بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1855 - 2007 / 3 / 15 - 11:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تسميات كثيرة يمكن أن تطلق على عملية إعادة إنتاج " مجلس الشعب " في سوريا ، في 22 نيسان القادم ، إلاّ تسميتها بالانتخابات . وحزب البعث الحاكم هو أول من يعرف هذه الحقيقة ، لأنه هو وآلياته الأمنية من قرر مسبقاً من هم من " الحزب القائد " ومن " الجبهة الوطنية التقدمية " ومن المستقلين ، الذين سيجلسون على مقاعد المجلس في الدور " التشريعي " التاسع . ولاينتقص من هذه الحقيقة بشيء ، أن ثلاثين بالمئة من مقاعد المجلس قد خصصت للمستقلين ، لأن هؤلاء ، وإن كانوا سيشاركون في هذه اللعبة خارج قوائم الجبهة الرسمية ، إلاً أنهم ليسوا خارج إطار النظام . بمعنى أن التسمية المسبقة لأعضاء المجلس حسب الحق الدستوري باستحواذ " الحزب القائد " وحلفائه على الأكثرية التي تمكنه من ممارسة دوره "القائد " تنفي وصف ماسيجري بالانتخابات من حيث الاسم والمسمى
جانب هام مما يجري الآن من أنشطة هو محاولة تمرير التعيين تحت ا سم الانتخابات . وهناك حرص كبير من قبل أولي الأمر على أن يؤدي التكرار ، المدعوم ، بتفريغ ذاكرة الشارع السياسي من تجربة الانتخابات الديمقراطية بفرض المناخات اللاسياسية والقمعية الطويلة المدى ، إلى تصديق الناس أن ما يجري هو انتخابات ، إذ يعتبر هؤلاء ، أن إدخال وتداول مصطلح انتخابات دون تحفظ في سياق سرد الوقائع السورية ، إبان فترة العد العكسي ل " الانتخابات " في الداخل والخارج ، إنما يسقطون عنهم إثم الغدر بالديمقراطية ، ويسجلون لصالحهم نصف انتصار في مواجهة المعارضة والمعنيين بالشأن السوري ، في مضمار تكريس شرعية هذه " الانتخابات " و" شرعية " ا ستبدادهم واحتكارهم السياسة وقيادة الدولة والمجتمع . وفي مقابل ذلك يسجلون ، حسب ظنهم ، ليس أقل من نصف هزيمة للمعارضين الناشطين من أجل التغيير الوطني الديمقراطي في البلاد
غير أن هذا الحرص ، كما يدل الحراك " الانتخابي " يحاصره قدر مواز من الشك بنجاح تكرار معايير اللعبة " الانتخابية " ، كما في المرات السابقة . فهذه المرة تجري اللعبة تحت أضواء الرصد السياسي والحقوقي المعارض في الداخل وأضواء المعنيين بالشأن السوري الديمقراطي الإنساني في الخارج ، ما يستدعي أن تؤخذ بعين الاعتبار ما تعنيه هذه الإضاءة ، التي ستزداد مضاعفة لكشف أنشطة اللعبة التعيينية " الانتخابية " بكافة أبعادها ومربعاتها ، كما يستدعي بالضرورة تقديم جديد ما يبث الاختلاف في الشكل المعتاد ، لتعزيز إعادة التجديد للمضمون
حتى الآن ، ما يمارس ، وما يطرح ، إعلامياً وسياسياً ، هو أن صناديق الاقتراع ستكون حديثة وجديدة .. وسيستخدم الحبر السري . وتبرز بشكل غير مألوف أنشطة " مكافحة الفساد ، وتنشر مقالات نقدية لاذعة في الاعلام الرسمي المرئي والورقي والإلكتروني ضد مجلس الشعب وأعضائه ، بل وباتت هذه المقالات تطاول بعضاً من القيادات السياسية ما دون الرئاسة وآل بيت الرئاسة وبعيداً عن قمم النظام العالية والأجهزة الأمنية . للدلالة على أن هناك " انتخابات " فعلية ستحدث ، وأن هناك " شفافية " سياسية ستكون
أبرز ما يبدو في هذا السياق مسألتان ، هما ، توسيع الحركة ضد أنساق دنيا من الفساد والرمي النقدي اللاذع باتجاه أعضاء " مجلس الشعب "السابق ، والأسلوب الانتهازي في اختيارهم ، وكذلك باتجاه بعض رموز النظام الآفلة أو برسم الأفول . وعلى هذا ، بات واضحاً ، أن الهمة " العالية " المفاجئة على كل مستويات الدولة " للتصدي " للفساد قبل أسابيع من موعد ا ستحقاق الدور " التشريعي " التاسع ، كانت مرتبطة بهذا الاستحقاق أكثر من ارتباطها باستيقاظ حس المسؤولية لدى المسؤولين إزاء مصالح الشعب والوطن . وبات مفهوماً ، لماذا كلما اقتربت نهاية العد العكسي لاختتام لعبة هذا الاستحقاق يكثف الحديث الاعلامي عن الفساد ويزداد عدد بؤر الفساد المكتشفة . كما بات واضحاً أيضاً ، أن " الشفافية الطارئة في الإعلام الرسمي والاحتياطي الرديف ، التي تجلت بالنقد اللاذع ، قد جاءت بتناغم مرتبط بالاستحقاق المذكور ، لتغطية الاعتقالات والمحاكمات الكيدية التعسفية ، التي ا ستهدفت وتستهدف ناشطين بارزين في مجال الرأي وحقوق الإنسان ، وللإيحاء المخادع ، بأن البلاد مقبلة على عهد جديد مع " مجلس شعب " جديد ، الذي سيعقبه ا ستفتاء على عهد رئاسي جديد .. وعليه .. يصح القول أن كل ما يطرح في المشهد التعييني " الانتخابي " يمكن اعتباره بمثابة برنامج " انتخابي للدور " التشريعي " التاسع .. وللعهد الرئاسي الثاني .. المقبل
لكن ما فات أولي أمر الحملة " الانتخابية " ، أن هذا الجديد أو أي جديد آخر يأتي على نسقه ، أي دون التغيير الجذري الديمقراطي في بنية النظام ، لن يخرج عن إطار الدعاية الحرفية ، أو العلاقات العامة ، حتى وإن ترافق ذلك ببعض الفلتات الشعاراتية المنسقة مع أجهزة الأمن ، لارتكازه على خلفية مهمة تزوير الدلالة والمعنى لعملية التعيين ، وتقديمها بقالب " الانتخابات " وهو قالب مغاير لحقيقتها
بمعنى، أن الانتخابات ، عند الأمم المتحضرة ، التي تتجلى فيها أولى معاني وقيم الديمقراطية ، مازالت عندنا برسم الامتهان ومركونة جانباً ، وتستبدل ، بخفة تدعو للرثاء ، بالصناديق الجديدة .. وبالحبر السري ، للتعمية على سلطات الاستبداد ل " الحزب القائد " ، التي توجه وتبرمج ، بموجب الدستور الراهن ، كل مجال تمثيلي في البلاد ، وفي المقدمة ، السلطة التشريعية وما يتفرع عنها من آليات تشرعن أفعال النظام . وبمعنى أن النظام ، الذي أنتج هذا الجبل من الفساد على مدار عهده المتواصل منذ عشرات السنين ، يضع المواطنين للمرة التاسعة ، أمام مأساة تكرار إعادة إنتاج " مجلس الشعب " من ذات المصادر ومن ذات العقليات الفاسدة التي جاءت منها المجالس السابقة ، التي كانت الأكثر تواطؤاً في تغطية سياساته الفاسدة .. للخلاص من الفساد
وتأسيساً على ما تقدم ، فإنه لاغرابة أن تجري عملية تجديد " مجلس الشعب " ، الذي يعني البرلمان .. أي السلطة التشريعية .. السلطة الأساس في بنية الدولة ، دون مضمون سياسي جديد .. تنافسي .. أي دون وجود برامج سياسية متعددة تدور مضامينها حول أهم المسائل التي تهم المواطن السياسية والمعاشية في الداخل والخارج .. لاغرابة أن لا كلام لدى فرسان الحملة " الانتخابية " من أهل النظام عن ارتفاع الأسعار والغلاء والبطالة والأجور والرواتب المتدنية .. لاكلام عن مستويات المعيشة المأساوية المخجلة لأكثرية الشعب .. لاكلام عن انفلاش مفاعيل اقتصاد السوق اللااجتماعي والتلاعب بمصير القطاع العام ، الذي ترتبط به معيشة مليون عامل ، ويتمفصل مع المصالح الاقتصادية الوطنية عامة .. لاكلام عن التهديد برفع الدعم عن عدد من المواد التموينية والمعاشية .. لاكلام عن التوحش الزاحف لخصخصة مؤسسات الدولة الانتاجية والمرفقية والخدماتية والتعليمية والصحية مما سيزيد من الاختناقات المعاشية للأكثرية الساحقة من المواطنين .. لاكلام عن تعديل دستوري ديمقراطي يزيل كابوس الاستبداد عن صدور أبناء الشعب .. لاكلام عن رفع حالة الطواريء ووقف العمل بالأحكام العرفية والإفراج عن المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين
وعلى ذلك .. لاغرابة أيضاً ، أن يجري ما سيجري باسم المواسم " الانتخابية لهذا العام ، معبراً عن ضياع حس المسؤولية لدى أهل النظام .. وعن عدم اكتراث شعبي كاسح
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟