|
-اتفاق مكة-.. و-أهل مكة-!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1839 - 2007 / 2 / 27 - 12:37
المحور:
القضية الفلسطينية
التَّشَهُّد في الصلاة (عند المسلمين) هو النطق بالشهادتين؛ أمَّا في ما يريدون له أن يكون "صلاة سياسية"، عند الفلسطينيين، في "جامع" الحكومة، بعد "جامع" الرئاسة، وفي "جامع" البرلمان مستقبلا، فـ "التَّشَهُّد" هو النطق بثلاث شهادات، تضمَّّنها "الكتاب المقدَّس" لـ "اللجنة الرباعية الدولية"، ولمرآتها "اللجنة الرباعية العربية".
في "السورة المكِّيَّة"، وفي "آيتها الكبرى"، أي "كتاب التكليف"، الذي صَدَر وانتهى الأمر ولن يَجُبَّهُ كتاب تكليف آخر الآن، كان كلامٌ جامع مانع، فرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والذي أكَّد قيادته الفلسطينية، وفلسطينية قيادته، كلَّف إسماعيل هنية تأليف حكومة فلسطينية جديدة، ائتلافية، أي من "فتح" و"حماس" في المقام الأول، "تحترم" الالتزامات الرسمية الفلسطينية التي سَبَقت تأليف "حماس" لحكومتها.
ومن القاهرة، جاء توافق مصري ـ أردني في منتهى الأهمية، فمصر والأردن دعتا الفلسطينيين كافة إلى "التزام اتفاق مكة"، وإنجاح حكومة "اتفاق مكة"، وإحباط كل محاولة لاستئناف الاقتتال؛ لأنَّ في الاقتتال مَقْتَل المفاوِض الفلسطيني القوي.. وحثَّتا المجتمع الدولي على "المضي قُدُما في إرساله المساعدات الاقتصادية (التي من حيث المبدأ لم تُرْسَل بًعْد) إلى الفلسطينيين، وعلى السعي من أجل "رفع الحصار (الذي كان يجب أن يُوْصَف بأنَّه "جائر ظالم") المفروض على الفلسطينيين..
ولو أريد لهذا التوافق أن يصبح "رباعيا"، فلا تظل "اللجنة الرباعية العربية" مرآةً لـ "اللجنة الرباعية الدولية"، لاجتمعت "الرباعية العربية"، وقرَّرت أنَّها "تحترم التزام الحكومة الفلسطينية المقبلة احترام الالتزامات الرسمية الفلسطينية السابقة.. وأنَّها ترى أنَّ كتاب التكليف يكفي، ويجب أن يكفي، نصا وروحا، لإنهاء الحصار الدولي الجائر".
إنَّ لكل جماعة سياسية فلسطينية اختارت الديمقراطية (والانتخابات الديمقراطية) طريقا إلى السياسة (عملاً وأهدافاً) الحق المقدَّس في أن تظلَّ، في موقفها السياسي المبدئي، ضد "الأقانيم الثلاثة" لـ "الرباعية الدولية"، وإنْ وَجَبَ عليها، في حال تأليفها لحكومة، أو مشاركتها فيها، أن تُعْلِن "احترامها الالتزامات الرسمية السابقة" إلى أن يرى الشعب رأيا آخر، فليس من قدسية لأي التزام، أو اتِّفاق، فقد شرعيته السياسية الديمقراطية التي لا مَصْدَر لها غير الشعب، الذي يكشف عن إرادته عبر صندوق الاقتراع الحر الشفاف.
افْتَرِضوا أنَّ مصر قد تحوَّلت إلى الديمقراطية كما ترينا ذاتها في خارج العالم العربي، وأنَّ جماعة سياسية مصرية لا تقبل الاعتراف بإسرائيل (بدرجاته أو دركاته المختلفة) قد أصبحت في وزن برلماني يسمح لها بالسيطرة على "السلطة التنفيذية"، أو المشاركة فيها، وأنَّ "المجتمع الدولي" قد اعترض، مُتَرْجِما اعتراضه بضرب حصار دولي مالي واقتصادي على حكومتها، فهل ندعو، عندئذٍ، تلك الحكومة إلى تلبية شروط ومطالب "المجتمع الدولي" لإنهاء الحصار أم نقف ضده؟!
إنَّ أخشى ما أخشاه أنْ تُعدَّل الدساتير العربية مستقبلا ليصبح اعتراف الجماعات السياسية بإسرائيل، والتزامها ما التزمته حكوماتنا من معاهدات مع إسرائيل، شرطا أوَّليا لعملها السياسي.. لعملها البرلماني والحكومي.
إذا كانت جيبوتي، بموجب "مبادرة السلام العربية"، غير مدعوَّة إلى الاعتراف بإسرائيل وتطبيع علاقتها معها إلا بعد، وليس قبل، تلبية الدولة اليهودية للشروط والمطالب العربية التي تضمَّنتها تلك المبادرة، فكيف تدعى الحكومة الفلسطينية المقبلة إلى النطق بـ "الشهادات الثلاث" في برنامجها الحكومي؟!
النطق بها الآن ليس من "الإيمان" بشيء؛ بل هو كفر فلسطيني بالحق القومي الفلسطيني، وإلا ما معنى أن تعترف الحكومة الفلسطينية المقبلة بإسرائيل التي لم تعترف بعد، وعلى الرغم من كل ما حصلت عليه حتى الآن من اعتراف فلسطيني بها، بأنَّ للشعب الفلسطيني حقا في أن تكون له دولة في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها منذ 1967؟!
لعبة جديدة بدأوا يلعبونها الآن؛ ونراها في أقوال من قبيل "اتفاق مكة يمكن ويجب أن يكون كافيا لحقن الدم الفلسطيني؛ ولكنه..". ولكنه، في قولهم المقبل، لن يكون كافيا لإنهاء "الحصار"، وكأنْ لا مانع من أمرين: لا مانع من تأليف الحكومة الفلسطينية المقبلة بما يتفق مع "كتاب التأليف"؛ ولكن باعتبارها "حكومة لحقن الدم الفلسطيني"، ولا مانع من استمرار "الحصار الدولي" إلى أن تلبي تلك الحكومة شروط ومطالب "الرباعية الدولية"، فعندئذٍ فحسب تصبح، أيضا، "حكومة لفكِّ الحصار"!
ولا مانع من أمر ثالث.. السعي في التوصُّل إلى اتِّفاق بين إسرائيل والفلسطينيين في مناخ "حقن الدم الفلسطيني واستمرار ضغوط الحصار"، وكأنَّ "الحصار"، مثلما هو الآن، أو مُعدَّلاً بعض الشيء وبما يفي ببعض الأغراض السياسية، هو "الوقود" بالنسبة إلى "عربة السلام"، التي تُظْهِر رايس رغبة في قيادتها، على الرغم من "خذلان" عباس لها (ولشريكتها ليفني)!
لو كان "الحل" الذي يتوفَّرون على طبخه يمكن أن يحظى بقبول فلسطيني عام، أي بقبول غالبية الناخبين الفلسطينيين ممن يحق لهم الاقتراع، في انتخابات برلمانية، أو برلمانية ورئاسية، أو في استفتاء شعبي، لَمَا تشددوا في رفضهم إنهاء "الحصار" قبل تلبية الحكومة الفلسطينية المقبلة لشروط ومطالب "الرباعية الدولية"، ولحثُّوا الحكومة الإسرائيلية والرئاسة الفلسطينية على بدء تفاوض سياسي، وعلى المضي فيه قُدُما، توصُّلا إلى حلٍّ، يكفي أن ترفضه "حماس" حتى تفقد الجزء الأعظم من وزنها الانتخابي والشعبي.
هم يعلمون أنَّ الحل الذي يسعون إليه لن يأتي به إلا تفاوض سياسي، لن ينجح، إذا ما نجح، إلا بفضل "عصا الحصار". وهذا هو وحده ما يُفسِّر إصرارهم على رفض الاعتراف بـ "اتفاق مكة" بصفته تلبية فلسطينية ممكنة واقعيا لشروط إنهاء الحصار الدولي. إنَّ الأهمية السياسية الكبرى لـ "اتفاق مكة" تكمن في كونه "يلبي شروط إنهاء الحصار، بما يقي الفلسطينيين شرَّ الاقتتال والحرب الأهلية، وبما يسمح للتفاوض السياسي بأن يبدأ ويُثمِر إذا ما..".
وقبل أن يحقن "اتفاق مكة" الدم الفلسطيني كان هناك من له مصلحة في أن يُقْنِع الرئاسة الفلسطينية بأنَّ المزاوجة بين "الحصار" وبين "شيء من الاقتتال" هي المناخ الذي فيه يصبح ممكنا أن يُظْهِر اولمرت من "السخاء السياسي" ما يكفي لتلبية كثير من الحاجات والمطالب الفلسطينية، وما يمكِّنه، في الوقت ذاته، من أن يحقن دمه السياسي، أي أن يدرأ عنه مخاطر خصومه ومعارضيه وهو الذي من الضعف السياسي الداخلي بمكان.
هذا هو "اتفاق مكة"، وهذا هو "كتاب التكليف"، الذي بما يتفق معه، نصا وروحا، ستؤلَّف الحكومة الفلسطينية المقبلة التي ستزن كل مواقفها بميزان واحد فحسب هو ميزان "لا للعودة إلى الاقتتال". وهذا هو ما أجمع عليه الفلسطينيون توصُّلا إلى رفع "الحصار". وهذا "الإجماع" هو وحده ما ينبغي للعرب، دولا و"رباعية"، أن يُجْمِعوا عليه. وهذا هو "المفاوِض الفلسطيني المُفَوَّض" الرئيس محمود عباس، فليفاوضوه إذا ما كان لديهم من حلٍّ يعتد به، ويمكن أن يحظى بقبول فلسطيني عام، وأن يعيد "حماس" إلى الصفوف الخلفية إذا ما تجرَّأت على رفض هذه النعمة التي يريدون إسباغها على الشعب الفلسطيني!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صورة الحرب إذا ما نشبت!
-
بعضٌ من الثقافة التي رضعنا!
-
-الشريك الفلسطيني-.. هل عاد إلى الوجود؟!
-
عباس وهنية في خطَّين متوازيين!
-
كوريا وإيران.. فَرْق أعظم من الشبه!
-
مسطرة -المجلس الأعلى للإعلام-!
-
نُذُر حرب جديدة!
-
ساعة المخاض لسلطة -فتحماس-!
-
في جدل العلاقة بين -الذات- و-الموضوع-
-
بند -الاعتراف- في -الحوار المكِّي-!
-
شلال دمٍ من أجل -عَظْمَة-!
-
الطريق التي افتتحها اجتماع -الرباعية-!
-
ثلاث سنوات من الجَزْر الديمقراطي!
-
والمفتي إذ أفتى!
-
لن يُغْفَر للشعب الفلسطيني سكوته!
-
-التقارب- بين الرياض وطهران!
-
جدل قانون الأحزاب الجديد!
-
التقريب بين المذاهب.. في الدوحة!
-
الخلوة الدمشقية!
-
كفَّرْنا بعضنا بعضا فعُدنا غساسنة ومناذرة!
المزيد.....
-
لثاني مرة خلال 4 سنوات.. مصر تغلظ العقوبات على سرقة الكهرباء
...
-
خلافات تعصف بمحادثات -كوب 29-.. مسودة غامضة وفجوات تمويلية ت
...
-
# اسأل - اطرحوا أسئلتكم على -المستقبل الان-
-
بيستوريوس يمهد الطريق أمام شولتس للترشح لفترة ثانية
-
لندن.. صمت إزاء صواريخ ستورم شادو
-
واشنطن تعرب عن قلقها إزاء إطلاق روسيا صاروخا فرط صوتي ضد أوك
...
-
البنتاغون: واشنطن لم تغير نهجها إزاء نشر الأسلحة النووية بعد
...
-
ماذا نعرف عن الصاروخ الروسي الجديد -أوريشنيك-؟
-
الجزائر: توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال
-
المغرب: الحكومة تعلن تفعيل قانون العقوبات البديلة في غضون 5
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|