محمد بن سعيد الفطيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1854 - 2007 / 3 / 14 - 10:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
غيوم الخريف وقبلها عناقيد العنب وغيرها الكثير من الأسماء , قد تحولت في لحظات على يد الإرهاب الإسرائيلي إلى غيوم مليئة بالألم والدم والدموع وعناقيد مليئة بالغضب والحقد والكراهية , وتحولت تلك الأسماء إلى مشاهد قاتمة لمسرحية كتبت مقاطع فصولها أيادي آثمة وأفكار سياسية مريضة وإيديولوجيات أسطورية خرافية هي نتاج واضح لشعب يتصورانه شعب الله المختار وان كل ما سواه على هذه الأرض هم مجرد تكملة عددية لا أكثر, وبالتالي فانه ليس من الخطأ أن يتم تطهير وطن بأكمله , او أن يباد شعب لم يكن ذنبه إلا انه رفض الاحتلال والاستعمار والهوان تحت ذريعة تلك الأفكار والإيديولوجيات0
فالفكر الصهيوني كما اثبت لنا من خلال تعامله على مدى التاريخ , وعلى مختلف المستويات وفي كل المواقف , انه ليس سوى نتاج محصلة لتفكير عصابي واضطراب في مقومات الشخصية , قائم على الكره الأعمى للآخر ، مع الضرب بعرض الحائط بكل الأعراف والمواثيق الدولية طالما أن الآلة العسكرية الإسرائيلية تشعر في عنفوان قدرتها التقنية وتحوز على دعم الحكومة الأميركية لها , اوأنها بذلك تحقق رغباتها الإيديولوجية القائمة على أرضية الزخم الغزير الواسع من المقدمات والمنطلقات السياسية الفكرية السيكولوجية للفكر السياسي الإرهابي الصهيوني الإسرائيلي ، والإستراتيجية التي وضعتها وطورتها وعملت بها الحركة الصهيونية العالمية تحت مظلة وعد بلفور وحماية قوات الاستعمار البريطاني، فقد أفرزت الحركة الصهيونية وشكلت مجموعة من التنظيمات الإرهابية الدموية ، وواصلت اسرائيل نهجها وطريقها بعد قيامها ، فاكتمل الفكر السياسي الإرهابي الصهيوني باقتراف تلك التنظيمات - والحكومة الإسرائيلية - سلسلة طويلة متصلة مستمرة من المذابح الجماعية الدموية المروعة ، وعمليات تهديم وترحيل جماعي للمدن والقرى والسكان ، إضافة إلى سياسة تمييز عنصري منهجي، واغتيال وتصفيات دموية ، فضلا عن دولة المستوطنين اليهود التي تشن وحدها ، تحت حماية الجيش الإسرائيلي حربا إرهابية شرسة ضد الفلسطينيين0
نعم , فمن منطلق ذلك التفكير وتلك الإيديولوجيات تتضح لنا التطلعات والأحلام الصهيونية في ارض الرسالات والعروبة فلسطين , وذلك مع كل محاولات التهجير ألقسري والتعذيب الجماعي والإرهاب والإبادة لشعب اعزل لا يملك سوى الحجر والإرادة , حينها لا يمكن لأحد في العالم الحر أن يستنكر المجزرة الإسرائيلية الدموية الجديدة التي استشهد فيها عدد من الأطفال الأبرياء الذين لم يكن ذنبهم سوى أنهم ولدوا في زمن تنتهك فيه الحرمات وتغتال فيه الطفولة والبراءة , وضحايا غيوم الخريف الصهيونية التي أمطرت حقدها على النائمين في ظلمة الليل , فذلك ليس بجديد على كيان صهيوني حاقد لا يعرف عن السلام سوى ما يعزفه من سيمفونية الدم والدموع في كل خطواته على مدى تاريخه الأسود الدامي بفلسطين العربي الحزين , تلك المعزوفة السوداء الظلامية التي سيظل صداها يتردد في كل أرجاء المعمورة , المعزوفة الدامية التي كتبها الغاصبون المستعمرون لأرض الرسالات والطهر فلسطين المحتلة لتلحق بغيرها من مجازر الغل والكراهية الصهيونية الحديثة0
فهي مجزرة ليست بالجديدة , ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد في ظل المنهجية المتناقضة للعدالة والسلام الذي تقوده وتروج له الولايات المتحدة الاميركية في العالم بوجه عام , والشرق الأوسط بوجه خاص , وتحت مسميات وشعارات واهية وزائفة كالديمقراطية والمساواة والعدالة والحرية , وهذا ما ثبت بكل وضوح وجلاء من خلال التصريحات الرسمية للحكومة الاميركية التي رفضت حتى أن توجه اللوم للحكومة الإسرائيلية , بل وقفت بكل صراحة وقاحة لتقول أن منظمة حماس هي المسؤول الأول والأخير عما يحدث للشعب الفلسطيني من إرهاب الصهيونية الإسرائيلية , وبكل قناعة وتأكيد فان العالم يدرك إدراك تام ويعلم حقيقة أن الصهيونية الحديثة في الولايات المتحدة الاميركية هي المؤلف الحقيقي لسيناريو الشرق الأوسط الجديد الذي يبدأ من فلسطين العربية بكل مجازرها وأحزانها ليتجاوزها إلى لبنان العربي والجمهورية العربية السورية , ولن ينتهي بعراق العروبة والإباء , وستستمر رحلة المجازر والإرهاب الإسرائيلية والاعتداءات الصهيونية ألاثمة على كل جزء تستطيع أيادي الحقد الإسرائيلي أن تناله او تصله في فلسطين المحتلة او أي جزء من وطننا العربي العظيم , ودون تفرقة بين صغير او كبير او شيخ هرم او طفل رضيع , ما دامت الولايات المتحدة الاميركية تقف مع هذا الكيان الغاصب المحتل0
ولكن ورغم كل تلك المجازر والدماء التي سالت ولازالت , فإن أرحام الأمهات الفلسطينيات لن تعجز أن تلد مثل محمد او خالد او أسماء او فاطمة وستظل هناك طفلة صغيرة او طفل رضيع يحمل لغة التحدي والمواجهة لغيوم الخريف او عناقيد الغضب او غيرها من المسميات التي عجزت أن تقضي على شعب عربي تعلم كيف يواجه العواصف والرياح بكل شجاعة وإباء , شعب علم الدنيا كيف هي التضحيات من اجل الحرية , وكيف هي الشجاعة في مواجهة الأسلحة الحديثة المتطورة بالحجر والتصميم.
فما حدث في بيت حانون بشمال قطاع غزة من مجزرة صهيونية راح ضحيتها ما لا يقل عن 20 قتيلا منهم 18 من عائلة العثامنة , إضافة إلى أكثر من 40 جريحا بعضهم في حالة الخطر , ليصل بذلك عدد الشهداء الفلسطينيين منذ بداية حملة غيوم الخريف الإسرائيلية إلى ما يتجاوز 83 شهيدا معظمهم من الأطفال والنساء حسب أخر المصادر المتوفرة , دليل واضح على دموية هذا الكيان الذي يختار ضحاياه بكل تميز وإتقان , وخصوصا الأطفال والنساء , وفي عتمة الليل كما هي الخفافيش والذئاب التي تختار ضحاياها في الظلام الدامس وحين تهجع النفوس الطاهرة البريئة إلى الهدوء والسكينة , وها هو الدليل يتضح في بيت حانون كما كان في كل مجزرة اختلطت فيها برك الدم بأشلاء الضحايا والشهداء , فحسب المعلومات الفلسطينية فقد وقعت المجزرة الإسرائيلية في الساعة الخامسة والنصف فجرا , والناس نيام بسقوط أول قذيفة مدفعية ـ آثمة ـ من العيار الثقيل على منزل العثامنة المكون من أربعة طوابق في شارع حمد في البلدة ، ليخترق سطح الطابق الرابع والثالث ، وتنفجر في غرف الأطفال وهم على أسرتهم نائمون , وانتظرت القذائف الإسرائيلية الـ 11 الأخرى ، الجيران الذين استيقظوا مذعورين على صوت الانفجار، وهرعوا لمساعدة العائلة المنكوبة ، لتسقط على منزلين آخرين إضافة إلى منزل العثامنة ، وتحصد مزيدا من القتلى والجرحى.
نعم ... بيت حانون هي امتداد لسلسلة من الجرائم الصهيونية ضد الشعوب العربية عامة وأبناء فلسطين بصورة خاصة ابتداء من مجزرة بلدة الشيخ وحواسه بتاريخ 1 / 1 / 1948 , إلى مذبحة ناصر الدين ودير ياسين وقبية وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا ومذبحة الحرم الإبراهيمي وقانا الأولى في عام 1996 والتي مثلت بكل صراحة مدى الانهيار الأخلاقي للكيان الإسرائيلي ومدى عجز الأمم المتحدة التي ضربت في عقر دارها وتحت أنظار المجتمع الدولي , وذلك حين أقدمت حكومة الكيان الإسرائيلي الغاصب على ضرب مقر حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وتكرر ذلك في كل امتدادات قانا , ولتكن بيت حانون وقانا وأخواتها امتداد لعظمة الكبرياء والإباء العربي والفلسطيني الذي ظل شامخ مرفوع الرأس أمام ارتال الدبابات وأسراب الطائرات الاميركية الإسرائيلية الحديثة , وستظل إن شاء الله فلسطين العربية عصية على كل المعتدين وأيادي الكراهية الإسرائيلية الصهيونية.
ان إسرائيل بهذه المجزرة الدامية والرؤية الظلامية للبشرية والإنسانية , تزيد رصيد إرهابها في سجلها الحاقد , ولتزيد كراهيتها في قلوب جميع الشعوب التي كانت يوم من الأيام سبب في أحزانها وأوجاعها , وذلك مع كل دمعة الم تسقط من عين طفل يتيم فقد أسرته , او أم ثكلى غاب عن عينيها طفلها الرضيع , وغيرها من صور الحزن والألم في كل مكان تسببت فيه إسرائيل بألم ما لشخص ما , ولتبقى إسرائيل في أعين البشرية الكيان الذي خرق كل الأعراف والمواثيق السماوية والعهود الأرضية , بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وحرياته الصادر عن الجمعية العامة في عام 1948, وقرار الجمعية العامة الصادر في عام 1946 والذي يعتبر إبادة الجنس البشري جريمة دولية يعاقب عليها القانون , وكذلك قرار الجمعية العامة الصادر في عام 1977 والذي أكد على ضرورة الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ولتثبت حكومة الكيان الإسرائيلي بتلك المجازر الدموية الآثمة براءة اختراع إرهاب الدولة لها ولقادتها , ولتعري جسد الحقد الصهيوني تجاه عالمنا العربي , ولتجرد العجز العالمي بداية من هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي وغيرها من الكيانات القانونية والأخلاقية الإقليمية والعالمية من لباس التشدق وادعاءات حفظ السلام وحقوق الإنسان والتمسك بالقوانين والأعراف الدولية التي أخرستها آلة الحقد الإسرائيلية , فضلت أمامها صامته عاجزة عن تسجيل موقف مشرف للأجيال القادمة , وإنما كان جل ما استطاعت أن تفعله هو التنديد والشجب وكل ما لا يسمن ولا يغني من جوع , رغم وضوح القوانين والمواثيق الأممية التي توثق هذا الإرهاب في السجل الدولي , كإرهاب دولة وإبادة بشرية تقوم بها حكومة الكيان الإسرائيلي , بداية من اتفاقية جنيف (1864) واتفاقيات لاهاي (1899-1907) ، وغيرها الكثير من تلك الاتفاقيات الدولية والتي تمخض عنها وضع القواعد الأساسية الدولية لحماية المدنيين في زمن الحرب , تلك الاتفاقيات التي طالما تغنت بها تلك المنظمات والهيئات , ولكنها لم تستطع تطبيقها وإحلال قواعدها ومفاهيمها على إسرائيل كحكومة ولا كأشخاص متهمين بارتكاب جرائم حرب.
#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟