سامان كريم
الحوار المتمدن-العدد: 1844 - 2007 / 3 / 4 - 13:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إن الحملة العسكرية التي بدأت في الأونة الاخيرة تحت يافطة إستتباب الامن في بغداد وتطهيرها من الميلشيات والإرهابين، هي سيناريو من السيناريوهات التي شاهدناها نحن العراقيين مرات عدة وتحت مسميات عدة. السيناريوهات التي جربها العراقيين ونفذوها باياديهم البريئة، حيث دفعتهم قوى الإسلام السياسي الشيعي إلى سيناريو الانتخابات، الذي لا يشبهها الآ بالإسم في سبيل إمساكهم بالسلطة تحت يافطة "مستضعفين الشيعة في عهد البائد".السيناريو الذي كان نتيجته مسبقا واضحة، كعملية لتتويج هذه القوة بالسلطة. السيناريوهات المختلفة التي تم بموجبها تشكيل وزارتى الدفاع والداخلية وقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية، في سبيل جمع ميلشياتهم المختلفة وتقويتها ومن ثم إبتلاع ماتبقى من ميزانية الدولة، بحجة تشكيل الجيش العراقي وتوفير الامن، وكان نتيجتها واضحة للعيان حيث أصبح الجيش والشرطة، فرقا للموت والتسليب والإغتصاب وعنواناً للقتل على الهوية.
قوة الاحتلال وقوة الميلشيات المختلفة التي جمعت تحت مايسمى بقوة حفظ النظام هم الذين ينفذون هذه الخطة لإستتباب الامن في بغداد. هذه القوة هي التي إختطفت قبل أشهر اكثر من مائة موظف وموظفة من وزارة التعليم العالي ومن الصليب الاحمر العراقي، وهم الذين فرضوا على المواطنين التهجير الطائفي، وقادوا فرق الموت، ويقتلون الناس على أساس الهوية علانية وبالزى الرسمي… الحكومة الموجودة الحالية في بغداد هي حكومة توافقية بين القوى القومية والإسلام السياسي لتقسيم غنائم الحرب والإحتلال والأنفال وهم اسياد الحروب الطائفية والقومية في ظل الاحتلال. قسموا المجتمع في العراق على اساس الهويات الطائفية والقومية والدينية، بقوة ميليشاتهم التي لاتعد ولاتحص، وتمولها من أساس لقمة عيش العراقيين الذين وصل بهم الفقر الى درجات خيالية لم يشهدها العراق قط. حيث أن 9 ملايين من العراقيين هم يعيشون في حالة الفقر وأن 5% منهم يعيشيون في فقر مدقع… هذه الحكومة هي حكومة إبتلاع ثروات العراقيين وإسكاتهم بالقوة، وهي حكومة لتجريف البنى التحتية والخدمات العمومية كالكهرباء والمياه الصالحة للشرب وحكومة لتسليب المحروقات ومن ثم بيعها في السوق السوداء الدولية في شط العرب والبوابات الحدودية الاخرى وسماسرة النفط والتسليب....
هذه السلطة التي أحكمت قبضتها على مقدرات العراقيين منذ أربعة سنوات، هي حكومة بمباركة الاحتلال التي أوصلت حالة العراقيين الى الإنزلاقات الطائفية والقومية الخطيرة. سلطة كهذه غير مؤهلة لبناء الدولة ولايمكنها ان تمثل العراقيين في سلطتها، نظرا لأنها ليس فقط غير متجانسة سياسيا، بل لا يمكن لأي قوة في العالم أن تجمع هكذا تشكيل وأن تطرح منهم حكومة، وتحسم الدولة بطابعها، نظرا لألوانها المختلفة والمتناقضة كليا بحيث إن كل طرف من أطرافها يحاول كسر شوكة القوى المتحالفة معه، علاوة على ذلك ينصبون الكمائن لبعضهم البعض حيث قال نائب رئيس الجمهورية عادل عبدالمهدي يوم 27/2 إن مسؤولا وراء محاولة إغتياله في يوم 26/2. وتصارعون مع بعضهم البعض في سبيل أخذ حصة اكبر من غنائم النفط والأرض والفساد الذي لم تشهده اي دولة في العالم على الإطلاق، حيث تراكمت الثروة لدى قادة هذه الاطراف بالمليارات. هذه القوى حسب سياساتهم إستراتيجيتهم وبرنامجهم هي قوة مؤتلفة متناقضة في كارتون الدولة والحكومة.
والحال كهذه، ليس بإمكان تلك الحكومة، التي هي سبب الويلات وإنعدام الأمن والاقتتال الطائفي والارهابي، حكومة فرق الموت، ليس بإمكانها الأستمرار بالسطلة بدون الارهاب والارهابين، لأن هذه التقاليد والاساليب هي الوحيدة في جعبتهم لتركيع المواطنين في العراق. وإن قضية الامن وتوفيره في العراق هي اساسا قضية سياسية وليس عسكرية حتى تحل بإنتشار القوى وخصوصا القوى بتلك الخصوصيات التي ذكرناه اعلاه. وإن القضية الرئيسية في توفير الامن وإعادته للعراقيين، هي مرهونة بطرد المحتليين ومن ركب في مسارهم، مرهونة بإزالة العوامل التي ادت الى حالة إنعدام الامن. إن الحكومة الموجودة، هي مسؤولة عن هذه الاوضاع الماساوية التي وقعت على رؤس العراقيين، فكيف لها أن توفر الامن وهي مسؤولة عن خلق حالة اللاأمن وهذه الاوضاع المرزية.
إن هذه خطة توفيرالأمن فشلت لحد الان وستفشل في النهاية لأن من يطبقها هو الذي كان السبب في حالة اللاأمن . الحل الوحيد والممكن هو بأيادي العراقيين انفسهم. إن الامن يبدا من المحلات وأماكن العمل، لأنني أرى إن الأمن يجب ان يوفر للمواطن اولا وليس للإحتلال ولا للمنطقة الخضراء. إن توفيرالأمن للمواطنين يعني إن المجتمع والنشاطات الاجتماعية بما فيها الحركة الاقتصادية والتجارية والعمل اليومي العادي كلها تجري في ظل أوضاع أمنة ومستقرة، بدون الخوف من الموت او السيارات المفخخة او العبوات الناسفة او الإغتيالات السياسية، أو مداهمة البيوت او التجاوز على اماكن العمل وحرم الجامعات وبدون الخوف من خطف واغتصاب النساء والقتل على الهوية... إن توفير الامن حسب قياسات الدولية يعني وجود حالة إجتماعية مطمئنة للمواطنيين كافة من ناحية السلامة البدنية والفيزيكية، وخلق حالة من الاجواء والتقاليد الاجتماعية بحيث لا يمكن لأي أحد كان بما فيها الحكومة وقواتها الامنية، ان يتعدى على حقوق المواطنيين بما فيها الحقوق السياسية والفردية والمدنية... إن المواطن وحقوقه يجب ان تكون مكفولة وان تصان من قبل السلطة او الحكومة. لكن إذ ننظر الى السلطة الحالية في بغداد، هي بعيدة عن أنظار الجماهير ولا يراها الا في شاشات التلفزة، وإن قادتها ليس بإمكانها ان يظهر علانية وحتى إن اعضاء ما يسمى المنتخبة في البرلمان العراقي ليس بإمكانهم أن يظهروا امام الناس حتى مع جيوش من الحماية، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان دستور وبرنامج هذه القوى هو دستور رجعي طائفي قومي، لا يؤمن بأي حق من حقوق المواطن وخصوصا الشباب والشابات والعمال والنساء والاطفال... وإن قوانينهم ودستورهم وسياساتهم هي التي أدى بالحالة العراقية الى هذه الشكل المرزي والخطير، وهم الأن يحصدون ثمار أعمالهم اللاإنسانية. إن الأمن بالنسبة للسلطة في بغداد هو توفير الحماية لأنفسهم وللقوات الامريكية التي تساند تثبيتهم في السلطة. إذن ليس بإمكان هذه السلطة توفير الامن للمجتمع، لا بل إنها السبب الرئيس لتدهور الامن والاستقرار، والحال كهذا ليس بإمكانها أن تؤمن الامن لنفسها أيضا. وهذا هو تناقض ذاتي وطبيعي لسلطة كهذه، وليس بأمكانها حل هذه المعضلة إلا بزوالها.
إن توفير الامن والإستقرار يبدأ بعملية سياسية جبارة لحيلولة دون إنزلاقات إرهابية وطائفية وقومية أخطر. تبدأ هذه العملية اولا بإزاحة الحكومة الموجودة وطرد الاحتلال وهذا شرط أساس لاي عملية صحيحة لتوفير الامن. بعد ذالك فقط بإمكاننا أن نتحدث عن حلول لتوفير الامن. الأمن في العراق مرهون بتشكيل حكومة علمانية غير دينية وغير قومية. لان المجتمع العراقي هو مجتمع ذات قوميات وأديان وطوائف دينية مختلفة حيث المسلم والمسيحي واليهودي والبهائي والشيعي والسني والكلد والأشور والصابئة المندائيين والكرد والعرب والتركمان و... هذه الحالة تشكل حاجزاً موضوعيا لايمكن لأية قوة في العالم ان يتجاوزها. أن من يرغب في جمع شمل المواطنين في العراق و مد جسر بين قومياتها واديانها وطوائفها المختلفة، عليه بالضرورة أن يناضل في سبيل حكومة غير قومية و علمانية. إن تجربة الدولة العراقية منذ نشوئها ولحد الأن تدل على إن هذه الدولة لم تصبح دولة مستقرة، وقابلة للحياة والاستمرارية، بل إن كل حكوماتها وخصوصا بعد سقوط الملكية، تمارس العنف والإستبداد السافر في سبيل بقائها. التاريخ تكرر نفسه ولكن في هذه المرة بالمهزلة. إذ إن فرض دستور إسلامي طائفي وقومي، وتشكيل الحكومة والجيش والشرطة على هذا الأساس يهيئ أرضية مناسبة لأنعدام الامن والإستقرار. ولكن في الوقت الحاضر ونحن نعاني من إنعدام الامن والحرب الطائفية والارهابية ومن هجمات فرق الموت وعصابات التسليب، كيف يمكننا ان نوفر الامن للمواطن العراقي مع وجود حكومة غير قادرة حتى على ظهور قادتها ومع تفشي الميليشيات الطائيفية والارهابية. تبدأ هذه العملية في مناطق تواجد الناس اي محلات السكن واماكن العمل كالجامعات والمعامل والدوائر.... إن المحلات السكنية هي رقعة اولية لبداية العمل لتوفير الامن. إن مؤتمر حرية العراق وقوته المسلحة قوة الامان هو: منظم لحركة جماهيرية وهو جبهة إنسانية عريضة تبدأ تنظيماتها من بغداد وينتهي في اليابان وامريكا، وإن عمله اساسا لتنظيم صفوف الجماهير في سبيل توفير الامن والوقوف بوجه الصراع الطائفي البغيض، وفي سبيل طرد المحتل. أن توفير الامن في المحلات ومن ثم تطويره وتوسيعه على صعيد المدينة ومن ثم المدن هو أسلوب اوفر حظا في مرحلتنا الراهنة لأن توفير الامن وحماية حياة النساء والرجال والاطفال والمحلات وأمكان العمل هي الوسيلة والوحيدة لقطع دابر الارهاب والتسليب وفرق الموت وعصابات القتل الطائفي، وفي الوقت نفسه هي وسيلة لأدارة امور تلك المناطق من خلال أهالي المنطقة وممثليهم وإعادة ارادة المواطن وأعتباره الانساني اليه. إن المواطنين جربوا القوى المتسلطة على رقاب الجماهير خلال اربعة سنوات منصرمة. لا مجال للإنتظار رصوا ونظموا صفوفكم في الحزب الشيوعي العمالي العراقي و حول منشور وسياسات مؤتمر حرية العراق وإنضموا الى قوة الامان لتوفير الامن لعوائلكم وأطفالكم ولطلابكم ومؤسساتكم التعليمية والخدمية، وشكلوا قوة جماهيرية مسلحة جبارة لردع كافة الهجمات الرجعية الطائفية والقتل على اساس الهوية وفرق الموت. رصوا صفوفكم المليونية لطرد المحتل، وإزاحة هذه القوى المتسلطة على رقابكم.
#سامان_كريم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟