ناضل شعبنا وقواه الوطنية طوال سبعة وعشرين عام منذ حل المجلس الوطني في 26 أغسطس عام 1975 ، مقدما تضحيات كبيرة ، وكانت أهداف تلك المسيرة النضالية التي عبدت الطريق ليس بالورود ولكن بالآلام والدموع والدماء ، إعادة الحياة النيابية وتطبيق الديمقراطية في المجتمع ، كان شعبنا تواقا لأن يهب نسيم الحرية والديمقراطية على ربوع الوطن ، وتتفتح الأزهار في حديقته الواسعة فبعد الانفتاح السياسي والتصديق على ميثاق العمل الوطني في شباط-فبراير 2001، وبإجماع وطني قل نظيره في أي بلد عربي ، كانت القوى السياسية والمراقبون للأوضاع في بلادنا ، يتوقعون بأنه خلال السنوات القادمة ، بعد أن تتهيأ الأجواء وتترسخ أسس الديمقراطية في المجتمع وترتيب القوى السياسية لأوضاعها الداخلية بعد سنوات من القمع البوليسي ومصادرة الحريات العامة بأن تجري الانتخابات النيابية ، ولكن يتفاجىء الجميع بسرعة صدور دستور 2002 في الرابع عشر من فبراير وتغيير تسمية دولة البحرين إلى مملكة البحرين ، والدعوة لأجراء انتخابات للمجالس البلدية في مايو 2002 ، وبعدها انتخابات نيابية في أكتوبر 2002 ، مما خلق حالة من الإرباك والتوجس في صفوف قوى المعارضة البحرينية التي لم تتوقع ذلك الموعد ، كما أن التعديلات الدستورية لم تتم بشكل دستوري من خلال عقد جلسة خاصة لمجلس وطني منتخب ، تلك الأوضاع السياسية الجديدة التي نشأت جعلت القوى السياسية البحرينية تعيد قراءة الأوراق بعد ن اختلطت عليها ، ونظرا لعدم معرفتها بما كان يجري في اللجنة السياسية المشكلة من الوزراء لتعديل الدستور والسرية التامة لاجتماعاتها مما زاد الوضع صعوبة وتعقيدا وأثار تساؤلا عن ماذا يخبئ الحكم من مفاجآت للقوى السياسية ولعامة الناس، هذا من جهة ، وبالمقابل تتحمل المعارضة مسئولية كبيرة ، لعدم إعطائها الاهتمام الخاص لذلك الموضوع الهام ، على سبيل المثال عدم إرسال مذكرة جماعية توضيحية من قبل الجمعيات السياسية التي تشكلت في حينه إلى جلالة الملك- أمير البلاد آنذاك - لمعرفة نوايا الحكم من موضوع التعديل الدستوري ولمعرفة أعمال اللجنة بالإضافة إلى انعدام التنسيق في العديد من المواضيع والقضايا التي تعنى بأمور الناس والمجتمع ، تلك الارباكات مجتمعة خلقت تباينات في موقف المعارضة، وإن شارك الجميع في انتخابات المجالس البلدية ، إلا أن الانتخابات كانت جزءا آخر من وجه الاختلاف والتباعد في الآراء ، حيث مارس البعض من فصائل قوى المعارضة أساليب غير صحية للحصول على أكبر عدد من مقاعد المجالس البلدية ، ولم يول أي اهتمام للتنسيق والتعاون أو التحالف ، بالرغم من وجود تجربة قديمة للمعارضة إبان قانون أمن الدولة تمثلت فيها كل الأطراف المناضلة في العريضة النخبوية عام 1992 والعريضة الشعبية عام 1994م ، شابت انتخابات المجالس البلدية أجواء توتر وريبة وتوجس وعدم الثقة ما بين القوى السياسية المعارضة ، فشعار الوحدة الوطنية كان مجرد شعار يتغنى به البعض ولا يطبق في الواقع ، وهذه قضية إشكالية في العمل الوطني لازالت مستمرة ولن تنتهي ، لأنه لا توجد تقاليد ديمقراطية في صفوف قوى المعارضة .
نأتي إلى موضوع الانتخابات النيابية في أكتوبر الماضي لعام 2002 ، فقد اختلفت قراءة المعارضة وأصبح هناك رأيان -مشارك ومقاطع- ، حيث شارك المنبر الديمقراطي التقدمي ودعم بعض الشخصيات الوطنية في الانتخابات وكانت رؤيته السياسية مبنية على قراءة في تجارب وخبرات سابقة في أهمية المشاركة في المجالس النيابية المنتخبة وكيفية الاستفادة منها في ميادين العمل الوطني والجماهيري ، بالرغم من موقفه المعارض لما جرى من تعديلات دستورية في شباط 2002 م لانتقاصها من صلاحيات مجلس النواب كسلطة تشريعية ، حيث يشاركه في التشريع مجلس الشورى "المعين" والذي من المفترض بأن تكون اختصاصاته هي إبداء المشورة والرأي ، مثلما جاء ذلك في ميثاق العمل الوطني ،والمنبر الديمقراطي التقدمي يستند في تحليلاته السياسية على خوض غمار التجربة النيابية ، وربط مجلس النواب بقضايا وهموم الناس اليومية ،كما يؤمن ، وهذا يتطلب نضالا شاقا وصبرا طويل النفس ، والعمل البرلماني يشكل جزء من النضال الوطني والمطلبي ، ولا يمكن فصل الجسد السياسي الجمعي للواقع السياسي في عملية التغيير الاجتماعي والاقتصادي ، لتداخل عناصرها وأحداثها ، ربما يقول قائل ما جدوى البرلمان إذا كان لا يمتلك سلطة تشريعية يمارس من خلالها كامل الصلاحيات الدستورية ، وهذا صحيح من الناحية الدستورية والقانونية ، خاصة لجهة تداخل مهام السلطتين : التشريعية والتنفيذية ، ولكننا نتحدث عن أوضاع سياسية غير طبيعية ونظام سياسي لازالت التجربة البرلمانية السابقة ماثلة أمامه بالرغم من قصر مدتها -أقل من عامين-، والجميع يعرف في البحرين الاختناق السياسي التي عاشته طوال حقبة قانون أمن الدولة "السيئ الصيت"، يجعل من القوى السياسية بأن تعمل على تطوير أدواتها النضالية ، لكي تتعاطى بواقعية مع الأوضاع السياسية الجديدة الناشئة في البلاد والمنطقة والعالم ، وتستفيد من التجارب والخبرات السابقة .
فيما يتصل ويصلح لواقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي ،كما يجب بان لا يترك مجلس النواب لقوى اجتماعية تحدد مساراته واتجاهاته في المجتمع وهي لا تؤمن أساسا بالتغير الديمقراطي ولا الديمقراطية كمنهج للحياة السياسية والاجتماعية وان شاركت في الانتخابات ووصلت إلى قبة البرلمان فأنه تبقى لها أجندتها الخاصة.
كما تواجه القوى السياسية صعوبات وتعقيدات في فتح ملفات ساخنة لازالت تشغل بال الجماهير المسحوقة التي تتحمل أعباء إضافية على ما تعانيه من ظلم اجتماعي يحصل إلى حد الفقر والحرمان من العيش الكريم، على سبيل المثال لا حصر قضايا التجنيس السياسي والبطالة وأزمة السكن والفساد الإداري والمالي وغيرها من القضايا الملحة،التي تدفع ضريبتها في المجتمع الفئات الاجتماعية المسحوقة والمتوسطة ( ذات الدخل المحدود )، هذه المواضيع والملفات الساخنة لو وجدت طريقها نحو البرلمان وطرحها ومناقشتها بقوة سوف يكون لها تأثير واضح ، هذا ما يحاول طرحه والدفاع عنة النواب الوطنيون، انطلاقا من هذا التداخل في تحقيق مطالبة الناس والدفاع عن مصالحهم يتطلب من القوى المقاطعة بان تحدد مواقفها، هل هي مع طرح مطالب الجماهير من داخل قبة البرلمان ؟ أما هي مصرة على المضي قدما في نهجها المبني على مفهوم المقاطعة للمجلس والنواب وبالتالي تخسر الجماهير أداة من أدوات النضال المطلبي و تضع السلطة التنفيذية ووزرائها على المحك في تنفيذها وإيجاد الحلول المناسبة لها .
سوف نتحدث هنا عن المقاطعة للانتخابات النيابية, ونتساءل هل حققت المقاطعة أهدافها ؟ هل تشكل قوى المقاطعة تحالفا استراتيجيا أما هو تحالف تكتيكي مبني على أسس المصالح المشتركة ؟ وغيرها من الأسئلة ...
أولا، المقاطعة حق لكل قوى سياسية تستطيع بان تمارسه وفق لقراءتها للواقع السياسي والاستراتيجي في البلاد، وعلى ضوء ذلك تضع وتختار تكتيكها السياسي المناسب وتنسج علاقاتها وتحالفاتها السياسية مع القوى التي تلتقي معها في ذلك الهدف ، من المهم لكي تثبت المقاطعة جدواها عليها طرح البديل السياسي الذي من خلاله تحقق تطلعات وآمال الجماهير العريضة، إضافة إلى الأبعاد السياسية للمقاطعة ومدى ثقة الناس بها وأهمية استمرارها، وهل تستطيع بان تحل قضاياها ومشاكلها في ظل رفع شعار المقاطعة المستمرة الذي يزيد أوضاعها صعوبة وتعقيدا بالمقابل نرى الحكومة تستخدم أساليب أخرى في تنفيذ وتحقيق بعض من مطالب وقضايا الناس سواء كان على طريقة عطاءات ومكرمات أو هبات أو امتيازات وغيرها من الأشكال التي تراها جزءا من الضغوطات الجماهيرية , مما يجعل الجماهير تفقد الثقة في المعارضة بالمقابل قوي المقاطعة لعبت أدوار سلبية اتجاه مجلس النواب، استنادا علي موقفها الرافض للتعاون مع مجلس النواب أو النواب، بما فيهم النواب الوطنين الذين يتصدون للقضايا الوطنية ويفتحوا الملفات الساخنة لطرحها ومناقشتها في المجلس، وبعضها من ممثلين وأعضاء الكتل النيابية الأخرى التي تري بان تلك المواضيع المطروحة تتفق مع قناعتها السياسية، انطلاقا من هدا يتطلب إعادة النظر في موضوع كيفية التعاطي مع البرلمان كسلطة تشريعية وان كان لا يملك صلاحيات تشريعية كاملة، المطلوب اليوم تهيئة الأجواء لطرح موضوع التعديلات الدستورية ولا يأتي هذا ألا من خلال مجلس النواب ودعم النواب الوطنين لتحقيق هدا المطلب الشعبي. أما يتصل بالحكومة وكيفية التعاطي مع مجلس النواب بعد انقضاء فترة الانعقاد الدورة الأولى من الفصل التشريعي، بالرغم من الأداء الضعيف لمجلس النواب، نظرا لقلة الخبرة والتجربة وتأثيراتها على أداء المجلس من ناحية القوى الاجتماعية المتواجدة في داخله ألا أن هناك كانت العديد من الوقفات الجادة من قبل النواب الوطنين الديمقراطيين، في طرح قضايا الناس والدفاع عن مصالحهم، التجربة التي يراد لها التطور والإثراء ولكن هذا لا يتحقق إذا استمرت الحكومة في إفراغ مجلس النواب من محتواه التشريعي وتحويله إلى جهاز حكومي أو مجلس شورى منتخب، فالامتيازات والعطاءات المالية التي بدأت منذ إضافة مبلغ 1250 للرواتب وصولاً إلى المكرمة الملكية الأخيرة بمنح النواب عشرة آلاف دينار ، هذا التعاطي وبهذا الأسلوب مع مجلس النواب يفقده مصداقيته لدى عامة الناس مما يجعل أفراد المجتمع لا يؤمنوا بأهمية وجود برلمان، طالما كانت الحكومة تصرف على أعضائه بالعطايا والهبات خارج القانون ، مما يؤثر على أداء أعضائه وعلى صورتهم أمام ناخبيهم .
إن الحكومة مدعوة لأن تظهر حرصها على تقوية مجلس النواب كمؤسسة تشريعية منتخبة عبر توكيد احترام قرارات المجلس ، وتسهيل مهامه في الرقابة وفي الأداء التشريعي .
فاضل الحليبي
20/7/2003م