أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود عكو - آذار شاه














المزيد.....

آذار شاه


مسعود عكو

الحوار المتمدن-العدد: 1855 - 2007 / 3 / 15 - 10:40
المحور: الادب والفن
    


أن تكتب عن آذار يعني أن تعشق الربيع، وتتلمس أريج أزهاره كلها، وتصنع من بعض أوراق تلك الزهور قارباً، ثم تبحر دون أن تعرف إلى أين، حتى كأنك تملئ الوجوه شوقاً، وحنيناً فتصبح الأرض سياجاً لذاك القارب.

هكذا عوّدنا آذار الذي لا ينسى أبدا أن يأتي في كل عام، ومعه الكثير من الآهات، والحسرات لنا في حين نفكر دوماً أن نستقبله بالسنابل، والزهور، وبجراحه التي تركها في قلوبنا، والتي لن تتعافى حتى لو مر الآذار في كل يوم آلافاً من المرات.

سيثمل الحنين بخمور العشق، وتترنح الكؤوس في أيادي العشاق، ليرمي كل بائس بقلبه، لعله يفوز بحب عظيم، في حين تتوقد النيران على ذرى الجبال، والتلال الهرمة التي ملّ القدر من تحملها للحرائق، وسحب الدخان، وتشتعل القلوب شوقاً ليوم جديد فتنير صباحاتها بشمس على أرض لا يغيب عنها الحب حتى في ذروة ساعات الأسى.

آذار شاه، يا ملك الشهور، ربيع القلوب، وحنين اللحظات الكئيبة. في أيامك الصمت كلام، والكره حب وهيام. السماء تخضر من الربيع الذي جئت به، كل ما في الكون يزهو بنفسه لأنه يسير في ليلة من ليالي آذار، ولا صوت سوى للبلبل الحزين الذي يئن في كل أغانيه ذكرى ألم كردي متجدد مع كل آذار يمر على هذا الشعب البائس.

آذار شاه، لازالت أيامك الدامية تئن من صدى أزيز رصاصات مجنونة، اخترقت البراءة، منتقمة من النوروز، الفرح، الشعر، الغناء، ولأن تلك الرصاصات، وحامليها يكرهون كل ما هو جديد، وجميل فأوقدت بالقرب منّا أنيناً لم تجف عبراته، ولن تجف حتى يبقى آذار في تقويم السنة الكردية، ولن تنسى الثكالى، والأرامل. أية زهرة، ووردة اقتلعتها مخالب وحوش قذرة؟ فذرف الصمت عليهم شعراً، وقصائد حزن، وألم كردي عتيق بقدم منارة الحزن الأبدي في البشرية.

آذار شاه، لازال القاميش يشهد على وأد الزهور، وذبح البلابل، مترافقة بدموع كثيرة من أعين أمهات شهدت اقتلاع الأرواح، لاتزال الفتيات تغسلن الدماء الملطخة أثواب أعراسهن، وبين شعورهن أزهار نائمة من آذار آخر، وكأن عودة الرجال من الخسارات لا تليق إلا بربيع من القلب، فكانت كل وردة برصاصة، وما أكثر الورود في آذار، قصائد منّا، ومنهم الأسلحة، أزهار منّا ومنهم البارود .

آذار شاه، قبل ولادة أحزاني، كتب القاميش أولى قصائد عشقي، فبنى منها حروف القصب قرب الحدود، وقبل خرالمبوس رسم تقاسيمها الطاهرة على مهد الوادي الأخضر، لينبع منها أنهار حبها الأزلي، ولتغني فيها البلابل الحزينة كل كلماتها التائهة، ورثت رحيلها أوراق العم القديم بين خلجات الكبد المدمى، وترك الخوف يتقاسم الزمن على خلافة الحرية الضائعة. لكن! أزيز الرصاص أخترق قلوب العشاق، لينال الحب أحزانه، ويبكي القصب أبناءه.

آذار شاه، ما تزال الجبال شاهدة على دخان الطائرات القاتلة، والأطفال مازالوا يشتمون رائحة التفاح، وينابيع الربيع تشهد في كل نوروز على جرائم الإبادة العرقية، فكل نوروز يتجدد الألم الكردي بذكرى استشهاد مدينة بأكملها لم ينجو من عقاب الوحوش حتى أنعامها، وما بيوت الله كانت بمنأى عن قنابل الفتك، والصواريخ السامة.

آذار شاه، مازالت السحب، والغيوم تشهد على دخان محمّل بالخردل، والنابالم، ما تزال الحجارة تشهد على بقايا موتى، والأرض المحترقة بالنابالم تشهد على سقوط الآلاف من البشر على ذراتها التي امتزجت بالدماء، وأية دماء..؟

كان أخر شهيق له رائحة السيانيد، الخردل، والنابالم.

آذار شاه، كاوا يوقد النيران فوق جودي، همرين، طوروس، وزاغروس، وسيظل يوقدها حتى، ولو لم يبق في الكون نار. سيشعل جسده ناراً، وسيحرق كل ما في الكون من ظلم، خوف، وقتل، ولن تثنيه عن آذاره كل وحوش الكون، وسيعلن كاوا في كل نوروز يوماَ جديداً الكل فيه ينتظر الضوء الذي طال انتظاره، وستشرق الشمس في فجر نوروز الذي كان دائماً يشرق حتى، ولو بعد حين.

آذار شاه، ملك الشهور، عد إلينا مرة دون أن نذرف دموع الحزن بقدومك، فقلوبنا ملت الكآبة، والحزن، وأعيننا جفت عبراتها.

ألا توجد في جعبتك نسمات عشق، وأمل؟ ألا تحمل بين طياتك فرحاً، وحباً؟ قد مل القدر من أنين أيامنا الحزينة، وبات الحزن رسالة الكردي في كل آذار.

نتوسلك أن تعود إلينا هذه المرة بدون حزن، آلم، وأسى. ولكن هيهات أن تنسى، وهيهات أن ننسى أيضاً يا آذار.



#مسعود_عكو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البحث عن الرّابط الأصيل... شعر يوسف رزوقة
- الإتجار بالبشر أو الرق مرة أخرى
- عندما يلبس الشرف أنين زهرة أخرى
- يتامى الطاغوت
- سوريا والعراق... علاقات جديدة!!!
- اغتيال جديد على مذبح الحقيقة اللبنانية
- فسحة أمل
- طبول الضياع
- أنفال ولكن!!!
- انتصار الأغاني
- لا تقل لو!!!
- شعراء العالم
- حروب استباقية, وإسقاطات إقليمية, هل تكرر تركيا السيناريو الإ ...
- لبنان الأخضر... لبنان
- اجتياح لبنان: حرب جديدة, أم تصفية حسابات قديمة؟
- تسلية أمنية وسذاجة كردية
- من صنع الزرقاوي, ومن أتى بنهايته ...؟
- معشوق الله
- الأمم تحتل قامشلو
- محكومون بالأمل - إلى محمد غانم وفاتح جاموس وآخرين...


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مسعود عكو - آذار شاه