|
دفاعاً عن العلمانية
عطية مسوح
الحوار المتمدن-العدد: 1854 - 2007 / 3 / 14 - 11:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يبدو أن مفهوم العلمانية، كغيره من المفاهيم التي تعرضت للتشويه والتسطيح المقصودين، يظل في حاجة إلى أن يكتب عنه، ويناقش، وأن يدعو إليه الداعون الحريصون على نهوض الأمة وتقدمها.
نقول هذا، لأننا نقرأ بين الفترة والأخرى، ونسمع في المناقشات التي تعرضها الفضائيات، كلاماً ينمّ عن قصور في فهم العلمانية، يقوم على ربطها بالإلحاد، وتقديمها للناس على أنها فكر مضاد للأديان، يحاربها ويعمل على إخراجها من عقول الناس وأخلاقهم وسلوكهم، ويسعى إلى إبعاد المجتمع عن التديّن. عرفت مثل هذه المواقف في مجتمعنا العربي، وفي ثقافتنا في بدايات عصر النهضة، وحورب بها الفكر النهضوي العلماني الذي حمله واجتهد في نشره نخبة من المفكّرين والأدباء العرب في مصر وبلاد الشام والعراق، واعتقدنا أن الزمن كان كفيلاً بأن يثبت أن العلمانية لا تعني الإلحاد أو محاربة الأديان والتدين، وليس لها موقف سلبي من المتديّنين، وكفيلاً بردّ التهم التي أطلقها، أو كان وراء إطلاقها، قوى وأشخاص من المستفيدين من العلاقات الإقطاعية والاستغلالية، التي تدّعي ارتباط الماركسية والشيوعية بالإلحاد، وتصوّر كل دعوة إلى الاشتراكية على أنها مضادة للأديان. وما يزال الكثير من كبار السن يتذكرون الاتهامات والشائعات التي كانت تقال عن الشيوعيين وغيرهم من دعاة التحرر الاجتماعي والاشتراكية، بل عن بعض دعاة الليبرالية والتنوير كالمليونير الأحمر أو الرأسمالي الأحمر (أي الشيوعي)، وهو لقب أطلقته تلك القوى على خالد العظم، أو (الشيخ الأحمر) وهو لقب أطلق على (الشيخ محمد الأشمر) وغيره من رجال الدين الذين كانوا أصدقاء للشيوعيين ودعاةً للاشتراكية والعدالة. اعتقدنا أن الزمن كان كفيلاً بأن يثبت بطلان الاتهامات التي أطلقت في مواجهة الدعوة إلى العلمانية، وفي وجه القوى الاشتراكية من ماركسية وغير ماركسية. لكننا نجد بين الفترة والأخرى، أشخاصاً ما يزالون يسيئون فهم العلمانية، أو يقصدون إساءة فهمها كي يقدموها إلى الناس التقديم الساذج ذاته الذي مضى عليه نحو قرن من الزمن. ووجود سوء الفهم هذا لدى بعض العامة، هو أمر طبيعي، أما وجوده عند مثقف معروف أمضى عقدين من الزمن رئيساً لاتحاد الكتاب العرب، وقضى حياته السياسية عضواً في حزب قومي تقدمي اشتراكي تتسم منطلقاته وسياسته بالعلمانية، ويتساوى في مبادئه المواطنون على اختلاف تصنيفاتهم الدينية، وتأسس أصلاً من أجل القيام بمهمة النضال من أجل الوحدة العربية، وتحقيق النهضة القومية، فهذا هو الأمر الذي يستغربه من يطّلع عليه، ويتساءل عن دوافعه، بل يتساءل إن كان قديماً متأصلاً في صاحبه أو أنه لجأ إليه تعبيراً عن خلاف أو ردة فعل ما. إن ما جاء في مقالة الدكتور علي عقلة عرسان، المنشورة في موقع (كلنا شركاء) بتاريخ 12/2/ 2007 يعيد إلى ذاكرتنا ما أطلقه دعاة النظام الإقطاعي الذين أرادوا عرقلة تحديث المجتمع، وما يردّده بعض العامة الذين استقرت في عقولهم اتهامات المتهِمين، فيقول إن العلمانية إلحاد، أو إن فيها تيارين أحدهما إلحادي والآخر مؤمن. ويقول: (إننا نرفض العلمانية بنوعيها إذا كانت ذريعة لتدمير العقيدة والمجتمع من طرف أكثرية حزبوية أو أقليات عرقية ضالة أو طوائف تُلغي الكثرة لحساب القلة..). هذا الذي قاله الدكتور علي عقلة عرسان، يعبر عن عدم معرفة بالعلمانية، وعن إغفال لدور دعاتها التحديثي النهضوي، وهم الذين دفعوا المجتمع العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر، وفي العقود الأولى من القرن العشرين باتجاهات العقلانية والحداثة. من هؤلاء بناة الفكر القومي العربي الأوائل مثل ساطع الحصري وزكي الأرسوزي وغيرهما، ودعاة حرية الكلمة والرأي من أمثال أحمد لطفي السيد وطه حسين، ودعاة العدالة الأوائل من أمثال سلامة موسى ويوسف يزبك وآخرين كثر، ومنهم من كانوا رجال دين لا يُشك بعمق فهمهم وسلامة فقههم، من أمثال الشيخ خالد محمد خالد والمطران غريغوار حداد، ومنهم من قال عنهم طه حسين في مذكراته الصادرة عام 1967: (إن مصر مدينة بما أتيح لها من اليقظة لثلاثة رجال لا ينبغي أن ننساهم، أوّلهم الأستاذ الإمام (المقصود مفتي مصر الشيخ محمد عبده) الذي أحيا الحرية العقلية، والثاني مصطفى كامل الذي أذكى جذوة الحرية السياسية، والثالث قاسم أمين الذين أحيا الحرية الاجتماعية). أيريد الدكتور أن يلغي من فكرنا الحديث هذه الأسماء الفذّة الرائدة المنورة؟ أينسى وهو يعارض العلمانية بالعروية، أن الفكر القومي العربي نشأ فكراً علمانياً، ولعب دوراً رئيسياً في نشر العلمانية والعقلانية؟ وكما قلت في بداية هذه المقالة، يبدو أننا لا بد أن نعود إلى فكرة العلمانية بين فترة وأخرى، لنقول إنها لا تعني الإلحاد أو محاربة الدين، وأن أهم ما تتسم به هو: ـ تحكيم العقل، وجعله دليلاً في فهم الواقع والبحث عن حلول لمشكلاته. ـ فصل الدين عن السياسة، إجلالاً للدين وحفظاً لقداسته ورفعاً له عن ميكيافيلية السياسة وذرائعيتها، فالدين قيم يستلهمها الإنسان ويعتنقها، ويهتدي بها في سلوكه، لكنه أرفع وأجلّ من أن يتداخل بالسياسة ومساوماتها. وبديهي أن فصل الدين عن السياسة لا يعني فصله عن رجل السياسة، فيمكن للسياسي أن يكون متديناً، لكن المطلوب هو أن ينطلق في نشاطه السياسي من واقع محدد ملموس، ومن قوننة مدنية ديمقراطية للحياة السياسية. ـ الإقرار بمساواة الناس أمام القانون، على اختلاف مذاهبهم ومعتقداتهم الدينية والسياسية وانتماءاتهم الحزبية. أي الإقرار بفكرة (المواطنة) التي لا تخضع لأي تصنيف موروث أو مختار. ـ الإقرار بحق المواطن في التفكير الحر بمشكلات أمته، وحقه في التعبير عن رأيه الخاص في كل مجال. ـ إقرار مبدأ الاحتكام إلى الأكثرية الانتخابية في إدارة شؤون الوطن، وهي غير الأكثرية التي تطرّق إليها الدكتور علي في مقالته، إنها الأكثرية السياسية، التي تقوم على تصنيف الناس وفق مواقف وانتماءات سياسية اختيارية، قابلة للتبدل، تُقاس انتخابياً وفق القوانين الانتخابية الديمقراطية المعروفة. وليس وفق الانتماءات الموروثة الثابتة. فالأكثرية في مجال الإدارة ونظام الحكم هي مفهوم سياسي لا مفهوم عرقي أو ديني أو قبلي. عطية مسوح
-------------------------------------------------------------------------------- النور- 284 (7/3/2007
#عطية_مسوح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شافيز وراشيل
-
اللدودان - قصة قصيرة
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|