|
مُقَرن العَنِت مُلتقى .. النظاميين الامريكي والسوداني في رفض المحكمة الجنائية الدولية
عادل الحاج عبدالعزيز
الحوار المتمدن-العدد: 1853 - 2007 / 3 / 13 - 08:10
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
مُقَرن العَنِت مُلتقى .. النظاميين الامريكي والسوداني في رفضِ المحكمة الجنائيّة الدوليّة [2]
من نََقشَ في الجَّبِيرةِ وردةً للريّاح؟ *** جحيمُ مُعَزًّ يأهَلُهُ جنْدٌ جميلون عُراةٌ حتى الحزام ..من بناطلهم الخضراء المصفّرة لتسحق هذه الأزهارَ الجميلةَ الصاعقُ أريجُها ؟.. (جان جُنيه)
نفاذ: في مقالنا الأول تحتْ نفس العنوان اعلاه رايّنا ان نبدأ من حيث ابتدأ التاريخ، في كيف ان المحكمة الجنائيّة الدوليّة كانت قد بدأتْ، من طوِرالفكرة الى مخاضِِ النشأة في فضاءِ العلاقات الدولية المعاصر، وفي سياق القانون الدولي ورصفائه. و تجنباً منا للإطالة و السرد المتخصص الصارِم اذْ نؤمن ان لكل كلم مْوضِع، لذا جاءت الإشارات سريعة مقتضبة ما تيسر لها ان تُبينْ.
الحق ان الموقف الاميريكي حيال تلك المحكمة كان منذ البداية واضحاً لا لبْس فيه، اعلاءً للمصالح القومية الأميريكية؛ والتي تمثلت حسب الرؤية الأميريكية في عدم تمشيها وتعارضها مع ما تسميهِ صلاحياتْ وسلطات الدستور الأميريكي ومحذرة من بالغ ضررها في مناخِ حربِها على الإرهاب. فكان اذا من الحتمي رفضها (ايّ ال ICC (من قبل الجانب الاميريكي، بل و محاولة وضع العراقيل في طريق فاعلية قراراتِها.
الموقف الامريكي ما بعد دارفور ليأتي الموقف الاميريكي في ما بعد.. آبان ة في اقليم دارفور السوداني، لينضح بما يصفه المعلقيين دائماً باذدواجية المعايير الامريكية و سياسات الكيل بمكيالين؛ لتتبُع تاريخ ذلك التناقض فآبان حملة الرئيس الأميركي جورج بوش للترشح لفترة رئاسية ثانية في ديسمبر من العام 2004 وفي تعليق له شهير حول المحكمة الجنائية الدولية انبرى قائلاً: " ان هذا الكيان الذي يقبع في لاهاي، لايمكن لمدعيه العام وقضاته الغير خاضعين للمحاسبة، ان يَسحبوا جنودَنا ودبلوماسييّنا ليَخضعوا للمُحاسبة امامَه"، ليستمر في تحريض طاقم ادارته لعدم الاعتراف بها (المحكمة الجنائية الدولية) مرسلاً لهم ايماءاته Gesture لإعلان ان بلدهم لم يعد ملزماً بما تم التوقيع عليه من اتفاقات قامت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية. بل ان الكُونغِرس قد لحق بموقف الرئيس منها، ليُعلن منعأ باتاًً لكل اشكال المساعدات العسكرية والفنية للدول الحليفة التي قامت بالمصادقة على النظام الأساسي للمحكمة، كل هذه الآليات تم العمل بها من اجل اضعاف فعالية هذا الكائن الجديد.
في نفس الفترة كانت الأوضاع في دارفورغربيّ السودان قد انتقلت لتصبح مادة ثمينة للسبق في وسائل الأعلام الكونيّة. هنا بدأ صوت الادارة الامريكية يعلو ثانيةً مُعلناً ان الأوضاع هناك تسوء ساعة بعد أخرى، اذ قام السيد كولِن باول وزير الخارجية الاميريكي حينها مخاطباً الكُونغرس الاميريكي (انه في دارفور قد ارتكبت فضائع وحشية، وان وزارة خارجيته يمكنها ان تَخلُص الى ان هناك "ابادة جماعية"Genocide وحكومة السودان وجنجويدها يتحملان مسؤولية ما حدث هناك). ليضيف على ذلك ان ادارته تعلن دعمها لمجهودات "لجنة التقصي الدولية" برئاسة الإيطالي انطونيو كاسيوس والتي كانت قد رفعت توصياتها بحلول يناير من ذلك العام 2005.
ويا لهول التناقض هنا !!..لا اعتراض لدينا فيما جاء في التقرير.. ولكن موقف تلك الإدارة الأمريكية الرافضة للمحكمة الجنائية الدولية عينها، يتبعه فوراُ قيامها بالإطراء على عمل تلك اللجنة و تقريرها والذي كان قد خلُص بشئ من الإيجاز للآتي: " أن هناك فعلاً جرائم ضد الإنسانية بل وجرائم حرب بالفِعل تمْتْ هناك، وان القضاء السوداني غيرمؤهل للقيام بدوره في ملاحقة مرتكبي تلك الفضائع، وان السلطات هناك غير جادة للإضطلاع بدورها، فاوصت بإحالة الملف بأكمله من مجلس الأمن الى المحكمة الدولية ICC"، لينتقِلوا كإدارة اميريكية لدعم مشروع القرار والذي تحول فيما بعد لقرار يحمل الرقم 1593 المدرج تحت "البند السابع" من ميثاق المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) الذي بموجبه يُحال ملف القضية للمحكمة الدوليّة ICC في لاهاي.
الإنكار الأحمق المضاد في تلكم الاثناء جاء رد الِفعل الرسمّي السودانيّ كعادتهِ، مُمعناً في التشنج الغير مبرر و فيه شئ من ابراز الفحولة وان كانت لم تُساءل اصلاً. فما تفسير مجابهة رسمّي النظام السوداني لأي قرار على ذلك المنوال بالقسم الغليظ !!، اذ هو الاّ تعبير عن عقلية كارثية قادتْ امم من قَبل للتهلُكة و الإبتلاء (كما يحبون ترديده). ان من الحكمة اذاً ان كان هناك حكيم يرعوي ان تؤخذ الأمور غير مأخذ، ليس من الحكمة اذاً مجاراة الادارة الأميريكية في لا مبدئيتها، لان التاريخ القريب والقريب فقط (العراق نموذجاً) يقول: ان الحُكام الكوارِث هم جواز المرور لكوارث اكبر تحيق بشعوبهم.
يبدو ان العقل السياسي السوداني الحاكِم الآن ينتمي دون تجريم لعصورٍ بادتْ كثير من مفاهيمها النظرية. فاما ان كانوا لايزالوا يعوِّلون على لعِب دور الدولة القاصِدة ذات الثوابتْ، فهذا فصلٌ قد اسدِل ستاره بأيديهم هم لاغيرهم؛ فالتعاون الاستخباراتي مع الجانب الامريكي في عالم مابعد 11/9 والوشاية بالجماعات الاسلاميّة في المنطقة ومنطقة القرنِ الإفريقيّ، وتسليم القوائم باسماءِ من كان حاضراً منهم في سماواتِ الخرطوم ايام كانت الخرطوم كعبة لاصوليّ الكون، ينفي اي حتمال كهذا.
اذاً حتي لا تختلط المفاهيم على العقل الآنف العتيق، عليه ان يعي ان مُسلسَل تربُصّات الإدارت الاميريكية به لََهي حكايةٌ مُتصِلة ومُنفصِلة الفصول، عَملت تِلك الادارات لإنفاذها لسوء سلوكهم في احيان كثيرة وبسناريوهات محفوظة بدءا من سياسات الحصار الإقتصادي Sanctions وغيرها؛ حيث آتت اكلها مع نُظم اخرى كالليبي (سيناريو شبيه "لوكاربي، وتسليم مواطنين")، ليصل الأمر بأميريكا احياناً حد استعمالها تفسيرات متنوعة للبند السابع من الميثاق العام للامم المتحدة و المادة 39 من نفس الميثاق، ويضاف لذلك ابقاء السودان (النظام) على قائمة الدول المنبوذة Pariah States لأمد طويل رغم التنازلات المبذولة.
اما الصراع الجاري الآن فهو مع كيان لا يمكن للسودان التنكر له ابداً (ان توفرت لحُكامهِ الحِكمة) ما دام السودان عضواً في الامم المتحدة حتى اشعار آخر، وبالرغم من كونه لم يكن قد يصَادِقْ بعد على نِظامها الاسَاسي (المحكمة الجنائيّة الدوليّة). ذو صلة بما سبق وعلى اثر تسريبات صِحفية بوجود اتجاه للَعِب الجامِعة العربيّة دور الوسيط لدي المحكمة الجنائيّة الدوليّة (بِنكهة لبنانية)، حدثني احد الظرفاء "ان عقلْ على تِلّك الشاكِلة يُمكنه ان يُفكر في استحداث منصب نائب رابع للرئيس ليفاوض عليه (اوكامبو) المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية".
كثيرون الآن في العالم يعتقدون، ان العالم بِحكُم الواقع Pragmatic يُقاد بإرادة القوة الواحدة المُتجبرة وفي هذا كثير من الصحة. وان كانت بعض القرءات المحفوظة للمستقبل ترى حتمية بروز متجبر موازي لإكتِمال نِصاب النظرية القديمة لتوازن القوى الدولية فهذا احتمال يبقى في طيِّ الآمال؛ فالإتحاد الاوربي بسلوكه حتى الآن لايدعم هكذا إفتراض. اما قصة بروز الصين للعِب ذلك الدور وهذا ما يعوِّل عليه اصحاب العقل العتيق (آنف الذكر) فيبدو انه رهان خائب بحسابات الإقتصاد العالمي، كثيرون كذلك يعتقدون ان الصين قوة اقتصادية رُبّما، ولكنها بلا ضمير (بالعودة لسجلها في حقوق الإنسان)، مصداقاً لذلك ففي زيارة رئيسها (الصين) الاخيرة لحليفتهِ الخرطوم لم يفتح الله عليه بكلمة ليُعَلِّق حيال الازمة في اقليم دارفور. حتى سَبقهُ اللّوم جراء ذلك التقاضي، في زيارتهِ بعدها لجوهانسبيرج.
وفقاً لذلك مجموعة كبيرة من فقهاء القانون الدولي وخبراء العلاقات الدوليّة، يعقِدون الآمال على ايجابية بزوغ ذلك الكيان (المحكمة الجنائيّة الدوليّة)، بالرغم من كل العراقيل الموضوعة في طريقه ليُصبِح امراً وقعاً. لان العودة للحِكمة تقول: انه وفي غياب انظمة حاكمة عادلة وديمقراطيّة ، لا تَرعى حُرمة مُواطِنِها و انسانَها، ولا ترعوي في الإستخفاف بحجم الكوارث المحيقة به، بل تُماطِل وتسوِّف حِفاظاً على مِنعَتِها وسيادّة اراضِيها وحُكامِها دون ان تَهتم بقاطني تِلك السياداتْ. فهنا جدير للعَدالة ان تأخذَ مجراها احقاقاً لحقوق من لا يؤمنون ان بني جِلدتهم سيوفونهم اياها (اقرأ تعليقات التُرابي حول القضاء السوداني). لذا جاءت التطورات المتلاحِق للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان لتُشرعِنْ لذلك، منسجمة مع رغبات كثيرين ان الإنسان هو اسمى الغايات ليُصان.
بكل هدوء بعيداً عن الصخب الحاصل الآن، و بعيدا عن تجيش عواطِف العامة وتذكيرهم بما يحدث في العراق لان العَنِتْ (أيّ الآثِم) سيلقى جزاءه ان كان اميريكياً او سودانياً؛ دون افتعال لبطولاتٍ زائفة ويمين مغلظة جديدة بألاّ تسليم لأي مواطن سودانيّ ليحاكم خارج ارضه، مخاطَباً بها العالم وسكان ريفي كُردفان الذين لا تعنيهم لاهاي؛ ولا يروي ضمأهم غير سحاباتِ خريف بشِرة يجود عليهم بها ربهم. ومن باب الحرص فقط ! (لمقريحي) السودان السيد الوزير احمد هارون ان يستوثق برغم الوعود، عن أخبار المواطن الليبي عبد الهادي المقريحي (لوكربي 1988) ان كان ما يزال في صحنِِ بيته و بين نسائه وعياله ام لا.
… أنقضى...
#عادل_الحاج_عبدالعزيز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|