|
هل كان المغاربة واعون بهويتهم ؟
محمد الزيري
الحوار المتمدن-العدد: 1844 - 2007 / 3 / 4 - 06:13
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
كان الاستعمار وهو يتقدم على طريق التوسع المادي و الرمزي، ملزم باستبدال و تزوير المفاهيم و الأشكال المبررة لحضوره ببلد المغرب وهو كل ذلك قد ظل مصرا على أن تبقى الهوية بكل مقوماتها الدينية و اللغوية و الثقافية هي الطريقة الوحيدة لتجديد و جوده و ضمان استمرار يته إدراكا منه بمكانتها لدى المغاربة ووعيا منه بالقيمة التي تحضي بها الهوية في التجربة التاريخية للمغرب رغم كونها حديثة. لكن طرحت كثيرا لدى المغرب باستحضار تراثهم ثقافتهم المستمدة من الدين الإسلامي ليس بغرض تأكيد مكتسبات الماضي و التفكير في الحاضر و حسب بل من اجل صياغة حلول للتحديات التي تداهم ذاته باستمرار، و من هذا المنطلق يمكننا أن نتساءل هل اتيح للحركة الوطنية أفق آخر عبر الاستجابة الوجدانية و أحيانا الأسطورية للوضع الذي آلت إليه هوية المغاربة و شخصيتهم التاريخية؟ يمكن القول أن المغرب بدا ضعيفا من حيث مركزه الدولي لحظة اصطدامه بالظاهرة الاستعمارية لم يكن بمقدور الحركة الوطنية و هي تقاوم الاحتلال غير استعمال السلاح الديني و اللغوي من اجل ترسيخ اكتر للهوية العربية لدى المغاربة و كذلك مجابهة ثقافة الغرب التي مافتئ المستعمر يرمي بضلاله على المغرب و خصوصا على شبابه الذي يعيش حالة من الاستلاب ما بين الغرب الذي كان يرى فيه رمز التقدم و الانفتاح و العرب رمز التأخر و التخلف، لكن هذا لم يزد المغاربة إلا إصرارا على المقاومة بكل الوسائل التي كانت في الإمـكان أنداك، و الحركة الوطنية ظلت تعي الاستعمار باعتباره إجهازا على ألانا العربي الإسلامي و ليس محصلة لتطور منظومة بدأت تتكون مقوماتها منذ القرن 18 فالمغرب المنتمي أيديولوجيا و ثقافيا إلى دار الإسلام لم يشذ عن طبيعة تعاملهم مع التراث و حكمت طرق توظيفهم لمقوماته7. فالهوية التي هي بتعبير ما تلك الشخصية التي تميز الكائن و تعطيه أصالته قد ننظر إليها كوجود ثابت و ليس صيرورة أو كينونة قادرة على التفاعل مع الإنسان المغربي. و سيقع اللجوء إلى الهوية عند المغاربة كلما جد شكل من أشكال التحدي الخارجي سيما خلال مرحلة المقاومة من اجل الاستقلال، حيث كان عليها أن تستند إلى تراث مكتوب قادر على مواجهة الفكر المقابل أي الفكر الاستعماري، فبأي معنى وقع توظيف هذه الهوية التي توحد المغرب من حيث الانتماء ؟8 لقد شكل المساس بالهوية محورا استراتيجيا للدول الاستعمارية بالمغرب و مواجهة سياستها في التوسع و الانتشار. و فرنسا في إجهازها على مقومات الشخصية المغربية لم تقدر مكانة الإسلام في صيرورة الإنسان المغربي و تكون عناصر وجوده من قيم و لغة و دين و ثقافة. صحيح ان اختراق ماهو رمزي لم يكن الهدف الوحيد لدى بناة الاستعمار، بل كان الهدف الأكبر هو الوصول إلى إدماج اقتصادي سياسي و ثقافي و إلا بماذا نفسر ذلك السيل من الكتابات التي كونت ما أصبح يسمى ب" الاسطوغارفيا الاستعمارية" لقد مس المغاربة في إسلامهم، وهذا ما يبرر تمسكهم العميق و المتواصل بكل ما يعتبر مقوم من مقومات انتمائهم الديني و الحضاري و أيضا هذا ما يأكد ذلك التداخل و التكامل بين العروبة و الإسلام. فالدفاع عن الهوية المغربية الذي يعني بشكل أخر الدعوة إلى صيانة الإسلام و مكوناته، سيصبح في صلب الشروط المفروزة للنخب المغربية العائدة للعمل السياسي، كما يتصدر الأوليات المؤطرة لخطاب الحركة الوطنية تحديدا عند بروزها كإطارات مهيكلة و منظمة من الناحية النظرية و الأيديولوجية كما أن الإقرار بطليعة العامل الديني في تشكيل التفكير المناهض للاحتلال ساهم و بشكل كبير في الرفع من مستوى وعي المغاربة لهويتهم و ضرورة الدفاع عنها. فالمغرب الذي ادمج بنظام الرأسمالي بفعل السياسات التي أقرتها الاستراتيجية الاستعمارية منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر قد أصبح يعايش غداة الحرب الأولى أوضاع مزرية، سوءا على الصعيد الاقتصادي و الاجتماعي أو على مستوى نظمه التعليمية والمعرفية و الثقافية، الواقع الذي تفسره تلك الحركات المتزايدة و المتصاعدة من الاستياء الذي شمل مجمل شرائح المجتمعات المغربية شارك بشكل عفوي و تطور بكيفية منظمة و مؤطرة. إذن ما درجة الوعي بالهوية عند المغاربة ؟ لقد كان الإجهاز على اللغة العربية في صلب استراتيجية الاحتلال، فقد حظي الإسرار على رد الاعتبار إليها بأهمية خاصة لدى الحركة الوطنية و نخبها السياسية، الأمر الذي تمسكت و ناضلت من اجله كل شرائح المجتمع. لقد اعتبروا وضعية اللغة العربية مؤشرا ذالا على مدى ارتباط الإنسان المغربي بمصادر انتماءه العربي الإسلامي و قدرته على التشبث بهذا الانتماء و دفاع عن مشروعيته لذلك حاولت الفئة المثقفة من المجتمع الكشف عن سياسات فرنسا في مجال تهميش اللغة ألام و التقليل من قيمتها كما اتخذوا تصورات التي حكمت تعامل الاستعمار مع نظام التعليم و فروعه من مختلف دول المغرب العربي، وهذا يعني أن شريحة واسعة من المجتمع المغربي كانت واعية بهويتها العربية الإسلامية، الشيء الذي جعلها تقف كحائط أمام طمس هذه الهوية من طرف المستعمر، و إذا ما رجعنا إلى مناقشة أسباب تفكير المستعمر في الإجهاز على اللغة العربية نجد أنها كانت محدودة الانتشار داخل مختلف مكونات المجتمع المغربي بل و عدم مواكبتها شكلا و مضمونا للتطورات الحاصلة في حقل العلوم المعاصرة، و على أساس هذا الوعي أصبح لازما التفكير في الانفتاح على لغات أخرى و بالتالي على ثقافات مغايرة و هذا يعني أن المجتمع المغربي منذ الثلاثينيات أصبح يعي بشكل كبير بهويته العربية الإسلامية، و بالتالي فالتحدي الذي حدد الاستعمار أهدافه في استغلال ثروات المغرب و إدماج اقتصادياته و في تفكيك نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية و أيضا في المس بمقومات هويته و طمس معالم شخصيته العربية السلامية، لم يكن من اليسير أن يتحقق دون استجابة و ردود فعل أولا، و المقاومة و النضالات لاحقا. و تلك حقيقة مطابقة و منسجمة مع تجربة المغرب التاريخية فالمغرب لما استيقظ لم يجد بديلا عن استراتيجية التمسك بالتراث و الهوية وتعبئة مقوماته ليغدوا قادرا على التحسيس بواقع الاستعمار و الوعي بضرورة تجاوزه و في هذا لم يخرج عن الإشكالية العامة التي حكمت التجربة العربية ككل و أطرت فكرها الحديث و المعاصر. و لذلك كان بعد انفصال الهوية في صلب النضال الوطني العربي و في جذور تشكيل وعي نخب فكرية و سياسية و ثقافية مغربية، فتأسيسا على هذا الواقع يمكن القول إن المغرب تلقى جرح الاستعمار كإجهاز على "ألانا" و كمس لمقومات شخصيته التاريخية فقدم ككافر حق فيه الجهاد. إن مناهضة الاستعمار عبر التمسك بالهوية والدفاع عن مقوماتها، وكذا مصالحة فرنسا بإنجاز الإصلاحات التي تعهدت بها لحظة دخولها بلدان المغرب لم يقتصر على النضالات القطرية للحركات الوطنية بل اكتسب طابع التنسيق الجماعي و العمل المشترك بين مختلف أفكار المغرب العربي، لذلك شكلت الدعوة إلى العمل المشترك لحظة متطورة في صيرورة الوعي الجماعي بالظاهرة الاستعمارية و أصبح التفكير في توظيف فكرة المغرب العربي و استثمار نتائجها لتنشيط دينامية النضال الوطني سواء في مجال التعريف بقضية الاستعمار و توعية الرأي العام القومي الإسلامي و الدولي بخطورة الاحتلال أو على صعيد التقريب بين رؤى المجتمع المغربي ودعم مطالب حركته الوطنية، لقد كان من الحتمي على الشروط التاريخية التي حكمت وعي هذه الحقبة ووجهت ممارسة طرفيها في الصراع "فرنسا المغرب" أن تتغير بفعل توترات مست الظاهرة الاستعمارية و المجتمعات المغربية على حد سواء. و هي توترات وضعت الاستعمار و إيديولوجيته على طرف النقيض مع الاتجاه التاريخي نحو تحرر هذه البلدان كما نقلت دينامية النضال المغربي من مرحلة الدفاع عن الهوية و المطالبة بالإصلاحات ضمن دولة الاحتلال إلى نبذ هذا الأخر و إعدامه و القطيعة معه، و ذلك بإعلان الاستقلال و التحرر و تقديمه شعار سياسيا و نضاليا9. لعل اللذين عاصروا الحركة الوطنية لم يتوقعوا أن يأتي يوم تصبح فيه الهوية المغربية مطروحة للنقاش أو موضوعة في الميزان إذ أنهم اقتنعوا وسلموا بأن الهوية المغربية من المسلمات التي لا جدال فيها. و الثوابت التي لا خلاف عنها فهي هوية راسخة من قديم الزمان ضاربة في صميم التاريخ ، قد يكون الأمر كذلك لكن ليس معناه أن الهوية لم تعرف تحديات في الماضي البعيد أو الماضي القريب ، غير أن هذه التحديات تختلف باختلاف الظروف و الوضعيات. فقد كانت بالأمس عاملا في تقوية الهوية المغربية و سببا مباشرا من أسباب تماسكها و من أمثلة ذلك التحدي الذي عرفه المغرب عندما أصبح بين عدوان الابيرين و سلطان العثمانيين، فقد زاد ذلك التحدي المغاربة صمودا و ثباتا ووحدة و انسجاما و كذلك كان الشأن لما ظهرت القوى الاستعمارية الأوروبية فقد كان موقف المغرب أمام ذلك التحدي الذي تعرض له العالم الإسلامي بأسره يدل على خصوصية الهوية المغربية التي تمكنت من تأخير السيطرة الاستعمارية بشتى الأساليب، و كان منها إغلاق الباب في وجه التجارة الخارجية مدة غير قصيرة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع رصيد الهوية المغربية من التميز و من التفرد و من العزلة و الانغلاق أيضا. لقد كان الإحساس بالهوية المغربية في حقبة الحركة الوطنية قويا في نفوس المغاربة و غالبا على مشاعرهم، وقد تجلى ذلك في إنشاء مجلة " الرسالة المغربية" و مجلة "الثقافة المغربية" اللتين أصبحتا منبرا للكتابات التي تعبر عن الهوية المغربية عموما و الهوية الثقافية خصوصا. وقد ساهمت التحديات التي كانت مفروضة على المغاربة آنذاك في التعاطي مع هذين المجلتين بشكل ايجابي بحيث تجد الإجابة على كل التحديات التي تواجه الهوية المغربية خاصة منها تلك التي حاول فيها الاحتلال خلق هوية غريبة ذات مفاهيم و قيم أخرى هجينة يختلط فيها المغربي و الغربي بصورة عشوائية و تغيب فيها مقومات الشخصية المغربية الأصيلة كما يجب أن تكون و كما اعتادت أن تكون محصنة بقيمها الأصيلة الصحيحة التي تقف في وجه كل التحديات و تفرض وجودها10. لقد أثمرت خطة العمل التي سارت عليها الحركة الوطنية المغربية الالتحام التام بين جميع شرائح المجتمع من عرب و أمازيغ، و الابتعاد عن مظاهر الانحراف العقائدي و الفكري و الاجتماعي و تحقق أيضا الارتباط العضوي بين المغرب و البلدان العربية و الإسلامية في إطار الأخوة الإسلامية فكانت أصداء الحركة الوطنية المغربية تتردد في شتى أقطار المغرب العربي و الإسلامي، وتجاوب مع الحركات التحررية العربية الإسلامية. و بهذه المنهجية الوطنية تغلبت الحركة الوطنية المغربية على عوامل الإحباط و انتصرت على الاستعمار و سياسته التغريبية ، و استطاعت أن تصون الهوية المغربية صيانة كاملة ، وان تحفظها من التشويه حفاظا تاما لقد كان العمل من اجل الحرية و الاستقلال جزءا لا يتجزأ من العمل في سبيل الحفاظ على الهوية المغربية و كان العمل في مجالات التربية و التعليم و الثقافة و الصحافة و النشاط الاقتصادي و الاجتماعي مظهر من مظاهر الحفاظ على هذه الهوية و ترسيخها و تعبيرا عن التمسك بالشخصية الوطنية المغربية ، وقد عملت الحركة الوطنية المستحيل من اجل الحفاظ على الهوية المغربية و حتى يبقى الشعب حرا طليقا في مغربه، ومن اجل ذلك كان المستعمر يعمد إلى التضييق على الشعب المغربي و الضغط عليه . و النيل من حقوقه بل و انتهاك هذه الحقوق و المساس بها ليفقد الشعب تماسكه و توازنه و يخسر معركة الحفاظ على الذاتية و الهوية المغربية الإسلامية11. لقد كان النصر الذي حققته الحركة الوطنية بالحصول على الاستقلال تعبيرا عن انهيار التجربة الاستعمارية التي كانت تراهن على محور الهوية المغربية و تقوم على اقتلاع دعائم الشخصية الوطنية وهو الأمر الذي دعا إلى الصبر و الكفاح من اجل الدفاع على الهوية و مواصلة العمل الوطني في عهد الاستقلال و من اجل أن تبقى هذه الهوية في مأمن من عوامل التأثير السلبي إن من خصائص الهوية المغربية التفتح و المروءة و الثقافة و عدم الانغلاق فهي هوية تقبل التفاعل و التحاور و التعايش مع الثقافات و الحضارات، ولكن هذا لا يعني استعدادها للانصهار في أية بوتقة تنمحي فيها عناصرها الذاتية. إن استقلال المغرب لم يكن نهاية الحركة الوطنية بل على العكس من ذلك تضاعفت الأعباء وزادت المسئوليات لبناء الدولة المغربية. إذا كان التفكير متجها لدينا متجها إلى المستقبل فان الذات التي سيكون عليها أن تواجه الاحتلال و التحديات المفروضة عليها، يجب أن تكون ذات تعي بهويتها المغربية متشعبة بقيم العروبة و الإسلام12. و إلى هنا يمكن اعتبار الهوية المغربية من ناحية أولى هي حصيلة التفاعل القائم منذ عشرات القرون بين سائر العناصر و المكونات البشرية و ما نشأ بينها من تلاحم و تمازج في الدين و اللغة ألام و الدم و الأرض و التاريخ الخ... ، بحيث يستحيل فصل أي عنصر أو مكون منها عن غيره و إفراده بنفسه، وضرورة العمل على استمرار هذا التلاحم و الدفع بها إلى أقصى مدة لمواجهة تحديات المستقبل و التصدي لكل الأفكار الرجعية التي يمكن أن تهدد هوية المغرب و وحدته. و من ناحية أخرى فان هوية المغرب لا تكتمل خصائصها و شروطها و تتضح ملامحها إلا بوضعها في سياقها الحقيقي، وهو كون المغرب جزء لا يتجزأ من الخريطة العربية الإسلامية و بالتالي فان هويته لا يمكن تصورها خارج هذا الإطار العربي الإسلامي و هذا لا ينفي بالطبع لبلاد المغرب من خصوصيات تتميز بها عن باقية الأقطار العربية، كما لا ينفي أيضا ما في هذه الخصوصيات من ملامح افريقية و إنسانية عامة و لا يلغي من الحسبان الموقع الجغرافي المتميز للمغرب و علاقته التاريخية و الثقافية و الاقتصادية مع الدول المجاورة، و هنا نستحضر قولة انفرد بها محمد حسن الوزاني في مذكراته فصلا للحديث عن الهوية المغربية جاء فيها، "للمغرب شخصية بارزة منذ أقدم العصور خلدها له التاريخ و عملت على تقويتها و صيانتها جميع الدول التي تعاقبت فيه على الحكم (....) و ما ترتكز عليه الشخصية المغربية من حرية فطرية حتى إن المغاربة سموا أنفسهم منذ القدم" الامازيغ" أي الأحرار و هذه الحرية المتأصلة في أعماق النفس المغربية قد خلقت فيها غرائز هي الأنفة و الشهامة و التضحية في سبيل الحياة الحرة الشريفة فوق ارض حرة مانعة تهون في سبيلها كل التضحيات"13.يمكن أن نستخلص من هذه القولة أن روح الحضارة التي تطبع حياة الفرد و المجتمع متغلغلة في النفس المغربية حتى جعل من المغاربة جنود الله الغالب برا و بحرا، و أن خطاب الوطنية هو خطاب التمايز عن الأجنبي المحتمل و صرخة في وجهه و سعي إلى تأكيد ألذات بكل وسيلة وسبيل . و تأكيد إثبات الوجود الشخصي بإظهار المقاومة و الاحتجاج، لقد ظلت خطابات الوطنية المغربية منذ عهد بعيد تنادي بالحفاظ على الهوية المغربية و الاستماتة من اجل أن تحيى و يتصل و جودها بالأجيال القادمة، و ذلك وعيا منها بخطورة خطابات المستعمر الذي حاول في أكثر من مرة محو هذه الهوية و إحلال قيم و أخلاق لا تمت للعروبة بشيء إذا صح القول أن أفضل دليل على وجود الهوية المغربية و وعيهم بها هو و جود من يعترض عليها و يشكك في قيمها، و أعظم برهان على حيوية الهوية و فاعليتها هو تعرضها للمعارضة و التحدي، هذا دليل على أن الهوية المغربية قدمت الأدلة على وجودها و البراهين على حيويتها و فاعليتها في التاريخ. قد كتب المؤرخ العميد شارل اتدري جوليان عن الهوية المغربية قال: " كلما أمعنت النظر في المشكلات المغاربية، ازددت اقتناعا بأنه إذا كان الغزو و الاستغلال الاستعماريين قد تم الإحساس بهما بمرارة شديدة فان ما حدت من ردود الفعل لا يستطيع أن يرقى إلى مستوى الحمية التي كانت تحرك المغاربة في دفاعهم عن هويتهم و في انتصارهم لكرامة الرجال الأحرار فيه" و الحق أن ملاحظة المؤرخ ضاربة في التاريخ المغربي فالحدث الاستعماري البرتغالي للشواطئ المغربية في أول القرن الخامس عشر كان الامتحان الأول للوجود المغربي أمة، دولة و مجتمعا، و الانتصار عليه كان برهان كافيا على قوة ذلك الوجود المغربي. ثم إن الإحداث الكبرى في التاريخ المغربي لا تشير في اتجاه تأكيد هذا الوجود فاحتلال وجدة وضرب الدار البيضاء و الشاوية في سنة واحدة ثم التمكن من تحريرها في وقت يسير اكبر دليل على وجود الهوية المغربية و وعي المغاربة بها. ونجد اكبر أشكال التحرش بالهوية المغربية و اخطر اختبار تعرض لها هو ما يعرف في التاريخ المغربي المعاصر بظهير 30ماي1930 " الظهير البربري" كان هدفه هو فصل الشعب المغربي إلى قبائل حيت يسهل اختراقه و أن تفرغ الهوية المغربية ذاتها من محتواها. لقد أرادت الإيديولوجية الاستعمارية أن تكون محاولة الظهير البربري قنبلة تفجر الهوية المغربية و تقتلها من أساسها، لكن العكس هو ما توقعته قوة الاحتلال، فقد كانت هذه تجربة ولادة جديدة للهوية المغربية. إن الفشل الذي منيت به السياسات الاستعمارية بالمغرب ليس مصدره عثاقة العرف و التقاليد الذي بلغه المجتمع المغربي و حسب و لكن مرده إلى الوحدة الوطنية التي مثل الإسلام دورا تاريخيا مركزيا،و إن هذا الفشل قد لا يرجع إلى طبيعة الأسس التي حكمت سياسات فرنسا تجاه مشكلة الاستعمار و حسب بل يرد كذلك إلى خصوصية التجربة التاريخية المغربية التي يشكل التمسك بالأرض و مقاومة التدخل الأجنبي عناصرها القوية و الفاعلة في دينامية استمرار و تطور مجتمعنا المغربي.
#محمد_الزيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحديات التي واجهت الهوية المغربية
-
الهوية عند الحركة الوطنية المغربية
-
المسار التاريخي للجمعية المغربية للحقوق الانسان
-
مفاهيم حقوق الإنسان في جدلية الكوني والخصوصي
-
العمل الجمعوي بالمغرب واقع و افاق
-
العمل الجمعوي و رهانات التنمية
-
الشباب المغربي و العمل السياسي
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|