|
أقتل ثم أدفع، مادام القتيل مصري
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1847 - 2007 / 3 / 7 - 11:35
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لنتصور قريتين أ و ب كان بينهما ما صنع الحداد، و في أحد المرات قتلت القرية ب بعضا من أبناء القرية أ غيلة، القرية أ لم يعلم أبنائها بأن من قتلوا قتلوا غيلة، و ظنوا أنهم سقطوا قتلى في أحد معاركهم مع القرية ب، ثم شاعت أخبار و أكتشفت دلائل بعد ثلاثين عاما تقريبا من الحدث تبين أن القتل كان غيلة و يخالف قواعد القتال، ثم خمد الأمر و ذهب للنسيان، ثم بعد عقد أخر تقريبا سمع أبناء القرية أ أن هناك من يتحدث في القرية ب عن جريمة القتل الدنيئة تلك فثاروا ثانية غضبا. و لكن إلا يزيد هذا الغضب حدة حين يكتشفون أن عمدة قريتهم قد باع دم أبناء قريته سرا، و قبض الثمن في شكل ممتلكات كانت تخص بعض أبناء القرية ب، تلك الممتلكات التي بدأ في بيعها قطعة قطعة و أخذ يحول أثمانها لحساباته الشخصية و حسابات أبنائه. القرية أ هي مصر و القرية ب هي إسرائيل و القتلى هم الشهداء المصريين الذين قتلتهم إسرائيل أثناء و بعد حرب 1967 بعد وقوعهم في الأسر بالفعل، و عمدة القرية أ هو رئيس مصر الحالي حسني مبارك، و المرة الأولى التي ثار فيها الموضوع كان في النصف الثاني من التسعينات من القرن الماضي، حين أكتشفت- بضم الهمزة - مقابر جماعية في شمال سيناء و تحديدا في مطار العريش، و في أماكن أخرى بشبه جزيرة سيناء. و ثمن الدم المصري المهرق – أو الدية - كان عدم إثارة إسرائيل لموضوع ممتلكات اليهود المصريين و التي صودرت في خمسينيات و ستينيات القرن المنصرم، و التي شرع مبارك في بيعها قطعة قطعة، مثل محلات سعود أفندي أو عمر أفندي سابقا، و تحويل معظم الأثمان لجيوب أسرته، و يعلم الشعب الفساد في موضوع صفقات بيع الممتلكات العامة المصرية، و يكفي الضجة التي تثار عند بيع بعض تلك الممتلكات و قصص الفساد التي تتكشف. مبارك عقد صفقة مع الإسرائيليين دون تفويض من الشعب في أمر كان يجب أن يبحث على مستوى الشعب، و أن تتناوله وسائل الإعلام بالنقاش المستفيض، فمبارك لا يملك تفويض تلقائي في أمر كهذا الأمر الخطير و المهين، فمنذ متى يتقبل العرف المصري ثمن لدم أبنائه بديلا عن حساب القتلة، هل مبارك بعيد عن القرية المصرية و الشارع المصري لهذه الدرجة ليجهل بأن قبول الدية وصمة عار تلطخ من يقبضها هو و ذريته ؟؟؟ هل أصبح الدم المصري رخيص لهذه لدرجة أن أصبح المبدأ أقتل ثم أدفع ، فالقتيل ليس إلا مصري؟؟؟ لماذا الغضبة الشعبية عندما نهشت كلاب أحد أمراء الجزيرة العربية طفلة مصرية؟؟؟ لقد سكتنا عما هو أفظع و قبلنا أن نقبض ثمن دماء أبناء مصر، و ليت الشعب -الذي سكت- طال شيئا من ذلك الثمن المخزي في نهاية المطاف. إن هذا هو أحد نتائج تمكن خصلتان رديئتان في المرء، و أعني بهما خلصة اللصوصية الدنيئة مع خصلة إحتقار الذات، فمبارك ليس إلا لصا كبير، و في ذات الوقت يحتقر مصريته، فلطالما تطاول على المصريين أثناء حديثه مع الصحافة الخليجية، حتى أصبحت تلك عادة لديه. تلك العادة التي شجعت كل من هب و دب أن يتطاول على مصر و المصريين، فقد أخذوا الأمان، و مدامت حافظات نقودهم مليئة فإن مصر عزبة أبيهم و المصريين ليسوا إلا عبيد إحساناتهم، و كل يوم يأتي لنا بمثال مخزي جديد لهذه القاعدة. إن أمر قضية الأسرى المصريين يجب أن يصعد لأقصى حد، و ذلك بأن تتولاه جهة مصرية معارضة حرة بالخارج، بعيدا عن سطوة أسرة الفساد الحاكمة و إختراقاتها لمعظم التنظيمات المعارضة المصرية، فدم الشعب المصري يجب ألا يذهب هدرا، يجب أن يفضح القاتل، فإسرائيل لازالت تعيش على ذكرى الهولوكوست، و لا تريد للعالم أن ينساها، فلماذا لا نفضحها و نظهر للعالم أن الحمل الوديع في أوروبا ليس إلا ذئب ناهش مسعور في الشرق الأوسط، يروع الأخرين و لا يحترم قانون أو عرف؟؟؟ لماذا لا نفضح أيضا مبارك، و بيعه الدم المصري دون أن يقتص لأبناء بلده، الذين يمتص دمائهم منذ أكثر من ربع قرن، و عدم تشهيره بالجناة، و عدم تحويل القضية برمتها للقضاء الدولي المختص بجرائم الحرب، خاصة أن الجناة بعضهم أحياء، و الأدلة المتمثلة في المقابر الجماعية متوافرة – إلا أن يكون قد طمسها مبارك خدمة لأسياده في تل أبيب؟؟؟ إما إذا إنبرى بعض ذوي الأقلام و الحناجر المأجورة، لتخوفنا من إسترداد إسرائيل لممتلكات اليهود المصريين، بعد التشهير بها، و محاكمة مجرميها دوليا، فإن ذلك مردود عليه بأن الدم المصري ليس للبيع، و أن الشعب المصري ليس هو الشعب الذي لا يقتص لنفسه من المجرمين بحقه، و أننا لن نأكل خبزا خبز بدم بعض أبناء الشعب المصري، و في كل الأحوال فإن الشعب لم يطل من كل ذلك شيئا، عمر أفندي أصبح سعود أفندي، و مصانع الأسمنت جنوب القاهرة أصبحت في معظمها ملكا لخليجيين و أوروبيين و حفنة من رجال الفساد المباركي، و بقية الممتلكات بيعت و لم ير الشعب من ثمنها شيئا، فهو لازال رازحا تحت رحى الفقر. و حتى لو طلبت إسرائيل تعويضا عنها، فإن ذلك لا يقاس أبدا بالمهانة التي نعيش تحت وطأتها حين قبلنا الدية، تلك المهانة التي غدت قوتنا اليومي و جعلت الجميع يتطاولون علينا، ليس في بلدانهم فقط كما كان الأمر حتى بضع سنوات خلت، بل أصبح اليوم بفضل مبارك و ذلنا في عقر دارنا، و الأمثلة الطازجة لهذه المهانات عديدة، و كل مصري في ذاكرته منها الكثير. لا للمهانة بعد اليوم، و لا لبيع الدم المصري أبدا، و لتعلم إسرائيل، و كل الشعوب، إننا شعب لا يأخذ الدية أو العوض، و إننا شعب لا ينسى الإساءة مثلما لا ينكر الجميل، وإننا شعب يقتص بالقانون من المعتدين على حرماته، أيا من كانوا، و ليعلم أيضا مبارك و آله، إننا لن نسكت عن جرائمهم بحقنا أبدا، و الزمن بيننا.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حتى في أزمة الدواجن إبحث عن الديمقراطية الغائبة
-
هل هذه هي الدولة التي نرغبها؟ الكفاءة في مصر
-
الثورة ضرورة و ليست طاعون
-
نعم تحرري مدني، و لكن لا أحب أمريكا
-
جبهة معارضة جديدة، و إلا فإنتظروا إتفاق مكة مصري
-
المرسوم البيبرسي، أقدم قانون ساري للإضطهاد الديني
-
حق القدم السعودي في مصر و الحرية الدينية المفقودة
-
لماذا لم و لن يظهر محمد يونس مصري؟؟؟
-
شرعية ثالثة، لا تعديلات دستورية
-
تحاولوا أن تزرعوا عقدة ذنب إسلامية
المزيد.....
-
أسقطه عن اللوح ونهش ذراعه.. شاهد ما حدث لراكب أمواج هاجمه قر
...
-
تأثير غير متوقع من -ميلتون-.. طفلان يعثران على طيور مدفونة ح
...
-
مفتي عُمان ينعى يحيى السنوار: لحق بأسلافه -المجاهدين-
-
المخابرات الكورية الجنوبية: بيونغيانغ ترسل قوات لمساندة روسي
...
-
ميلوني من بيروت: استهداف اليونيفيل -غير مقبول-
-
مصير حماس بعد -ضربة- مقتل السنوار.. وهل تتوقف الحرب في غزة؟
...
-
برلمان ألمانيا يقر حزمة أمنية جديدة ومجلس الولايات يرفض جزءا
...
-
مصر تحذر من استدراج المنطقة لحرب واسعة تداعياتها بالغة الخطو
...
-
لبنان يستدعي سفير إيران في بيروت بعد تصريحات قاليباف في -لحظ
...
-
لافروف يوجه رسالة لإسرائيل عن لجوئها للاغتيالات السياسية وضر
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|