|
ضحايا العراق في الميزان
يارا رفعت
الحوار المتمدن-العدد: 1850 - 2007 / 3 / 10 - 13:00
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
الضحايا في العراق من كل شكل ونوع. الأحياء منهم..فقراء دون خط الفقر،ويتامى، وأرامل يشكلن 11% من نساء العراق،ومعاقين، ومهجرين بلغوا في بغداد وحدها حوالي 54 ألف عائلة. والأموات منهم..قتلى مغدورين،وجثث مجهولة الهوية،واشلاء نثرتها التفجيرات الأرهابية،وأهداف بشرية سال لها لعاب القناصين،وأرقام عشوائية تدخل ضمن حسابات الهستريا الطائفية. وإن تباينت اساليب الموت أو الحياة لهؤلاء.. يبقى أمر واحد قائم وتبقى حقيقة واحدة راسخة،وهي أن الضحايا كلهم يجتمعون على الهوية العراقية. نعم..أنهم عراقيون بغض النظر عن انتماءاتهم. إنهم ضحايا العراق الذين كان من الممكن أن ينمو البلد ويكون ديمقراطيا وحرا تعدديا قبل أن يدفعوا الأثمان الغالية. لكن يبدو أنها الفدية التي يدفعها أي شعب يتطلع الى السباحة في بحار العدالة والمساواة بأرقى صورها. وحين يتذوق أبناؤه طعم التسامح فيما بينهم فلن يطيب لهم طعمٌ من بعده حتى يصير التسامح بينهم ثقافة سائدة وسلوك أنساني قائم وأسلوب أوحد في الحياة كلنا يقول ويصرح ويصرخ ويقسم، بأن لافرق بين سني وشيعي،بين عربي وكوردي،بين مسلم ومسيحي،بين أيزيدي وصابئي وتركماني،وبين إمرأة ورجل وطفل وشيخ،وبين فقير ومترف،وبين عسكري ومدني،وبين حزبي ومستقل وبين..وبين لحظة الموت القسري. لكن علينا الاعتراف بأن العراق..كوطن، كحضارة، كحاضر ومستقبل بلد يريد أن ينمو ويتقدم ويزهو بين البلدان قد لاينظر الى الأمر من هذا المنظار. العراق لاينظر الى الضحايا بعين العاطفة بل بعين العقل. الواقع أن العراق كبنية دولة قائمة أساسها السلطة والمجتمع يحزن على ضحاياه، لكن على أيّ الضحايا هو أكثر حزناً؟. لابد وأنه أشدّ أسفا على ثروات بشرية يفتقدها أكثر من غيرها،الا وهي العقول الأكاديمية والعلمية والثقافية المفكرة والمبدعة والتي تشكل طاقات بشرية خلاّقة يعوَلُ عليها الكثير لأجل النهوض بالبلد في المرحلة الحالية ورسم الخطط المستقبلية لبلوغ الهيكل التنموي الذي يطمح اليه العراق بعد عهود التخلف. صدقوني العراق ميزانه غير عادل حين يزن ثقل ضحاياه ومعياره يأخذ في الحسبان المستوى الثقافي والتعليمي والفكري لهؤلاء الضحايا. لايستهين بأرواح الأبرياء من الأميين والمهمشين والعاطلين..،لايسترخصها سواء في ساحة الطيران أم مدينة الصدر أم الفلوجة والرمادي أو في كركوك وبعقوبة والبصرة وتلعفر. لكنه يقلق أكثر على الكفاءات العلمية والأكاديمية من باحثين وعلماء ومخترعين وأساتذة جامعات سنخسر المزيد منهم إذ يقتلون على أيدي من لايعرفون حتى كتابة أسمائهم. إنهم يهاجرون خارج البلد أو ينزوون داخله خوفا من الوضع الأمني ومن تهديدات تصلهم من فئات تعبد الجهل والكفر. العراق..دولة،والدولة فيها ماهو حيّ وماهو غير حيّ. والأنسانية مشاعر تقتصر على الذات البشرية. لكن العراق يتساءل بعقلانية: من سيعيد البلد! من سيعمر أبنيته ويضيف الصروح إليه! من سيكسو مدنه أشجارا وزروعا تقيها من الرياح والتلوث! من سيملأ مكتباته بأسماء المبدعين! من سيملأ مستشفياته بأطباء مهرة! ومن ظلّ فيه ليدفع بميدان التقنيات الحديثة الى الأمام! ومن سيؤسس اقتصاده الحر المتين! ومن سيحيي الرقي في ميادينه الفنية!. من سيحقق البرامج المستقبلية العظيمة التي ينتظرها أهالي العراق مع كل هذا النقص في الخبرات العلمية والأكاديمية والأرقام المتزايدة من ضحايا العنف والجهل والطائفية والأرهاب! والتي لاتفرق بين مثقف أو صحفي أو أديب أو فنان أو رياضي أو أكاديمي أو رجل قانون. والأمثلة كثيرة: أغتيال عميد كلية في جامعة بغداد مع زوجته وإبنه،إغتيال مدير مركز البحوث التربوية والنفسية في نفس الجامعة، وأخصائي الأمراض القلبية في مستشفى الشهيد عدنان، وعميد كلية القانون في المستنصرية ثم معاون العميد، وقبل أيام قتل شيخ المخرجين العراقيين على يد خاطفيه حين عجزت عائلته عن دفع الفدية لهم،وفنانين ومدربين رياضيين وكثيرين غيرهم يرحلون بصمت بلا تظاهرات أو مواكب عزاء ولاترفع صورهم في ضجة إعلامية. نأسف على هذه الشخصيات ولا نعير أهمية لانتماءاتها أو درجتها الحزبية أيام النظام المباد لأنها تحمل الأرث الأكاديمي والعلمي والفني والأدبي والثقافي للبلد،وفي أسوأ الأحوال لايمكن لهذه الشخصيات أن تكون أكثر إجراماً بحق أبناء الشعب العراقي من أفراد لازالوا طلقاء بيننا وربما نالوا من العزّ والمناصب ما لم ينله الفرد العراقي المخلص الذي صان ضميره في بلورة لم يخدشها الفكر السائد آنذاك ليجد نفسه اليوم مهمشاً ومهدداً بالموت في كل لحظة. يتمنى العراق أن يركز قادته الحاليون على تخفيض أعداد المشمولين بالقتل من كفاءاته العلمية والأكاديمية مع توفير الفرص لهم بدل الاهتمام بتخفيض المشمولين بقانون اجتثاث البعث وإن كان للأمرين صلة ببعضهما... ويتمنى العراق من الزعماء السياسيين العرب والعقائديين المسلمين كنصر الله وغيره، أن يهتفوا باسم شهدائنا من أولي العلم والمعرفة حين يعلنون وقوفهم مع المقاومة الشريفة جداً... ونأسف كثيرا على ضحايانا جميعهم، لكن العراق يعاير ضحاياه على كفتي ميزان حرصاً على مستقبله.
#يارا_رفعت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من هم الخارجون؟
-
نحتضن الحياة.. وَهُم الفانون
المزيد.....
-
تصعيد روسي في شرق أوكرانيا: اشتباكات عنيفة قرب بوكروفسك وتدم
...
-
روبيو يلتقي نتانياهو واسرائيل تتسلم شحنة القنابل الثقيلة
-
مئات يزورون قبرالمعارض نافالني في الذكرى السنوية الأولى لوفا
...
-
السيسي يلتقي ولي العهد الأردني في القاهرة
-
بعد حلب وإدلب.. الشرع في اللاذقية للمرة الأولى منذ تنصيبه
-
إيمان ثم أمينة.. ولادة الحفيدة الثانية للملك الأردني (صور)
-
السعودية تعلق على الأحداث في لبنان
-
إسرائيل تتسلم شحنة من القنابل الثقيلة الأمريكية بعد موافقة إ
...
-
حوار حصري مع فرانس24: وزير الخارجية السوداني يؤكد غياب قوات
...
-
واشنطن وطوكيو وسول تتعهد بالحزم لنزع نووي كوريا الشمالية
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|