أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري














المزيد.....

حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 555 - 2003 / 8 / 6 - 03:57
المحور: الادب والفن
    


حكاية صغيرة لطفلة
معتقل سياسي مصري
 

 

عزيزتي ليلى . مازلت صغيرة جدا على قراءة الصحف . لا أحد في العالم يحسب أن سنواتك الثلاث هذه زمن في الدنيا . إنها فقط الطفولة اللحظة التي ننسى فيها كل ما ولدنا ونحن نعرفه . بالمناسبة لي ولد في مثل سنك . ثلاث سنوات تقريبا . هو أيضا لا يقرأ الصحف ، لكنه ينتزعها من يدي أحيانا ويمسك بها ، يفرد صفحاتها أمام عينيه مندهشا من الصور لحظة ، ثم يمزق ما يمكنه تمزيقه منها بلهوجة ، أو يطوح بأوراقها في كل ناحية ويجري منصرفا إلي شئ آخر تماما ، أي شئ . أنت لا تعرفينني ، لأنني لم ألتق بك كما لم ألتق بوالدك المهندس أشرف إبراهيم المعتقل منذ ثلاثة شهور في سجن طرة لأنه شارك في مظاهرات 20 مارس . لا تسألي : ما هي المظاهرات ؟ . هذه كلمة صعبة . عندما تصبحين في الخامسة عشرة أو أكبر ستفهمين . والآن دعيني أحكي لك حكاية عن ولد صغير استيقظ ذات صباح ونظر إلي سريره فوجده أبيض اللون ، المكتب أبيض ، السجادة والكراسي والنافذة والكتب بيضاء . تطلع من النافذة البيضاء إلي حديقة بيضاء فشاهد شجرة بيضاء على فرع أبيض منها وقف عصفور أبيض يزقزق زقزقة بيضاء . اندهش الولد ، وأمسك بقلم أبيض ليكتب ما يراه . كتب كثيرا لكنه لم ير شيئا مما سجله لأن الحبر كان يخرج أبيض اللون . لم تكن هناك نقطة سوداء واحدة  في  ذلك اليوم . الآن توقفين سير الحكاية وتسألين : أين بابا ؟ . ألم تقل لك ماما إنه مسافر وسيعود قريبا ؟  ولو أنها قالت لك إنه معتقل دون تحقيق في سجن طرة هل كنت يا ترى ستفهمين شيئا ؟  ولو أنني قلت لك إنه في  زنزانة مع أربعين شخصا نصيبه منها بلاطة ونصف .. هل ستفهمين شيئا ؟ أم أنك ستواصلين التطلع إلي هكذا بعينيك الواسعتين اللتين تكتشفان العالم ثم تسألين من جديد : أين بابا ؟ . إذن بابا متهم بأنه شارك في مظاهرة تضامنا مع الشعبين الفلسطيني والعراقي في مواجهة هجمة الاستعمار الأمريكي على بلادنا وثقافتنا . استرحت الآن ؟ . فهمت حاجة ؟ بابا مسافر وسيعود قريبا . خلاص?!   

         " بابا مسافر وسيعود قريبا " . هذا ما قالته لي أمي من قبل وأنا صغير . هذا ما قالته والدة حسام له وهو يسأل عن عم فوزي : " أين بابا ؟ "  وما قالته خالة منى أنيس لها وهي تسأل عن والدها ، وهذا ما سمعته شهرت العالم وهي تستفسر عن أبيها ، وأمل عبد الحليم ، وأطفال آخرون كثيرون عاشوا كل طفولتهم يسألون . هذا ما نقوله لكم الآن . هذا ما ستقولونه لأطفالكم بعد عشرين عاما . لأن المستقبل لا يأتي أبدا . إنه مثل مكعب صغير كلما اقتربنا منه انزلق إلي الأمام ، دون أن يبتعد كثيرا لكي لا يقتلنا اليأس ، ودون أن يتحقق أبدا . بابا مسافر .. يطارد الزمن القادم ويؤمن بأن علي الناس أن يحاولوا إلي النهاية . هل تفهمين ؟

       يقول بابا في رسالة له إنه : " متهم باتهامات تثير السخرية مثل نشر صور المظاهرات الرافضة للعدوان الأمريكي على العراق رغم أن الحكومة بكاملها اشتركت في مظاهرة لنفس السبب " ، وأنه " بدأ إضرابا مفتوحا عن الطعام من أجل الإفراج عنه أو تقديمه إلي المحاكمة . لكن لا قانون ولا محاكمة . هل تفهمين يا ليلى ؟ هذا هو القانون الوحيد لدينا ، وبه اعتقل المثقفون والمفكرون جيلا بعد جيل ، من الذي نجا من القضبان ؟ . هل تفهمين ؟ . لا . لا تفهمين . تلحين علي من جديد وتضربين الأرض بقدميك : أين بابا ؟ . بابا هناك . في معتقل طرة . وأنا لا أستطيع أن أذهب وآتي به إليك . كلا لا أستطيع . لا تسألي : لماذا ؟ . لأن هذا السؤال هو المشكلة كلها . الإجابة عن هذه الأسئلة صعب علي ، وعليك طبعا . نعم صعب حتى عندما تصبحين فتاة كبيرة وجميلة ، تقرأ الصحف ولا تمزقها . تقولين ومتى أصبح  كبيرة ؟ عندما نكون نحن قد اختفينا من هذا العالم . وحينئذ لن تتذكري شيئا من كل ذلك ، لا رسالتي ، ولا سؤالك عن بابا ، ولا هذا الواقع الغريب الذي نقف فيه في مهب الريح كأننا مركب مكسورة في عرض البحر . لن تتذكري شيئا ، وستبدئين في مطاردة المستقبل بطريقتك أنت ، وبين أبناء جيلك أنت . وساعتها تذكري شيئا واحدا جاء على لسان بابا في رسالته إنك: " كنت مذهولة وأنت على كتفه في المظاهرات من روعة اكتشاف أن الحرية التي  عاشها البشر في ميدان التحرير أجمل من كل اللعب الأخرى " ألم أقل لك إننا نولد ونحن نعرف كل شئ ثم ننسى ما عرفناه ؟ لكن حاولي ربما لا تنسين ما قاله بابا لأن تلك هي القضية الأولى والأخيرة  لكي يغدو بوسعك أن تحكي لأطفالك فيما بعد حكاية بيضاء ليس فيها من حبر حياتنا نقطة واحدة . تضربين الأرض بقدميك وتتطلعين إلي من جديد بعينيك الواسعتين غير المدركتين وتسألين : أين بابا ؟. أنت طفلة كثيرة الأسئلة يا ليلى .  قلت لك : بابا مسجون ، ومضرب عن الطعام . لكنه سيعود إليك بحكاية صغيرة كالزهرة ، فتنمو وتكبر بين يديك ويسير  عطرها ونورها إلي نوافذ كل الأطفال في المناطق المجاورة . خلاص ؟ والآن لا تنظري إلي هكذا .. فلنتكلم عن شئ آخر . مثل ماذا ؟ لا أدري . لكن دعينا نفكر قليلا . اتفقنا ؟  

***

* أحمد الخميسي . كاتب مصري

 



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجدان الأقلية الدينية في الرواية المصرية
- الخوف من الكتابة
- هــمـوم قــبـطــيـة في أحـزان بـلـدنـا
- بغداد التي في خاطري
- حكايات ألف ليلة وليلة للرئيس جـورج بـوش
- شموع على كف حوار متمدن
- 1948 الفرصة الضائعة
- الرئيس الأمريكي يعلمنا كيف نحيا
- الوطنية والديمقراطية في العراق


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - حكاية صغيرة لطفلة - معتقل سياسي مصري