|
هل نحن إزاء ضربة أمريكية ترجيحية واحدة ؟
حبيب هنا
الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 12:37
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
إذا كان معظم المحللين السياسيين توصلوا إلى قناعات تؤشر بوضوح إلى إصرار الولايات المتحدة الأميركية على توجيه ضربة قوية إلى إيران تكفل تأخرها عن ركب الحضارة والتطور العلمي عشرات السنين ، وإذا كان المحيط الجغرافي لا يحول دون توجيه هذه الضربة بالقدر الذي حال خلال الأزمة الأميركية – الكورية، وإذا كانت إيران قد بنت حساباتها على مغالطات القضاء على العراق حتى لا يتم الاستقواء عليها من خلاله لما يتمتع به من قوة في حينه، فإن الحسابات الإيرانية الحالية لا تفضي إلى إمكانية إبرام صفقة مع الإدارة الأميركية تجنبها الدمار الذي بات قاب قوسين أو ادني من رؤية آثاره الكارثية ليس فقط على إيران، بل وعلى المنطقة برمتها، وليس عدم رغبة إيرانية في إبرام مثل هذه الصفقة بقدر ما هو عدم رغبة أمريكية لأسباب كثيرة اقلها ماذا يمكن لإيران أن تقدم مقابل مثل هذه الصفقة في الوقت الذي يمكن الحصول عليه بثمن اقل ونتيجة أفضل حسب المعايير الأميركية. هذه التطورات تدفعنا صوب موجة من الأسئلة لا تكف عن العصف بالدول التي اعتقدت أنها بمنأى عن صلف الإدارة الأميركية وما تخبؤه من مفاجآت لاحقة تشي بالانفراد تباعاً بهذه الدول حتى يتأكد العالم أن لا قوة ولا قانون غير الذي تقول عنه الإدارة الأميركية، علماً بأن الأخيرة على قناعة تامة بما يقال عنها وحجم العداء الذي تحظى به بين شعوب الأمم، ولكن هذا لا يردعها عن استجلاب المزيد من العداء عملاً بالمثل الشائع: "يحق للمتهم أن يلعن قضاة أربع وعشرين ساعة". فإيران كان بإمكانها أن توقف الهجوم الأمريكي على العراق قبل حدوثه لو وقفت الموقف ذاته الذي وقفته الدول المجاورة لكوريا الشمالية، وذلك من خلال شد لحمة الدول العربية التي انصاعت لمشيئة أمريكا رغماً عنها وخوفاً من البطش بها، غير أن إيران اعتقدت أن تورط أمريكا في العراق ووجود العدد الكبير من الجيوش الأمريكية بالقرب من أراضيها سيجعلها أقل عرضة للخطر وفقاً للحسابات العسكرية الصرفة، ذلك أن الصواريخ الإيرانية تستطيع النيل من هذه الجيوش سريعاً وبالتالي هذا الكم من الخسائر التي من الممكن لأمريكا أن تتكبده في المنطقة الخضراء العراقية حيث مقر القيادة العسكرية الأميركية وما ينتج عنه سيشكل رادعاً يحول دون التفكير بمهاجمة إيران وتعريض منشآتها الحيوية للحطر، فضلاً عن إمكانية إلحاق الضرر بالمصالح الأميركية الحيوية في منطقة الخليج وإمكانية وصول صواريخها إلى اسرائيل وإيقاع الأذى فيها بقوة تدميرية هائلة بالقياس إلى ما تعرضت إليه إبان الحرب على العراق. صحيح أن حجم المجازفة بين أمريكا وإيران أكبر منه مع العراق باعتبارها مجتمع ديني متماسك من الصعوبة بمكان انقلابة على رجالات الدين كما هو الحال في العراق، ولكن المستنقع العراقي الذي وجدت أمركيا نفسها فيه لن يتكرر ولن تزج بقواتها على الأرض لأنها أصلاً لا تسعى إلى تغيير النظام الديني في إيران، الأمر الذي يستدعي معه أبجديات العمل العسكري: استمرار توجيه الضربات جواً حتى أحداث الدمار المخطط له منذ زمن، بل ويذهب البعض إلى حدود أكثر تشاؤم، وهو إمكانية توجيه ضربة نووية محدودة التأثير والدمار وليكن ضحيتها عشرات الألوف أو يزيد قليلاً. والقيادة الإيرانية تدرك يقيناً أن أوراقها ضعيفة لا يمكن لها المساومة بها للخروج من المأزق بماء الوجه، حيث التجربة العراقية ماثلة أمامها بوضوح، فقد ذهبت قيادة البعث إلى أبعد مما يتطلبه الموقف الدولي ، ولكن الإصرار الأميركي على توجيه الضربة العسكرية لم يكن مسقوفاً بمطالب محددة مع تنفيذها يتوقف الابتزاز، بل كانت على الدوام تصطدم بجدار الموقف الأمريكي الذي يطالب بالمزيد تحت شعار عدم التعاون مع المفتشين وما إلى ذلك، في حين كان دور المفتشين الدوليين جمع المزيد من المعلومات حتى تتمكن أمريكا من توجيه الضربة الأولى القاسمة والتي من شأنها أن تحول دون إيقاع الخسائر بقواتها ومصالحها معاً، في وقت تدرك فيه إيران أن مصيرها لن يكون أحسن حالاً من مصير جارتها العراق فيما لو تعاونت مع المجتمع الدولي. إذن، الضربة قادمة لا محالة، ورجال الدين الإيرانيين يدركون ذلك تماماً، ولكن رفضهم المستمر وإصرارهم على المضي قدماً في برامجهم النووية هو أفضل وسيلة للدفاع عن النفس طالما الضربة آتية لا محالة مهما تأجلت، آملة من وراء ذلك إدخال الرعب في قلب الإدارة الأميركية بوجود إمكانيات وخيارات هائلة أمام القوات العسكرية الإيرانية إن هي تعرضت إلى أي اعتداءات، في حين أن هذا السلوك إنما يزيد الأمر تعقيداً ويضاعف بالتالي من حجم الضربات الجوية الأميركية لدرجة دفعت ببعض المحللين السياسيين إلى الإشارات الخفية بدراسة إمكانية توجيه ضربة نووية محدودة تجعل القوات العسكرية الإيرانية تنهار من فورها. وعليه، لن يمنع ضربة كهذه سوى قوة نووية مماثلة تكون جريرتها الدخول في حرب عالمية ثالثة تعيد تشكيل العالم من جديد تبعاً لنتائج الحرب، وروسيا هي الدولة الوحيدة التي بمقدورها التصدي للترسانة النووية الأميركية، ولكن هل هي مستعدة لهذا الخيار في وقت لم تدافع فيه عن اقرب الحلفاء إليها، يقيناً لا، علماً بأن وتيرة خطاب الرئيس الروسي بوتين في ميونخ كانت حادة وأربكت المحافظين الجدد ومعهم العديد من المحللين السياسيين وذهبت بهم بعيداً في قراءة آفاق المستقبل. من هنا، لا يمكن لإيران تجنب هذه الضربة حتى لو وافقت على تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم، وليس بمقدورها عقد صفقة مماثلة لتلك التي تم التوقيع عليها مع كوريا الشمالية، الأمر الذي يفضي بنا إلى عنوان هذا المقال: هل نحن إزاء ضربة أميركية ترجيحية واحدة؟. نعم، إن الضربة آتية لا مفر منها، ولكن الذي ينبغي العمل عليه منذ الآن، هو عقد حلف عالمي يحول دون استمرار أمريكا بخيارات غطرسة القوة حتى لا تتمكن من الانفراد بالدول الواحدة تلو الأخرى بما فيها روسيا التي يشكل الاقتراب من حدودها مصدر إزعاج دون أن تحرك ساكناً، في وقت يعصف التطور العلمي والتكنولوجي بكل الأسلحة القديمة مستحدثاً أدوات دمار لا مثيل لها على الإطلاق، هي جيل الآن وربما الغد..
#حبيب_هنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفصل 3 من رواية كش ملك
-
الحكومة الفلسطينية .. عشرة شهور على الأزمة
-
الفصل 3 من رواية :كش ملك
-
اتفاق مكة الثنائي
-
إيران والعد التنازلي للحرب
-
الفصل 2 من رواية : كش ملك
-
الفصل الأول من رواية :كش ملك
-
فرصة اللحظات الأخيرة
-
مسرحية جديدة -نحكي وإلا ننام
-
الحب الفجيعة :قصة قصيرة
-
الراقص المقعد :قصة قصيرة
-
قلعةلبنان تقتحم من الداخل
-
قصة قصيرة
-
خروب عسل-- قصة قصيرة
-
أمريكا ..الذهاب إلى الانتحار
-
ملامح استراتيجية جديدة بتكتيك قديم
-
إسرائيل الخاسر الوحيد من الحرب
-
إسرائيل.. رياح التغيير تخطف النوم والأمن
-
قانا و-متلازمات جينوفيز-
-
لبنان وحزب الله في طور التحول
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|