|
إلى روح المناضلة المغربية الأصيلة : حبيبة الزاهي
عائشة التاج
الحوار المتمدن-العدد: 1851 - 2007 / 3 / 11 - 13:16
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
لقد جرت العادة أن نحتفي بالموت أكثر من احتفائنا بالحياة , هكذا نحن أمة الماضي بامتياز . علاقتنا مع الزمن تكاد تكون ماضوية بشكل حصري اللهم إلا استثناءات لا تكسر القاعدة. علماؤنا ،مفكرونا ، أدباؤنا ، فنانونا وناشطونا المميزون ...غالبا ما يعيشون مغمورين ما بين ظهرانينا ترديهم لا مبالاتنا على صخرة الواقع الردي ء على أكثر من مستوى . حيث تبتلعنا جميعا دوامة الحياة داخل متاهاتها اللامتناهية .... و لولا الموت الرهيب لما انتبهنا إلى عظمتهم أو تميزهم حتى .. ذلك أن رحى الحياة نادرا ما تسمح لنا بالانتباه حوالينا ...أو بالأحرى لم نتدرب بما فيه الكفاية على اقتناص هذه الفرص الضالة داخل مساراتنا المركبة . فشكرا لك أيتها الموت لأنك وحدك القادرة على لم شتاتنا . شكرا لك أيتها الموت لأنك صوت الحكمة الذي قلما نصغي إليه ونحن نلهث وراء سرابات الحياة وأوهامها المتعددة . شكرا لك رغم كل التداعيات المأساوية التي تخلفينها فينا وحولنا . رغم كل الحزن والحسرة والألم....رغم كل الخسارات التي قد لا تعوض أحيانا .. شكرا لك لأنك الحقيقة الوحيدة أمام زخم الزيف المتراكم حولنا .. .حولك تتوحد خلافاتنا و في وهجك يذوب ثلج خصوماتنا . واهية جدا مسرحية حياتنا العابرة فوق ركح زمن بدون ضفاف . تتقاذفنا أمواجه المتلاطمة ما بين تضاريس دهر جد داعر في زمن الانحطاط هذا . فهل نتعلم فن الاعتراف ونمسك بتلابيب الحياة داخل سيرورة الفعل الجميل من طرف فاعلين وفاعلات عظماء يتقنون بهاء الصمت الناطق بالإنجازات والتضحيات ؟ و ما أبلغه من خطاب وسط ضجيج الصراخ الهادر صخبا أجوف . و ما أثقلها من سفينة تخترق طريقها الثابت بموازاة الفقاعات السابحة على سطح البرك الآسنة لم يكن حب الوطن مجرد شعارات صماء يصدح بها مداحو ومداحات السلط هنا والآن . والباحثون والباحثات عن ريع نضال غدا حرفة من لا حرفة له في زمن الالتباس هذا . عشق الوطن فعل دؤوب ومتراكم عبر سيرورة حياة ستظل خالدة بإنجازاتها المميزة رغم قصرها والعاشقة هي تلك الفتاة الأصيلة الآتية من عمق مدينة آسفي الساحلية كي ترسخ وجودها داخل مدينة البيضاء العمالية . اختارت حبيبة أن تكون درعا يحتمي به ضعفاء هذا البلد ،وتدرجت في مسالك النضال الطلابي والعمالي والحقوقي والنسائي مرورا بالسجن والاعتقال و الطرد من العمل و مختلف المحن و الضرائب التي تعود على أدائها شرفاء الوطن وأحراره . لم يتقوس الظهر الأنثوي أمام أية محنة ،بل بقي شامخا يذكر الآخر بصلابة الحق مهما بدا بعيد المنال . : حبيبة الزاهي ، تلك المرأة الشعبية حد النخاع والفخورة بشعبيتها لغة ولباسا وسلوكا و من هنا يأتي تميزها الكاسح وأصالتها القوية . تلك المرأة الذكية ذكاء كل شهرزادات هذه الأمة اللواتي جعلن من حياتهن نشيدا للحرية والانعتاق لصالح الفئات المقهورة ظلما و طغيانا . حبيبة الزاهي ....تلك المرأة النادرة في زمن الندرة هذا ....لا تدخل ضمن جوقة المتهافتين أو المتهافتات على حب الظهور عبر وسائط الإعلام والمهرجانات والملتقيات .....عملت بصمت مثلما غادرتنا بصمت شأن كل العظماء الحقيقيين والعظيمات الحقيقيات .فاستحقت بذلك احترام الخصوم قبل الأحباب . لقد أبهرت كبار هذا البلد بعفة النفس التي قلما تصمد أمام إغراءات الجاه والسلطة والشهرة وأعطيتهم درسا في أمانة المنصب و قداسة الرسالة فأحبوك كمحاورة صلبة ونظيفة نظافة أفكارها و معتقداتها . كانوا يهابونك حية وأحبوك ميتة لأنك جسدت الإخلاص والتفاني إلى أقصى درجة . فكانوا أول من ودع جنازتك في مقبرة الشهداء اعترافا بعظمة المرأة الوطنية حد النخاع . حبيبتي حبيبة
اسمحي لي أن أعترف لروحك الطاهرة ببعض أخطائي المتكررة ....لقد قررت مع نفسي أن أكسب صداقتك الحميمية عندما أدركت عبر الاحتكاك المباشر بأنك كنزا بشريا قلما نصادفه في حياتنا المليئة بالكائنات القاصرة إنسانيا و أخلاقيا ....ولم أتمكن من بلورة فكرتي إلى فعل قبل أن تخطفك يد المنية خلسة من بين ظهرانينا . ….لذلك فغصة الحسرة لا زالت تملأ حنجرتي ألما وحزنا وأسفا . لا زلت أتذكر نظراتك المفعمة بالبراءة والحسم تخترقني بوداعة جارفة ....كم هي حنونة تلك النظرات و مثقلة بالمعاني العميقة .نظرات تحفيزية على الفعل والصمود في العطاء بدون كلمات أو إطناب . وسأظل أختزن هذه النظرات في أعماقي كأحلى ذكريات عملنا المشترك في مركز فاما النسائي . ما أجملك من رئيسة وأنت تحولين أبسط اقتراح إلى قرار قابل للتنفيذ في رمشة عين و بابتسامة عريضة تتربع على عرش محياك كامرأة صامدة ضد كل العراقيل والإكراهات وحتى الإغراءات . ما أحلاك وأنت تدبرين الاختلاف بمهنية عالية في التدبير والتواصل و بحنان جارف يقتلع جذور التنافر . لا أخفيك انبهاري بقدراتك القيادية عبر أولى المظاهرات التضامنية مع الشعببين العراقي والفلسطيني حيث برهنت على أنك لبوءة مميزة وسط أسود الأطلس الشامخين في دروب النضال والمواجهة من أجل الحقوق والكرامة . حيث كان مغرب المعارضة يسعى لانتزاع هامش أوسع في ممارسة حرية التعبير والتنظيم على عهد الحسن الثاني الذي أبان بدوره في أواخر حياته عن استعداد للمصالحة والإصلاح قبل أن يغادر هذه الحياة إلى العالم الآخر ،وتلك محاسن الموت التي قد تفجر أجمل المشاعر في أقسى القلوب وأكثرها فضاضة . تتقنين فن التواصل الصامت بحدسك الطبيعي ودربة الرئاسة بتواضع كبير. كما تتقنين فن الحوار والقدرة على اتخاذ القرارات الشائكة في الوقت المناسب وبالطريقة الأنسب . فمرحى لك بإنجازاتك الغالية يا غالية ودمت زاهية في عالم الخلود عبر كل منجزاتك المتناثرة هنا وهناك . ووعدنا متجدد بالاستمرار و الوفاء اللامشروط لكل قيمنا وأهدافنا المشتركة . ونامي مطمئنة فكلنا حبيبات لهذا الوطن الرائع الذي سيظل خصبا في إنتاج الشرفاء مهما كان . عائشة التاج
#عائشة_التاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرعونة الملتبسة لشهريار عصري
-
رعونة شهريار عصري
-
.قراءة في الدلالات الاجتماعية و الثقافية لظاهرة الحجاب
-
كذب الصغار،كذب الكبار
-
التعهير النسوي : امتداداته الداخلية والخارجية
-
لنحمي شمعة الأمل من رياح اليأس .
-
رفيق الزمان الهارب
-
ثقافة الاستعراض و التفاخر عبر حياتنا
-
أحلام نازفة.
-
ضحايا الهجرة السرية بالمغرب
-
أالمرأة الحديدية ،أي وصف لأية امراة ؟
-
الحداثة المؤسساتية ما بين الجوهر والصورة .
-
أكبر الخسارات : خسارة النفس
-
تضامنا مع جريدة نيشان .الحكومة المغربية تسقط في شرك -الغوغائ
...
-
تخمة العنف اللامتناهي : عنف السياسة وسياسة العنف
-
تخمة الرعب اللامتناهي عبرعنف السياسة وسياسة العنف.
المزيد.....
-
السيد الصدر: أمريكا أثبتت مدى تعطشها لدماء الاطفال والنساء و
...
-
دراسة: الضغط النفسي للأم أثناء الحمل يزيد احتمالية إصابة أطف
...
-
كــم مبلغ منحة المرأة الماكثة في البيت 2024.. الوكالة الوطني
...
-
قناة الأسرة العربية.. تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي ش
...
-
تتصرف ازاي لو مارست ج-نس غير محمي؟
-
-مخدر الاغتصاب- في مصر.. معلومات مبسطة ونصيحة
-
اعترف باغتصاب زوجته.. المرافعات متواصلة في قضية جيزيل بيليكو
...
-
المملكة المتحدة.. القبض على رجل مسن بتهمة قتل واغتصاب امرأة
...
-
نائبة أمريكية تسعى لمنع أول امراة متحولة جنسيا في الكونغرس م
...
-
نهاية مروعة لامرأة في الصين.. سحبها سلم متحرك
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|