أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح عوده - المغتصبه !!















المزيد.....

المغتصبه !!


سامح عوده

الحوار المتمدن-العدد: 1863 - 2007 / 3 / 23 - 11:12
المحور: الادب والفن
    


من ذكريات قريتنا الوادعة الجميلة المغتصبة ، التي تطل على البحر المتوسط ، بدأت أولى ذكرياتي ... حينما أكونُ الى جوارِ أمي التي ما تلبثُ أن تنهي عملها اليومي ......حتى تأخذني نجلس على شرفة منزلنا القديم نسامر جدي وجدتي العجوزين ، الى أن يعود والدي من خارج المنزل ؛ ليكملُ يومه معنا ولا ادري كيف يمر الوقت !!!!!
فما البث أن أجلس الى جواره حتى اغرق في سباتٍ عميقٍ ......
وفي يوم ما ، كانت السماءُ صافية لم اعتد أن أرى والدتي منهمكة ، تعد الفراش وتحضر القهوة ، وترتب البيت بهذه الصورة ....... كأنه احتفالٌ بقدومِ شخص مهم .
سألتها في استغرابٍ من سيحضر لزيارتنا يا أمي ؟
قالت : اليوم سيأتي عمك من الأردن لزيارتنا ، اغرب عن وجهي حتى أكمل عملي قبل أن يأتي الضيوف .
جلستُ بعيداً عنها، ولم أجرؤ الاقترابَ منها خوفا من عقابها ، لأنها كانت منهمكةٌ في عملها مرت الساعات مسرعه .... فسمعتُ ضجيجاً خارج المنزل ، قالت أمي : ها هم الضيوف قد جاءوا ......
وفي لحظات ، عجَ منزلنا بالأقاربِ ، والضيوفِ . الذين حضروا ليهنئوه بسلامته ..... فهو شخصيهٌ معروفهٌ تحظى بمكانهٍ علميهٍ واكاديميه كبيره والجميع في القرية يقدرونه ، ويحترمونه ، لسمعته الطيبة ، وتفانيه في خدمةِ الناس .
جلست الى جواره ، وهو يديرُ الحديث والكل يستمع بإصغاءٍ دون مقاطعه.... فهو بارع في الحديثِ ...يجيدُ فن الكلام واللغة ...... كنت استمع بشغفٍ ِلما يقول .... دون أن افهم ماذا تعني كلماته .... فما زلت اذكر بعضاً منها ...... إسرائيل .. والأردن ... والنازحين ........ وبينما كان يدير الحديث ، تهاوت الى مسامعي كلمةٌ خرجت من فمه ، لها موسيقى خاصة ، إنها ، ( جولان ) أو
( الجولان ) لم اعرف ماذا كان يقصد بهذه الكلمة .... وبدأتُ أردد الكلمة مراتٍ ومراتٍ حتى صرت احفظها .... وبدا منذ تلك اللحظة شغفي بهذا الاسم .... لذلك ، تخيلتها أنثى .... فتبادر لي ... أن عمي كان يقصد فتاه صغيره اسمها جولان .
ومع الأيام ، بدأتُ ارسم صورةً لجولان في مخيلتي ، كما رسمتها ريشة طفولتي ،
تخيلتها ، طفلةً في نفس ، عمري زرقاءُ العينينِ ، شقراء الشعرِ تلبس ثوباً ابيضَ جميلاً يكشف عن أكتافها ، وفي يدها لعبه تشبهها ....
كنت أخافُ أن أبوح بشئٍ لأحدٍ عن جولان خوفاً من علمِ والدي ... فيقعُ علّي العقاب ، فأنا مازلتُ طفلاً صغيراً ، ولا يجدر التفكير في هكذا أمور .
مرت الأيامُ ، وفي كلِ يوم يمر ، تكبرُ جولانُ معي ، ويزدادُ شغفي، وحبي لها، وأشعرُ بأنها قد خلقت لي ، وأنها تنتظرني في مكانٍ حتى حتى آتي إليها .
وفي كل مكان كنتُ أذهبُ اليه أحاولُ أن أتعرف على أسماء الفتيات ..... لكن دون جدوى ، فجولانُ ما زالت بعيده ولا اعرف الطريق اليها .... لكنني لم أمل البحثَ عنها .
وفي احد الأيام ، ذهبنا لزيارة أقارب لنا في بلدةٍ بعيدهٍ ، وكعادتي ، كنت أخرج للعب مع الفتيات علني أجدُ تلكَ الشقراءَ الصغيرةِ ( جولان ) ، وفجأة ، وأنا، أرمي بالكرهِ ... لاحت فتاةٌ من بعيدٍ ، سمعتُ صديقتها تقول لها : ( بيسان ) أسرعت نحوها لاتاكد من اسمها إن كان بيسانُ أم جولانُ... فكانت الصعقةُ إن اسمها ( بيسان ) وليس جولان !!!!!...
فلم تكن شقراءَ ولا زرقاءَ العينين .
كنت جازماً بأنني سوف أجد هذه الطفلة الجميلة يوماً ما ..... لذلك في كلِ يومٍ كان يمرُ كنت أتعلق بها أكثر ، ولا أستطيع البوح خوفاً من العقاب .
مرت الأيامُ مسرعهً كرمش العين ... أو كطيف من الخيال حتى دخلتُ المدرسةِ ووصلت الى المرحلة الإعدادية .... وفي احدِ الأيامِ خرجنا الى الملعب نلهو في حصةِ الرياضةِ الأسبوعيةِ ، وبعد أن قرع الجرس إيذاناً بانتهاء الحصة ، عدنا الى الصف لنكمل يومنا الدراسي كالمعتاد .
وعلى الدرجِ المقابلِ لصفنا ، كان يجلس ثلاثةٌ من الأساتذةِ يتبادلونَ الحديثَ ، وأثناءَ مروري بجوارهم هوت الى مسامعي كلمةٌ كما هو أزيز الرصاص ، لقد قال احدهم : (الجولان ) حينها وجدت ضالتي
ارتبكتُ كثيراً فقلت في نفسي ماذا افعل ؟
ونظرتُ الى احدِ المعلمين وكان يحملُ عصاً .....
فخفت إن سألته عن جولان تكن ابنته ... أو قريبته ، أو إحدى معارفه فيعاقبني كما كان والدي سيفعل .
شعرتُ بان صوتاً في داخلي يقول لي :
قوِ قلبك يا ولد واذهب وسل عن الجولان .... وماذا سيكون العقاب كم عصاً .. في سبيل جولان تهون كل العصي .
رجعتُ الى الخلف مرتبكاً ... والعرقُ يغمرني وفي صوتٍ منخفضٍ ...
قلت : يا أستاذ ، أتسمح لي بسؤال ؟
قال لي : تفضل ، فهو توقعَ أن أساله عن امتحانِ مادةِ الجغرافيا .
قلت : في صوتٍ منخفضٍ ، سمعتكَ تقولُ قبل قليلٍ كلمة الجولان ، ماذا تكون هذه الجولان ؟؟؟
نظرَ الي نظرات سخطٍ ، وأدركت أن العقاب الذي كنت اهرب منه منذ سنين ، قد حان وقته ...... ووقع المحظور .......
وفجأة ، وفي صوت مرتفع رد قائلاً :
جيل آخر زمن آلا تعرف الجولان ......
أنا مش عارف كيف بدكم بكره تكونوا جيل المستقبل ..
وتحملوا الأمانة وتبنوا الوطن .....
إنها يا غبي ، هضبةُ الجولانِ السوريةُ المغتصبةُ آلا تعرفها ؟؟؟
قلت : في دهشةٍ مغتصبة !!!!!!!
ومن اغتصبها يا أستاذ ؟
قال : نعم ، مغتصبة ، آلا تعرف أنها محتلة من قبلِ اليهود كما هي بلدتكَ وسهل بيسان وباقي بلدات ، فلسطين وقراها .
وبدأ يعرفني بها ، بموقعها فأعطاني نبذة عن تاريحها ، وحينها ، عرفتُ أن عمي كان يتحدث عنها ، لأنه رددها مع كلمةِ إسرائيل فأيقنت انه كان يقصد هضبة الجولان لا جولان الفتاة الصغيرة التي أحببتها ...
وبعد هذا الموقف العصيب ، أصبحت لا أخاف السؤال عن الجولان ....
وبدأتُ أسالُ كل من لديه معلومات ، حتى عرفت الكثير الكثير عنها .
ومرت الأيامُ ، حتى كنتُ أتمنى أن أقابلَ فتاةً جميلةَ العينينِ كما تخيلتها، اسمها جولان .
إلا أن ذلك لم يحدث ...
فبقي الاسم معلقا في ذاكرتي ..... حتى تلاشت جولان الفتاة ، من ذاكرتي .. وحلت مكانها جولان الأرض والتاريخ ، فسكنت في الفؤاد ، واعتلت عرش الفؤاد كما هي ( سبته ، ومليله ) في المغرب العربي تدق دوما أبواب الذاكرة .



#سامح_عوده (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوس الواوا !!
- شموع منتصف الليل
- أصل فكرة حقوق الإنسان وإطارها الفلسفي
- هل حقا القدس عروس عروبتنا ؟
- أزمة قيادات أم تصحر !!!
- طفوله ماسوره واحلام مبتوره
- اغتيال الذاكره
- ليلة شتاء مجنونة
- الدكتور !!!
- لعن الله الفتنة !!
- نقطة ضوء ....... أمريكيا والإرهاب
- كل عام والوطن بالف خير
- عندما يكون من الموت فلسفة
- حرب المهزومين


المزيد.....




- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامح عوده - المغتصبه !!