|
بين تعاويذ الكتابة وقاموس الأرقام
نهى محمود
الحوار المتمدن-العدد: 1862 - 2007 / 3 / 22 - 12:24
المحور:
الادب والفن
لا أعرف لذة محمومة كتعاطي الكلمات هي شهوة لا موصوفة أن يتحول الغموض الذي نشعره لحروف والأوجاع التي تسكننا والحيرة والعبث والمنطق كل ذلك يرقد كبقع سوداء على الصفحات . يشغلني أمر هؤلاء الذين لا يعرفون القراءه كيف تبدو لهم طلاسم النقوش التي هي نتاج تحرش لا اخلاقي بين العقل والحيرة .. الكتابة هي وريث غير شرعي للإنسان .. هي حده الفاصل بين الموت والخلود .. هي قدرته الخارقة على قهر المرض والحزن . عندما ماتت أمي احتميت بكلماتها التي أورثني من مهاترات الوقت ومحاولاته أن يفقدني شيئا من كيانها الذي حملني داخله ثم حملته أنا داخلي في فعل متلازم كإشكاليات الخلق أي منا تصادف وجوده قبل الأخر ! اضطررت بعد موتها لأن اسجل أرقام الأقارب في أجندة تليفونات أخيرا أصبح لبيتنا نوته لتسجيل الارقام كان عقلها يسع كل الارقام التي صادف أنه لم يكن بيني وبينها أي علاقه . أشعر بالإختناق عندما اضطر لمواجهة الأرقام في كتب الدراسة ثم في السوق عندما اشتري حاجيات البيت واضطر لمجاراة البائع والتمتمه بأشياء غير مفهومة في محاولة عبثية لمراجعه الحساب معه الارقام.. تلك الغريبة عن عالمي التي لا تعنيني ولا أعرفها . أكثر ما أحزنني أني لم أدون عنها تواريخ أعياد ميلاد الجميع كانت تفاجئني دوما بإبتسامه مشرقه على وجهها وجملة النهاردة عيد ميلاد فلان هاتي التليفون أكلمه شعرت أني خسرت كنزا عندما لم أكتب عنها هذه المناسبات أضطر اليوم أن ابدأ من الصفر ان اسأل أقاربي عن تواريخ ميلادهم بينما شعرت أني فقدت للأبد في متاهة الاعودة تواريخ ميلاد من ماتوا ومواعيد رحيلهم كانت تعرف كل ذلك وتقوله لي لكني لم اكن أحفظه ربما لان تيمة الأرقام مبتورة في عالمي ربما لأني كنت أظن أن أمي لن ترحل ولن احتاج لخلق قاموسي الخاص من الارقام . كنت أشعر بفخر جم أني اقتسمت مع أمي كل حكاياتها اني عرفت عنها كل شئ .. هي حقيقه كنت دوما مأخوذة بهذه السيدة القوية المختلفة عن كل من عرفت في حياتي ليس لأنها أمي فقط لكن لأنها نموذجا لإمرأة تمنيت كثيرا أن أكونها أن أجمع مثلها بين الجمال والأنوثة والدلال ورجاحة العقل وحلاوة اللسان تلك التوليفه العبقرية والكاريزما التي لا تملك حيالها إلا التورط في حبها واحترامها . كانت ألة الحكي بيننا مستعرة تعمل بعنف بمنتهى طاقتها خاصة في الأيام القليلة قبل وفاتها . كانت تحكي لي كل شئ كل الحكايا التي أعرفها كأنها تراجعها معي كي لا أنسى وكل الحكايا التي أعرف جزء منها . اقترحت عليها في تلك الايام أن أكتب ما تمليه عليا ربما أكتبه يوما في رواية وبدأنا العمل أجلي إلى جوارها على كرسي في حجرتنا بالمستشفى نأخذ الليل كله في الحكي والتدوين . أشعر بصوتها واهن لكن رغبتها لا تتوقف في ان تقص كل شئ وأن اكتبه في كراستي ذات الصفحات الزرقاء نضحك ونثرثر وأسألها وتجيب وتستطرد دون أن اسألها قضينا وقتا لا أعرف ان أصف أن تحملني معها إلى عالمها رحلة عمر مرت بنا في أيام قليلة . كانت دوما تخبرني أني أبنه عمرها بيننا عشرون عاما فقط وفي تلك الايام منحتني لقبا جديدا هو شاهدا إفتراضيا لهذا العالم . في الأيام التي تلت موتها كنت أشاهد ألبومات الصور كثيرا . أجلس على فراشها في حجرتها وأشاهد الصور واهمس لنفسي بمناسبات الصور كنت أعرف من كان معها في محيط المكان ومناسبة الصورة وحالتها النفسية وقتها سكنني هاجس لا أعرف إن كنت تخلصت منه أم لا إنها لم ترحل وإنما انتقلت لداخلي أن تحمل المرأة في احشائها طفل فهذا طبيعي على قدر إرهاقه أما أن تحمل في روحها كيان أخر متلازم لوجودها فهو ألم رهيب ومخاض غير محتمل ارهقني في البداية استسلمت له أحيانا وقاومته أحيانا أخري وفي النهاية استوطن داخلي إحساس إننا نحيا معا بسلام
#نهى_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-انحناءة- بيزوس أمام ترامب تتسبب باستقالة رسامة كاريكاتير في
...
-
ترجمة مُضللة لتصريحات وزير دفاع أمريكا عن ضربات ضد الحشد الش
...
-
-لا أرض أخرى-.. البدو الفلسطينيون يجبرون على الرحيل تحت غطاء
...
-
قائد الثورة..ضرورة زيادة النتاجات العلمية والفنية عن هؤلاء ا
...
-
الأردن يعلن إرسال وفود لدراسة الحالة الفنية والأمنية لإعادة
...
-
ألبر كامو: قصة كاتب عاش غريباً ورحل في ظروف غامضة
-
كتاب الفوضى.. قصة صعود وهبوط شركة الهند الشرقية
-
ترامب يعتبر جلسة تحديد عقوبته بقضية الممثلة الإباحية -تمثيلي
...
-
-زنوبيا- تُحذف من المناهج السورية.. فهل كانت مجرد شخصية خيال
...
-
عمرها 166 مليون سنة.. اكتشاف آثار أقدام ديناصورات في أوكسفور
...
المزيد.....
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
المزيد.....
|