أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل عبدالله - ماكس شتيرنر يُحيلُ فلسفة فويرباخ على التقاعد!















المزيد.....



ماكس شتيرنر يُحيلُ فلسفة فويرباخ على التقاعد!


عادل عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 10:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


" إنّ نسف شتيرنر لمبادئ فلسفة فويرباخ أدّى الى اعتكافه لسنوات، أدّى الى هجره مهنة التأليف الفلسفي، و الى اعلان تقاعده من خدمتها، "

لم يكن أحدٌ من رفاقه في السلاح ضدّ مذهب هيجل، متوقِّعاً أن يكون الكتاب الأوّل لماكس شتيرنر، مشحوناً بكل هذا العنف و السخط و التمرّد. نقدٌ عدمّيٌ يطال كلّ شيء، الدين و الدولة، الاحزاب و المجتمعات، هيجل، فويرباخ و ماركس و بوير و بقيّة الرفاق، إذْ كان كلّ ما يتوقعونه منه، كتابا هادئا مسالما، يشبه الى حدّ كبير شخصيته الانطوائية الوديعة، غير أنّ مثل هذا التوقّع عن مضمون كتابه لم يكن صائباً، حيث يُخبرُ واقع الحال، أنّ وقْع كتابه بينهم كـان مثل " قنبلة تنفجر على حين غرّة " لتدمّر كلّ من تجمّع حولها من الهيجليين الشباب، أولئك الذين نذروا فكرهم – كما نذر فكره - للنيل من فلسفة استاذهم – هيجل، و الإطاحة بها الى غير رجعة.
لم يكن مضمون كتابه – بطبيعة الحال – دفاعاً عن فلسفة هيجل في مواجهة الحملة الفكرية التي شنّها رفاقُه عليه، إنّما كان بالأحرى: محاولة أخيرة منه لتصحيح مضمون نقد رفاقه لهيجل حيناً، و لتدمير هذا النقد من قواعده أحياناً، بعد أن رأى ماكس شتيرنر: أنّ مضمون نقدهم لهيجل لم يكن فاعلاً، مؤثّرا كما أرادوا له ذلك، إنّما كان عاجزاً، ضئيلا و مشبعاً بالأخطاء، و من هنا فهو غير صالح على الاطلاق لأن يكون فكراً بديلاً لفلسفة السيد المعلم هيجل، كما كان هذا الطموح معلناً.
و لأنّ رفيقيه في السلاح، فويرباخ و ماركس، كانا هما الأشدّ عداوةً لهيجل و الأكثر سخطاً و إسهاماً في عملية النقد تلك، كان من الطبيعي أنْ يكون حظّهما من نقد شتيرنر و أذاه لهما، أكبر و أعظم و أشدّ قسوة من سواد رفاقه الآخرين.
في حقيقة الأمر، كان نقد شتيرنر لفويرباخ و ماركس، في كتابه الوحيد " الأنا و ملكيته" نقداً فكريا قاسياً جداً، مؤثراً و موجعاً، حتّى ذهب بعضُ النقّاد الى القول: بأنّ فويرباخ أضطرّ الى تعديل مضمون فلسفته مرّات و مرّات ليكون منسجماً مع نقد شتيرنر لها، بل ذهب بعضٌ آخر الى القول: إنّ نسف شتيرنر لمبادئ فلسفة فويرباخ أدّى الى اعتكافه لسنوات، الى هجره مهنة التأليف الفلسفي، و الى اعلان تقاعده من خدمتها، كما سنبين ذلك خلال سياق بحثنا.
أمّا كارل ماركس، الذي اتعظ من عملية النقد المتبادل بين فويرباخ و شتيرنر، فيبدو أنه قد أرجأ مواجهته "نقد شتيرنر لطروحاته السياسية و الفكرية" الى أجل غير مسمى، مخافة انْ يناله من النقد الفاضح، ما سبق لصاحبه و استاذه – فويرباخ – انْ ناله.
هكذا، خصص كارل ماركس أكثر من نصف مضمون كتابه " الأيديولوجيا الألمانية " للرد على نقد شتيرنر له، غير أنّ هذا الكتاب بقي قيد الحفظ، لم ينشر إلّا بعد رحيل شتيرنر عن هذا العالم، و ربما كان إجراء تأجيل نشر الكتاب بسبب مخاوف حقيقية من ردّ شتيرنر على ما يردّ به ماركس عليه، كما يقول أحد الباحثين ، أو كما يقول سدني هوك متسائلا عن نوع العلاقة النقدية بين شتيرنر و ماركس في كتابه " من هيجل الى ماركس" إذ يقول ما مفاده: ليس من المعروف على نحو عام، ان كارل ماركس قد ألّف كتابا عن ماكس شتيرنر، و لم ينشره... ينبغي علينا أن نجيب عن السؤال الأساسي أولاً: ما هي الضرورة التي تمس الى تأليف كتاب عن ماكس شتيرنر، و هو كتاب لم يُنشر أبداً؟
جدير بالذكر، أنّ أسم فويرباخ قد ورد في متن كتاب شتيرنر و هامشه لـ 65 مرّة، أمّا اسم ماركس، فلم يرد صريحاً و لا لمرّة واحدة، إنّما كان الذي ورد – نيابة عن حضور هذا الاسم – هو: الشيوعية، الاشتراكية، البروليتارية، نظرية الاغتراب.. و سواها من المصطلحات العاملة الاساسية في فلسفة ماركس، مع التأكيد أولاً، أنّ هذه المفاهيم جميعا، كانت موضع نقد لاذع، تفنيد و سخريّة، سياسية و فكرية و اجتماعية، ثم التأكيد من بعد، بأن "موسى هيس" – البشير العقائدي بالشيوعية - هو الذي كان معنيّاً بنقد شتيرنر، و ليس ماركس أبدا.
من خلال وجهة نظر شخصية، أرى أن نقد شتيرنر لفلسفة فويرباخ، كما تمثلت فلسفة الأخير في كتابه " جوهر المسيحية " كان النوع النقدي الأشدّ إيلاماً و الأكثر قسوة من بين جميع أشكال النقود التي تعرض لها مضمون هذا الكتاب نفسه.
و إذ أقول: أشّد إيلاما و قسوة على فكر فويرباخ و نفسيته، فهذا لا يعني أنه الأفضل و الاكثر منطقية و تصفية لمبادئ فلسفة فويرباخ، إنما أعني فحسب: أنه نقد مؤثر، فاعل، لم يكتفِ بالسخرية من فلسفة فويرباخ فحسب، بل أكره فيلسوف " جوهر المسيحية" على مراجعة مضمون كتابه مرّات و مرّات، قبل إكراهه على الانسحاب من الحياة الفكرية كما يشير عددٌ من نقّاد الفلسفة من الباحثين في هذه العلاقة بين الفيلسوفين، و كما سيتضّح ذلك في فقرات لاحقة.
أمّا عن أسباب اعتقادي الشخصي بصحة هذه المسألة، فيمكن إجمالها على النحو التالي:
أولاً: كان فويرباخ و شتيرنر يدرسان في صف واحد تحت إشراف السيد المعلم هيجل، قبل عقوقهما و تمرّدهما معا على فلسفة استاذهما، و انضمامهما الى حركة الاحرار من الهيجليين الشباب. و مثل هذه الواقعة، قد تعني أنّ فويرباخ لم يفهم فلسفة هيجل جيدا، أو أنه عمل على تشويه و تحريف بعضا من مبادئها و تعاليمها الكبرى – كما سأثبتُ ذلك - و من هنا يمكن أنْ نفهم انّ نقد شتيرنر لفويرباخ، يأتي تحت باب تصحيح الافكار النقدية لفويرباخ في مسعاها للنيل من فلسفة هيجل، و هذا هو المعنى الوحيد الذي يشير اليه مضمون كتاب شتيرنر" الأنا و ملكيته " لأننا لا نكون على حقّ أبدا في حال فهمنا ان نقد شتيرنر لفويرباخ، إنّما كان دفاعاً عن فلسفة هيجل، الفلسفة التي نالت حضّها الوفير من نقد شتيرنر لها، في كتابه نفسه.
ثانياً: لئن كان نقد "كارل بارث" ذا طابع معرفي لاهوتي، مساقاً بدوافع دينية غايتها الحفاظ على العقائد المسيحية و الدفاع عنها في مواجهة فويرباخ لها، فإنّ نوع نقد شتيرنر لفويرباخ، لا علاقة له باللاهوت البتّة، إنّما كان نوعَ نقدٍ فلسفي محض، نقد ينجز مضمونه باتجاهين: اتجاه تقويض نقد فلسفة فويرباخ للدين المسيحي من جهة، متمثلاً ذلك بفضح عيوبه و اثبات تهافته فلسفياً، إذ يعمل من جهة أخرى على تأسيس فلسفة نقدية بديلة، لا يكون الدين وحده موضع نقدها، بل تكون الدولة و المجتمع و الاخلاق و العادات و القوانين، موضع هذا النقد أيضا.
ثالثا: إذا كان الهيجليون الشباب على نحو عام، قد اجتمعوا من أجل تقويض فلسفة هيجل او تصحيح مسارها الفكري الى وجهة يسارية واقعية من جهة، و كان كلّ من فويرباخ و ماركس و بوير، هم الاعضاء الفاعلون في هذا التجمع الفكري، يمكن القول ان نقد شتيرنر، لفويرباخ و ماركس و بوير، أيّ لأعلام هذه الحركة، لم يسفر عن ذلك الأذى الفكري الذي أصاب اعضائها الفاعلين فحسب، بل أدى ايضا، الى تفريق وحدة هذا الجمع الضد – هيجلي، وربّما إكراههم على إعلان تخلّيهم و فشلهم في مواصلة مهمتهم في التعرض لفلسفة هيجل، كما يشير بعض النقاد لذلك، على سبيل المثال، يرد في مقدمة الطبعة الانكليزية لكتاب شتيرنر " كان جدل شتيرنر ، بكل وضوح ، دافعًا ومؤشرًا على تراجع اليسار الهيغلي كحركة فكرية متماسكة"
لكن، من هو هذا "الشتيرنر" المخيف الذي طالت سطوته الفكرية أصدقاءه و أعداءه على حدّ سواء، مع التأكيد أن حملته الفكرية الشاملة، لم تتم إلّا بمنجز واحد فقط هو كتابه " الأنا و ملكيّته"؟ دعونا نكشف قليلا عن بعض من حياته العجيبة و كتابه الأعجب.

-2-
ماكس شتيرنر: حياة عجيبة و كتابٌ أعجب
إذا كان لماكس شتيرنر كلّ ذلك الحضور النقدي المدمّر لرفاقه و أعدائه على حدّ سواء، لماذا إذن لم يحظ هذا المفكر الأصيل حتّى بعُشر مقدار المكانة التي حصل عليها بعضٌ ممن أصابهم نقده الساحق، كماركس و فويرباخ مثلاً؟
وفقاً لسيرة ذاتية موجزة، كتبها ماكس شتيرنر بنفسه، يرد في مقدمتها " أنا، يوهان كاسبار شميدت، من الطائفة الإنجليلية، وُلدت ببايروت – بافاريا، في الخامس و العشرين من شهر أكتوبر، لسنة 1806 من أبٍ صانع مزامير، توفّي بعد ولادتي بأيامٍ قليلة. والدتي تزوّجت بعد ثلاث سنوات من الصيدلاني بلّارسدت، و بعد مصادفات متعددة انتقلتُ الى كولم، و دعتني سريعاً الى الالتحاق بها سنة 1810...هناك درست الابجديات الأولى للآداب... كنتُ درست خلال 1826- 1828 فقه اللغة و اللاهوت في أكاديمية برلين، حيث تابعت دروس بويخ، هيجل، مارهيناك، كارل ريتر، و شلايرماخر... سنة 1833 أصبتُ بمرض أجبرني أنْ أظلّ بعيدا عن الدروس لمدة سداسية، بعد شفائي تابعت دروس بويخ، و هكذا بعد اكتمال سنواتي الثلاث، قررتُ أنْ اجتاز بعون الله، امتحان شهادة الدراسات الجامعية"
يعلّق روبار ركلار – كاتب مقدمة الكتاب – عن هذه السيرة المبهة " بعض الأسماء، بعض التواريخ، مرض، رحلة، نحن لا نعرف شيئا أكثر من ذلك عن السنوات الأولى لمن كان سيسمّى ذات يوم ماكس شتيرنر. هذه السيرة الذاتية التي حررها سنة 1834 تلخّص تقريبا كلّ ما نعرفه عن شبابه و عن دراسته و عن تكوينه الفكري. بقيّة حياته غارقة في العتمة"
يضيف مقدّم الكتاب " طيلة خمسين سنة، يتكثّف التعتيم حول اسمه و حول أثره، وحدهم بعض الفضوليين الذين تجبرهم بحوثهم على التنقيب في الزوايا المغبرة للمكتبات، قلّبوا بأصابع مرتابة أوراق هذا الكتاب المنبوذ، إذا تحدّثوا عنه أحياناً بشكل عابر، فكأنّما يتحدثون عن مفارقة وقحة أو عن مخاطرة غير مأمونة العواقب. الأفكار تمشي و يأتي يومٌ نتبيّن فيه أنّ هذا المتوحّد المجهول كان أحد أقوى مفكري عصره، ندرك أنه نطق بالكلمات الحاسمة التي كنّا ما زلنا نبحث لها حتى الامس القريب عن صيغة، و يجد فينا هذا المنعزل أسرةً له... الشاعر جون هنري ماكاي، مؤلّف رواية فوضويّون، جمع بعناية بالغة طيلة عشر سنوات، كلّ الوثائق و كل المعلومات و كل الدلائل القادرة على بعض الضوء على حياة ماكس شتيرنر"
قبل أنْ نعرض للتفاصيل المثيرة لحياة شتيرنر، تلك التي يدين العالم الثقافي بمعرفتها للشاعر جون هنري ماكاي*، دعونا نطرح هذا السؤال الذي غفل عن ضرورته كثيرٌ من الباحثين، بمن فيهم الدكتور مترجم الكتاب، و كاتب مقدمته ايضا، و هو:
لماذا تمّ و يتمّ التعتيم على فكر ماكس شتيرنر؟
بعبارة أخرى: إذا كان لماكس شتيرنر كلّ ذلك الحضور النقدي المدمّر لرفاقه و أعدائه على حدّ سواء، لماذا إذن لم يحظ هذا المفكر الأصيل حتّى بعُشر مقدار المكانة التي حصل عليها بعضٌ ممن أصابهم نقده الساحق، كماركس و فويرباخ مثلاً؟
للإجابة عن هذا السؤال، من وجهة نظر شخصيّة، أقول:
في فترة زمنية، تتجاوز بقليل منتصف القرن التاسع عشر، هي فترة النضج الفكري للوعي السياسي و الاقتصادي، انقسم العالم الغربي الى معسكرين: رأسمالي، و اشتراكي – شيوعي، مع التأكيد على النزعة المادية لفكر كلا المعسكرين.
من هنا، وجد المعسكر الأول – الرأسمالي – في مادية فويرباخ و في أفكاره المناهضة للدين، نصيرا و عونا و مصدرا فلسفيا ملهما له، في حين وجد المعسكر الاشتراكي – الشيوعي، في فلسفة ماركس، في نقدها للدين و في عدائها لفلسفة هيجل المثالية، نصيرا و عونا مؤهلا لبناء و تحقيق طموحاتها الاشتراكية في السياسة و الاقتصاد و في تثقيف المجتمع بهذا الاتجاه.
أمّا فكر ماكس شتيرنر، فكان من الطبيعي ان لا يجد له في كلا المعسكرين السائدين لا نصيرا و لا مؤيدا، لا من سياسي، و لا من منظر اجتماعي، و لا من فئة اقتصادية معروفة، فضلاً عن استحالة مناصرة أيّ مذهب ديني لفكره. أما السبب في ذلك، فلم يكن متمثّلا بنقد شتيرنر العنيف لملهمي المعسكرين – فويرباخ و ماركس – فحسب، بل كان متمثلاُ ايضا، و ربّما على نحو أكثر تأثيرا، بنقد شتيرنر لمفهوم الدين، والدولة و المجتمع و السياسة و الاقتصاد و القانون و الاخلاق، و كل نزعة جمعية سائدة، انطلاقا من اعتقاده الراسخ بأن الحقيقة الانسانية، إنّما تتمثل في النزعة الفردية – الانانية وحدها، و من دون أية مساومة أو مجاملة لأي مفهوم سائد على حسابها، و من هنا فهي فلسفة غير صالحة للتطبيق البتة في ايّ ميدان او نظام سياسي او اجتماعي او اخلاقي... الخ، كما ينتشر هذا النوع من النقد في صفحات كتابه كلّها.
مع ذلك كلّه، دعونا نتعرّف على بعضٍ من الوقائع المثيرة لحياة هذا المفكر بعد كشف الشاعر جون هنري ماكاي عن ما وراء أستارها، و من خلال عدد من الدراسات و البحوث التي اعتمدتْ مدوّنة ماكاي مصدراً لها، أو سواها من المصادر، و على النحو التالي:
في دراسة حديثة، تضيء لنا بعض الجوانب المعتمة من حياة شتيرنر، يرد:
" ماكس شتيرنر، هو الاسم الذي يُطلق على يوهان كاسبار شميدت، جاء إلى هذا العالم في الساعة السادسة صباح يوم 25 أكتوبر 1806. ولد في منزل في رقم 31 ، شارع ماكسيميليان (ماركتبلاتز) الذي كان الشارع الرئيسي في مدينة بايرويت. كان عمره أقل من نصف عام عندما توفي والده، صانع آلات النفخ، بمرض السل في 19 أبريل 1807 عن عمر يناهز 37 عامًا. تزوجت والدته، بعد عامين، من هاينريش بلّارستيد ، البالغ من العمر 57 عامًا. صيدلي من Helmstedt ، وانتقلوا جميعًا إلى Kulm على Vistula. عاد يوهان إلى مسقط رأسه في بايرويت عام 1818 لتعليمه ، حيث عاش مع عرّابه، وعمه يوهان كاسبار مارتن ستيخت، الذي سمُّي على اسمه. مكث هناك لمدة ثماني سنوات، وأكمل دراسته في صالة للألعاب الرياضية حيث ميّز نفسه بوضعه دائمًا في الشريحة المئوية العليا من فصله.
في عام 1826 غادر بايرويت للدراسة في جامعة برلين حيث مكث في العامين التاليين. في برلين التقى زميله الطالب، لودفيج فويرباخ، الذي كان مقدّرا له أن يكون أحد منافسيه في المستقبل. درس شتيرنر في جامعة برلين، المنطقَ تحت إشراف هاينريش ريتر، والجغرافيا تحت إشراف كارل ريتر، و درس فلسفة الدين في عهد هيجل.
غادر برلين في 1 سبتمبر 1828 ، وذهب إلى إرلانجن حيث سجل في الجامعة في 20 أكتوبر، لكنه التحق بدورتين فقط ؛ واحدة قدمها عالم اللاهوت جورج بنديكت وينر في كتاب كورنثوس ، والأخرى في المنطق والميتافيزيقا من قبل كريستيان كوب، الفيلسوف. ثم "ترك" شتيرنر المدرسة لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة وهو يتجول في أنحاء ألمانيا. خلال هذه الفترة، التحق شتيرنر في وقت بجامعة كونيغسبيرج لكنه لم يحضر حتّى محاضرة واحدة، لأنه تم استدعاؤه إلى كولم لرعاية والدته التي أصيبت بالجنون.
في أكتوبر 1832 عاد شتيرنر إلى برلين لإكمال دراسته. في 2 يونيو 1834 ، طلب الإذن بالمثول أمام لجنة الامتحانات الملكية للامتحانات المهنية في المجالات الخمسة التي أعد نفسه فيها: اللغات القديمة، واللغة الألمانية، والتاريخ، والفلسفة، والدين. وجد الفاحصون أنّ لديه عيبين. كان يفتقر إلى معرفة دقيقة بالكتاب المقدس، ولم يكن يمتلك الصفات الأساسية للمنطق الضرورية في التاريخ والفلسفة وفقه اللغة. لهذا السبب تم منحه فقط كليات docendi محدودة مما أهله للتدريس في صالة الألعاب الرياضية البروسية. هنا يجب أن يُذكر، بكل إنصافٍ لشتيرنر، أن امتحاناته قد تأخرت بسبب زيارة والدته المجنونة إلى برلين. ما إذا كان لهذه الزيارة تأثير على نتيجة امتحاناته أم لا ، أمرٌ مشكوك فيه لأن شخصًا من نوع الشخصية غير التقليدية التي يمثلها شتيرنر في كتاباته ، من المحتمل أن يكون يفتقر إلى الصفات التي وجدها مجلس الامتحان ناقصًا.
بين عامي 1834 و 1835 ، عمل شتيرنر كمدرس تدريب غير مدفوع الأجر في برلين Konigliche Realschule. بعد هذا التدريب، حاول، لكن من دون جدوى حتى عام 1837 الحصول على منصب تدريسي براتب من الحكومة البروسية. لم يمنعه الافتقار إلى العمل من الزواج من ابنة صاحبة الأرض، أغنيس كلارا كونيجوند بيرتز ، في 12 ديسمبر 1837. وانتهى هذا الزواج في العام التالي عندما توفيت زوجته البالغة من العمر 22 عامًا أثناء الولادة في 29 أغسطس مع الطفل.
ومرة أخرى، كان من الضروري أن يُطلب من شتيرنر رعاية والدته المجنونة، وهي مهمة شغلت وقته حتى عام 1839 ، عندما وجد منصبًا تدريسيًا في برلين، في مدرسة مدام غروبيوس للبنات. وبقي هناك يؤدي واجباته بشكل مُرضٍ حتى عام 1844.
خلال فترة السنوات الخمس التي قام فيها بالتدريس في مدرسة مدام غروبيوس، كان شتيرنر يتردد على Hippel’s Weinstube في Friedrichstrasse حيث اجتمع الشباب الهيجليون لدحض تعاليم سيدهم. أطلقوا على أنفسهم اسم Die Freien – أيْ الأحرار. كان قادة Die Freien هم الإخوة Bauer و Bruno و Edgar. كان ماركس وإنجلز والشعراء هيرويغ وهوفمان فون فالرسليبن من الزوار العرضيين. كان كل من لودفيج فويرباخ، ويلهلم جوردون، سي إف كوبين ، والدكتور آرثر مولر، و موسى هيس، ولودفيج بول، وأدولف روتنبرغ، وإدوارد ماين، وجوليوس فوشر يترددون أيضًا على هيبل. أرنولد روج، الكاهن الأكبر الذي نصب نفسه لهؤلاء الهيغليين، أجرى نقاشات ليلية غالبًا ما كانت مريرة جدًا. كما يصف تخطيطٌ شهير لإنجلز إحدى هذه الخلافات الليلية: حيث يشير التخطيط على نحو هامشي من المناقشة، الى شخص يجلس وحيدا، شخصٍ ذي جبين عالٍ ، يرتدي نظارة طبية، يدخن سيجارة، هذا هو شتيرنر. استنتج وودكوك، على أساس هذا الرسم التخطيطي، أن شتيرنر لعب دور المستمع الصامت المنفصل في Die Freien ، المستمع الذي كان على علاقة جيدة مع الجميع و ليس صديقا لأحد. من المشكوك فيه أن يكون استنتاج وودكوك صحيحًا. كما أحيا إنجلز في نفس الوقت ذكرى شتيرنر في الشعر ، فكتب قصيدة في وصفه" :
هنا سأنقل مضمون هذا القصيدة مع تعليق خاص، يبيّن لنا معناها، بسبب أهميته، يقول انجلز في قصيدته:
أنظر إلى شتيرنر، انظر إليه، إنه العدو السلمي لكل القيود.
إنّه لا يزال يشرب الجعة في هذا الوقت، وسرعان ما سيشرب الدم وكأنه ماء.
عندما يصرخ الآخرون بكلّ ما بهم من ألم: "يسقط الملوك"
يكمل شتيرنر على الفور "و تسقط القوانين أيضًا".
مليئاً بالكرامة يعلن شتيرنر؛
أنت تحني قوّة إرادتك، وتجرأ على إطلاق سراح نفسك.
لقد تعودت على العبودية،
لتسقط الدوغمائية، و ليسقط القانون."
أمّا معنى هذا القصيدة، وفقاً لتفسيري الخاص، فهو: إدانة موقف شتيرنر الفكري و السياسي من أحداث عصره من جهة و وقوفه ضدّ مشروع فلسفة فويرباخ التي كان ماركس و انجلز على وفاق تام معها.
الزواج الغريب
بالرجوع الى سرد السيرة الذاتية، وقدر تعلّق الأمر بوقائع زواجه، وفقاً للمصدر نفسه:
" في Hippel’s Weinstube Stirner التقى بزوجته الثانية ماري داهنهاردت. روح متحررة جميلة ورائعة، تزوجها عام 1843. أقيم حفل الزفاف، إذا كنت ترغب تسميته كذلك، في 21 أكتوبر في شقة شتيرنر. وصل القس، القس ماروت، ليجد العريس والشهود، برونو باور ولودفيج بول، في قمصانهم، يلعبون الورق. وصلت العروس متأخرة، مرتدية ملابس الشارع اليومية. لم يكن الكتاب المقدس متاحًا في الشقّة، لذا كان لا بد من البحث في الحي لتحديد للحصول على نسخة منه لإتمام مراسيم الزواج.
نظرًا لعدم تذكّر أيّ شخص شراء خواتم الزفاف، تم تدارك الأمر بشراء خواتم نحاسية من محفظة برونو باور.
كانت ماري شقراء صغيرة ورشيقة ذات شعر كثيف يحيط برأسها في حلقات صغيرة وفقًا لموضة ذلك الزمان. كانت ذات جمال مذهل وأصبحت مفضلة في اجتماعات Die Freien. كانت تدخن السيجار وأحيانًا ترتدي الملابس الرجالية لمرافقة زوجها وأصدقائه في رحلاتهم الليلية.
من غير المعروف ما إذا كان شتيرنر قد أُجبر على ترك منصبه في مدرسة مدام غروبيوس أو إذا غادر طواعية، معتقدًا أن كتابه القادم " الأنا و ملكيّته ، Der Einzige und sein Eigentum (1844) ، سيكسبه شهرة وثروة أدبية. حصل كتابه على الإساءة من معاصريه الذين هاجمهم، لذا كان حظه من النجاح ضئيلا للغاية. في عام 1845 ، دخل شتيرنر في تجارة الألبان، مستخدمًا ما تبقى من ميراث زوجته كرأس مال. فشلت هذه المؤسسة بسرعة بسبب نقص الخبرة التجارية. رأى شتيرنر أنّ لديه مخزونًا كبيرًا من الحليب الذي يأتي من مزارعي الألبان ، لكنه فشل في طلب قائمة من العملاء لشرائه. كانت تجارة حليب شتيرنر مصدر تسلية لا تنتهي بين دائرة أصدقائه ، لكنها أثارت غضب ماري ضده لإهدار ميراثها.
في عام 1847 تركته زوجته في حالة من الاشمئزاز والغضب وذهبت إلى لندن. عندما حاول ماكاي إجراء مقابلة معها في عام 1897 ، ردت بشكل لاذع بأنها لا ترغب في إحياء ماضيها ، لكنها أضافت أن زوجها كان أنانيًا كثيرًا بحيث لا يمكنه الاحتفاظ بأصدقائه وأنه كان "خبيثًا جدًا".
ثم قيل بأن "مدام شميدت شتيرنر" غادرت إلى أستراليا بحثًا عن الذهب. في أستراليا تزوجت من عامل و عملت في الغسيل لتكسب لقمة العيش.
في النهاية عادت إلى لندن حيث استخدمت اسم ماي سميث وأصبحت كاثوليكية رومانية متدينة ترفض مناقشة حياتها السابقة، حتى مع ماكاي.
بعد أن هجرته زوجته، غرق شتيرنر تدريجيًا في الفقر والغموض، وعاش في سلسلة من المساكن الفقيرة، وكسب نوعًا من العيش البائس، وغالبًا ما يكون مدينًا. خلال الأعوام 1845-1847 عمل شتيرنر على سلسلة من ترجمات جي بي ساي وآدم سميث ثم ثبت له أنها محاولة شاقة ولكنها غير مجزية. قضى الكثير من وقته في التهرب من دائنيه العديدين، لكنه سُجن مرتين بسبب الديون، من 5 إلى 26 مارس 1853 ، ومن 1 يناير إلى 4 فبراير 1854 ، وغالبًا ما كان يعاني من الجوع. استطاع شتيرنر أن يتحمل الجوع لأنه كان رجلاً معتدلاً في عاداته في الأكل والشرب وكان دائمًا يعيش باقتصاد. في عام 1852 نشر كتابه Geschichte der Reaction في برلين. لم يكن ناجحًا بشكل كبير ولم يكسبه سوى القليل من المال. كان أسلوب المشاة أكثر من اللازم لإثارة الكثير من الاهتمام.
وجاءت نهاية شتيرنر في 25 يونيو 1856 ، عن عمر يناهز 49 عامًا وثمانية أشهر ، من لدغة "ذبابة سامة". سمع عدد من أصدقائه السابقين عن وضعه الفقير ، جمعوا ما يكفي من المال لشراء قبر من الدرجة الثانية له، بمبلغ كان يكلف ما يعادل دولارًا أمريكيًا واحدًا في ذلك الوقت. كان من بين الحاضرين في دفنه برونو باور ولودفيج بول، اللذين كانا شاهدين على زواجه من ماري داهنهاردت.
كتاباته المبكرة
كثير من الناس لا يدركون أن شتيرنر كتب عددًا كبيرًا من المقالات قبل أن يكتب Der Einzige und sein Eigenthum أي كتابه الوحيد " الأوحد و ملكيته. إنهم ينظرون إلى كتاب شتيرنر على أنه صاعقة من فراغ. لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة. من الممكن، من خلال قراءة هذه المقالات المبكرة، تتبع تطور فكر شتيرنر إلى النقطة التي يتم التعبير عنها في Der Einzige und sein Eigenthum. لا يمكن في هذه الدراسة تضمين فحص تفصيلي لكل ما كتبه شتيرنر قبل ظهور كتابه. فحص شتيرنر في كتاباته المبكرة المبادئ الهيجلية ورفضها. ستظهر أفكاره حول الدين والتعليم والبنية السياسية والاجتماعية للمجتمع في مرحلتها الأولى. كتاب شتيرنر، عندما يُنظر إليه من منظور كتاباته السابقة، هو النتيجة المنطقية لمسار مدروس بعناية كان يتبعه، وليس انحرافًا فوريًا لعقل لامع ومضلل وغير منتظم كما يُستنتج في كثير من الأحيان. يفحص شتيرنر بعناية شديدة كلاً من الحلول المعاصرة المقبولة والمقترحات المعاصرة حول المشكلات التي يهتم بها، قبل أن يرفض حلها باعتباره غير مرضٍ. هذا ما تم إنجازه في كتاباته الأولى. بمجرد اكتشافه لما يعتقد أنه أخطاء المجتمع، شرع في Der Einzige und sein Eigenthum ليوضح ما يعتقد أنه حل مقبول. شكل هجوم شتيرنر على الدين والدولة والمجتمع حاضر في الكتابات المبكرة. توصل شتيرنر إلى استنتاج مفاده أن كل شيء يجب أن يتحدد بمبدأ إرشادي واحد: الأنانية.
كتابه " الأنا و ملكيته"
وفقاً للمصدر نفسه: لم يحقق كتاب "الأنا و ملكيّته" كما يطلق على الترجمة الإنجليزية لكتاب شتيرنر، نجاحًا فوريًا عندما نُشر في عام 1844. أعيد إصداره في مطلع القرن عندما كانت فلسفة نيتشه شائعة. يحظى كتاب شتيرنر اليوم مرة أخرى ببعض الشعبية بين الطلاب اللاسلطويين. تم تحليل Der Einzige عدة مرات. ماذا يحتوي هذا الكتاب الذي يبقيه على قيد الحياة اليوم بعد ما يقرب من قرن وربع من نشره لأول مرة؟ لماذا يعتقد الطلاب الذين يشعرون "بالفجوة بين الأجيال" ، الفجوة بينهم وبين آبائهم بضرورة الالتحاق بكتاب شتيرنر؟ لماذا أطلق عليه جيمس هينكر "أكثر الكتب ثورية على الإطلاق؟"
يبدأ شتيرنر كتابه بمقدمة قصيرة. إنه يستخدم السطر الأول من قصيدة "فانيتاس" لغوته! فانيتاتوم فانيتاس! كعنوان لهذه المقدمة. تقرأ: "Ich hab mein Sach auf Nichts Gestellt" ، وترجمتها حرفيًا على أنها "لم أقم على لا شيء" أو ، تُترجم بحرية أكبر، "كل الأشياء ليست شيئًا بالنسبة لي." تتيح هذه المقدمة للقارئ في الحال معرفة ماهية موضوع الكتاب - الذات.
وفقًا لشتيرنر، فإن القانون الأعلى لكل فرد هو مصلحته الخاصة. يجب على الجميع السعي وراء التمتع بالحياة. يجب أن يتعلم الشخص كيفية الاستمتاع وتوسيع الحياة. كل ما يفعله الشخص يجب أن يكون موجهاً نحو الرضا عن النفس. لا ينبغي عمل شيء في سبيل الله أو من أجل أي شخص آخر. الأرض موجودة ليستفيد منها الإنسان. الجميع وكل شيء لا يعني شيئا لشتيرنر. يجب استخدام الأشياء والأشخاص، وبعد ذلك عندما لا تعود لهم أي فائدة، يجب إهمالهم. يحب شتيرنر الجنس البشري، ليس الأفراد فقط، بل الجنس البشري ككل. لكنه يحبهم بسبب أنانيته، لأنها تجعله يشعر بالسعادة وبالحب وبالرضا. لا يهتم شتيرنر بالقيم والأخلاق المسيحية أو الإنسانية. إذا كان ما يريده شتيرنر يسعده، فهذا مبرر. كل شخص يستخدم أي شخص آخر. العلاقة الحقيقية الوحيدة التي تربط الناس ببعضهم البعض هي قابلية الاستخدام. كل شخص تقابله هو طعام لتتغذى عليه.
يرفض شتيرنر القانون. توجد القوانين ليس لأن الناس يعترفون بها على أنها مواتية لمصالحهم، ولكن لأن الناس يعتبرونها مقدسة. عندما تبدأ في الحديث عن الحقوق فإنك تقدم مفهومًا دينيًا. بما أن القانون مقدس، فإن أي شخص يخالفه يعتبر مجرمًا. لذلك لا يوجد مجرمون إلا ضد شيء مقدس. إذا تخلّصت من حرمة القانون، فستختفي الجريمة، لأن الجريمة في الواقع ليست أكثر من فعل ينتهك ما قدّسته الدولة. لا توجد حقوق، حسب شتيرنر، لأنّ القوة تصنع الحق. يحق للانسان ان يمتلك كل ما لديه القدرة على امتلاكه والاحتفاظ به. الأرض مِلك لمن يعرف كيف يأخذها. يجب أنْ تكون الرعاية الذاتية هي المبدأ التوجيهي الذي يجب اتباعه بدلاً من القانون. يشير شتيرنر إلى أنه يمكنك المضي قدمًا مع حفنة من القوة أكثر مما تستطيع من المضي باستخدام كيس من الحق. الطريق للحصول على الحرية هو من خلال القوة. يصبح الإنسان حراً تماماً فقط عندما يحمل ما يحمله بسبب قوته. إذن فهو صاحب نفسه وليس مجرد رجل حر. يجب على الجميع أن يقول لنفسه؛ أنا كلي لنفسي وأفعل كل شيء من أجلي. أنا فريد من نوعه، لا شيء أكثر أهمية بالنسبة لي من نفسي. لا يؤمن شتيرنر بأن الإنسان جيد أو سيئ، ولا يؤمن بما هو حقيقي وجيد وصحيح وما إلى ذلك. هذه مفاهيم غامضة ليس لها معنى خارج عالم محوره الله أو الإنسان. يجب على الانسان أن يركز اهتمامه على نفسه ويركز على عمله الخاص.
يرفض شتيرنر الدولة. الدولة غير ممكنة بدون قانون. إن احترام القانون هو ما يربط الدولة. الدولة، مثل القانون، موجودة ليس لأن الفرد يعترف بها على أنها مواتية لرفاهيته ولكن لأن الكذب يعتبرها مقدسة. إذن فالدولة، مثل القانون، ليست مقدسة لدى شتيرنر. شتيرنر هو العدو اللدود للدولة. لا علاقة لرفاهية الدولة برفاهيته الخاصة، وبالتالي لا يجب أن يضحّي بشيء من أجلها. الرفاهية العامة ليست رفاهيته ولكنها تعني فقط إنكار الذات من جانبها. هدف الدولة هو تقييد الفرد، لترويضه، وإخضاعه، إخضاعه لشيء عام لغرض الدولة. فالدولة تمنع الفرد من بلوغ قيمته الحقيقية، وفي نفس الوقت تستغل الفرد في الحصول على بعض الفوائد منه.
الدولة تقف في طريق البشر وتمزقهم. سيحوّل شتيرنر الدولة إلى ملكه الخاص ومخلوقه الخاص بدلاً من أن يكون هو ملكًا ومخلوقًا للدولة. سوف يقضي عليها ويشكل مكانها اتحادًا من الأنانيين. يجب تدمير الدولة لأنها نفي للإرادة الفردية، فهي تتعامل مع الإنسان كوحدة جماعية، والصراع بين الأنانيين والدولة أمر لا مفر منه.
بمجرد القضاء على الدولة، سيسود اتحاد الأنانيين. هذا الاتحاد ليس مقدسًا ولا قوة روحية فوق قوة الإنسان. فقد تم إنشاؤه من قبل الرجال. في هذا الاتحاد، سيجمع الرجال معًا من خلال المنفعة المتبادلة، من خلال "الاستخدام" المشترك لبعضهم البعض. في الانضمام إلى الاتحاد يزيد الفرد من قوته الفردية. كل شخص سوف يتحكم الآن من خلال شخصه في ما يستطيع. على الرغم من أنه لا يعني أنه ستكون هناك منطقة من الجشع الشامل والذبح الدائم، ولا يعني ممارسة السلطة على الآخرين. كل انسان سيدافع عن تفرده. بمجرد أن يصل إلى الإدراك الذاتي للأنانية الحقيقية، فإنه لا يريد أن يحكم الآخرين أو يمتلك ممتلكات أكثر مما يحتاج لأن هذا من شأنه أن يدمر استقلاليته.
اتحاد الأنانيين لشتيرنر ليس شيوعيًا. إنه اتحاد يدخل فيه الأفراد لتحقيق مكاسب متبادلة من الاتحاد الأناني الذي سيتم تطويره داخل الاتحاد. لن يكون هناك أسياد ولا خدم، بل أنانيون فقط. سوف ينسحب الجميع إلى تفرده الخاص الذي سيمنع الصراع لأنه لن يحاول أحد إثبات نفسه "على حق" أمام طرف ثالث. سوف تعزز الأنانية الاتحاد الحقيقي والعفوي بين الأفراد.
لا يطور شتيرنر بأي تفاصيل شكل التنظيم الاجتماعي الذي قد يتبعه اتحاد الأنانيين. التنظيم نفسه هو لعنة لاتحاد شتيرنر. داخل الاتحاد سيتمكن الفرد من تطوير نفسه. الاتحاد موجود للفرد. لا يجب الخلط بين اتحاد الأنانيين والمجتمع الذي يعارضه شتيرنر. يطالب المجتمع بشخص يعتبر مقدسًا ولكنه يستهلك الفرد. يتكون الاتحاد من أفراد يستهلكون الاتحاد لمصلحتهم.
كيف يتم إلغاء القانون والدولة والممتلكات بحيث يكون الرجال أحرارًا في الانضمام إلى اتحاد الأنانيين؟ سيحدث هذا عندما يخضع عدد كافٍ من الرجال لأول مرة لتغيير داخلي ويعترفون برفاهيتهم كأعلى قانون، وبعد ذلك سيحضر هؤلاء الرجال إلى حيز الوجود المظاهر الخارجية: إلغاء القانون والدولة والملكية.
ثورة شتيرنر والتمرد ليسا مترادفين. الثورة هي قلب حالة الدولة أو المجتمع القائم. وبالتالي فإن الثورة هي عمل سياسي أو اجتماعي. من ناحية أخرى، فإن التمرد هو تحول في الظروف. ينبع التمرد من استياء الرجال من أنفسهم. إنها ليست انتفاضة مسلحة، بل انتفاضة أفراد. التمرد لا يهتم بالترتيبات التي تنبثق عنه. تهدف الثورة إلى ترتيبات جديدة ؛ ينتج عن التمرد أن الناس لم يعودوا يسمحون لأنفسهم بالترتيب، ولكنهم يرتّبون لأنفسهم، ولا يضعون أي أمل كبير على المؤسسات القائمة. التمرد ليس معركة ضد النظام القائم، ولكنه إذا نجح، فسوف يؤدي إلى سقوط هذا النظام. لا يريد شتيرنر الإطاحة بالنظام لمجرد الإطاحة به. إنه مهتم برفع نفسه فوقها. هدفه ليس سياسيًا ولا اجتماعيًا، بل أنانيًا.
لإحداث تغيير في الحالة ووضع الشرط الجديد في مكان القانون أو الدولة أو الملكية، فإن التمرد العنيف ضد الظروف القائمة ضروري. القوة ضرورية. إذا أراد كل رجل أن يحصل على ما يطلبه فعليه أن يأخذه. وهذا يعني بالضرورة حربًا بين الجميع، لأن الفقراء يصبحون أحرارًا ولا يصبحون مالكين إلا عندما يتمردون. لا يمكن التغلب على الدولة إلا من خلال التمرد العنيف.
فقط التمرد يمكن أن ينجح. ستفشل الثورة لأنها لن تؤدي إلا إلى إقامة حالة سياسية أو اجتماعية أخرى غير مواتية. وحده التمرد هو القادر على القضاء تمامًا على الظروف السياسية والاجتماعية غير المواتية والسماح للإنسان بالدخول في اتحاد الأنانيين حيث سيكون قادرًا على تحقيق أقصى قدر من الإدراك للذات.
- يتبع –

الهوامش
- أنظر: عبد االقادر الجنابي، موقع إيلاف، مقال مترجم، 21- مايو 2001، يرد فيه " والأخطر أن ماركس وانجلز لم ينشرا اديولوجيتهما الألمانية هذه، بل تركاها جانبا، خوفا أولا من أن يتصدى لهما شتيرنر نفسه فيتهدم البيت الماركسي كله، وثانيا من أن تنكشف النوايا الحزبية الجهنمية للمشروع الشيوعي كله وهو في بدايته... فلم يظهر كتابالإديولوجيا الألمانية إلا في القرن العشرين، وإبان الصعود اللينيني ثم الستاليني.
- Sdiney Hook: From Hegel to Marx- The University of Michigan press. P 165.
- CAMBRIDGE TEXTS IN THE HISTORY OF POLITICAL THOUGHT MAX STIRNER The Ego and Its Own. CAMBRIDGE TEXTS IN THE HISTORY OF POLITICAL THOUGHT Series editors RAYMOND GEUSS Lecturer in Philosophy, University oj Cambridge. EDITED BY DAVID LEOPOLD Merton College. Oxford. First published 1995 Re-print-ed 20
- أنظر، ماكس شتيرنر، الأوحد و ملكيّته، ترجمة و تعليق د. عبد العزيز العيادي، دار الجمل، بيروت، ط1، 2016، ص 6.
- المصدر نفسه، ص 6.
- المصدر نفسه، ص 10 . و الاشارة الى كتاب:
John Henry Mackay: Max Stirner. His Life and His Work . Translated from the Third German Edition by Hubert Kennedy. © 2005 ISBN: 1-59457-983-0 .Peremptory Publications.Concord, California. http://home.pacbell.net/hubertk.

- أنظر:
libcom.org: Chapter II: Max Stirner (1806-1856)
Submitted by Craftwork on January 20, 2018

- ibid.



#عادل_عبدالله (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواجهات الكبرى لفلسفة فويرباخ - كارل بارث، ماكس شتيرنر، ول ...
- هل كان فويرباخ ملحداً؟
- النقد الفلسفي لفكرة فويرباخ عن “ الإنسان هو الذي خلقَ الله، ...
- هل يمكن الامتناع عن الكتابة !؟
- أوهام نيوتن
- ما يُلقى من العِلم إلى النار
- أسطورة الشاعر رامبو بين مقالتي - ما لم يقله أحدٌ عن رامبو- و ...
- هل يمكن للإنسان معرفة ما -هو- الله؟
- لماذا لا نفهم ما قاله كارل ماركس؟
- هيجل و ماركس في مقال عنوانه : هل تعلم...؟
- - من أفيون السماء، إلى أفيون الأرض: القصّة الكاملة لصراع مار ...
- كارل ماركس، شاعرا
- كيف نفهم ماركس؟ كيف نفكر معه؟ او ضدّه؟
- الله و الإنسان: من -الجَدل- في فلسفة هيجل، إلى -الدَجَل- في ...
- هيجل و ماركس في أربع مقالات قصيرة
- عبء الاثبات في الحوار الفلسفي: الفصل الرابع: أنطوني فلو: افت ...
- عبء الإثبات في الحوار الفلسفي - الفصل الثالث: الله و إبريق ش ...
- عِبءُ الإثباتِ في الحوار الفلسفي على أيٍّ من الطرفين يقعُ عب ...
- عِبءُ الإثباتِ في الحوار الفلسفي على أيٍّ من الطرفين يقعُ عب ...
- عبء الإثبات في الحوار الفلسفي - على أيّ من الطرفين يقع عبءُ ...


المزيد.....




- خطة سلام من 20 نقطة -توفر فرصة للتهدئة- بين أوكرانيا وروسيا. ...
- سوريا تُعلن إحباط مخطط في اللاذقية لاستهداف احتفالات رأس الس ...
- مقتل سبعة أشخاص جراء انفجار داخل مسجد بشمال شرق نيجيريا
- فيديو- كأس الأمم الأفريقية: ما خلفيات قرار حظر شرطة باريس ال ...
- خلل في الإجراء الأمني يثير تساؤلات حول سقوط طائرة رئيس الأرك ...
- ما أهم الأسلحة التي استخدمتها روسيا وأوكرانيا خلال الحرب؟
- استطلاع حكومي: أغلبية الروس يتوقعون نهاية حرب أوكرانيا عام 2 ...
- خفر السواحل الأميركي يطلب تعزيزات لاحتجاز ناقلة نفط مرتبطة ب ...
- هل إسرائيل وتركيا على حافة حرب؟
- كردفان: عقدة الصراع الحاسمة في حرب السودان


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عادل عبدالله - ماكس شتيرنر يُحيلُ فلسفة فويرباخ على التقاعد!