أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - وأخيرًا… -الملحدُ- يواجه الجمهور














المزيد.....

وأخيرًا… -الملحدُ- يواجه الجمهور


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 11:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


Facebook: @NaootOfficial
وقف رجلٌ ورفع إصبعه نحو السماء، وأشار إلى القمر، ثم سأل الناسَ المتحلّقين حوله: “ماذا ترون؟"، نظر الجميعُ إلى إصبع الرجل وقالوا: “نرى إصبعك"!
الطُرفة من الأدبيات الصينية. وهكذا نحن، كثيرًا ما نقعُ في هذا الفخّ الصغير. ننظرُ إلى "أداة الإشارة"، ونغفلُ "المُشارَ إليه". وهذا بالضبط ما حدث مع فيلم "الملحد”، تأليف المفكر الإصلاحي “إبراهيم عيسى”. حاول البعضُ قتل الفيلم، استباقًا، قبل أن يشاهده أحدٌ، وقبل أن تُفكِّك رموزَه وتُستخلص رسالتُه؛ لأنهم نظروا إلى: الإصبع/ أداة الإشارة/ عنوان الفيلم، وغفلوا، أو تغافلوا عمدًا، عن: القمر/ المُشار إليه/ مضمون الفيلم ورسالته.
لو كان الاسم وحده معيار الإدانة، لما نجا نصف التراث الإنساني، ولما ظهر للنور عشرات الأفلام تحمل كلمة “الشيطان” في عناوينها. ونجح "المُخرصون، المُخرسون، المُختصرون" حينًا من الدهر، ومُنع الفيلم سنواتٍ، بُحَّتْ خلالها أصواتُنا نقول ونكتب بديهة البداهات: "الفنُّ، يا جماعة الخير، لا يُحاكَم إلا في محكمة الفن! والكتابُ يا سادة لا يقرأ من عنوانه، بل بعد الانتهاء من آخر كلمة في آخر صفحاته.” لكن أحدًا لا يسمع.
إلى أن حسم القضاءُ المصري المثقف الجدل، وأطلق سراح الفيلم أخيرًا بحُكمٍ واعٍ باتٍّ، رفض دعاوى المطالبة بسحب ترخيص الفيلم، مؤكدًا في حيثياته أن العمل لا يتضمن أيَّ تحريض على الإلحاد أو مساس بالقيم الدينية، وأن حرية الإبداع المصونة دستوريًّا تعلو على الدعاوى التي لم تُقدّم دليلاً واحدًا على مزاعمها.
شاهدتُ الفيلمَ في العرض الخاص مع صُنّاعه ونُخبة من مثقفي مصر. وبالطبع لن أحرق أحداثَه ولن أُلخّصه. لأن تلخيص العمل الفني في نظري جريمة قتل عمدي للإبداع. الفنون والإبداع خُلقت لتُشاهَد وتُقرأ، لا لتُختزل. وعلى كل حال الفيلم سوف يُعرض في جميع دور العرض بعد أيام قليلة بدءًا من ليلة رأس السنة ٣١ ديسمبر، ليكون بمثابة هدية العام الجديد ٢٠٢٦. لكن بوسعي أن أقول إن الفيلم يناقش ظاهرة موجودة بالفعل في مجتمعاتنا، مهما دفنا الرؤوسَ في الرمال، ومهما تغافلنا وتعامينا عن تأملها وتحليلها. ظاهرة "الإلحاد". الفيلم يدفعك لتأمل: “السبب" قبل أن تُدين "النتيجة". قبل أن نحمل رماحَنا وسيوفَنا لنُثخن صدور الملحدين بالجراح والتنكيل، علينا أن نفتش عن المتسبب في إلحادهم، وخروجهم من منظومة الإيمان، نحو فضاء المجهول. الفيلم لا يُروِّج للإلحاد كما زعم بسطاءُ الفكر، بل يناقش منطلقاته، مساراته، سياقاته الأسرية، أسبابه النفسية والفكرية، وعلاقته بالتطرف الديني. الفيلم يحاول تفكيك تلك الظاهرة، لكي نضعها على طاولة التشريح تحت مجهر التأمل والتفكيك، بدلا من دفنها في مقبرة الصمت.
فتصوروا مدى السذاجة في مهاجمة فيلم إصلاحي يودُّ حلَّ معضلة لم يحلّها العنفُ والترويعُ، بل ربما تسبّب فيها؟! هاجمنا فيلمًا أراد أن يفهم، ونفهم معه، لماذا يصل بعض الشباب إلى حافة الرفض، واليأس، والقطيعة مع العالم، بدل أن نسأل أنفسنا: كيف وصلوا إلى هناك؟! لماذا؟ لأننا نخاف من "تشخيص المرض" أكثر مما نخاف المرض نفسه. نُفضِّلُ أن نعيش حالة الإنكار، لأنها أسهل من الاعتراف بالمشكلة وتأملها. الفن لا يخلق الظواهرَ، بل يكشفُها. لا يزرعُ الأزمات، بل يسلّط الضوء عليها. والضوءُ مزعجٌ لأنه يكشفُ الغبار، ويفضحُ التشققاتِ في جدران كنا نظنُّها صلبة. ولهذا يُخاف منه، يُحارَب ويُطعن، بدلا من أن يُرحّب به. لصالح مَن نبني مجتمعًا يحاكم الأفكار، ويدفنها قبل أن تولد، بدلا من الترحيب بها ومناقشتها حتى تثرى العقول؟ السؤال الذي علينا مواجهته بعد مشاهدة الفيلم هو: هل نريد ثقافة تقرأ، أم ثقافة تصرخ؟ هل نريد وعيًا يتشكّل بالحوار، أم يقينًا يتصلّب بالذعر والقمع والنفاق؟ بعدما نشاهد الفيلم سنعرف أن الإصبع الذي يُشيرُ ليس خطرًا، والقمرَ المُشارَ إليه لن يسقط فوق رؤوسنا إذا أحسنّا النظرَ إليه وتأمله.
تحية احترام للمفكر الكبير: “إبراهيم عيسى" على هذا الفيلم الجميل الذي سيكون بمثابة الضلع الثالث في مثلث: “الضيف- صاحب المقام- الملحد". وتحية احترام للنجوم الكبار صنّاع الفيلم وضيوف الشرف: “أحمد حاتم- صابرين- محمود حميدة- حسين فهمي- شيرين رضا- أحمد السلكاوي- نجلاء بدر- تارا عماد- دُرّة، والمخرج "محمد العدل"، والمنتج "أحمد السبكي".
أجملُ رسالة قدّمها الفيلم أشرقتْ في نهايته. اختُتم الفيلمُ بعبارة: "اللهُ أكبر". الله أكبرُ وأجملُ من جميع تصوراتنا عنه. اللهُ أكبرُ وأجملُ من محاولات المتطرفين تشويه كلمته بغلاظة قلوبهم وتجهم ملامحهم وبلادة فكرهم. اللهُ أكبرُ وأجملُ من أن يُحاصَر في خطاب، أو يُستعمَل عصًا لإفزاع البشر. اللهُ أكبرُ من خوفنا منه، وأقربُ إلينا من كل من ادّعى أنه وكيله على الأرض. اللهُ أكبرُ، وكفى.


***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الظهير الشعبي للعظماء
- “الشيخ والفيلسوف-… حوارٌ على الحافّة
- -يسرا اللوزي-… درسٌ هادئٌ في الحضارة
- -محمد صبحي-… والمُخرِصون!
- المعلّمة الجميلة!
- على هامش -الدهشة-!
- -صبحي-… المايسترو يشرقُ في -الأمم المتحدة-
- -أم كلثوم-… المسرحُ في أَوجِه
- أندهشُ … حين لا أندهشُ
- “فيروز-… ما نجا منّا
- الجميلة -حور محمد-… وجهُ الشمس
- سلفيون … ولاهون… وبينهما متحف!
- الفارسةُ … -يسرا-
- على أبواب المتحف… كلُّنا مصر
- مصرُ… التي من أجلها تُشرقُ الشمسُ
- توقيع -فاروق حسني-... على جدارية التاريخ
- التوحُّد… ثمارٌ وراءها ألمٌ
- -ولنا في الخيال حبٌّ-… السينما في أَوْجِها
- -الجونة- … وطنُ الجمال والفن
- أكتوبر … فصلُ الأمجاد المصرية


المزيد.....




- مطالب فرض الشريعة.. كيف روجت حسابات يمينية مشاهد مضللة للتحر ...
- اعتقال 125 شخصا في تركيا يشتبه بانتمائهم لتنظيم -الدولة الإس ...
- تركيا: عملية أمنية كبيرة تستهدف تنظيم -الدولة الإسلامية-
- تركيا: اعتقال العشرات في إسطنبول وفي عدة محافظات يشتبه بانتم ...
- -الانتقالي- يحمّل العليمي والإخوان مسؤولية ما جرى في المكلا ...
- العميد -أحمد وحيدي- يتولى منصب نائب القائد العام لحرس الثورة ...
- تعيين العميد -أحمد وحيدي- نائبًا للقائد العام لحرس الثورة ال ...
- كتاب -استمرارية الشريعة-.. كيف تعامل الفقهاء مع القوانين الج ...
- باحثون فلسطينيون ومغاربة يقاربون الأبعاد الروحية والإنسانية ...
- حين لا يجد المسلمون مكانهم الأخير.. الدفن اختبار الاندماج في ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - وأخيرًا… -الملحدُ- يواجه الجمهور