|
نائبان وجزرتان
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1855 - 2007 / 3 / 15 - 10:40
المحور:
كتابات ساخرة
ربع قرن مضى على مجزرة " حماة " . كنا في القرن العشرين ، الظالم ، وها نحن في القرن التالي ، المبشر بالديمقراطية والحرية والمساواة . في ذلك الوقت ، كان لدينا رئيس للدولة ، وكان له قرنـ .. أعني ، نائبان ! رئيسنا ذاكَ ، إنتقل إلى الآخرة بعد حياة حافلة بالمجد . وقد خلفه وليّ عهده ـ وهوَ الإبن الأكبر ، بطبيعة الحال . إنه الآن على خطى أبيه ، يخطط لعمر طويل ، حافل بالمجد . أما بالنسبة للنائبيْن ، السابقين ، فإنتقلا إلى المعارضة نشداناً للديمقراطية وو .. الخ ! إذا كان رئيسنا السابق ، المرحوم ، يحيا الآن آمناً مطمئناً في جوار ربّه ؛ فإنّ نائبيه ، بدورهما ، يقيمان حالياً في أوروبة بكل إطمئنان وأمن . سندَع سيرة الأموات ، لأن الحيّ سيرته أجدى . وعلى هذا ، نشير إلى عبث المقدور في أمور هذين النائبين السابقين ، اللدودين : فهما يقيمان الآن في بلدين متجاورين ، يفصل بينهما جبل " البيرينيه " ، المشهور في عالم السياحة . قبلاً كان كلاهما ، أيام السلطة والمسؤولية ، يعيش في العاصمة متجاوراً أيضاً مع الآخر ، يفصل بينهما جبلُ " قاسيون " . تعرفونه ، الجبل الأسطوري الذي خلدته مطربة ثورة 8 آذار ، بإنشودتها التي تعانق فيها دمشق السحبا ، فيما البعث ينثر فوقها الشهبا .. الخ . بالمناسبة ، فمطربتنا هذه ، الثورية ، كانت في أواسط الستينات من القرن الفائت قد إلتجأت إلى عراق البعث التكريتي ، هرباً من سورية البعث العلوشي . نرجو الله أن يفكّ ضيقتها مع رفاقها العالقين هناك حالياً ، وأن يعودوا جمعاً من بغداد المعانقة الرعبا ، إلى دمشق التي ما فتئتْ معانقة ً السحبا ..
يبدو أننا نسينا موضوعنا ، الرئيس ، في تلك الحمأة من ذكريات الرؤساء ونوابهم وأضرابهم . فمن حق القاريء إذاً أن يسألنا ، عما جرى من أمر " حماة " ، وهل إنتقلت هيَ أيضاً إلى جوار ربّها راضية مرضية ، أم أنها ربما إنتقلت إلى أوروبة .. ؟ قبل كل شيء ، إنّ " حماة " هذه التي نتكلم عنها لا صلة لها مع حماتي ، أطال الله عمرها ، بل هيَ مدينة عريقة واقعة في وسط سورية .. أو بالأصح ، كانت مدينة عريقة كذا وكذا . وبما أنها مكانٌ لا إنسان ، على كل حال ، فلا يمكن أن يكون مصيرها محدداً بفعل " إنتقلَ " أو تصاريفه ! إذا نحينا الأفعال جانباً وعدنا للأقوال ، فلا بدّ من إعادة ذكر تلك المجزرة ، وضحاياها بعشرات ألوف المدنيين أطفالاً ونساءً وشيوخاً . وبما أنّ سورية كانت وقتذاك مستقلة ، وما زالت بفضله تعالى ، فلا مبرر لجناب هذا المعلق ، المصري ، أن يزعق بنا من على ظهر تلك الفضائية الخليجية : " يعني هيّ الحالة دلوقت أرحم تحت الإحتلال الأمريكي .. يعني مش الناس حالياً بتنقتل عندكم بالآلاف شهرياً ؟ " . لا يا أخي ، لا إحتلال لدينا في سورية ولا قتلى ولا جرحى . لقد أطعنا دوماً الله ونبيه وأولي الأمر ، فلا غروَ إذاً أن نحيا في سلاسة وشفافية وأمان .. وأمن دولة ! سيعود معلقنا المصري ، مجدداً ، إلى الكرّ متسائلاً : " لمصلحة من ، والحالة تلك ، أن نعاود نبش الماضي وشجونه وأحزانه ؟ " . هوَ سؤال وجيه ، فعلاً . ولكنه يجب أن يوجّه إلى المعنيين بالأمر ، وليسَ إلى كاتب هذه السطور الفقيرة . وهذا يقودنا ، ثانية ، إلى أوروبة ؛ ثمة ، حيث نائبيْ الرئيس ، السابقين ، والمعارضة وو .. الخ .
في واقع الحال ، فما يفصل بين ذينك النائبين ، السابقين ، جبلٌ من الكراهية ؛ مع إعتذارنا لجبل " البيرينيه " ! نعم هذه هيَ الحقيقة ، المرّة . سامح الله رئيسنا ، الراحل . لأنه من خلق المشكلة ، حينما شاءَ توريث إبنه السلطة ، وليسَ فقط الثروة . سيخرج علينا معلق تلك الفضائية ثالثة ً ، معقباً : " سورية كانت ملكاً حلالاً لرئيسكم ذاكَ ، المرحوم ، وهوَ بالتالي حرّ يورثها لمن يشاء " . لا إعتراض لدينا في ذلك ، طبعاً . ولكن كلمة " معارضة " ، لا بدّ أنها مشتقة من ذلك الإعتراض .. أليسَ كذلك ؟ النائبان السابقان للرئيس ، أكدا بالفعل أنهما اليوم من المعارضة . الأول ، يشارك في جبهة خلاص سني .. أعني ، وطني ! وها هوَ يجزم من منفاه الباريسي ، بأنه الوريث الدستوري ، الشرعي ، لرئيسه الراحل . الثاني ، الذي يقود من منفاه الإسباني تجمعاً إستهلاكياً .. أعني ، قومياً ! ، ينتهره بغضب : " قِرْرر ! أنا شقيقه من أمه وبيّه ، فمن تكون أنتَ ؟ " . ولكي يتناهى النكد والخصام في معارضتنا ، فكل واحد منهما أمسك بطرف حبلها ، وراح يشدّه لناحيته . طوال شهر شباط ، الماضي ، كانا هنا وهناك على الفضائيات يتبادلان التهمَ بخصوص المسؤولية عن مجزرة " حماة " . ألا تقول أنه في هذه الأثناء شهر آذار يأتي ، وتحلّ الذكرى الثالثة لمجزرة " القامشلي " ! الأكراد ، كما تعرفون ، هم ضحايا المجزرة الجديدة . بعضهم راحَ يصرخ بأذن الأولين المعارضين : " نحن أيضاً ، بمعظمنا ، من المسلمين السنة ! " . فيما توجه البعض الآخر منهم بدوره إلى الجهة المقابلة من حبل المعارضة : " هل نسيتم أننا مواطنون سوريون ، مع أنّ ربعنا بلا جنسية !؟ " . النائب الأول ، كان في مناصبه المهيبة جميعاً ، لما وقعت أحداث مدينة " القامشلي " ، الكردية . وعلى هذا ، لا يمكنه التنصل من المسؤولية . عليه بالإعتذار ، فوراً : ولكن الرجل ، لم يعتذر بعد عن مسؤوليته بخصوص أحداث " حماة " ، فهل كثير على المدينة الكردية تلك أن تنتظر ربعَ قرن من الزمن ؟ أما النائب الثاني ، فعلى الرغم من أنه خلال أحداث " القامشلي " كان في منفاه ، المخملي ، إلا أنه شارك إعلامياً في المجزرة ، عن طريق فضائيته " عائدون " . حتى ويؤكد مقربون من الرجل ، بأنه إتصل مساء 12 آذار 2004 مع سيادة الرئيس ، وهوَ يغلي من الغضب : " يا إبن أخي ! دعني أعود لسورية لمدة 48 ساعة وحسب ، لتأديب هؤلاء الأكراد العصاة .. وأضمن لك أن أغادر بعدها مباشرة على أول طائرة مقلعة إلى أوروبة ، وألا تشاهد وجهي إلا حينما تحصل مجزرة جديدة " ..
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
-
حكايتي مع الحجاب
-
صورة وبقرة وقمر
-
كلمتان أمامَ ضريح الحريري
-
أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
-
دايلُ القاريء إلى القتلة / 1
-
دليلُ القاريء إلى القتلة / 1
-
الكوكبُ والشّهاب : أمّ كلثوم في حكايَة كرديّة
-
النغمُ والمشهَد : زمنُ السينما الرومانسيّة
-
تاريخٌ تركيّ ، بلا عِبْرة
-
شيطانُ بازوليني 2 / 2
-
الطاغية والطفولة
-
أفلامُ عطلةِ الأعياد ، المفضّلة
-
السلطة والمعارضة : الإسلام السياسي واللعبة الديمقراطية / 2
-
شيطانُ بازوليني 1 / 2
-
نفوق الوحش ونفاق الإنسان
-
نوتوريوس : هيتشكوك وتأسيس الأدب السينمائي
-
حكاية باموك : إسمٌ بينَ الوردةِ والأحمَر / 3
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|