من استمع الى الرئيس جورج دبليو بوش وهو يؤدي القسم الامبريالي أمام اريئيل شارون في المؤتمر الصحفي ويكرر التزام الولايات المتحدة الامريكية بصيانة أمن اسرائيل يخال بأن دولة اسرائيل حمل وديع مهددة بالخطر وبالافتراس من ذئب العدوان والاحتلال الفلسطيني!! وان رئيس حكومة اليمين الاسرائيلية، اريئيل شارون، جاء للاستنجاد بخيمة الأمن الامريكي!!
إنّ ترديد قسم الدعم اللامحدود لحماية أمن سياسة العدوان الاسرائلية وتطوير طاقتها وقدراتها العسكرية التي يطلقها رؤساء وادارات الامبريالية الامريكية، واليوم بوش، تنطوي على عدة اهداف من حيث مدلولها السياسي. فالهدف الاول ابراز المستوى المتميز لعلاقات الولايات المتحدة مع اسرائيل الذي وصل الى درجة تحالف استراتيجي ومصالح استراتيجية مشتركة تربطهما في تحديد الموقف من قضايا الصراع في المنطقة وكونيًا. والهدف الثاني، الاستفادة من إبراز الدعم الأمني الاستراتيجي لاسرائيل في كسب ود ودعم وتأييد اللوبي الصهيوني اليهودي في الولايات المتحدة ماديًا وإعلاميًا والكتوراليا للادارة الامريكية وللرئيس في المعركة الانتخابية. والانتخابات للرئاسة والكونغرس الامريكي أصبحت على الأبواب. والهدف الثالث ان ترديد القسم بصيانة امن اسرائيل يعكس بعض جوانب ما اتفق عليه في الخفاء بين مسؤولين امريكيين واسرائيليين، بين بوش وشارون، ولا يجري الاعلان عنه، وعادة ما يكون زحزحة حكومة اسرائيل، شارون، عن مواقف متعنتة، وتحت مكبس الضغط الامريكي، وبشكل يخدم مصلحة استراتيجية العدوان الامريكية - الاسرائيلية والسياسة الخارجية الامريكية من وجهة النظر الامريكية.
ومثل هذا المدخل، الخلفية الى حد ما، يساعد كثيرًا على ادراك البعد السياسي الحقيقي لما توصل اليه بوش وشارون في محادثاتهما يوم الثلاثاء الماضي، وما أشارا اليه من مواقف في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد انتهاء لقائهما.
إن أخطر ما تمخض عنه هذا اللقاء وبين بوش وشارون هو انسجام الموقف بينهما، الاتفاق التام بينهما، حول تحديد نقطة الانطلاق، القضية المحورية في شبكة المتناقضات، التي يقود حلها ومعالجتها جذريًا الى تقدم جدي في تطبيق خارطة الطريق وتسوية الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني سياسيًا! والقضية المحورية، مصدر المصائب والصراع والدماء النازفة، من وجهة نظر ارباب التضليل وخلط الأوراق - بوش وشارون - هي "الارهاب الفلسطيني"!! فالقضاء على الارهاب الفلسطيني ومنظماته وبنيته يضمن السلام والأمن والاستقرار، حسب رأي ومزاعم بوش وشارون، قادة الارهاب المنظم والمعولم منطقيًا وكونيًا!! ففي المؤتمر الصحفي المذكور، وفي كلمته المقتضبة، اكد جورج دبليو بوش بوقاحة سياسية تضليلية سافرة "أن العقبة الأساسية التي تعترض طريق السلام هي الارهاب الفلسطيني"!! وبناء على ذلك فقد توجه بوش مطالبًا السلطة الفلسطينية بالإملاء التالي "يجب على السلطة الفلسطينية ان تقوم بعمليات مستمرة وهادفة وفعالة لمواجهة اولئك الذين يشاركون في الارهاب وتفكيك القدرات الارهابية والبنية الأساسية"!! أي ان بوش يحتضن ويردد موقف شارون وحكومته اليمينية الكارثية.
إن الحظر في هذا الموقف من حيث مدلوله السياسي لا يقتصر على تغريب وتجاهل حقيقة وجود احتلال اسرائيلي غاشم للمناطق المحتلة وتنكر اسرائيلي رسمي لثوابت الحقوق الشرعية الفلسطينية المسنودة بقرارات الشرعية الدولية، وان الاحتلال والاستيطان الكولونيالي للأراضي الفلسطينية، لوطن الشعب الفلسطيني المحتل منذ 1967، وما يمارسه من ارهاب دولة منظم وجرائم ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني هو مصدر الآلام والعقبة الأساسية في طريق توفير السلام والأمن والاستقرار لكلا الشعبين، وان المقاومة الفلسطينية للمحتلين هي رد فعل على وجود وممارسات الاحتلال، وهي حق شرعي وانساني ما دام الاحتلال جاثمًا على صدر الارض الفسطينية والشعب الفلسطيني، هذا مع تأكيدنا على ادانتنا للارهاب الذي يستهدف قتل المدنيين من الناس الأبرياء اليهود والعرب. الخطر لا يقتصر على هذا الأمر فحسب، فمثل هذا التحديد يزود الجلاد، المحتل بشهادة البراءة من جميع الجرائم التي يرتكبها في المناطق الفلسطينية من احتلال واستيطان ومجازر وهدم وتدمير، يقدم التبريرات وشرعنة المصداقية للاحتلال ولجرائم المحتلين وتصويرها وكأنها اجراءات وقائية لحماية الامن الاسرائيلي.
وبموجب هذه الفرضية التضليلية، التي يطرحها بوش وشارون، والتي تعتبر الارهاب الفلسطيني العقبة الرئيسية في الطريق الى التسوية السلمية وأساس البلاء، يلجأ شارون وحكومته وبدعم من ادارة بوش الى المراوغة في تطبيق صارم لخارطة الطريق وتبرير العقبات الاسرائيلية التي تطرحها في طريق خارطة الطريق.
وهذا ما برز في الموقف من القضايا المختلف عليها مع السلطة الشرعية الفلسطينية والتي تشملها خارطة الطريق. ففي الموقف من جدار العزل العنصري الذي ينهب مئات ألوف الدونمات الفليطينية ويحول قرى ومناطق بكاملها الى جيتوات معزولة عن محيطها الفلسطيني ويعزل مزارعين فلسطينيين عن اراضيهم، ففي الموقف من هذا الجدار حاول شارون التقليل من اثاره وتصويره بأنه مجرد سياج جاء لخدمة الحاجة الامنية الاسرائيلية. وعمليًا يؤلف هذا الجدار الابرتهايدي شكلاً من أشكال الاستيطان العسكري الكولونيالي الذي جاء لفرض سياسة الأمر الواقع الاحتلالية وتقزيم حق وحدود السيادة الاقليمية السياسية للدولة الفلسطينية العتيدة. فحتى الآن تم بناء المرحلة الاولى من الجدار على طول (128)كم من قرية سالم قرب جنين حتى الكنا وجدار التفافي حول القدس بطول (21)كم. وقد انضم لحماية هذا الجدار من "حرس الحدود" وحسب اقوال ضابط عسكري رفيع المستوى "انظر: "يديعوت احرونوت" 28/7/2003) فإن الجيش الاسرائيلي "يستعد لإقامة 21 معسكر جيش في نقاط متعددة من الجدار، الى جانب عشر نقاط مراقبة واقامة حواجز طبيعية ونقاط مخابراتية وكاميرات تصوير..". وإذا ما واصلت حكومة اليمين الشارونية بناء الجدار العازل فإن ذلك يعني تقطيع أوصال التواصل والوحدة الاقليمية لأراضي الضفة الغربية وبشكل يهدد اقامة دولة مستقلة على جميع الاراضي المحتلة ويكشف حقيقة ان الدولة التي يخطط شارون للموافقة عليها لا تعدو كونها كيانًا هشًا من كانتونات يفصل فيما بينها المستوطنات والطرق الالتفاقية.
ولتضليل الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية وامتصاص النقمة والمعارضة الفلسطينية والعربية والعالمية لبناء الجدار الذي يهدد بنسف جهود التسوية وخارطة الطريق "يكرم" شارون على الفلسطينيين بحبوب مخدرات ومهدئات، ففي المؤتمر الصحفي يطمئن شارون بتأكيده "انه تعهد لبوش بأن يبذل قصارى جهده لضمان تقليل آثار هذا الجدار الى الحد الأدنى على حياة الفلسطينيين"!!
اما بوش الذي قال عن الجدار اثناء لقائه رئيس الحكومة الفلسطينية، محمود عباس، انه مشكلة، فلم يتطرق للجدار في المؤتمر الصحفي، وعندما سأله أحد الصحفيين عن موقفه من الجدار اجاب "انه في اليوم الذي نضع فيه حدًا للارهاب ونقضي على المنظمات الارهابية. لن تكون هناك حاجة الى سياج امني"!! بمعنى انه يوافق على بناء الجدار، ولكن حتى لا يخرج الفلسطينيون من المحفل بدون حمص، كما يقول المثل، فقد اتفق بوش وشارون، على تأجيل العمل في مقاطع من بناء الجدار قد تثير انفجارًا فلسطينيًا وتغيير مسار البناء في مواقع اخرى.
وفي الموقف من اطلاق سراح اسرى الحرية الفلسطينيين كان التماثل في الموقف بين بوش وشارون وكان الخلفية الأساسية لاعتقال اكثر من سبعة آلاف فلسطيني هي الاعمال الارهابية وليس مقاومة الارهاب الاحتلالي، وانه لن يفرج عن معتقلين "أيديهم ملطخة بالدماء"! و"اللفتات الطيبة" واجراءات "حسنة النية" لبناء الثقة مع الفسطينيين، فإنه وفقًا لخارطة الطريق تعهد شارون بإطلاق (540) سجينًا فلسطينيًا من بينهم (210) من اعضاء "حماس" و"الجهاد الاسلامي". وغالبية هؤلاء المنوي الافراج عنهم اما ان قسمًا منهم قرب موعد انهاء اعتقاله او من المعتقلين الاداريين او من السجناء الجنائيين من سارقي السيارات او من اعتقلوا في اسرائيل لعدم تزودهم بأذونات وتصاريح خاصة. ويهدد شارون انه لن تكون بعد لفتات طيبة "الى ان يشن محمود عباس حملة صارمة ضد منظمات حماس والجهاد الاسلامي".
وما يقود اليه بوش وشارون هو تفعيل مكابس الضغط على السلطة الفلسطينية والحكومة الفلسطينية لإشعال نار الفتنة الفلسطينية وتفجير حرب اهلية فلسطينية - فلسطينية تحت يافطة "محاربة الارهاب" و"المنظمات الارهابية". فتنة دموية تشغل الفلسطينيين عن قضيتهم الأساسية وعن عدوهم الاساسي وتقود الى تضييع الحق الوطني والقومي المشروع بالتحرر والدولة والقدس والعودة، والى ترسيسخ اقدام الاحتلال والاستيطان الاستعماري الاسرائيلي.
لقد ردد بوش في لقائه مع شارون على أهمية دعم محمود عباس (ابو مازن) وانجاح مهمته، وعلى أن يبدي شارون حسن نية ويقدم تسهيلات، وان بوش مسرور من "كرم" شارون للفلسطينيين برفع بعض الحواجز والافراج عن هذا العدد الكبير من المعتقلين (8% من مجمل المعتقلين! ـ.س.) وتسليم مدينتين الى أيدي الامن الفلسطيني.. نحن من اجل كل هذه الاجراءات ومن أجل رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، ولكن الشعب الفلسطيني لا يكتفي بمثل حبوب المخدرات والمهدئات هذه، فمطلبه هو التخلص من براثن الاحتلال والاستيطان واقامة دولته المستقلة لينعم بالحرية والسيادة الوطنية كباقي شعوب العالم. ودعم محمود عباس الحقيقي يكون بالاستجابة لمطالب ياسر عرفات ومحمود عباس وكل قيادة وابناء الشعب الفلسطيني، لمطالب التحرر والاستقلال الوطني. وفي مقابلة مع رئيس الحكومة الفلسطينية، محمود عباس اجرتها مجلة "نيوزويك" الاسبوعية ونشرت يوم 28/7/2003 يؤكد ابو مازن باسم الشعب الفلسطيني انه توجد عدة مواضيع غير قابلة للتفاوض، بمعنى لا تنازل عنها وهي "اننا نريد دولة مستقلة، وان تنسحب اسرائيل من جميع المناطق التي احتلتها في العام 1967، نريد القدس الشرقية عاصمتنا، وان تفكك اسرائيل كل المستوطنات، نريد حلاً عادلاً لقضية اللاجئين".
وبرأينا ان ما تمخض عنه لقاء بوش - شارون، هو تنسيق المواقف في اطار التحالف الاستراتيجي القائم بين النظامين والتي لا تخدم في نهاية المطاف المصلحة الحقيقية في انجاز الحق الفلسطيني المشروع بالتحرر والاستقلال الوطني ولا مصلحة دفع المسيرة في المنطقة نحو السلام العادل، الشامل والثابت.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/