|
فوضى سرير أكتوبر
نورالدين خروب
الحوار المتمدن-العدد: 1840 - 2007 / 2 / 28 - 12:10
المحور:
الادب والفن
كان علي أن أقول لها إني صديقك في الدراسة وأنهي المكالمة، لكن صوت أمك الجاف لم يترك مجالا للتفكير، لابد أن الطريقة التـي أقفلت بها الخط، ستفجر زوبعة من الأسئلة في البيت. من المحتمل أن تكون النوافذ مفتوحة في مثل هذا الوقت، البارحةاتصلت أربع مرات، في كل مرة أضع السماعة وأشتمها، أقصد أمك، كنت أنتظر أن تفهم نفسها وتصعد إلى السطح مثلا، وتتركك صحبة الهاتف، لكن يبدو أنها قديمة جدا، لم تغير حلقات المسلسلات المدبلجة شيئا من طباعها الخشنة. كان عليك أن تتصلي أنت وتحلي المشكلة، مشكلتـي طبعا. تعرفين جيدا أنني لا أستطيع أن أتحمل الصبر أكثر من أسبوع، أشعر بالظلم، ولا أستطيع أن أفعل شيئا حياله.. خبيثة! اختفيت وتركتني أفتش عنك في المخادع الزجاجية، وألعن أمك.. لكن ما دخلي أنا بكل ما حدث؟ أتعتقدين أني سأفعل ما روته عني تلك الملعونة؟ أنت بنفسك قلت أن المسألة تحتاج إلى وقت. يكفي عزيزتي "إكرام" أني أفكر فيك الآن، وأعض أصابعي لأني أفعل هذا. قد أكون أكذب لأني أفكر في منهدتك الصفراء تحديدا، منزلقا من حين لآخر جهة الأسفل، الجهة التـي لا ذنب لها في كل ما وقع. أنا أيضا أترك الشوك ينبت في وجهي كحديقة مهملة، لا لشيء، إلا تضامنا معك. كلانا يفهم الآخر، ويتجنب الإحراج، فهذا عزيزتي هو الحب بأذنيه الطويلتين ! وعلى ذكر الحب، هل تذكرين يوم التقينا في ذلك المقهى وسط حي السلام، كان يوم خميس، أذكر جيدا. بالمناسبة، أكره هذا اليوم، سأحكي لك هذا فيما بعد. الجو كان شتويا، والموسيقى المنبعثة من التلفاز تغري بانتحار جميل من البلكونة، فيما كنت حائرة مثل كرة البلياردو، تنظرين إلي، ثم إلى التلفاز، ثم إلى النادل الذي يتحرك كمحارب من القرن الثامن عشر، ثم تنغرسين فيَ من جديد كتهمة قديمة، كان صعبا أن أجاريك في هذا التزحلق، فتشبثت بأوراق جريدة ناقصة.. دعوتك لتشربي شيئا، كنت متحمسا بفعل الموسيقى الشرقية. قلت أشياء مضحكة، ومنذ ذلك اليوم، ونحن نلتقي في نفس المقهى، ونفترق عند الركن الشمالي لساحة الحسن الأول. لم يحصل أن اختلفنا، كلانا يعرف أين يدغدغ صاحبه، ويجعله يقهقه. حتى وإن افترقنا وهذا ما لا أريده، فسيظل عصير الموز كتذكار جميل بيننا. أنا أيضا أحب الموز، وهو الذي اقترح علينا أن نحتمي بالمقهى من عيون الفضوليين. هذا جيد ! تحدثنا كثيرا، عن التاريخ، الحياة، والكتابة، قبل أن ننسى الكل، وننخرط في حماقات أخرى، المهم أننا لم ننخرط في أي حزب. مؤسف حقا ألا نفعل شيئا طوال هذه المدة سوى أن ندخل الغرفة بهدوء ونخرج منها مثل زوجين مر على زواجهما عقد طويل .. الحب هو أن تترك الأمور تجري كيفما اتفق، هكذا قرأت في مجموعة لغارسيا ماركيز، فالحب إذن هو تلك الفوضى العائمة في سرير أكتوبر، دون احتساب عدد الأطفال المخنوقين في العوازل ومناديل الورق، الأطفال الذين يتسلقون شاحنات البلدية باكرا ويذهبون إلى الحمام، قبل أن يأخذوا طريقهم إلى المدرسة وسط الأشجار، ليقفوا في صف المطعم المدرسي في الثانية عشرة تماما. هل فكرت يوما كم من طفل وسيم أرسلناه إلى القمامة بدل أن نضع في يده الشوكلاطة ونرسله إلى الروض. أخشى أن يفتضح أمرنا، لا أريد أن يناديني أحد بالقاتل، فأنا ابن عائلة شريفة، وليست لدي أي صلة بدماء فاسدة. السبت الماضي ذهبت لأنام هناك. هل تعرفين ؟ بات في القمامة يصرخ ويناديني "بابا" طوال الليل. لا بد أن تنامي هناك لتتأكدي من كلمة "ماما".. على كل حال، سأنتظرك غدا بعد الزوال. أمك تنام في مثل هذا الوقت، لا تهتمي، لن نتأخر كثيرا، نصف ساعة تكفي لنرسل طفلا جديدا للقمامة.
#نورالدين_خروب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-آثارها الجانبية الرقص-.. شركة تستخدم الموسيقى لعلاج الخرف
-
سوريا.. نقابة الفنانين تعيد 100 نجم فصلوا إبان حكم الأسد (صو
...
-
من برونر النازي معلم حافظ الأسد فنون القمع والتعذيب؟
-
حماس تدعو لترجمة القرارات الأممية إلى خطوات تنهي الاحتلال وت
...
-
محكمة برازيلية تتهم المغنية البريطانية أديل بسرقة أغنية
-
نور الدين هواري: مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي باللغة العربية
...
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|