأصبحت وظيفتها الإشراف على القمع وتسيير الفساد.
هل ينجح التيزيني في مد الجسور ،أم يصبح أفلاطون عصره،الذي فشل في الجمع بين عسكر إسبارطة وحكماء أثينا.

محمد نور الدين جباب الجزائر



#محمد_نور_الدين_جباب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...
- محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
- لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
- خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
- النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ ...
- أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي ...
- -هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م ...
- عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - محمد نور الدين جباب - الفكر العربي يودّع الماركسية