أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جمال المظفر - غرام في خانة الشواذي















المزيد.....

غرام في خانة الشواذي


جمال المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 1851 - 2007 / 3 / 11 - 06:39
المحور: كتابات ساخرة
    


ماركين ... ماركين / صهيل خيول وانثناءات نهار ، دبق ارض رطبة ، لسعات أسياط وبقايا كرباجات ، ضحكات نسانيس وعواء ذئاب وقهقهات سماسرة وخمارات ونوادل وكؤوس شربها النسكة حد الثمالة ، وراقصات يترنحن تحت شرفات الشناشيل ..................................
...............................
ماركين ... ماركين ، مكان لشخصين نحيفين ، الأول في الصدر والثاني في خانة الشواذي*....
سحب السائق الذي تجاوز الثمانين من العمر صفيحة سمن معدنية فارغة وجلس عليها قرب موقد الفحم الذي وضعت فيه بائعة القيمر ( لوزينة ) قوارير الشاي والحليب البقري وأرسل يديه الى الموقد ليأخذ قسطا من الدفء في صباح خريفي يوزع نسمات باردة على وجوه المارة .
كانت لوزينة ذات الثلاثين ربيعا نسخة طبق الاصل من والدتها ( سعودة ) التي ذهبت ضحية الجندي الغازي الذي ركلها في بطنها التي تحوي جنينا في شهوره السبعة واماتها معه لأنها مردت خصيتي زميله الذي حاول التحرش بها .
لوزينة تزيح الايشارب عن صدرها وتضع عشرة دنانير في ساقية النهدين الملتصقين ، حيث تعتاد الكثير من النسوة الى اعتماد هذه الطريقة لحفظ النقود بدلا من المحافظ الجلدية .
نهداها أبيضان يكاد الدم يتقاطر منهما وسواد الثوب يعطيهما بياضا ناصعا لايشبه أي بياض آخر..
أعاد ستوري ذاكرته الى الوراء وتراجعت صورة أم لوزينة التي كانت بعمر ابنتها ، تذكر أول مرة تصادم معها عندما حشر ربع دينار بين نهديها مستغلا شرود عينيها الى الاسفل لتضع النقود في مكانها المعتاد ، وكيف تحولت المشادة الى علاقة حب تجاوزت حدود الخيال .!!
سعودة وهي تزيح الايشارب عن نهديها ممازحة اياه في خانة الشواذي : على عنادك ... انهما للدود ، أي ليس بأمكانك لمسهما ، وكيف ألقى بكل جسده على صدرها وراح يلتهم شفتيها في لحظة ذوبان كلي لم يبق منه غير أنين الباص الخشبي ..
سعودة التي قضمت شفته السفلى في تلك المرة ومازالت آثارها علامة بارزة قد لايعرفها أي شخص آخر غيرهما ، لم تكن علاقة غرامية عابرة ، كان عراكا جسديا وكأنهما قطتين متوحشتين تفترسان بعضهما البعض .
_ توتي ... تواتي ...توتي ... تواتي ، هكذا كانت تناديه مع طقطقة بأطراف أصابعها بأن يأتي زحفا على ركبتيه مثل أي طفل يتعلم المشي لأول مرة وهو يوحد حركته مع وقع الطقطقة بأبتسامة وادعة ولهفة الى لحظة قد لاتتكرر مرة أخرى ، حتى يصل اليها ويدخلان في عراكهما الوحشي الذي تشهد له خانة الشواذي . .
بدأ الدم يدب في جسده ورعشات خفيفة في أطراف أصابعه ، اشتهاء لجسد ثلجي يعيد ذكريات سعودة وهي تذوب معه في أجمل أيام العمر ....
منذ عشرين سنة لم ينم مع أية امراة أخرى ، فبعد سعودة تغير شكل العالم ، لم يشعر بان هناك امرأة تقدر أن تعطي ماكانت تعطيه اياه ، كانت امرأة خارقة في كل شئ ومثيرة للغاية ... أدمن بعد موتها شرب الكحول وصار يمضغ دخان السجائر وابيض شعره وأصيب بمرض السكر.
لوزينة أثارت اشتهاءه ، انتبهت لنظراته لكنها زاغت ببصرها عنه الى الجهة الاخرى.
قال : أنت نسخة طبق الاصل من سعودة الاصيلة .
قالت بأبتسامة خجولة : يقولون هكذا ..
قال : لكنها كانت أكثر بياضا منك، انها فلقة قمر.
قالت : من أين رأيت بياضها ، انها متشحة بالسواد منذ وفاة أبي وحتى موتها البشع.
قال : كنت أراقب حركاتها وهي تضع النقود بين نهديها تماما كما تفعلين انت .
أطلقت ضحكة ساخرة وقالت : يعني انك تتصيد النظر.. !!
قال : عيناي زاغتا لاإراديا ، والعين تعشق كل شئ جميل ، ثم أخرج عشرة دنانير وطلب منها أن يضعها بين نهديها ...
ترددت كثيرا لأنها لا تريد أن تصل الى هذا المستوى لكنه أصر ليعيد عادته مع سعودة... أقنعها بتلك الحجة فوافقت، حشر دنانيره بين ساقية النهدين حتى لامسهما بأطراف أصابعه ، أحس بقشعريرة في جسده وشيئا ما يتحرك ، همس لنفسه : يا الهي ... لطفك يا الهي ... لقد خذلني ذلك الطبيب المبتدئ الذي حفظ بعض الكلمات وراح يلقنها لي ، بل انه أقنعني بها ، بأن مرض السكر يؤثر على نشاط الرجل ، لعنت أنت وشهادتك المعلقة على الحائط يا طبيب النسانيس ...
ثم نظر إليها بعينين مبللتين بدمع خفيف وقال لها : مازالت رائحة جسدها تذوب في ثناياي ، كلما أتعرق يزداد نبضي ولا أكاد أسيطر على نفسي ... أنها ... أنها ... آه ، ثم أطلق دمعتين كأنهما قطرتا زيت نزلتا بهدوء حتى أرنبتي أنفه .
سحبت طرف شالها ومسحت دمعتيه في انكسار لا مثيل له وهي تطيل النظر إليه ، ربما أرادت أن تعيد له ذكرى سعوده، أو لعلها تستكشف فيه هل ان الرائحة هي نفس الرائحة التي تفوح من جسد أمها .
قال لها : أنت سعودة ، أنوثتها وعينيها وشفتيها ونهديها ونكهتها ، أنت رائحتها التي مازالت في كل مسامة من مسامات جسدي .
قالت : أنا سعودة الصغيرة المغرمة بتلك الذوائب البيضاء والشاربين الكثين ... أنثى الغزال الهائمة في ساحة ام البروم وسط ترنحات السكارى وقهقهات العاهرات وراقصات الملاهي الليلية والكلاب السائبة وأكوام النفايات والمتصعلكين وحرس الدورية والجنود العائدين من جبهات القتال ... انثى الغزال التي سئمت مضايقات الزبائن ونظراتهم الحيوانية واشتهاءاتهم للحمها الطري ...
طلب منها أن تسقيه قدحا من الحليب ألبقري الساخن ، عله يعيد له القوة ، بل انه استلذ تلك العادة في وضع النقود بين نهديها ...
ناولته القدح واخذ يرشفه بسرعة حتى احترقت شفتاه ، انه يستعجل اللحظة ، أنهى شربه ولف بضعة دنانير وطلب منها ان يضعها بين نهديها ، رفضت لكنه حلفها بسعودة ولمجرد ذكر اسمها قبلت فوضع الدنانير في الساقية التي امتلأت بالنقود ، لكنه حاول ان يكون اكثر تواضعا في ان يرتب الدنانير التي لم يبق مجال لحشر المزيد ،فتح الساقية التي بين نهديها وأنزل الدنانير و بحركة غير متزنة انكب على وجهه فوق صدرها ، حاولت ابعاده بعد ان شعرت بنشوة غامرة ، ابتسمت خجلة أمام تلك الجثة ، حاولت دغدغة مشاعره لكنه حلق عاليا ليمارس عراكه الوحشي مع سعودة في فضاء لأمتناه يتعدى حدود خانة ألشواذي ....

.......................................................................................
*ماركين: منطقة في البصرة كانت يمر بها الغزاة البريطانيين ايام الاحتلال البريطاني في بداية القرن الماضي وتسمى الان المعقل
* خانة ألشواذي: مقاعد خلفية متقابلة في باص خشبي لنقل الركاب .



#جمال_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغتيال الشرف العراقي
- عرض لمجموعة ( بغداد نرحل منك.. اليك )
- قراءة في غيوم من قصب
- اغتيال أمير الصعاليك
- لعينيك أغني
- تشظيات على جدران المنافي
- مومسات في الذاكرة/ قصة قصيرة
- أمية النهد الشرقي
- ترانيم على بقايا المقصلة
- قراءة في رواية البلد الجميل... التنافذية والبناء الاسطوري في ...
- كتابات للعقل الباطن
- من ينصف المظلومين
- أنشودة الخريف
- سمرقند .. نكهة أنثى أم قطعة سكر
- لثغة النهد الامازيغي
- عازف الناي/ قصة قصيرة
- رحلة الى الخليج
- الوطن في حقيبة سفر
- أمراء الثقافة..لا دعاة للتطبيع والمجون السياسي
- قراءة في رواية البلد الجميل: التنافذية والبناء الاسطوري في ه ...


المزيد.....




- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - جمال المظفر - غرام في خانة الشواذي