أزمة اليسار

رضي السماك

الحوار المتمدن-العدد: 553 - 2003 / 8 / 4 - 02:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

البحرين

منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أتحين الفرصة المناسبة للكتابة مجددا عن بعض الجوانب المستجدة المرتبطة بأزمة اليسار على مختلف الأصعدة العالمية ولاسيما العربية والمحلية منها، بما في ذلك ترابط أو تداخل هذه الأزمة بأزمات الحركات السياسية العربية عامة.
لكن لطالما حملتني قضايا الساعة اليومية الهامة محليا وعربيا وعالميا على ادراج هذا الموضوع في أجندة مفكرتي اليومية ضمن القضايا المؤجلة حينا بعد حين ريثما يتوافر المزاج الرائق والوقت المناسب للكتابة عن الموضوع بتأن وروية بما يسمح بتطوير أفكاره وعناصره في ضوء المزيد من التطورات والمستجدات. على ان محاضرة للزميل الدكتور حسن مدن بعنوان: "مهماتنا الراهنة" ألقاها مؤخرا في جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي تضمنت لماما وعلى نحو عرضي بعض الأفكار والرؤى الحيوية التي أراها تتصل بأزمة اليسار والحركات السياسية البحرينية حفزتني إلى ان أتناول مؤقتا بشكل سريع ومركز بعض عناصر وجوانب هذه المسألة على أن أعود للموضوع بشكل مفصل مستقبلا. من جملة القضايا التي تطرق اليها الصديق الدكتور مدن في ورقته القيمة وفي النقاش الثري مع الحاضرين ثمة ست إشكاليات متداخلة أحسبها هامة: 1 ــ هشاشة مؤسسات المجتمع المدني. 2 ــ خفوت الروح الكفاحية لدى القوى الوطنية. 3 ــ الاغتراب عن مشاكل الناس اليومية وابتعادها من نبضها وتحسس آلامها. 4 ــ عدم توافر الرموز القيادية الملتحمة بهؤلاء الناس. 5 ــ بروز ظاهرة الكسل النظري والفكري سواء كان ذلك لأسباب فنية إعلامية ومالية أم لغياب الكفاءات المتخصصة والكوادر المتفرغة للعمل الفكري والتنظيري. 6 ــ انعدام وجود القادة المتفرغين للعمل السياسي اللهم بعض الجمعيات. ومع ان جميع هذه الاشكاليات تمثل شكلا من أشكال أعراض الأزمة التي يعاني منها اليسار على المستوى المحلي والتي وفق المحاضر بوجه عام في تشخيصها الا انه يمكننا ان نضيف أن حجر الزاوية والجامع فيما بينها هو غياب المراجعة الفكرية السياسية المعمقة التي يمكن ان يبنى عليها برنامج واقعي جديد يلائم طبيعة المرحلة بكل تعقيداتها وخصوصياتها ويجذب أكبر شرائح ممكنة من المجتمع وبضمنها الشبيبة بمختلف فئاتها الاجتماعية.
فهشاشة مؤسسات المجتمع المدني لا يمكن أن تعالج بدون إعادة الروح للحركة السياسية والثقافية في المجتمع على قاعدة الوعي الوطني العصري فوق الفئوي والقبلي والطائفي، ولا يمكن ان يتحقق ذلك بدون عمل دؤوب لجذب ودفع الشبيبة للانخراط في الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني على حد سواء. ان ونجاح القوى الوطنية في مثل هذه المهام سواء فيما يتعلق بالشعارات والبرامج أم فيما يتعلق بجذب الشبيبة هو الذي يساهم بدوره في ايقاد جذوة الروح الكفاحية المشبعة بالتفاؤل والأمل المقترن بالاصرار على تحقيق التغيير والأحلام المنشودة. كما ان غياب الرموز القيادية في أوساط الجماهير هو نتيجة وليس سببا لضعف وأزمة اليسار إذ لا يمكن زرع قادة جدد أو قدامى في أوساط الناس في الوقت الذي يعاني فيه اليسار نفسه من أزمة مستحكمة على المستويين النظري والحركي. فكل هذه القضايا إما مترابطة واما هي افرازات منطقية لازمة أعم وأشمل، وحينما يتعافى اليسار منها ولو تدريجيا أو نسبيا فانه بالتلازم معها سينتج قادته الميدانيين وعلى وجه الخصوص الجدد الشباب ذوي الحيوية والطاقة الهائلة. ان تنشيط العمل الفكري والنظري ينبغي ان يتصدر المهام والتحديات التي تواجه اليسار وهو الاداة والمنطلق للتفرغ لحل كافة المهام والمشاكل الأخرى، فلا حركة سياسية ناجحة دون فكر سياسي علمي يرسم خطوطها ولا نعتقد ان الاعتبارات الفنية هي العائق الرئيسي في الكسل الفكري. ورغم تعود معظم الكوادر القيادية لقوانا السياسية على الكسل الفكري الا انها لا تتوانى عن اقحام نفسها في الجدل السياسي والاستقطابات في المواقف تجاه القضايا الداخلية والخارجية الحساسة والمعقدة وفق حسابات مزاجية مرتجلة فئوية أو حزبية أو أيديولوجية دون ان تتسلح فكريا وسياسيا وبتعمق في جوانب تلك القضايا ومستجداتها. مهما يكن فان ورقة د. حسن مدن يمكن تطويرها كأرضية صالحة لحوار موسع أعمق فيما بين قوى اليسار والحركة السياسية عامة وخاصة إذا ما تمكن ــ حسبما أشار هو نفسه ــ من اعادة صياغتها مقدما في ضوء ملاحظات ومداخلات الجمهور التي أثيرت في الندوة ومن ثم يمكن جعلها جزءا من مساهمة لورقة أعم مشتركة فيما بين مختلف القوى المعنية.

 

#رضي_السماك (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات