|
دريدا وصديقه الياباني
عصام عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 1854 - 2007 / 3 / 14 - 05:40
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يستخدم دريدا ثلاث كلمات في حديثه عن التفكيك وهي على التوالي: Deconstruction و Dismantling و Destruction. وهي متداخلة في معانيها ويجوز ترجمتها بـ: التدمير والتقويض والتفكيك. وما يقصده دريدا تحديدًا بهذه الكلمات ليس إرجاع "البنية" إلى أصلها مرة أخرى مثلما نفكك أجزاء ماكينة ويعاد تركيبها مرة أخرى، كما جاء في قاموس - Lettré الفرنسي. ويؤكد دريدا على هذا المعنى في رسالته لصديقه الياباني إذ يقول: "ليس التفكيك هو التحليل، وإنما التفكيك هو نقيض التحليل. التحليل هو إرجاع الشيء إلى عناصره الأولية، وإلى أصله، ورده إلى مرجعية أو بنية محددة، وفق معايير المنطق وأسس العقل." إن التفكيك ينطلق من نفي فكرة "الأصل" - ursprung (Origin) أو الأصول الأولية والبنى الثابتة للأشياء والظواهر أو الدوال – signifiers. وهو يهدف أساسًا إلى تقويض المفاهيم والتصورات الكلية والأسس العقلانية وقوانين المنطق، التي ترجع الظواهر والموجودات إلى كليات وعلل تفسرها وتوحد بينها. "وفي نفس الوقت، فإن التفكيك ليس منهجًا نقديًا عقلانيًا يستند إلى قوانين العقل والمنطق، كسبيل لإدراك الحقيقة وتحصيل المعرفة، بل أن المعايير العقلانية والإدراك هي الأهداف الرئيسية للتقويض التي يمارسه التفكيك. كما أن تقويض الجهاز المفاهيمي للعقل النقدي هو من أهداف التفكيك" إن التفكيك في مغزاه الدريدي تعديًا لمرحلة النقد، وهو يتميز عن النقد، لأن النقد يعمل دومًا وفق (ما سيكون) أو ما سيتخذه من قرارات فيما بعد، أو هو يعمل من خلال المحاكمة والتقييم والتقويم. أما التفكيك فلا يعتبر أن سلطة المحاكمة هي السلطة العليا، لأن التفكيك هو أيضًا تفكيك للنقد. إنه لا يقوض "الحقيقة" باسم حقيقة أخرى، أو حقيقة مضادة، وهذا بالضبط ما يميز النقد المعروف والمتداول، كما أنه لا يدعي تكذيب موقف باسم آخر، وهو لا يتجاوز الميتافيزيقا بمهاجمتها و "محاكمتها"، وإنما يسعى إلى أن يبين أنها لم تتوفر قط على ما تدعيه من اكتفاء وامتلاء ويقين. ويلح دريدا على التعريفات السلبية للتفكيك - Deconstruction، فهو ليس تحليلاً وليس نقدًا … وهكذا، على اعتبار أنه تجربة مختلفة ومعرضة إلى الاختلاف، كما أنه لا يقوم على جهاز مفاهيمي، إذ أن من ينطلق من موقع "التفكيك" عليه أن يقاوم بشدة إغراءات "المفهوم" وأية معرفة شمولية ميتافيزيقية. إلا أن التفكيك، بالمقابل، يعتمد على "حزمة" من الكلمات المفاتيح التي يردد بعضها صدى البعض ومنها: التناثر والتشتيت - Dissemination والأثر - Trace والفارماكون Pharmakon والطيف أو الشبح – Specter والكتابة و "الا خـ(ت) لاف، - Differance … وهو معنى أساسًا بتفكيك "الميتافيزيقا الغربية" - Western Metaphysics - حسب تعبير دريدا - وحتى نفهم وظيفة التفكيك والهدف منه، لابد من إعادة النظر في تعريف "الميتافيزيقا" أولاً، أو قل الوقوف على مدلولها عند دريدا تحديدًا. إن معنى الميتافيزيقا عنده هو نقيض المعنى الدارج والشائع لها، وبالتالي فإن مدلولها يختلف عن الترجمات التقليدية لكلمة ميتافيزيقا - Metaphysics وهي: "ما وراء" أو "ما فوق" أو "ما بعد" … أو "الغيب" بشكل عام. وحسب مترجم النص الإنجليزي لكتاب "الجراماتولوجيا": "فإن كلمة ميتافيزيقا عند دريدا تعني "الحضور" - Presence". "والحضور هو كل وجود يستمد حقيقته من مصدر أولي سواء كان هذا المصدر هو "الله" أو "العقل" أو "الجوهر" أو "الإنسان" …. ويشير دريدا بـ "ميتافيزيقا الحضور" Metaphysics of Presence إلى المفاهيم والتصورات والمعاني أو المدلولات العقلية التي يجب أن تستبعد لصالح الحضور "الفيزيائي" -Physics، فالمعنى المقصود هو "المفهوم النظري" مقابل الوجود المادي. ويقول دريدا في "الكتابة والاختلاف": "الميتافيزيقا هي النظر إلى الوجود أو الكينونة" في (حضور) مبادئ أولية أو مراكز مرجعية مثل: الجوهر، الوجود، المادة، الذات، الوعي، الله، الإنسان …" ومن ثم تصبح مهمة التفكيك هي: "تفكيك هذا الحضور - Presence، وهذه المراكز المرجعية" والمدخل إلى هذا التفكيك هو تفكيك اللغة، عن طريق تقويض بنية العلامة - Sign، بفصل الدال - Signifier (الكلمة) عن المدلول - Signified (المعنى)، والتخلص من المعنى أو المفهوم (أي الحضور الميتافيزيقي في اللغة). إن الاعتقاد بأن اللغة هي أداة للتفكير، ووسيلة لتبادل المعرفة، ونقل ما في وعي المتحدث إلى عقل السامع، هي بالضبط "الميتافيزيقا" التي يعنيها دريدا بـ “Metaphysics of Presence” ، ومن ثم يصبح هدف التفكيك هو التخلص من هذه الميتافيزيقا، وذلك بتقويض مركزية العقل أو اللوغوس - Logocentrisim أو (الكلمة)، وهو الاعتقاد بأن أصل اللغة هو الوعي أو العقل، أو قل أن التفكيك يبدأ عمله بالتخلص من مركزية العقل في وظيفة اللغة. وحتى يتم ذلك، يبدأ التفكيك بتقويض الطريقة التي يفكر بها العقل، والعقل يفكر عن طريق الثنائيات المتعارضة “binary oppositions": الله/الإنسان، الخير/الشر، الصح/الخطأ، الروح/المادة، الدال/المدلول، المعقول/المحسوس، الباطن/الخارج، الجوهر/المظهر، المركز/الهامش .
#عصام_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صداقة المفاهيم
-
نظرات علي عالم اليوم
-
شباب وأحزاب.. ولغة سرية وعولمة
-
دعوة إلي كتاب الحوار المتمدن
-
في الذكري الخمسين للعدوان الثلاثي علي مصر
-
جدلية القمع والتخفي
-
الارهاب يستعين بالمقدس... وقائع أوروبية
المزيد.....
-
وسط اللا مكان.. كوخ عمره 200 عام يحصل على نجمة ميشلان بأيرلن
...
-
-نساء البحر- والشلال المقدس.. بين أسرار اليابان المذهلة!
-
دول عربية ترفض -تهجير- الفلسطينيين من أرضهم وتؤكد على ضرورة
...
-
ضم السعودية والإمارات.. اجتماع سداسي وزاري عربي في القاهرة ي
...
-
شاهد لحظة وصول فلسطينيين مفرج عنهم من سجون إسرائيل إلى غزة و
...
-
-ما الذي يمكن لإسرائيل وحماس تعلّمه من اتفاقيات وقف الحرب ال
...
-
عدد طلبات اللجوء يتراجع بنسبة 45% في فنلندا والسلطات توقف در
...
-
لبنان.. مقتل مونسنيور الأرمن أنانيا كوجانيان بظروف غامضة
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف في كورسك
-
فتح معبر رفح لأول مرة منذ مايو وعبور50 مريضا غالبيتهم أطفال
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|