أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوري حمدان - المخدرات في العراق.. حين يتحوّل الخطر الصامت إلى تهديد وطني شامل














المزيد.....

المخدرات في العراق.. حين يتحوّل الخطر الصامت إلى تهديد وطني شامل


نوري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 13:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تبدو المخدرات في العراق اليوم مجرد ظاهرة اجتماعية يمكن إدراجها في خانة الانحرافات الفردية، ولا حتى قضية أمنية قابلة للحل عبر المداهمات والاعتقالات الموسمية. ما يواجهه العراق في هذا الملف أخطر بكثير مما يُعلن، وأعمق من أن يُختزل في أرقام الضبطيات أو أحكام المحاكم، إذ يتحول هذا الخطر الصامت تدريجيًا إلى تهديد شامل يطال بنية المجتمع وصحته واستقراره الاقتصادي والأمني معًا.

فالبيانات الرسمية الصادرة خلال الأشهر الماضية تكشف مستوى يبعث على القلق؛ إذ تم القبض على أكثر من ثلاثة آلاف متورّط وضُبط ما يزيد على طنّين من المواد المخدرة في الربع الأول من عام 2025 وحده، فيما بلغ مجموع الضبطيات خلال السنوات الثلاث الماضية نحو أربعة عشر طنًا. وفي الوقت ذاته، تنفذ الأجهزة الأمنية عمليات عابرة للحدود بلغت خمسين عملية، وتستعيد ثلاثين مطلوبًا بالتنسيق مع دول الجوار، ما يكشف حجم شبكات التهريب وتوسعها وتعقيدها، ويؤكد أن العراق لم يعد مجرد محطة عبور، بل تحول في بعض المناطق إلى سوق مستهدَف وتربة خصبة لانتشار أنماط جديدة من الإدمان.

ومع تصاعد هذه الظاهرة، يتبدّى أثرها الاجتماعي بوضوح في ازدياد الجرائم المرتبطة بالتعاطي والاتجار، وفي التهديد المباشر للبنى الأسرية التي تتعرض لضغوط هائلة نتيجة تورط أحد أفرادها في الإدمان، وما يرافق ذلك من عنف وتفكك وفقدان للسيطرة. ويكفي النظر إلى انتشار الكريستال الأبيض، المعروف محليًا بـ"الكريستال"، لندرك حجم الكارثة؛ فهذه المادة لا تسبب مجرد إدمان سريع، بل تخلق حالات من الهلوسة والعنف والعدوانية تجعل المتعاطي مصدر خطر على نفسه وعلى الآخرين. أما الكبتاغون، الأكثر انتشارًا في المنطقة، فبات شريكًا في مشاهد العنف والقلق والاكتئاب التي تعصف بالشباب، إلى حد أن كثيرًا من الجرائم باتت تُقرأ من خلال أثر هذه الحبوب أكثر مما تُقرأ من خلال الدوافع التقليدية.

وإزاء هذا التفاقم، تعمل الدولة على تطوير الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات للفترة 2025–2030، وهي خطوة مهمة تسعى إلى الدمج بين الوقاية والعلاج والمكافحة. وقد جرى بالفعل ربط مراكز معالجة الإدمان بشبكات بيانات موحدة، وتم تأهيل أكثر من خمسة آلاف متعافٍ، فيما تتوسع جهود الحكومة في دعم الصحة النفسية وتعزيز برامج إعادة الإدماج. كما يشهد ملف ضبط الحدود تحولًا لافتًا من خلال استخدام الأنظمة التقنية الحديثة، وأجهزة السونار، ووحدات الـK9، وبناء مخافر جديدة، واعتماد الحوكمة الإلكترونية للحد من الفساد الذي طالما تسلل إلى المنافذ. ومع ذلك، ترى شريحة واسعة من المختصين أن هذه الجهود، على أهميتها، لا يمكن أن تحقق نتائج مستدامة ما لم تُرفَد بسياسات اجتماعية واقتصادية تخلق بدائل حقيقية للشباب، وتسد الفراغ الذي تستثمره شبكات المخدرات والقوى التي تموّلها وتستفيد منها.

فالجانب الأمني، مهما بلغ من صرامة، لا يستطيع وحده وقف هذا النزيف. فالشباب الذين يقعون في فخ الإدمان يعيشون في بيئة تفتقر إلى الفرص، وتُثقلها البطالة، وتغيب عنها الأنشطة الثقافية والرياضية التي تمنحهم معنى وهدفًا. كما أن اقتصاد المخدرات، بما يوفره من أرباح هائلة وسريعة، يخلق اقتصادًا مضادًا يقوّض الدولة ويُغذي الفساد، ويمتد في تأثيره إلى المؤسسات والأحياء والمدارس وكل مفصل من مفاصل الحياة العامة. وحين يصبح الإدمان مهربًا نفسيًا من واقع مختنق، وحين تغدو المواد المخدرة أرخص وأسهل من فرص العمل والتعليم، فإن الأمن وحده لن يصنع تحولًا حقيقيًا مهما بلغت الإجراءات من قسوة أو تشدد.

إن التصدي لهذا الخطر يقتضي رؤية وطنية شاملة تدمج بين العلاج والقانون والتوعية والتنمية، وتستثمر في الإنسان قبل أن تُحقق الضبطيات والأحكام. فالمجتمع الذي يفقد شبابه يفقد معه مستقبله، والدولة التي تترك مواطنيها عرضة لمواد سامة تهدد العقل والجسد والاقتصاد، دولة تؤجّل انفجار أزمة ستأتي - إن لم تُواجه اليوم - بأثمان أعلى في الغد.

المخدرات ليست خبرًا أمنيًا عابرًا، ولا موجة ستنحسر تلقائيًا. إنها معركة طويلة لن تُحسم إلا حين يمتلك العراق سياسة اجتماعية تحصّن الناس، واقتصادًا يوفر البدائل، وتعليمًا يصنع الوعي، ونظامًا قضائيًا يحاصر كبار المتاجرين قبل صغار الضحايا. وما لم يتحقق ذلك، سيبقى الخطر قائمًا، وستظل هذه الآفة تتسلل إلى البيوت بصمت أشد من دويّ حملات المداهمة، وأقسى من كل ما يُعلن في المؤتمرات الصحفية.



#نوري_حمدان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلاد التي يعلو فيها صوت الخوف
- ماذا يراد من الكاظمي؟..
- رونگ سايد: خروج القوات الاجنبية
- رونگ سايد: گەندەڵ في ديوان العشيرة
- رونگ سايد: گەندەڵ بغداد
- رونكَ سايد: الناطق باسم المتظاهرين
- رونكَ سايد: استقالة عبدالمهدي
- رونكَ سايد: زيدان.. واستقلال القضاء
- رونكَ سايد.. برهم هل هو صالح
- رونكَ سايد: -مؤامرة-.. الفياض
- رونكَ سايد: الساعدي في الإمرة
- رونكَ سايد: المؤامرة في العقل العربي
- رونكَ سايد: الحلبوسي.. ما له وما عليه
- رونكَ سايد: نظام -سانت ليغو او ليكَو-
- رونكَ سايد: عيد الغدير
- متى يكفون عن استغلال معاناة الناس...؟
- الانتماء الجيني
- كثير الكلام لا يعمل...
- الدولة المدنية... في بيت الطين
- شح المياه... الحقيقة في الاشاعة


المزيد.....




- السيسي يستقبل خليفة حفتر ونائبه.. وبيان رئاسي يكشف ما بحثوه ...
- شهادة صادمة.. سائق في الجيش السوري بعهد الأسد يكشف لـCNN عن ...
- الكشف عن -أسد- التميمة الرسمية لنهائيات كأس أفريقيا 2025 الت ...
- تحقيق -ملفات دمشق-: ما هو جهاز - الراشدة- الذي استخدمه نظام ...
- أحمد الشرع: العلاقات مع تركيا والسعودية وقطر والإمارات -مثال ...
- سوريا : احتفالات بالذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد
- الاتحاد الأوروبي يصادق على إجراءات تهدف إلى تشديد سياسة الهج ...
- -إعلان غرناطة- يضع أسسا عالمية لمكافحة الإسلاموفوبيا بختام م ...
- رئيس المجلس الأوروبي: لن نقبل بتدخلات وتهديدات أميركا في سيا ...
- الأميركيون من أصول صومالية يحملون جوازاتهم بالشوارع خوفا من ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نوري حمدان - المخدرات في العراق.. حين يتحوّل الخطر الصامت إلى تهديد وطني شامل