|
لغتنا قارئة ُ فنجان ٍ لأفكارنا
لبنى الجادري
الحوار المتمدن-العدد: 1867 - 2007 / 3 / 27 - 08:49
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
اللغة ، من العمليات المهمة والمترجمة لمدى التطور والنمو الحاصلين في الفرد الأنساني . فمنذ اليوم الأول لولادة الطفل ، تبدأ عملية التعلم للغة ، حيث تقوم الأم ، وبطريقة غير مباشرة وفطرية بتعليم الطفل، عن طريق التقليد والمحاكاة ، إذ يعد التقليد من أهم أدوات التعلم للطفل الصغير ، والطفل في هذا العمر المبكر ، كائن ذكي ، يستعمل جسمه وحركاته وصوته أثناء البكاء ، للتعبير عن ما يرغبه ويريد قوله ، فمثلا ، عندما يجوع الطفل يكون بكاءه متقطع ، لوجود الحاجة لإشباعها ، ولا يتوقف عن البكاء إلا بعد تحقيق حاجته ، اما إذا شعر بالبلل ، فيكون بكاءه مستمر ، وبذلك فهو يعطي إشارات تفهمها الأم بالتكرار ، وتستطيع أن تميز ما يريده طفلها منها . وهذا المستوى ، هو المستوى الأول في تعلم اللغة ، كذلك ، فإن ملامح الأم وتعابير وجهها ، هي الأجوبة التي يتوقعها الطفل من أمه ، فهي حين تصرخ عليه ، يميز غضبها ، وعندما تبتسم فهو يبادلها نفس الابتسامة ، وبذلك تنشأ العلاقة الأولى للتعلم . وخلال السنة الأولى من حياة الطفل ، تبدأ عملية تعلم المقاطع الصوتية للكلمات ، وهو يبدأ بالحروف البسيطة التي تخرج من بداية الفم ، مثل حرف ال ( باء )،وبذلك ينطق الطفل كلمة( بابا ) قبل كلمة ( ماما ) ، وذلك لصعوبة نطق حرف الميم ، وتزداد خبرته ، بمدى ما يتردد على مسامعه من كلمات ومقاطع ، فهو لا ينطق أولا ، ولكننا نحن الكبار ، من ننطق أولا ثم يقوم الطفل بتكرار ما ننطقه ، ويتأكد ذلك من خلال حالة السرور والرضا عما فعله ، فحين نقول له ( أغغغ ) فهو يكررها مع إظهار حالة السرور للتأكيد على قدرته لذلك ، فيثبت سلوكه هذا ويتكرر كلما تطور جهازه النطقي والعقلي ، وفي السنتين الأولى والثانية من عمره ، تزداد الذخيرة اللغوية لديه ، فهو ينتقل من مرحلة المقاطع الى مرحلة الكلمات ، وتزداد كلماته في السنة الأولى من 2 – 6 كلمات ، بينما كلماته في السنة الثانية الى أكثر من 30 كلمة ، وعندما يتم الخمس سنوات ، تكون ذخيرته اللغوية قد تجاوزت 4500 كلمة . إن متوسط طول الجملة عند الطفل في عمر 4 – 5 سنوات هي 4 كلمات تقريبا ، وتزداد طولا كلما تقدم في العمر ، ويتعلم الطفل عادة الأسماء قبل الأفعال ، والظروف ( الزمانية والمكانية ) قبل الأحوال والصفات . ويقوم الطفل في سنواته المبكرة الأولى بتجميع وتخزين المفردات اللغوية التي يستمدها من محيطه الأسري ورفاقه وإخوانه في المنزل وما يراه ويسعى لتعلمه واكتشافه ، ثم يقوم بعملية تنظيم هذه المعلومات في دماغه على شكل مجاميع تدعى ب ( السكيمات ) SCAMA ، وهي كالبالون يزداد إتساعا وانتفاخا كلما زوده الطفل بالمعلومات المناسبة ثم يدخل في مرحلة التنظيم الداخلي في داخل عقله ، ويستدعيها كلما تطلب الأمر . إن الجملة التي تتألف من كلمة واحدة ، تتسع لغويا بسرعة وبمعايير عدد وحدات الكلمة المرتبطة بها وتعقيد الروابط ، مثلا جملة ( ماء ) تصبح لاحقا ( أريد ماء ) ثم ( أريد أشرب ماء ) أو ( ماما أريد أن أشرب ماء ) ، وبذلك يتأكد وجود قواعد تشكل الأساس للروابط المبكرة للكلمات عند الطفل ، وأنه حتى اللغة البسيطة للطفل تمتلك تركيبا قواعديا ، وهو يختلف من حيث النوع والتعقيد من طفل الى آخر. وفي مجال التراكيب اللغوية للطفل ، يلاحظ أن الطفل يبدأ عملية اكتساب اللغة ، باستعمال كلمة ثم جملة مكونة من كلمتين ، وذلك من خلال لجوئه المنظم الى فئتين مميزتين من الكلمات ، الأولى تعرف ب ( الكلمات المحورية ) ذات العناصر القليلة والأخرى تعرف ب ( الكلمات المفردة ) ، لأنها ترد بصورة متواصلة في كلام الطفل . لقد تبنى نظرية اكتساب اللغة عند الطفل العديد من العلماء ، وتناولوها في جوانبها المختلفة ، إلا أن العالم ( نعوم تشومسكي ) ، قد أحدث ثورة في نظريات تعلم اللغة ، فبعد أن كان يعتقد ، أن اللغة هي وحي من الله خص ّ بها الأنسان، أي أنها فطرية ، أما البعض الآخر فقال عنها انها نتاج اجتماعي .. جاء تشومسكي بالعديد من المفاهيم الجديدة عن طبيعة اللغة ومنهج دراستها وطريقة اكتساب الطفل لها إذ يفترض أن مبادئ اللغة هي فطرية كامنة لدى الإنسان وليست متعلمة ، وتشكل اللغة في نظره تنظيما يربط بين الأصوات والمعاني وتتالف من ثلاث مكونات رئيسية هي : · المكون التركيبي : الذي يصف البنية العميقة للجمل وتعدد عناصرها ، وهي الأساس الذهني المجرد لمعنى معين والذي يوجد في الذهن ، ويرتبط بتركيب جملي أصولي ، ويكون هذا التركيب رمزا لذلك المعنى وتجسيدا له وهو النواة لفهم الجملة ، وهي بشكل عام القواعد التي تبنى عليها هيكل الجملة النهائي . * المكون الدلالي : وهو تفسير معاني هذه البنى ، فلكل كلمة معنى يختلف بأختلاف تواجده في مسير الجملة . · المكون الفونولوجي : ويقصد به المكون الخاص بالتفسير الصوتي لحروف الكلمة .
إن الطفل يكتسب اللغة الأم عن وعي وأدراك ، حتى في سنه المبكرة جدا ، وأنه حالما يستوعب القواعد المختلفة التي تعتمد عليها اللغة ، تتكون عنده القدرة على الخلق ، أي القدرة على تركيب الجمل المختلفة التي يريدها في الوقت والظرف المناسبين ، دون أن يكون بالضرورة قد سمع تلك الجمل أو حفظها .
#لبنى_الجادري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التوافق الإجتماعي والتكيف الإجتماعي وجهان لعملتين مختلفتين
-
الغافل عن الشيء لا يدركه
-
تكوين المفاهيم عند الأطفال
-
شخصيات متعددات في أنسان واحد
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|