|
الإرهاب كسلوك فكري.
أمياي عبد المجيد
الحوار المتمدن-العدد: 1861 - 2007 / 3 / 21 - 12:15
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إننا اليوم أمام ديناميكية غير طبيعية للعالم، الكثير من الحديث يؤول هذا المسار المنعرج للحياة العامة للإنسان إلى كون العالم ابتلي بظواهر مشينة كالإرهاب . حيث ما وليت وجهك تجد حديثا مشروخا يشرح الإرهاب الكل يشرحه من زاوية الاعتقاد والتأثير الاجتماعي ، والاقتصادي الخاص به ، ويسقط العديدين حالتهم على ما يعيشه هؤلاء الإرهابيين من حياة غير طبيعية ، فاختلط الحابل بالنابل على الإنسان البسيط الذي يجد صعوبة في فهم التأويل الصحيح لهذه الظاهرة ، والأكثر من ذلك وجدته بعض القوى الباغية كبش فداء لتعلق عليها إخفاقاتها المتتالية وتعديها على حقوق الإنسان . نظرة عامة. لعل تعزيز دور الفهم الصحيح للعنف بمختلف أشكاله يجعلنا وبدون شك ندرك الحجم الحقيقي لأي عمل إرهابي ، فمثلا أحداث 16 ماي و11مارس لم يفهمها كل المغاربة في نطاقها العقلاني بقدر ما تحكم في صياغة الحكم عليها الوازع الأخلاقي . وهذا راجع بالأساس إلى الأسلوب المتبع في اختيار طريقة إبلاغ الرأي العام بتفاصيل الإحداث والتكتم الذي أحاط بتفاصيل هذه الجرائم باستثناء المغامرات الإعلامية التي لا تنطبق في نقلها للحقيقة ، مما كون عند المواطن صورة مركبة ومشوهة في الوقت نفسه . من هنا يعدوا الإلحاح على عقلنة التفاصيل من أساسيات التعامل مع أي عمل إرهابي . وعندما يكون الرأي العام مطمئن يمكن حينها الانتقال إلى ربط المقاربات الأمنية واستراتيجية الاحتواء بشكل أكثر سلاسة . بل أعتقد أن أي احتواء لأعمال من هذا الشكل يستدعي أكثر من مقاربة جدية تكون مقاربات لا تستند إلى العامل الزمني الذي من شأنه أن يقوض العمل الجدي والمتقن ، ولا إلى تنظيرات لا تتوافق مع خصوصية البلد . وقد نتساءل عن الفائدة المرجوة من كل هذه الإجراءات التي تبدو بديهية للغاية ولا تستند إلى أي إلحاح يستدعي ذلك .لكننا ندرك أننا اليوم وبعد تجربة لا باس بها في التعامل مع العنف أصبحنا مطالبين بتخويض التفاصيل الدقيقة والتدابير المعقلنة حيزا مهما من الوجود . والاستراتيجية التي يجب أن يحارب بها الإرهاب ليست بإستراتيجية تعجيزية، ومن المهم في هذه النقطة الإشارة إلى أن المقاربات خاصة الأمنية التي تجري في مجموعة من الدول التي تعاني من مشاكل العنف ، ليست بالضرورة مقاربات متوافقة مع الاستراتيجية التي يجب أن تعتمدها دولة معينة ، فلكل دولة خصوصية وفي اعتقادي أن هذا الاستخدام العشوائي للاستراتيجيات هو من ساهم في فشل القضاء على أعمال العنف هذه ، وربما هذا أيضا ما يجعلنا غير قادرين على تبرير عمل الأجهزة الأمنية، وبالتالي الإمكانية التي تتوفر لدينا للحديث عن عمل احتوائي أو استباقي لمحاصرة التنفيذ ، وهذا أمر مستبعد في الوقت الراهن ومن شأن أعمال إرهابية أخرى أن تتجدد كلما شعرت هذه العناصر الإرهابية باستكانة الأجهزة الأمنية أو الاتكالية على مصادر معلومات قد تكون خاطئة وقد تنطوي تحت استراتيجية هذه التنظيمات لتظليل العمل الأمني . إن مشهد العنف الذي يمر به العالم شغلني كثيرا ووجدت أن التنظيمات التي تتبني أغلب أعمال العنف لا تكاد أن تكون مجموعات ضئيلة جدا تتبنى أفكار ما يسمى " بالقاعدة " ولاحظت أن أغلب الناس يتعاملون مع القاعدة على أساس أنها تنظيم قائم بذاته له أجنحة عسكرية ، ومقاتلين يعدون بالآلاف!! بيد أن القاعدة لا يمكن أن يتجاوز قوام المقاتلين في صفوفها بعض المئات وهي بمثابة عصابة تعتمد على رجل يقدم التمويل للمشاريع التخريبية وبعض العارفين بالهندسة والتخطيط القادرين على انجاز مشاريع تفخيخية، وبن لادن مثلا هو " دمية" دورها يكمن في التمويل ولا يتعدى ذلك .. رب قائل يقول و كيف استطاعت القاعدة أن تحدث هذا التغيير كله في العالم ؟ إن الخصوصية التي اكتسبتها القاعدة كتنظيم هو نتاج لاستغلال أعمال العنف المختلفة التي يقوم بها بعض المتطرفين الذين يؤمنون بفكر القاعدة ، ويمكن أن نجد أي شخص من هؤلاء يتبنى أسلوب القاعدة في التعامل والتأثير من دون معرفته لا بأسامة بن لادن أو بنهج القاعدة وأيضا الخصوصية اكتسبتها من كوننا نؤول أي عمل عنف إلى شيء اسمه القاعدة وعند استحضارنا للقاعدة لا نستحضر الأفكار والثقافة بل نتعمد إلى عرض شريط أحداث مليء بالدماء والقتل المتوحش . وهناك إشارة لابد منها تتعلق بهذه الخصوصية وهي أن القاعدة كفكر يظهر تأثيرها في غياب المعنى الأصلي للتنظيم عند غالبية الناس ، وقد يتصور البعض أنني انفي وجود تنظيم اسمه القاعدة ، بالعكس تماما ولكن أنا أعطي الأولوية لشرح الرؤية الدينية والثقافية بصفة عامة عند هذا التنظيم والعمل الإرهابي هو خلاصة فكر وثقافة منحرفين ، وأعارض الفكرة الزاعمة بان القاعدة عابرة للقارات ، لسبب بسيط هو أن أي جماعة غير منظمة لا يمكن أن تتجاوز تأثيراتها رقعة جغرافية بعينها ، وهذا أمر ثابت في جميع الاستراتيجيات العسكرية وإنما الذي اقر به هو وجود فكر في عدد كبير من الدول يطابق فكر القاعدة في أسلوب العمل . وفي إطار التدليل على سلوك الإرهابيين لا بد من الإشارة إلى ثلاث عوامل أساسية في إكساب الصبغة الكونية وسترون بان اغلب المؤثرات لها خلفية فكرية بالدرجة الأولى قد تكون منفصلة على جسم القاعدة ولكن تتولد هذه الشخصية المركبة في نهاية المطاف مطابقة لأفكار القاعدة : -1- عامل تداعي المعاني : تداعي المعاني association des idées ، أو فوضى التأويل هذه خاصية مهمة في عمل المنتسبين إلى فكر القاعدة ويعتبر أسلوب عمل قديم نوعا ما لاستماتة جماعة معينة حيث أنه يقتضي خلط المفاهيم على الإنسان العادي من زاوية أيديولوجية وغالبا ما تكون دينية وجعله حائرا ومندهشا وغير قادر على ضبط مكتسباته السابقة بخصوص بعض المفاهيم كالجهاد مثلا ، وبالتالي تكون كخطوة أولية لكسب عطف هذا الإنسان وبعدها يتم التعامل معه كانسان مذنب يجب إعادته إلى الطريق الصحيح ويتم تخديره بمجموعة من الأفكار التي تبين ويبرهن عليها وبحكم الحصانة الفكرية الضعيفة يستسلم بكل سهولة . -2- عامل السيكولوجيا المرضية : وهذا العامل يتحدد بصفة عامة انطلاقا من محددات اجتماعية ، وترتبط ارتباطا وثيقا بدور الفرد في المجتمع ، وحامل أفكار التطرف يكون دائما متسائل مع ذاته في إطار الرضا وعدمه وهو غاليا ما يتوصل إلى قناعة عدم الرضا على مجتمعه ودوره في هذا المجتمع ويصبح مع مرور الوقت ذو إرادة مشلولة لا تشجعه حتى من التقرب من الأخر كعنصر من المجتمع ذاته ، ويؤدي هذا التراكم الغير العادي لسلوك ( الفردانية) في شرح الوضع الذي يعيش فيه إلى الانعزال الكلي وربما الخلل العقلي ، وفي الحالات الأكثر انتشارا في صفوف الإرهابيين نجد أن اغلب من تم اعتقاله أو تمت معرفة حالته عن قرب كانوا يعشون حالة سلوكية غير طبيعية وممارسة فردانية واضحة للتعاطي مع أي عنصر في العائلة إضافة إلى الانطواء الذاتي . -3- عامل السوسيولوجيا نشأة فكرة العنف أو تعنيف الشيء لدى أي شخص لا يمكن فهمها كردة فعل على عامل معين يمر به العالم كله وهناك الكثيرون من يربط انتشار أعمال العنف ، والإرهاب بصفة عامة بحالة بعض الدول الإسلامية التي تعيش تحت الاحتلال ، فإذا كنا نؤمن حقا بأن الجزء الكبير في صياغة النظرة المتطرفة للعالم ناتجة عن الاستعمار ، فكيف نفهم الأعمال الإرهابية التي تقوم بها منظمة الباسك باسبانيا ؟ أو منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي ؟ أعتقد أن ربط ظاهرة العنف والتعصب بتأثير الحالة العامة للأمة أمر ليس صحيحا بالحد الذي قد نتصوره . فالعامل السوسيولوجي يعطي إمكانية إنتاج هذا الفكر دون الحاجة إلى الربط العالمي للإحداث، فيكفي أن يكون مجموعة من الناس معرضين للتهميش والإقصاء والحرمان أن تكوّن لنا عناصر لها خلل في الشخصية . خلاصة ـــ: فهم أسلوب القاعدة في التأثير لا يجب أن ننظر إليه من زاوية الأعمال التي تتبناها ، ولكن من المهم أن نكون على معرفة بالأفكار التي تتبناها القاعدة ، وما إذا كانت ظروفنا الداخلية كدول منفصلة تسمح بتواجد عناصر تنتمي فكريا إلى القاعدة ، وهذا المنطق يستدعي طرح الجانب الاجتماعي ، والسياسي، والاقتصادي ، والديني، للنقاش الهادئ. * كاتب مغربي
#أمياي_عبد_المجيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المثقف وإشكالية التعبير العلمي والمعرفي
-
شباب المغرب - المقرقب-
-
الاستغلال الجنسي للأطفال أو انهيار منظومة الأخلاق الاجتماعية
...
-
بوش : جولة الطاقة من أجل الحرب .
-
استعارة المفاهيم : الارهاب نموذجا .
-
هل نحن بحاجة إلى رابطة شبابية مغربية ؟
-
موجة الأمس
-
أهمية العدالة الاجتماعية
-
حرية التعبير والالتزام بالمسؤولية
-
الواقعية في معالجة الظواهر الآنية.
-
إيران : العتاب قبل العقاب
-
دولة الحق والقانون
-
الفدرالية كمدخل لتقسيم العراق .
-
مستقبل العلاقات الخليجية – الإيرانية
-
حلم النجومية ..
-
التغيير الدستوري وترسيم الامازيغية.
-
القطار
-
ثقافة الاختلاف
-
نفير الحرب الجديدة
-
رويال و ساركوزي والسباق إلى الاليزيه
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|