أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مؤيد احمد - انتخابات برلمان العراق، موقف الطبقات والأحزاب منها















المزيد.....



انتخابات برلمان العراق، موقف الطبقات والأحزاب منها


مؤيد احمد
(Muayad Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 19:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انتخابات برلمان العراق، موقف الطبقات والأحزاب منها وملاحظات انتقادية حول تكتيك مشاركة الأحزاب الشيوعية العمالية في العراق واقليم كوردستان

حوار جريدتي (ره وت والغد الاشتراكي) مع الرفيق مؤيد أحمد المنسق العام للجنة المركزية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق حول الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق يوم ١١ / ١١ / ٢٠٢٥

عبدالـله صالح: كيف تقيّم الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق في الآونة الأخيرة؟ وهل ان نتائجها ونسبة المشاركة فيها تدل على احداث أي تغيير جدي في ميزان القوى بين الاحزاب البرجوازية الإسلامية والقومية التي يتألف منها النظام السياسي في العراق؟
مؤيد احمد: لم يحصل أي تغيير يجدر ذكره لا في نسبة القوى الأساسية التي يتألف منها النظام القائم في العراق إثر اجراء عملية الانتخابات في العراق يوم 11 /11/2025، ولا في التقسيمات المحاصصاتيه ممثلة بالمقاعد البرلمانية لتيارات الإسلام السياسي الشيعي والتيارات القومية العربية والكوردية، وذلك بالرغم من ازدياد عدد مقاعد أحزاب الإطار التنسيقي وبالأخص مقاعد الأحزاب الميليشية لتيارات الإسلام السياسي الشيعي، في انتخابات هذا العام مقارنة بعام 2021.
كما وان نتائج الانتخابات لم تسفر عن أي تغيير جدي لصالح القوى البرجوازية القومية والنيو ليبرالية في العراق المتحالفة من حيث الأساس مع أمريكا وحلفائها في منطقة الشرق الأوسط، بل وعلى العكس من توقعات هذه القوى، فان قبضة تيارات الإسلام السياسي الشيعي على النظام اشتدت أكثر، على الأقل، على صعيد المقاعد البرلمانية وعلى صعيد تشكيل الحكومة المقبلة.
وفيما يخص نسبة المشاركة في الانتخابات او مقاطعتها، فان الإحصاءات التي تقدمها المفوضية العليا للانتخابات ليست دقيقة، اذ إنها، وعلى العكس مما تدعيها، فان نسبة المشاركة اقل بكثير من النسبة المعلنة رسميا أي نسبة (55%)، حيث لم يعتمد، في عملية احتساب هذه النسبة، عدد المواطنين الكلي الذين لهم حق التصويت وهو 30 مليون ناخب، بل تم احتساب21 مليون ناخب مسجلين رسميا. هذا فضلا عن عدم احتساب أصوات اعداد كبيرة من مجموع المصوتين الفعليين الذين صوتوا تحت ضغط ما، ولكنهم قاطعوا الانتخابات عبر ما يسمى بـ "حرق الأصوات" بسبب التصويت لأكثر من مرشح والذي بدوره يخالف ضوابط عملية التصويت.
إضافة الى ما ذكر، فان الانتخابات اتسمت بعمليات شراء الذمم وحتى بيع وشراء البطاقة الانتخابية، على نطاق واسع وغير مسبوق، وتميزت بالتصويت العشائري أي الاعتماد على الانتماءات العشائرية، ورشوة شيوخ العشائر والمحسوبية والدعاية المستندة على الطائفية والقومية وغيرها من الأساليب الرجعية فوق السياسية وفوق المدنية، وكل ذلك بشكل مفضوح. هذا، فضلا عن عمليات تزوير واجبار منتسبي القوات المسلحة والميليشيات والاجهزة القمعية الحكومية وغيرها من المنتسبين في بعض المؤسسات الحكومية، وكالعادة، بالتصويت لصالح الأحزاب المتحكمة بهذه المؤسسات.
تمثلت احدى المميزات الرئيسية لانتخابات العراق 2025 في الهيمنة الفاضحة للفئة الأوليغارشية المالية، اي أصحاب المليارات من الرأسماليين من أصل سياسي والذين نشأوا في صلب القوى الحاكمة على الانتخابات والتحكم بنتائجها، تلك الاوليغارشية المالية والطغمة السياسية والتي باتت تتحكم بمصير الجماهير في العراق وتنهب ثروات المجتمع وتعيد انتاج سلطتها بمختلف الطرق بما فيها هذه الانتخابات التي تعتبر أحد اشد الانتخابات البرلمانية فسادا وصورية في العراق.
وعليه، وبالرغم من ادعاءات السلطات والجهات التي تطبل للانتخابات، فان معظم جماهير الطبقة العاملة والكادحين والشبيبة البروليتارية بقت تقاطعها بدرجة كبيرة غير متوهمة بتحقيق أبسط التغييرات في حياتها ومعيشتها وظروف عملها عن طريق البرلمان او ايجاد أي اصلاح سياسي وثقافي جدي من خلاله. لقد بينت هذه الانتخابات لجماهير العمال والمضطهدين والمفقرين، وللمرة السادسة، على صعيد عموم العراق، انها مضحكة بالنسبة لهم، ولكنها حلبة صراع مهم وجدي بالنسبة للأحزاب الحاكمة وللأحزاب المعارضة البرجوازية من القوميين والإسلاميين والنيو ليبراليين، هذا فضلا عن كونها وسيلة سياسية ذات ارتباط وثيق بإعادة انتاج النفوذ السياسي الموجود أصلا لكل من النظام الأمريكي وحلفائه الاقليميين وكذلك النظام الإسلامي في إيران، داخل العراق.

عبدالـله صالح: هذه الانتخابات، جرت وسط أحداث غيّرت موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط لصالح إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة الامريكية وذلك إثر حرب الإبادة التي تشنها الحكومة الفاشية في إسرائيل ضد سكان قطاع غزة وتداعيات تلك الحرب، تُرى ما الذي ستتركه مستجدات هذه الأوضاع على نتائج الانتخابات الحالية، على توازن القوى داخل البرلمان المنتخب وبالتالي على الساحة السياسة في عموم العراق؟
مؤيد احمد: مما لا شك فيه ان تغير هذه الموازين مؤخرا لصالح إسرائيل وامريكا خلال الفترة الأخيرة، إثر تلك التطورات المشار اليها في سؤالك، قد أثر وسيؤثر بدرجة كبيرة وبأشكال مختلفة على مسار الأوضاع السياسية في العراق بما في ذلك تشكيل الحكومة المقبلة وعلاقة النظام السياسي في العراق بالنظام السياسي البرجوازي الدولي الذي تهيمن عليه أمريكا. غير ان هذا لا يعني بالضرورة ان ينعكس في نتائج الانتخابات، اذ رأينا كيف انه لم يترك بصماته على انتخابات 2025، وجاءت النتائج على العكس تماما؛ واسفرت عن زيادة أصوات كتل وأحزاب الإطار التنسيقي لتيارات الإسلام السياسي الشيعي، وبالتالي ترجيح لكفة نفوذ النظام الإيراني داخل العراق في هذه الانتخابات.
ان الانتخابات البرلمانية وبشكل عام في عهد الامبريالية واشتداد الصراعات الجيو سياسية هي من ضمن الوسائل بأيدي القوى الدولية والإقليمية للتأثير على ترسيم المسارات السياسية داخل بلد ما، وبالأخص الانتخابات في العراق التي تتبع هذه القاعدة، اذ تعد وسيلة لنقل تبعات التحولات التي قد تحدث في موازين القوى الإقليمية، بالأخص بين امريكا من جهة، والنظام الإسلامي في إيران من جهة أخرى، الى داخل البلاد؛ ان عدم تحقيق ذلك بشكل مباشر في نتائج انتخابات هذا العام لا يغير من ذلك شيئا كثيرا، ومما سبق ذكره فان المسارات السياسية في العراق والحكومة المنبثقة عن الانتخابات ومجمل النظام السياسي ستبقى متأثرة بهذا التغيير في ميزان القوى الدولية والإقليمية بأشكال مختلفة خلال الفترة المقبلة.

عبدالـله صالح: احدى شواخص هذه الانتخابات هو امتناع التيار الصدري عن المشاركة فيها مع بقاءه كقوة مليشياوية طائفية لها سطوتها على الساحة السياسية واستغلال تواجد نفوذها بين الجماهير المفقرة وكذلك عبر ميليشياتها (سرايا السلام)، ما الذي تتوقعه من موقف لهذا التيار وكيف سيكون دوره القادم على الساحة السياسية بعد الانتخابات؟
مؤيد احمد: ان مقاطعة التيار الصدري للانتخابات لم تؤثر كثيرا على مسار الانتخابات حيث استطاعت قوى تيارات الإسلام السياسي الشيعي المؤتلفة في الإطار التنسيقي ان تحصل على ما يكفيها من الأصوات ليكون لها وزن بارز في تشكيل الحكومة القادمة. ان احباط التيار الصدري في تشكيل الحكومة في الدورة السابقة بالتحالف مع الأحزاب القومية الكردية والأحزاب القومية العربية" السنية" ومساعيه لعزل منافسيه ضمن تيارات الإسلام الشيعي، قد جعله يتخذ موقفا مقاطعا للانتخابات، ولكن الأسباب الواقعية لعزوفه عن المشاركة في الانتخابات تكمن في الحفاظ على نفوذه المذهبي والطائفي في أوساط الموالين لخطه.
ان الصدر نفسه يعرف مدى حجم الاعتراض الاجتماعي الواسع الموجود بالضد من الفساد والافقار الذي اوجده هذا النظام ويعرف مدى تجذر هذا الاعتراض ضمن أوساط الجماهير في جنوب ووسط العراق، وتحديدا ضمن أوساط الموالين له ولخطه المذهبي داخل معتقدي المذهب الشيعي. ان سياسة مقاطعة البرلمان بالنسبة للتيار الصدري مبنية على هذه الحسابات السياسية وهذه الاستراتيجية الرجعية في الحفاظ على الهيمنة الطائفية والمذهبية لهذا التيار. غير ان ذلك لا يجعله قوة خارج المنظومة الحاكمة اذ ان دوره في ترسيم السياسة في العراق موجود حتى في إدارة الدولة ولا يزال يحتفظ بقوته الميليشية اي (سرايا السلام) وجزء من منظومة الحكومة والإدارة وتقاسم غنيمة السلطة والثروات.
ان سياسات التيار الصدري لا تستهدف حكم تيارات الإسلام السياسي الشيعي، ليس هذا فحسب، بل ان موقعه كقوة معارضة سياسية يشكل جزءً من ادامة سيادة الإسلام السياسي الشيعي على المسارات السياسية في العراق، ويكمل البعد الآخر لهذه السيادة أي تامين سيطرة الطائفية الشيعية على أوساط الجماهير المعترضة. ان علاقاته الجيدة، نوعا ما، مع المرجعية، وفي الوقت نفسه، مع الجمهورية الإسلامية في إيران، تجعله ان يكون جزءً من معادلة سيطرة تيارات الإسلام السياسي الشيعي على مسار الأوضاع السياسية في العراق، وبالتالي يلعب دور صمام الأمان لحكم هذه التيارات في حال تطور الازمة السياسية للنظام في العراق الى ازمة ثورية.
ان موقف التيار بالضد من الفساد الهائل المستشري في كامل بنيان النظام ودعواته الى حل الميليشيات وغيرها من الادعاءات ومقاطعته للانتخابات والبرلمان، ليس امرا غريبا ضمن تقاليد حكم البرجوازية الإسلامية الشيعية، لذا نرى ان موقع التيار الصدري ضمن النظام الحالي في العراق يشبه الى حد ما موقع الجناح الإصلاحي ضمن النظام الإسلامي في إيران. ان دوره يتلخص في تكملة النظام الحاكم وذلك باحتواء الاعتراض الثوري الجماهيري.
غير ان هذا الدور الرجعي للتيار الصدري المضاد للطبقة العاملة ومساعي الجماهير الثورية وكذلك نفوذه الاجتماعي النسبي داخل جماهير البروليتاريا المفقرة في وسط وجنوب العراق، يجعله أيضا كاحدى البدائل البرجوازية الامبريالية وحلفائها في المنطقة ضمن المسار السياسي والاجتماعي في العراق. ان تناقضات الأوضاع السياسية والاجتماعية في العراق وأزمة حكم البرجوازية تجعل من التيار الصدري احدى البدائل السياسية، وبالأخص، فيما يخص كبح جماح الاعتراض الاجتماعي، وذلك لان الكتلة الاوليغارشية من مختلف أطياف البرجوازية في العراق باتت تحافظ على سيطرتها بكل الوسائل بما فيها المساومة مع التيار الصدري حسب الحاجة، وبالتالي سيبقى دور التيار الصدري في المشهد السياسي، ولكن خارج النظام السياسي وليس في قلبه.
ان دور التيار الصدري في انتفاضة أكتوبر كان واضحا إذا كان يريد ان يأطر النضال الاحتجاجي في إطار أفقه السياسي والمذهبي بمختلف الوسائل من مساعيه لإضفاء الطابع الديني والمذهبي على الانتفاضة الى ممارسة القمع السافر بالضد من النساء والمنتفضين وتشكيل فرق قمعية من " القبعات الزرقاء" للسيطرة على المنتفضين وغيرها من الاساليب. وهذا ما يتكرر مع أي صعود للنضال الجماهيري الثوري.

عبدالـله صالح: وماذا عن علاقة هذه الانتخابات من الناحية السياسية العملية بالطبقة العاملة وجماهير الشغيلة والمضطهدين في العراق؟
مؤيد احمد: ان المحتوى الطبقي البرجوازي القومي والاسلامي للبرلمان والانتخابات والائتلافات والكتل البرلمانية فيه، لا يخفي على أحد، حيث انها مؤسسة احتكارية من قبل هذه القوى تم انشاؤها من قبل أمريكا بعد احتلالها للعراق لإعادة انتاج حكم هذه الفئات البرجوازية وما يسمى بالعملية السياسية والنظام السياسي المتمخض عنها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فهي مطرزة لسد الطريق امام تطور النضال السياسي الطبقي للبروليتاريا واعاقة تشكل الإرادة السياسية المستقلة لهذه الطبقة داخل المجتمع، وبالتالي سد الطريق امام متطلبات التقدم الاجتماعي والتغيير السياسي الثوري والاشتراكي من قبل الطبقة العاملة والجماهير الكادحة بالضد من سيادة راس المال والرأسمالية.
ان انبثاق اول علاقة فعلية للبرلمان على صعيد العراق، بما فيه إقليم كوردستان، وكأداة عملية لاحتواء النضال السياسي لجماهير الشغيلة والشبيبة عموما، والاجهاز على احتجاجاتها الثورية، كان في فترة ثورتي مصر وتونس عام 2011 التي انبثقت على أثرها احتجاجات جماهيرية في العراق وبالأخص في إقليم كوردستان.
استغلت (حركة التغيير- كوران) في الاقليم آنذاك وسيلة البرلمان للإجهاز على الانتفاضة الجارية هناك وذلك بجر الأخيرة الى صناديق الاقتراع وقاعات البرلمان لتحقيق أهداف (حركة التغيير) السياسية البرجوازية القومية. غير ان التطور اللاحق في استخدام البرلمان والانتخابات من قبل البرجوازية الحاكمة، كوسيلة "ناعمة" ولكن كاستمرار للقمع الدموي للانتفاضة الثورية، كان عام 2019 حيث تم استخدامها لاحتواء وقولبة انتفاضة أكتوبر في إطار البرلمان عبر اجراء "الانتخابات المبكرة" التي جرت عام 2021.
لقد فرضت انتفاضة أكتوبر على النظام استقالة رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، وحل مجالس المحافظات وغيرها من الاجراءات، بالرغم من القمع الوحشي والدموي للانتفاضة من قبل قوى النظام والتي راح ضحيتها أكثر من 800 منتفض ومنتفضة. لو كانت الانتفاضة تتطور وتتسلح بأفق سياسي ثوري اشتراكي وتؤسس مجالسها العمالية والجماهيرية لاستطاعت ان تبني نظاما سياسيا آخر مختلف نوعيا؛ في شكل الحركة المجالسية، على أنقاض البرلمانية البرجوازية، لتحقيق اراداتها السياسية المباشرة في إطار هذا الشكل السياسي غير البرلماني، واستخدامها لإيجاد التغييرات السياسية الضرورية لغرض التقدم الاجتماعي، ولتنامي قوة البروليتاريا الاشتراكية في اطاره على صعيد المجتمع للمضي قدما لإيجاد تغييرات ثورية اشتراكية. غير ان هذا لم يحدث نتيجة جملة من الأسباب لسنا هنا بصدد البحث عنها.
ما اريد التركيز عليه هو ان قيام قوى النظام بإجراء الانتخابات المبكرة عام 2021 واشتراك قوى الثورة المضادة من الإسلاميين والقوميين والنيو ليبراليين والإصلاحيين المساومين المتواجدين داخل الانتفاضة، فيها، شكلت علامة فارقة في تطور علاقة البرلمان والانتخابات في العراق والقوى المشاركة فيها من مختلف أصناف البرجوازية والبرجوازية الصغيرة بالثورة والتحولات الثورية في المجتمع. لقد كسبت قوى الثورة المضادة من داخل الانتفاضة بعض المقاعد البرلمانية عبر استغلال دماء الشبيبة لتحقيق أهدافها السياسية الإسلامية الرجعية، من ضمنها مشروع مدونة الاحكام الجعفرية الاستعبادية بالضد من نساء العراق والذي اقترحه النائب (رائد المالكي) بعد فوزه بمقعد برلماني ضمن كتلة "الامتداد"، أي احدى الكتل البرلمانية التي دخلت الى البرلمان باسم الانتفاضة، وكقوة ثورة مضادة قامعة للانتفاضة.
سبق وان أكدنا في بيان منظمة البديل الشيوعي في العراق حول انتخابات هذا العام بانها امتداد لانتخابات قوى الثورة المضادة عام 2021 والتي قمعت انتفاضة أكتوبر واغرقتها بالدم واجرت الانتخابات آنذاك كتكملة لعملية خنقها.
وهكذا، فان علاقة البرلمان الفعلية في العراق بالصراع الطبقي والسياسي القائم في المجتمع هي علاقة احتواء النضال الثوري لجماهير الشغيلة والمضطهدين والشبيبة فيه، وهذا يشكل أحد اهم الخصوصيات الفعلية للبرلمان في العراق في علاقتها بالطبقة العاملة وجماهير المضطهدين ونضالاتها والناتجة عن مسار الصراع الطبقي في البلاد.
ان هذه العلاقة الرجعية والقمعية لم تنحصر في مجال نضالات المنتفضين، حالها حال جميع البرلمانات البرجوازية، بل شملت جميع الميادين المرتبطة بالطبقة العاملة والشبيبة والنساء المضطهدات ونضالاتهم، وهذا ما نراه في جميع القوانين والقرارات التي يتخذها البرلمان من اصدار "الورقة البيضاء" لترسيخ اركان الرأسمالية عبر السياسات النيو ليبرالية الاقتصادية وافقار الجماهير وفي استمرار العمل بقوانين النظام البعثي الفاشي في منع العمل النقابي في مؤسسات ومنٍشئات الدولة، وفي فرض أبشع القوانين اجحافا بحق المرأة في العراق من خلال امرار مدونة الاحكام الجعفرية وفي خنق الحريات المدنية والفردية وغيرها.
ان هذه الخصائص المميزة للبرلمان في العراق، وبالرغم من تشابهها ولو بأشكال أخرى مع البرلمانات البرجوازية عموما في عهد الرأسمالية الامبريالية، مبعثها هو ان الشكل البرلماني للنظام القائم في العراق يحمل خصائص البرلمانية في عهد الامبريالية من جهة، ومن جهة أخرى، فانه لم ينبثق نتيجة لتطور الصراع السياسي والنضال الطبقي في المجتمع، بل انبثق وتأسس فيما بعد حرب أمريكا الامبريالية على العراق وكنتيجة لها، وهو شكل برلماني محدد في عهد الامبريالية، وكما سبق وقلنا، لنظام سياسي إسلامي وقومي محاصصاتي وعملية سياسية امبريالية مطرزة لتقسيم المجتمع الى كيانات قومية وطائفية وإعادة انتاج هذا التقسيم باستمرار.
ان سياسة الحزب الشيوعي العراقي او من يشاركه التصور في تأسيس "دولة مدنية " و"حل الميليشيات" وغيرها من الأهداف السياسية نصف الإصلاحية عبر البرلمان، ليست سوى سياسة ذات ارتباط بأوهام البرجوازية الصغيرة المرفهة والتي تحاول ان تجد مكانا لها في هذه المنظومة.

عبدالـله صالح: هل هذه الخبرة الفعلية لجماهير الشغيلة والمضطهدين لها دور في بناء التكتيك السياسي البروليتاري تجاه البرلمان البرجوازي؟
مؤيد احمد: ان الظروف الواقعية لنضال الطبقات الاجتماعية والعلاقة بينها في كل مرحلة معينة من تطور النضال الطبقي وفي كل بلد بمفرده، تعبر عن نفسها بأشكال سياسية معينة وفي علاقات معينة بين الأحزاب أيضا والأخيرة وبشكل عام تمثل مصالح طبقية مختلفة. اذ لا يمكن القفز فوق هذه الظروف الواقعية وتبني التكتيك السياسي بدون اخذ هذه الظروف وموازين القوى الطبقية بنظر الاعتبار.
ان الخبرة الفعلية لجماهير العمال والكادحين والشبيبة والنساء المضطهدات فيما يخص البرلمان في العراق، امر غاية في الأهمية وهي عامل مهم جدا في تحديد التكتيك السياسي الثوري تجاه البرلمان. لذا فان المقاطعة الجماهيرية للبرلمان وعدم وجود وهم يذكر بالبرلمان وانجاز الإصلاحات عن طريقه داخل الأوساط البروليتارية المدركة لمصالحها الطبقية، تشكل امرا جديا يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار في تبني التكتيك البروليتاري تجاه البرلمان، وعلى العكس مما يقوله بعض من قادة الأحزاب الشيوعية العمالية بان هذه المقاطعة الجماهيرية ليست عاملا مهما في تحديد تكتيكهم السياسي تجاه المشاركة او المقاطعة متذرعين بكونهم غير "شعبويين"، أي لا ينجرون وراء أفكار الجماهير العفوية.
ان الموقف تجاه البرلمان أصبح انعكاسا للاستقطاب الطبقي داخل المجتمع أكثر فأكثر، وان سياسة المقاطعة او المشاركة في البرلمان باتت تعكس الطابع الطبقي لسياسة كل حزب وتنظيم سياسي، بالأخص في الحركة العمالية والشيوعية واليسار عموما. اما بالنسبة للأحزاب البرجوازية الإسلامية والقومية والنيو ليبرالية التي تشارك، وبطبيعة الحال، في الانتخابات، فان سياسة المشاركة بالنسبة لها ليست سوى عملية صراع من اجل تحقيق مصالحها السياسية الطبقية البرجوازية المناهضة للجماهير عن طريق من يتحكم بالبرلمان ويسخره لمصالحه.

عبدالـله صالح: ما هو موقف الشيوعيين من البرلمانات البرجوازية بشكل عام؟ وهل يمكن المشاركة فيها وفي حملاتها الانتخابية؟
مؤيد احمد: ان موقف الشيوعيين من النظام البرلماني والانتخابات البرلمانية في المجتمع الرأسمالي واضح، اذ يتلخص في التالي: ان النظام البرلماني، مؤسسة ووسيلة سياسية لتنظيم حكم البرجوازية ولإضفاء طابع الشرعية على دكتاتورية الطبقة البرجوازية ودولتها التي ليست سوى أداة اضطهاد للطبقة العاملة والمفقرين. وبهذا الخصوص، أي من حيث الجوهر الطبقي للدولة، فانه لا يفرُق ان تكون الدولة البرجوازية بأيدي الليبراليين او النيو فاشيين او بأيدي الإسلاميين او القوميين او الميليشياويين او الجنرالات العسكرية وغيرها. وعندما تستخدم البرجوازية الحاكمة الانتخابات والبرلمان كوسيلة وشكل سياسي "ديمقراطي" لهذه الدكتاتورية الطبقية البرجوازية، فإنها تمارس درجات متفاوتة مما يسمونها "الشفافية" ومراعاة "الديمقراطية" في الانتخابات وآليات عمل البرلمان، من الالتزام شبه الكامل بقواعد اللعبة "الديمقراطية" الى ممارسة التزوير الفاضح والتصميم المسبق لتحديد نتائج الانتخابات والتلاعب بآليات العمل البرلماني، لا بل وصولا الى البيعة كما مارسه الفاشي القومي صدام حسين في العراق.
ان المهمة الرئيسية للبرلمان البرجوازي هي حجب المحتوى الطبقي البرجوازي للدولة او النظام السياسي الحاكم لهذه الطبقة تحت غطاء تمثيل إرادة الجماهير وممارستها من خلال الانتخابات البرلمانية، وهذا هو موقف الماركسيين تجاه البرلمان البرجوازي والانتخابات البرلمانية. كما هو واضح في مقرر للمؤتمر الثاني للأممية الثالثة الذي حضره لينين: "لقد أصبحت النزعة البرلمانية الحكومية الشكل “الديمقراطي” لسيطرة البرجوازية، التي تتطلب في مرحلة معينة من تطورها خرافة تمثيل شعبي ظاهري عن “إرادة الشعب” وليست إرادة الطبقات، ولكنه يشكل في الواقع أداة إكراه واضطهاد بين يدي الرأسمال السائد." (1)
انبثق النظام البرلماني البرجوازي المعاصر في خضم الصراع بالضد من النظام الاقطاعي وحكم الملوك والسلطات الملكية المطلقة وبالأخص في أوروبا والدول الغربية، وهو مرتبط تاريخيا بصعود الطبقة البرجوازية السياسي وتامين سيادة مصالح راس المال على النظام الاقطاعي. لقد كان حق التصويت للبرلمان معتمدا على الملكية وخاص بأصحاب المال والملكية العقارية، غير انه ومع تامين السيادة الكاملة لحكم البرجوازية وتطور النظام الرأسمالي واشتداد الصراع الطبقي بين البروليتاريا والبرجوازية في المجتمع وخلال مرحلة معينة من تطور هذا الصراع كسبت الطبقة العاملة حق الاقتراع العام من خلال نضالها. هذا وكسبت النساء هذا الحق أيضا أثر تنامي حركة نسوية من اجل نيل حق الاقتراع للنساء وظهور الحركة المعروفة بـ سفراجيتس SUFFRAGETISTفي بريطانيا وامريكا، والتي بدأت بداية القرن الماضي وتوجت بفرض تشريع قانون حق الاقتراع العام في بريطانيا عام 1928. لقد كان النضال من اجل نيل حق الاقتراع العام السري والمباشر والمتساوي، للبرلمانات البرجوازية احدى المطالب السياسية للحركة الاشتراكية واحزابها في بلدان العالم المختلفة وفي جميع البلدان الاوروبية بما فيها روسيا ولغاية ثورة اكتوبر.
وهكذا أصبح النظام البرلماني الشكل "الديمقراطي" لحكم الطبقة البرجوازية، وبالتالي جزءً من ديناميكية الصراع السياسي بين الطبقات في المجتمع بحيث لا يمكن للطبقة العاملة والاشتراكيين ان يقفوا غير مباليين تجاهه وعدم استغلاله لصالح تحقيق مطالبهم الاقتصادية ولصالح نضالهم السياسي الطبقي. وفي هذا السياق ظهرت ونمت ضمن الحركة العمالية والاشتراكية ما يسمى بـ "البرلمانية القديمة" ما قبل الرأسمالية الامبريالية والحرب العالمية الأولى، والتي حاولت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية، وبالأخص الأوروبية، تحقيق الإصلاحات عن طريق هذا النوع من البرلمانية او حتى الاستيلاء على السلطة عن طريق كسب اغلبية المقاعد في البرلمان. لقد كان هذا التوجه الإصلاحي والذي كان على ارتباط وثيق بنمو الانتهازية في الحركة العمالية والاشتراكية هو الطابع السائد، على سبيل المثال، على سياسات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني منذ بدايات نشوء الحرب العالمية الأولى.
غير ان هذه "البرلمانية القديمة" لم تعد لها مكانا في الحركة العمالية والاشتراكية في عهد الرأسمالية الامبريالية والحرب العالمية الأولى وفضح انتهازية وشوفينية الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية الإصلاحية في هذه الحرب. فمع افلاس "الأممية الثانية" اثناء هذه الحرب الامبريالية، التي خاضتها الدول الامبريالية لتقاسم ثمرة تقسيم العالم اقتصاديا وسياسيا بينهم، نتيجة تلك السياسات الشوفينية لأحزابها الاشتراكية الديمقراطية المشاركة في البرلمان وتصويتها لصالح حرب برجوازية بلدانهم. فان هذه "البرلمانية القديمة" انفضحت ولم تعد تشكل جزءً من التكتيك السياسي للحركة الشيوعية والحركة البروليتارية الثورية التي كانت تستهدف الخلاص من النظام الرأسمالي، مما أدى الى ظهور مفهوم "البرلمانية الثورية" على العكس من "البرلمانية القديمة" الإصلاحية. وهنا أيضا بصدد هذا الموضوع انقل مقاطع مما جاء في مقرر المؤتمر الثاني للأممية الثالثة بحضور لينين والذي عقد في تموز وآب عام 1920.
“لا يتحدد موقف الأممية الثالثة من المسألة البرلمانية انطلاقا من نظرية جديدة، بل انطلاقا من تحول دور البرلمانية نفسها. ففي العصر السابق كان البرلمان، أداة الرأسمالية النامية، قد عمل، بمعنى من المعاني، لصالح التقدم التاريخي. أما في الظروف الحالية، التي تتميز بجموح الإمبريالية، فقد أصبح البرلمان أداة الكذب والغش وأعمال العنف والدمار وأعمال اللصوصية. لقد فقدت الإصلاحات البرلمانية، المجردة من الثبات والاستقرار، والمتصورة من دون خطة شاملة، كل أهمية عملية بالنسبة للجماهير الكادحة.
......... ينبغي أن تتخذ الشيوعية الدراسة النظرية لعصرنا كنقطة انطلاق (أوج الرأسمالية، اتجاهات الإمبريالية نحو نفي نفسها بنفسها وتدميرها الذاتي وتفاقم الحرب الأهلية المستمر، الخ…). ويمكن أن تأخذ العلاقات السياسية والتجمعات أشكالا مختلفة من بلد لآخر، ولكن جوهر الأشياء يبقى هو نفسه في كل مكان: يتعلق الأمر، بالنسبة لنا بالإعداد الفوري السياسي والتقني للانتفاضة البروليتارية الجديدة"
..... وعندما يشير بعض الاشتراكيين، التواقين إلى الشيوعية، إلى أن ساعة الثورة لم تحن بعد في بلدانهم، ويرفضون الانفصال عن الانتهازيين البرلمانيين، فإنهم يعملون، بالحقيقة، وفق تصور واع أو غير واع، للمرحلة التي ندخلها، المعتبرة مرحلة استقرار نسبي للمجتمع البرجوازي الإمبريالي، ويظنون، لهذا السبب، بأن التعاون مع أمثال توراتي ولونجي يمكن أن يقدم على هذه القاعدة نتائج عملية في النضال من أجل الإصلاحات. (2)
هذا هو جوهر الموضوع فيما يخص "البرلمانية الثورية" أي الاعداد "للانتفاضة البروليتارية الجديدة". فلا يمكن الحديث، بالنسبة للشيوعيين والبروليتاريا الثورية، عن البرلمان والدخول فيه بمعزل عن الموقف من الثورة الاشتراكية والتحضير لها "سياسيا وتقنيا".

عبدالـله صالح: هل استنتج من كلامك بان تكتيك مشاركة او مقاطعة البرلمان والانتخابات مرهون بمدى التحضير للثورة الاشتراكية وليس لتحقيق بعض المطالب الاقتصادية او السياسية للبروليتاريا عن طريق البرلمان؟
مؤيد احمد: نعم، ان مشاركة او مقاطعة الانتخابات البرجوازية بالنسبة لحزب شيوعي ذو جذور في أوساط الطبقة العاملة والمفقرين والمضطهدين ونضالاتهم مشروط بمدى الاستفادة من هذا التكتيك السياسي لتنظيم صفوف النضال الثوري بالضد من مجمل النظام البرجوازي الحاكم في المجتمع. انه تكتيك مرتبط بمدى أهميته لتقوية الاعتراض الاجتماعي والنضال الطبقي البروليتاري وتقوية صفوف نضال هذه الطبقة والتحضير للثورة البروليتارية الاشتراكية.
من الناحية التاريخية ومنذ ظهور المجالس العمالية في الثورة الروسية عام 1905 بوصفها شكل تنظيم النضال الجماهيري للعمال وقبل ذلك بربع قرن ظهور كومونة باريس بوصفها "دكتاتورية" الطبقة العاملة وشكل حكم هذه الطبقة وجماهير الشغيلة والكادحين للتحرر من اغلال راس المال، فان الشكل البرلماني للنضال فقد أهميته التاريخية حيث ان شكلا أرقى للتنظيم والنضال الجماهيري قد ظهر على مسرح الصراع الطبقي العالمي وهي الحركة المجالسية وشكل الحكم المجالسي.
ان من اهداف الثورة الاشتراكية الخلاص من مؤسسات النظام البرجوازي بما فيها النظام البرلماني وارساء شكل تنظيم سياسي جماهيري أقرب الى جماهير البروليتاريا والمضطهدين والمفقرين لتحقيق ارادتهم السياسية الا وهو الحركة المجالسية ونظام الحكم المجالسي. وبناء على ذلك، فان المشاركة في البرلمان والانتخابات لغرض تحقيق إصلاحات ما، ليس سوى نشر الوهم بهذا الشكل السياسي لحكم البرجوازية بشكل عام في عهدنا.
ان أي شخص على درجة من الالمام بالوضع السياسي في العراق يعرف بان الشكل البرلماني للحكم ليس سوى إعادة هذه المنظومة بكامل ثقلها وفسادها، ولصوصيتها، وقمعها، واكاذيبها. لقد بينت تجربة انتفاضة أكتوبر والهبات الجماهيرية الأخرى في العراق وإقليم كوردستان بان شكلا آخرا للحكم وللبرلمان مطروح الا وهي المجالسية وليس جر الطاقات الثورية للجماهير وقولبتها في إطار البرلمان والبرلمانية.
ان هذا الشكل الجديد ليس مجرد مساعي من قبلنا لتكرار تجربة كومونة باريس وسوفيتات الحركة البروليتارية في مختلف بلدان العالم، انما هو أيضا درس مستخلص من تجربة الهبات الجماهيرية الثورية في العراق ومنطقة الشرق الأوسط خلال ما يقارب العقدين الماضيين. كما وهي تجربة الحركة المجالسية التي تبنتها وبادرت بها الحركة الشيوعية وتنظيماتها في إقليم كوردستان آذار عام 1991.

عبدالـله صالح: لماذا ترى سياسة المشاركة او المقاطعة في البرلمان العراقي حاليا تعكس الطابع الطبقي غير البروليتاري لحزب ما داخل الحركة الشيوعية؟ ولماذا لا تعتبرها تكتيكا سياسيا معينا، ربما يختلف او يتفق عليه الشيوعيون، بدون ان يعكس هذا الطابع الطبقي؟
مؤيد احمد: صحيح ان تكتيك المشاركة او المقاطعة بشكل عام وبحد ذاته معزولا عن السياسات الأخرى وظروف النضال الطبقي، لا يحدد الطابع الطبقي لحزب ما داخل الحركة الشيوعية ولا يستلزم الانشقاق داخل صفوفها. وهناك امثلة على اختلاف الشيوعيون بهذا الصدد دون ان يتحول الى انشقاق ويتخذ طابعا طبقيا مضادا مادام الخلاف لم يمس أولوية العمل والنشاط الجماهيري خارج البرلمان والنضال من اجل تحقيق الثورة الاشتراكية وشكل الحكم المجالسي وتحقيق السلطة السياسية الثورية للبروليتاريا كطبقة.
لقد كان الشيوعيون "اليساريون" المناهضون للاستفادة من المنبر البرلماني البرجوازي لصالح الثورة البروليتارية الاشتراكية، على العكس من اراء لينين ومعظم الشيوعين في المؤتمر الثاني للأممية الثالثة في تموز 1920، والذين قدموا مقررا خاصا بهم اثناء المؤتمر مناقضا لمقرر الأكثرية الذي تبناه نفس المؤتمر. كما هو معلوم، فان مقرر الأكثرية أكد على الطابع الثانوي لمسالة المشاركة في البرلمانات البرجوازية حيث جاء فيه التالي:"..... من الضروري أن يراعى باستمرار الطابع الثانوي نسبيا لهذه المسألة. فبما أن مركز الثقل هو النضال خارج البرلمان من أجل السلطة السياسية، من المسلم به أن المسألة العامة لدكتاتورية البروليتاريا والنضال الجماهيري من أجل هذه الديكتاتورية لا يمكن أن تقارن بالمسألة الخاصة لاستخدام البرلمانية. .....لهذا السبب، تؤكد الأممية الشيوعية، بشكل قاطع، بأنها تعتبر كل انشقاق أو محاولة انشقاق مفتعلة داخل الحزب الشيوعي بسبب هذه المسألة وبسببها فقط خطأ كبيرا بحق الحركة العمالية." (3)
مع اخذ ذلك بنظر الاعتبار فانه ومن حيث الواقع الطبقي للمجتمع وموقف الطبقات الاجتماعية المختلفة تجاه البرلمان في العراق فان الطبقة البرجوازية ممثلة بأحزابها الإسلامية والقومية والنيو ليبرالية، وكذلك الطبقة البرجوازية المتوسطة والصغيرة المرفهة ممثلة بأحزابها القومية نصف الإصلاحية ونصف العلمانية وباسم اليسار او غير اليسار هي التي تشارك في البرلمان وتتصارع داخله لتقاسم السلطة والثروات فيما بينها او تريد تحقيق بعض الإصلاحات الجزئية عن طريقه.
غير ان معظم جماهير الطبقة العاملة والشغيلة والمفقرين والمحرومين والشبيبة والنساء المضطهدات في العراق تقوم بنشاطاتها واحتجاجاتها الجماهيرية خارج البرلمان والانتخابات البرلمانية، وهي تحاول تقوية نضالها في هذا الميدان، وان من مهام الشيوعيين ان يكونوا جزءً من تطوير هذا الاقتدار الطبقي كي تتحول نضالات جماهير العمال والكادحين الى قوة طبقية مستقلة ومنظمة سياسيا في أحزابها الشيوعية والاشتراكية الثورية ومنظماتها النضالية الجماهيرية المستقلة، وتستفيد من أجواء الحرية الموجودة نسبيا لتحقيق ذلك بأسرع وقت ممكن، لا التركيز على مسالة ثانوية وهي استخدام البرلمان والاستفادة منه.
ان البرلمان بجانب الأدوات القمعية الأخرى للنظام بات وسيلة بأيدي قوى النظام لإعادة انتاج نفسه، وان المشاركة في البرلمان بالنسبة للجماهير البروليتارية باتت تعني المشاركة في هذه العملية وإعادة انتاج البرلمانية وليست تدميرها وبالتحديد في الظروف الراهنة.
ان فتح الافاق امام الشيوعيين لاستخدام البرلمان من اجل الدعاية الثورية الاشتراكية ومن اجل "تدمير البرلمان" واستبدالها بالحكم المجالسي، او مقاطعتها لنفس السبب، كما كان يؤكد المؤتمر الثاني للأممية الثالثة على ضرورة تنظيم التحريض الثوري بالضد من البرلمان من اجل تدمير البرلمان، أصبحت المسالة مرتبطة بتطور الصراع الطبقي داخل المجتمع وبشكل فعلي مرتبط بتطور الحركة العمالية والشيوعية والنفوذ الاجتماعي لحزب شيوعي بروليتاري داخل أوساط جماهير الشغيلة والمفقرين.
ان مقاطعة البرلمان في العراق ليس تكتيك سياسي في هذه المرحلة قدر ما هو واقع سياسي طبقي موجود على الأرض، وهي خاصة بالطبقة العاملة والجماهير المفقرة والمضطهدة ونضالها الطبقي، ان شرط استخدام البرلمان للأغراض الثورية مرهون بمدى تطور النضال الجماهيري الثوري خارج البرلمان في العراق في هذه الفترة. ان ما يؤكد ذلك نراه ليس فقط في موقف هذه الجماهير العاملة والمفقرة من خلال مقاطعتها للبرلمان، بل من خلال نضالاتها المتنامية والواسعة وهباتها الثورية المتكررة خلال سنوات الاثنين والعشرين الماضية. ان احداث التغيير لصالح نضال هذه الطبقة الثورية والجماهير المضطهدة على الأرض هو المهمة الاساسية بالنسبة للشيوعيين وهو الشرط المسبق لتبني أي حزب شيوعي واشتراكي ثوري تكتيك المشاركة او المقاطعة في البرلمان وذلك بهدف ازالة شكل البرلمانية البرجوازية وابدالها بشكل الحكم المجالسي.
ان مصير أي حزب او تيار او منظمة شيوعية تريد استخدام تكتيك "البرلمانية الثورية" بشكل معزول عن هذا الاستقطاب الطبقي الموجود في المجتمع، لا يكون أحسن من مصير الحزب الشيوعي العراقي والكوردستاني ومسيرتهما الطويلة في المشاركة في الانتخابات كحزب مكمل للنظام وتجاربهما المفضوحة والمناهضة للجماهير البروليتارية والمحبطة حتى لآمال أعضائهم.
ان أي حزب في الحركة الشيوعية وفي أوساط من يدعي نفسه انه اشتراكي ثوري او ضمن اليسار عموما، يتبنى سياسة المشاركة في البرلمان الحالي في العراق او إقليم كوردستان فانه يتبناه ليس من موقع هذه الجماهير البروليتارية، انما من موقع طبقي آخر ومتأثر بالأجواء البرجوازية السائدة على الحياة السياسية في المجتمع، وبالتالي سياسة المشاركة بالنسبة له وبالأخص الأحزاب التي تدعي نفسها شيوعية سيكون الانزلاق، ومع الأسف، نحو اليمين وأجواء السياسة البرجوازية السائدة.
ان ادعاءات "الانجرار وراء عفوية الجماهير"، على سبيل المثال، كما صرح به بعض قادة الأحزاب الشيوعية العمالية الداعية الى المشاركة في البرلمان، لا تحل هذه الإشكالية الطبقية وهذا الميل نحو السياسة البرجوازية وترك ساحة قوى الثورة البروليتارية الاشتراكية. كما، وان تصريحات بعض هؤلاء القادة بالضد من دعاة المقاطعة من أوساط الشيوعيين وبالضد من منظمة البديل الشيوعي في العراق بالتحديد، ونعتهم بشتى النعوت غير السياسية وكسر حاجز الاحترام والروح الرفاقية، تعكس، بشكل ما، والى حد ما، ملامح هذا الاقتراب الطبقي البرجوازي وهذا الابتعاد عن جماهير العمال والمفقرين المناهضين للنظام وبرلمانه وعن التكتيك السياسي الشيوعي في هذه المرحلة، وبالتالي الابتعاد عن مهام تنظيم الثورة، لا بل مقاطعتها والتهافت على الانتخابات.

عبدالـله صالح: يدعي قادة هذين الحزبين الشيوعي العمالي في العراق وكوردستان بان لينين كان يؤكد على ضرورة المشاركة في البرلمانات البرجوازية الرجعية. ما هو تعليقك بهذا الخصوص؟ وهنا يستشهدون بكتاب لينين مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية، هل من توضيح لهذه النقطة ايضا؟
مؤيد احمد: ان موقفهم هذا، باعتقادي، ليس فقط لا ينسجم مع منهج لينين واطروحاته بصدد المشاركة في البرلمان او مقاطعته فحسب، بل هو ايضا كاريكاتور لمنهجه واطروحاته بهذا الخصوص، وهنا علينا ان ننعرف أولا على منهج لينين في تعامله مع هذه القضية. بالعكس ان من يستنجد بـ لينين وتأكيداته على المشاركة في البرلمان لغرض تبرير مشاركته في البرلمان العراقي الحالي، هو الذي يخالف منهج واطروحات لينين. دعنا نوضح ذلك.
ان اطروحات لينين بصدد المشاركة في البرلمانات البرجوازية او مقاطعتها، وقبل كل شيء، وكما يؤكده هو، كانت بمثابة مشاركة "متواضعة" منه في مناقشة أهمية المشاركة او المقاطعة في البرلمان البرجوازي على ضوء "التجربة الروسية". لفهم موقف لينين انقل هنا مقطعا من كتابه مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية: “...إن أوثق وسيلة للحط من فكرة سياسية جديدة (وليست السياسة وحدها) والاضرار بها، هي السير بها إلى حد السخافة وذلك باسم الدفاع عنها. بديهي أن كل من اراد أن يقول على الطريقة القديمة، وبوجه عام، ان الامتناع عن الاشتراك في البرلمانات البرجوازية في جميع الظروف امر غير جائز، يكون على غير حق. أنى لا أستطيع ان اعطي هنا صيغة للظروف التي تكون فيها مقاطعة البرلمان نافعة، لان مهمة هذه المقالة متواضعة للغاية، وهذه المهمة هي دراسة التجربة الروسية بصدد المسائل الملحة للتكتيك الشيوعي الاممي..........” (4)
مما لا شك فيه، ان سياسة لينين بصدد المشاركة في البرلمانات البرجوازية او مقاطعتها ليس مبدا عاما ونظرية يمكن تطبيقها في كل الظروف، انما مسالة تكتيكية ضمن استراتيجية النضال الشيوعي الثوري للبروليتاريا، وكما يقول استخلاص من "التجربة الروسية". ومع ذلك، من المعلوم ان سياسة لينين واطروحاته بصدد البرلمانية تجسيد لمنهجه وإستراتيجيته السياسية الثورية في تنظيم وقيادة الثورة البروليتارية الاشتراكية. ان من يطرح المشاركة في البرلمان او مقاطعته بمعزل عن تنظيم وتطوير وقيادة هذه الثورة وتطوير النضال السياسي الطبقي البروليتاري المستقل داخل المجتمع فهو الذي لا يتمسك بمنهج واستراتيجية لينين في مسالة البرلمانية.
ان الأبحاث التي طرحت في الأممية الثالثة وفي مؤتمرها الثاني تحديدا كانت مهمة للغاية وهي اطروحات تم نقاشها في ظروف تطور الأممية الثالثة ونمو الأوضاع الثورية في قسم من بلدان أوروبا الغربية وبروز أحزاب شيوعية متمكنة وذات جدور في قلب الطبقة العاملة والحركة العمالية. من وجهة نظر لينين كان من الضروري الاستخدام الثوري للبرلمانات البرجوازية في تلك الظروف وذلك عبر القيام بالتحريض الثوري بالضد من البرلمان والدولة البرجوازية من على منبر البرلمان نفسه، لا لتحقيق هذه او تلك من الإصلاحات او التنافس على المقاعد البرلمانية، بل لغرض تجميع قوى الثورة البروليتارية خارج البرلمان وجذب أوساط كثيرة من الفئات المتأخرة ضمن صفوف الطبقة العاملة و"الموظفين الصغار" والفلاحين المتوهمين بالبرلمان الى الحركة العمالية والجماهيرية الثورية والأحزاب الشيوعية ومسيرة الثورة البروليتارية، وذلك باستخدام التحريض الثوري من على منبر البرلمان بالضد من البرلمان والدولة البرجوازية وتبيان ذلك لتلك الفئات المتوهمة بالبرلمان، بان طريق البرلمان لا يؤدي الى تحقيق مطالبها وأهدافها. وهكذا وبهذه الطريقة دفع النضال الثوري الجماهيري خارج البرلمان الى الامام. مما لا شك فيه ان هذا المنهج والاستراتيجية ذات ارتباط بالوضع المعاصر أيضا، ولا يمكن غض الطرف عنه وعن هذه المهام الثانوية في النضال الاشتراكي البروليتاري. ان المقاطعة او المشاركة في البرلمان وحسب الظروف المشخصة لكل منها يجب ان تخدم هذه الاستراتيجية الثورية ويكون وفقا لهذا المنهج.
ان الشيوعيين اليساريين في المانيا وهولندا وإيطاليا وبريطانيا لم يكونوا متفقين مع اطروحات لينين، بل ان قسما منهم اعتبروها تكتيكا "يمنيا" في الظروف المشخصة في بلدانهم وأكدوا على ان سياسة المشاركة في البرلمانات البرجوازية في أوروبا الغربية لا تخدم الثورة وليس لها مبرر في هذه البلدان، التي جلبت فيها الأحزاب الاشتراكية البرلمانية الإصلاحية الدمار للحركة العمالية والشيوعية، وبالتالي فان "التجربة الروسية" غير صالحة لتلك البلدان. هم لم يكونوا وحيدين، بل يشاركونهم ذلك الراي الفوضويون المشاركون في الأممية الثالثة وغيرهم من "عمال الصناعيين العالمي" وممثلي السنديكالية الفوضوية.
لقد كان لينين على راس حركة بروليتارية منتصرة في روسيا ويريد ان يقوي صف البروليتاريا العالمي والاستفادة من جميع الوسائل المطروحة لغرض هذه الثورة ونمو الحركة البروليتارية الشيوعية، وكان يرى بان هذه الشيوعية "اليسارية" وعدم مرونتها لاستخدام النقابات والبرلمانات البرجوازية في نضالها، وعدم قبولها بجذب العمال من الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الإصلاحية الى صفوف الأحزاب الشيوعية الجديدة النامية، ورفضها لأية مساومة بما فيها صلح بريست ليتوفسك، عائق امام الدفع بالثورة الى الامام وانتصارها في تلك البلدان. وقد كان محقا في ذلك.
ان نقل موقف لينين بشكل ميكانيكي في تلك الفترة الى العراق بمعزل عن الظروف والشروط التي تم في اطارها طرح تكتيك المشاركة او المقاطعة ليس بمنهج ماركسي ولا يمت بصلة بأطروحات لينين. ان الحديث عن المشاركة او المقاطعة في البرلمان والانتخابات البرلمانية بشكل احادي الجانب ومعزول عن علاقات الطبقات في مجتمع محدد ما ومشخصات الصراع الطبقي ومسيرة الثورة فيه ابتذال بمنهج لينين.
ان نفس منهج لينين باعتقادي يتطلب تبني سياسة المقاطعة في العراق بالارتباط مع ضرورات الدفع بقوى الثورة البروليتارية في العراق الى الامام وتقوية النضال السياسي الطبقي البروليتاري وليس المشاركة في برلمان برجوازي مفضوح واحتكاري لقوى ميليشية قومية وإسلامية مستندة على تدخل القوى الإقليمية والدولية وبرلمان لقوى الثورة المضادة التي اغرقت انتفاضة أكتوبر بسيل من الدماء.

عبدالـله صالح: كيف ترى مستوى الوهم بالبرلمان البرجوازي في العراق في صفوف الجماهير البروليتارية وخاصة في أوساط الصفوف المتقدمة منها لتحقيق التغييرات الاقتصادية والسياسية لصالحها؟
مؤيد احمد: ان تجربة 22 عاما من استمرار النظام السياسي الحالي في العراق ونمط عمل ووسائل هذا النظام ومؤسساته البرلمانية والانتخابية بينت لمعظم الجماهير في العراق وبالأخص للغالبية العظمى من الجماهير البروليتارية الشابة بان تعليق الآمال على تحقيق أي اصلاح جدي لصالحها عن طريق البرلمان والانتخابات مجرد أوهام لا غير، اوهام تروج لها البرجوازية الحاكمة والأحزاب المعارضة البرجوازية من الإسلاميين والنيو ليبراليين والقوميين وغيرهم من قوى الثورة المضادة البرجوازية وكذلك الحزب الشيوعي العراقي ومن هو قريب من اوساطه ويحمل آفاقه السياسية الإصلاحية البرجوازية المساومة.
وبناء على ذلك فان الوعي السياسي العام بعدم جدوى المشاركة في البرلمان لتحقيق الإصلاحات لصالح الجماهير، هو وعي بروليتاري اكتسبه، بالأخص الجيل الشاب من هذه الطبقة، بتجربته الخاصة النضالية، بحيث تطورت خلال فترات نضالاتها على مر أكثر من العقدين الماضيين لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية لصالحها وفرض مطالبها على السلطات والبرلمان في توفير العمل وتحسين ظروف معيشتها والقضاء على الفساد وانهاء حكم الميليشيات ووضع حد لخنق الحريات الفردية والمدنية وانهاء نفوذ الدول الامبريالية والإقليمية داخل العراق الذي يتطابق مع مصالح القوى الحاكمة، وغيرها من المطالب، وذلك في عموم العراق بما فيه إقليم كوردستان.
لقد وصل تطور هذا الوعي والنضال السياسي لهذه الجماهير الى مستوى العمل السياسي المباشر ورفع شعار اسقاط النظام وابعاد دور الأحزاب الحاكمة في حياة السياسية في البلاد ببرلمانها ومؤسساتها كما جرى في انتفاضة أكتوبر 2019. غير انه تم قمع الانتفاضة بشكل دموي والاجهاز عليها بمختلف الطرق بما فيها عبر الانتخابات المبكرة كما سبق الإشارة اليه. كما وان هذا الاحتجاج السياسي الجماهيري في إقليم كوردستان وصل الى حد تم من خلاله حرق مقرات جميع الأحزاب الحاكمة والمعارضة ومن ضمنهم مقرات الحزب الشيوعي العراقي وذلك في احدى هباتها الثورية العفوية خلال العقد الأخير في محافظة السليمانية.
هذا، وان عمال قطاع الصناعة والعاملين في القطاعات الخدمية في العراق أصبحوا يكتسبون الوعي بدرجات معينة، من خلال نضالاتهم واحتجاجاتهم، بكون ما تقوم به الحكومات المتتالية، من خصخصة قطاع الصناعة وإعادة هيكلة شركات هذا القطاع ومختلف المرافق الاقتصادية والخدمية الأساسية في البلاد، هي سياسة عامة للدولة والنظام السياسي القائم، وان الانتخابات والبرلمان هي التي تعيد انتاج نفس هذه المنظومة وهذه السياسات.
وهذا هو الحال أيضا بالنسبة لحركات واحتجاجات جماهير العمال والموظفين والمعلين في إقليم كوردستان على مدى أكثر من عقد من الزمن بالضد من عدم صرف رواتبهم وتأخيرها وبالضد من حكومة الإقليم والحكومة الفيدرالية وتلاعبهما بمصيرهم. لقد وصل مستوى رفض هذه الجماهير للبرلمان ومؤسساته الى حد اخذ الموقف الرافض لكل من يحاول من الأحزاب والتيارات او الافراد من ضمن المعارضة، دع جانبا أحزاب السلطة، استغلال حركتها الاحتجاجية لأغراض الدعاية البرلمانية والانتخابات.
هناك فرق واضح بين الوهم بالبرلمان والحكومات لدى أوساط الجماهير البروليتارية وبين تنظيم النضال خارج البرلمان لغرض فرض مطالب هذه الجماهير على البرلمان وعلى الحكومات. ان تجربة النضال الطبقي والسياسي البروليتاري في العراق خلال 22 سنة الماضية هي بالدرجة الأساس النضال لفرض المطالب الاقتصادية والسياسية والثقافية والمدنية على النظام والبرلمان من خارج البرلمان، وهذا هو الجوهري في تقييم العلاقة بين الطبقات في العراق فيما يخص البرلمان. لقد أصبح البرلمان والعملية السياسية بمجملها وسيلة مفضوحة لتثبيت قبضة القوى السياسية البرجوازية الحاكمة وتوطيد اركان الرأسمالية والدولة البرجوازية بالرغم من كل الطبول التي يقرعها البرجوازيون السياسيون المعارضون للنظام والإصلاحيون المساومون باسم اليسار والاشتراكية بان المشاركة في البرلمان ذات صلة بنضالات الجماهير خارج البرلمان وامتداد لفرض مطالب هذا النضال غير البرلماني على النظام.
ان الحقيقة الطبقية الموجودة على الأرض هي ان البرلمان في العراق وسيلة سياسية احتكارية لدى البرجوازية الحاكمة بالضد من البروليتاريا ونضالاتها ولا يمكن تسخيرها لتحقيق أي اصلاح جدي في حياة هذه الطبقة والجماهير المفقرة، دع جانبا عدم جدوى الاستفادة منها لأغراض التحريض الثوري، كما يدعي بعض قادة الأحزاب الشيوعية العمالية، بالضد من البرلمان. وعليه فان المشاركة في البرلمان والانتخابات البرلمانية لغرض تحقيق الإصلاحات على البرجوازية او الاستفادة منها للتحريض الثوري لا تعني سياسيا سوى شيئا واحدا في ظروف السياسية وتوازن القوى الطبقية الموجودة حاليا في العراق الا وهو المساهمة، قصدا او من غير قصد، في إعادة انتاج نفس منظومة البرجوازية الحاكمة وسياساتها ومؤسساتها على حساب تضعيف النضال السياسي الجماهيري للبروليتاري خارج البرلمان وكبح طاقاتها الثورية، وتقوية السياسة اليمينية البرجوازية في خضم الصراع الطبقي الدائر في المجتمع.

عبدالـله صالح: ما تقوله صحيح، ولكنه لا ينفي وجود الأوهام بالبرلمان داخل قسم من جماهير الطبقة العاملة والكادحين والنساء المضطهدات والشبيبة لتحقيق بعص الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لصالحها، ما هو رأيك بهذا الصدد؟
مؤيد احمد: بالتأكيد لا زال هناك وهم بالبرلمان داخل قسم من جماهير الطبقة العاملة والكادحين والنساء المضطهدات والشبيبة لتحقيق إصلاحات سياسية تكون او اقتصادية او اجتماعية عن طريق البرلمان، ولكن في المرحلة الحالية من تطور العملية الثورية في المجتمع ورجحان كفة الميزان لصالح البرجوازية الحاكمة فان المشاركة في البرلمان من قبل الشيوعيين ليس فقط لتحقيق تلك الإصلاحات، بل حتى بهدف خوض التحريض الثوري داخل البرلمان للتأثير على هذه الأقسام من البروليتاريا وباتجاه جلبهم للثورة لا يحقق اية نتيجة. ان مركز الثقل السياسي في التأثير عليهم هو توسيع نفوذ الحركة العمالية والشبيبة والنساء الثورية خارج البرلمان ولفرض تلك الإصلاحات على البرلمان بهذه الطريقة.
لو نظرنا الى علاقات الطبقات في المجتمع مع البرلمان نرى بشكل عام ان معظم الجماهير البروليتارية والعمال والموظفين لا يعقدون الآمال عليه، ولكن بالمقابل نرى إن البرلمان وسيلة لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية لمختلف الفئات الكبيرة والصغيرة من البرجوازية القومية والإسلامية والنيو ليبرالية واحزابها ومنظماتها وممثليها من أوساط المثقفين والباحثين عن السياسة البرلمانية كمهنة والحزب الشيوعي العراقي ومن التحق بركبه.
كما سبق واشرت اليه فان اقساما من البروليتاريا في عموم العراق متوهمة ايضا بالبرلمان وبالأحزاب الإسلامية والقومية وهم يدخلون الانتخابات ويصوتون لتلك الأحزاب، هذا في حين انهم معترضون على ما يحدث لهم ومستاؤون من النظام القائم وفساده ومختلف مؤسساته، ولكنهم يرون ان طريقة خلاصهم هو الانجرار وراء إطار الأحزاب الطائفية والقومية إثر نفوذ الأفكار الطائفية والمذهبية والقومية عليهم.
ليست هناك طريقة سهلة لكسب هذه المجموعات الواسعة نسبيا من البروليتاريا الى العمل السياسي الطبقي المستقل لمصالحها بعيدا عن نفوذ هذه الأحزاب الطائفية والعشائرية والميليشية والتي بأيديها السلطة والمال. ان الجماهير العمالية والشبيبة داخل هذه الأوساط تتأثر بنمو الحركات الاجتماعية والهبات الثورية والاعتراضات المتنامية من اجل إيجاد العمل ورفع الأجور والرواتب وتحسين الوضع المعيشي، ومن اجل توفير الخدمات الصحية والتعلمية وغيرها من الخدمات العامة، والنضال ضد الفساد والمحسوبية واستغلال الوظائف العامة الإدارية، وبوجه القمع السياسي وتحكم الميليشيات وغيرها، والتي تجري خارج البرلمان.
ان حركة تعديل سلم الرواتب للعمال والموظفين في القطاع الحكومي، على سبيل المثال، كانت ولا تزال تشكل حركة واسعة نسبيا، ولكن قيادة هذه الحركة بشكل رئيسي ما زالت بأيدي العناصر التي تنتمي الى التيار الصدري، ان مهمة الشيوعيين السياسية هي ان يكون لهم دور فعال يلعبونه في هذه الحركة وتقويتها على أساس مصالحها الطبقية المستقلة، وتقوي صف العناصر النشطة العمالية والمتقدمة وعيا بمصالحهم الطبقية والتفاعل معهم والعمل على التأثير عليهم باتجاه تبني سياسة طبقية بروليتارية وشيوعية.
ساهم قسم من تلك العناصر العمالية المتقدمة في ان تعلن حركة تعديل سلم الرواتب القيام بإحدى تظاهراتها في الأول من أيار عام 2023 بحيث أصبح هذا التقليد النضالي مستمر منذ ذلك الوقت. كما وان نضالات عمال قطاع الصناعة في العراق بوجه خصخصة شركات ومعامل هذا القطاع وإعادة الهيكلة وكسب الوعي عن طريق نضال الناشطين في اتحاد المجالس والنقابات العمالية، ساهمت في توصل المجموعات المتقدمة، الى قناعات بان هذه السياسات هي السياسات العامة للدولة ولا يمكن الاعتماد على تغييرها عبر البرلمان او الأعضاء البرلمانيين المتعاطفين مع العمال. وهكذا فان أهمية دور الشيوعيين داخل الحركات الاجتماعية ونقابات العمال ومختلف النضالات الجماهيرية ومنظماتها هي التي تساعد بشكل كبير على تخلص الفئات غير المتقدمة من البروليتاريا من الأوهام بالبرلمان.

عبدالـله صالح: احدى المفارقات في هذه الانتخابات هو تبني أحزاب داخل الحركة الشيوعية العمالية وتحديدا الحزب الشيوعي العمالي العراقي والحزب الشيوعي العمالي في كوردستان، سياسة المشاركة في هذه الانتخابات بحجة كون البرلمان منبر يمكن من خلاله الدفاع عن مصالح العمال والكادحين والوقوف ضد المشاريع الرجعية التي تطرح فيه والقيام بالتحريض الثوري من اجل تدمير البرلمان من على منبر البرلمان وحجج اخرى مماثلة، ما هي قراءتكم لهذا الموقف وهذه الظاهرة؟
مؤيد احمد: ان تبني هذا التكتيك لم يكن مفارقة اذ ان قيادة الحزبين باتوا منذ فترة يتبنون هذا التكتيك السياسي حيث حاول الحزب الشيوعي العمالي في كوردستان المشاركة في الانتخابات التي جرت في إقليم كوردستان مع الحزب الشيوعي الكردستاني وذلك في السنة الماضية.
عبرت قيادة الحزبين الشيوعي العمالي العراقي وفي كوردستان بان مشاركتهم في انتخابات 2025 سياسة مدروسة توصل اليها الحزبان بعد مناقشات جرت خلال الأشهر الماضية. ان تبني هذا التكتيك، حسب ما يقولون، جاء نتيجة مناقشات مطولة وكإعادة نظر بسياستهما وبالأخص سياسة وتكتيك المقاطعة التي سبق وان تبناها الحزبان خلال الفترات الماضية. ليس هذا فحسب، بل ان المقالات والحوارات التي جرت مع بعض أعضاء قيادة هذين الحزبين، توضح بواعث هذه السياسة ومغزاها.
ان اول ما يتوضح في هذه المقالات والحوارات هو ان المشاركة في الانتخابات ليس فقط تكتيك سياسي قد تم تبنيه من قبل الحزبين، انما هو تطبيق لتوجه وأسلوب عمل سياسي مبني على إعادة النظر في المنهج السياسي السابق لهم، والذي جعلهم يتبنون سياسة المقاطعة تجاه الانتخابات في الفترات السابقة، وبناء على هذا التوجه والخط الجديد فانهما تبنيا تكتيك المشاركة هذا العام وسيستمرون في تبينه خلال السنوات القادمة ويؤكدون بان لا عدول عن ذلك.
وهذا يعني ان النقاش معهم بصدد المقاطعة او المشاركة امر محسوم مسبقا من قبلهم وهو ان المشاركة هي السياسة الرسمية لهذين الحزبين خلال الفترات القادمة طالما بقت ظروف حرية العمل العلني النسبية مستمرة، كما هي الان، او حتى في ظروف أكثر تضيقا لهذه الحرية.
وبناء عليه، فان جميع حججهم وتوضيحاتهم بصدد الدفاع عن سياسية المشاركة ليست سوى اعمال تكميلية ودعائية وتوضيحات ملفوفة بالهجوم على الشيوعيين ومنتقديهم داخل الحركة الشيوعية واليسارية لتبرير هذا الخط والتوجه السياسي وهذا التكتيك السياسي المتمثل بالمشاركة في البرلمان. ان نقد هذه الحجج وكشف نقاط ضعفها السياسي ونقد مفاهيمهم السياسية بهذا الصدد يحتاج الى كراس مطول، ولكن هذا لا يعني ان لا نقف عند بعض محاور دفاعهم عن هذه السياسة وتبعاتها.
ان احدى حججهم للمشاركة هي ما تشير اليه في سؤالك، ولكن توجد حجج أخرى بالإضافة اليها، يطرحونها وهي بشكل عام حجج ينقصها الانسجام المنطقي ولا توضح الجوهر الطبقي لهذه السياسة ولا معناها السياسي العملي بالارتباط مع الصراع الطبقي الدائر في المجتمع، لا بل تتهرب من الموضوع، و تدور بالأساس حول مقولات مثل؛ توفر الحرية السياسية النسبية وضرورة استغلالها من قبل الشيوعيين ، وكذلك حجج مثل استغلال البرلمان لغرض تعريف "شخصيات وقيادة الحزب بالمجتمع"، والتركيز على "الحملة الانتخابية" اكثر ما يكون التركيز على كسب المقاعد، وغيرها من التفاصيل التي لا علاقة لها بتوضيح هذه السياسة ومعناها الواقعي وشرح أهميتها بالارتباط مع الاستقطاب الطبقي الموجود في المجتمع، ودورها في تقوية وتطوير العملية الثورية في المجتمع، والنضال السياسي الجماهيري خارج البرلمان ومسيرة الثورة الاشتراكية وغيرها.
جدير بالذكر هنا، بان تكتيك الحزبين الجديد لم يتم تبنيه بسبب تلك الحجج، بل الحجج نفسها هي تكملة وديكور للسياسة الجديدة والتوجه الجديد؛ أي التهافت على المشاركة في البرلمان. لو لم يكن الحال كذلك لما أهملوا في تبني هذه السياسة الاخذ بالاعتبار واقع وهو ان معظم جماهير البروليتاريا والشبيبة في العراق لا تعقد ألأمال على البرلمان وفقدت ثقفتها به، ولكن أحزاب المعارضة السياسة البرجوازية والحزب الشيوعي العراقي هم الذين يحاولون باستمرار وبكل الوسائل غرس الامل وإعادة الثقة بهذه المؤسسة في صفوف هذه الجماهير ويدعونهم الى المشاركة في الانتخابات والبرلمان، وبالتالي يسعون لقولبة النضال السياسي لهذه الجماهير في قالب البرلمان.
من المؤسف، ان نرى الان قادة الأحزاب الشيوعية العمالية في العراق وإقليم كوردستان يلتحقون بركب الحزب الشيوعي العراقي في هذه المهمة، لا بل يعقدون التحالف معه في تشكيل كتلة برلمانية واحدة للمشاركة في الانتخابات. وهو ما يؤدي، بغض النظر عن إرادة الحزبين، الى المساهمة في تقوية الأوهام بالبرلمان والانتخابات داخل الحركة الشيوعية واليسار عموما، وبالتالي المساهمة في توسيع دائرة نفوذ الخط الانتهازي للحزب الشيوعي العراقي وتوجهاته السياسية نصف الإصلاحية البرلمانية المساهمة في الاجهاز على الإرادة السياسية الثورية للبروليتاريا. ان أحزاب المعارضة البرجوازية وفئاتها المتوسطة من ضمنهم الحزب الشيوعي العراقي باتت تلعب هذا الدور على مدار أكثر من عقدين. ان المغزى الفعلي لسياسة الحزبين في المشاركة موضوعيا وعلى صعيد المجتمع لن تكون بمنأى عن هذه السياسات اليمينية البرجوازية.
ان من يتبنى تكتيك سياسي كالاشتراك في البرلمان او مقاطعته ويغض الطرف عن الظروف المشخصة التي من الضروري اخذها بنظر الاعتبار في صياغة هذه السياسة فهو يتبنى سياسة اختيارية وذهنية وليس تكتيك سياسي لحزب بروليتاري ثوري. يتحدث لينين عن التكتيك السياسي في عدد من المناسبات، لنرى ماذا يقول في مرض "اليسارية" الطفولي في الشيوعية:" يجب ان يتأسس التكتيك على حساب دقيق وموضوعي صارم لجميع القوى الطبقية في الدولة المعنية (والدول المحيطة بها، وجميع الدول في المجال العالمي) وكذلك على حساب تجربة الحركات الثورية". (5)
ان تقييم الظروف السياسية المشخصة التي تجري فيه عملية الانتخابات من حيث ميزان القوى الطبقية بين البروليتاريا والبرجوازية وأهمية كل من المشاركة او المقاطعة لتغيير ميزان القوى هذا لصالح النضال الثوري للبروليتاريا، ومن حيث علاقة مختلف الطبقات والاحزاب بهذه الانتخابات والبرلمان ومدى إمكانية الاستفادة من مشاركته او مقاطعته لإزالة برلمان بوصفه سد منيع امام تحقيق الإرادة السياسية الطبقية المستقلة للبروليتاريا، هذا فضلا عن تحديد الاوضاع السياسية فيما إذا كانت ثورية او فترة الركود او غيرها من التفاصيل، وهي بمجملها تشكل مسائل سياسية يحسب لها أي حزب شيوعي الحساب لاتخاذ القرار بشأن المشاركة او المقاطعة في الانتخابات. وهذا ما لا نراه ضمن توضيح أسباب تبنيهم لهذه السياسة.
ان قادة الحزبين لا يتحدثون عن المشاركة او المقاطعة واحتمالات استخدام احداهما في ظرف مرحلي معين واستخدام الاخر في ظرف وشروط نضال معينة أخرى، وكأنهم اكتشفوا حقيقة مطلقة يأتون ويدافعون عن سياسة المشاركة فقط، وبشكل يصل الى حد الابتذال ليس بسياسة المقاطعة فحسب، بل بسياستهم في المشاركة أيضا. وفي نمط دفاعهم يتحدثون وكأن سياسة المقاطعة لم تكن يوما ضمن التكتيك البروليتاري الثوري للحركة الشيوعية حتى في زمن لينين ولو انهم يشيرون اليها للدفاع عن سياستهم في المشاركة. وهذا واضح في جميع المقالات والحوارات حين يهاجمون من يتحدث عن المقاطعة اليوم ويعتبرون أنفسهم وكأنهم مبشرو بزوغ عهد المشاركة في البرلمان بالنسبة للحركة الشيوعية في العراق "بدون العودة " الى الوراء.
ان هذا النهج انعكاس لعدم تمسكهم بالماركسية وديالكتيك الماركسي في معرض دفاعهم عن سياسة المشاركة ولا في اجوبتهم لنا وللآخرين اذ باتوا يعرفون شكلا واحدا وهو المشاركة في البرلمان ويوجهون الاهانات بوجه من ينبس ببنت شفة حول مقاطعة البرلمان والانتخابات. ان هذا النمط من الدفاع عن هو بحد ذاته تخلي عن المنهج الماركسي في توضيح الأمور وعدم استخدام المنهج المادي الجدلي للدفاع عن السياسة والتكتيك المعني.
على العكس من تصورهم فان المقاطعة والمشاركة بصدد البرلمان كلاهما تكتيكان سياسيان معتبران بالنسبة للحركة الشيوعية والعمالية، وامران مهمان يمكن اخذ أحد منها بنظر الاعتبار في مراحل وظروف معينة. طبعا هذا لا ينفي وكما أشرنا اليه سابقا بانهما ثانويان مقارنة بنضال جماهير العمال والكادحين والمضطهدين، خارج البرلمان. وهذا ما كان يؤكد عليه شيوعيوا الأممية الثالثة في زمن لينين بكل وضوح.
لقد سبق و أكدنا ان لينين والشيوعيين في المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، أي الأممية الثالثة، يقيّمون مسالة المشاركة في البرلمانات البرجوازية من وجهة نظر دفع الثورة البروليتارية الى الامام وليس لتحقيق الإصلاحات داخل البرلمان على نمط ما كانوا يسمونه "البرلمانية القديمة" الإصلاحية، ويدافعون عن المشاركة في البرلمان في ظروف معنية لفضح شكل البرلمانية البرجوازية وعدم جدواها للعمال والكادحين وبذلك مساعدة الفئات المتوهمة منهم على التخلص من الوهم بالبرلمان، كما وكانوا يريدون الاستفادة من منبر البرلمان كي يعمقوا الصراع السياسي الموجود بين الأحزاب المشاركة البرجوازية في البرلمان للإسراع بسقوطهم؟ وغيرها من اسباب مرتبطة بأهداف ثورية والدفاع عن الثورة البروليتارية الاشتراكية والنضال الجماهيري خارج البرلمان.
غير ان قادة هذين الحزبين بدل ان يكون لهما سياسة واجوبة واضحة تجاه هذه المسائل وغيرها مماثلة، والتي كانت تشكل محاور النقاش حول أهمية المشاركة او المقاطعة في المؤتمر الأممية الثالثة، يأتون ويشغلوننا بقضايا جانبية على طريقة الحزب الشيوعي العراقي او الكردستاني ويتحدثون عن جملة أمور جانبية غير ذات ربط بجوهر الموضوع، مثل وجود الحرية السياسية او حتى تسطير اكاليل المدح حول العمل البرلماني ووصفه بالعمل السياسي الفعال و"الجريء" وغيرها من اقوال، وفي هذا السياق استخدام مفاهيم ومفردات تجاوزتها الحركة الشيوعية في العراق من بين صفوفها منذ عقود من ثقافتها السياسية الجدلية مثل توصيف الشيوعيين المخالفين لسياسة المشاركة في البرلمان العراقي بكونهم لا "يخرجون حتى عنوة من جحورهم" وليس لديهم "الجراءة" في خوض العمل الميداني وغيرها.

عبدالـله صالح: هناك حوارين مع الرفيق ريبوار احمد منشورين في عددين من جريدة أكتوبر الصادرة عن الحزب الشيوعي العمالي في كوردستان. الأول خاص بالدفاع عن سياسة المشاركة ومنشور في العدد 120 من الجريدة والثاني رده على منتقديهم في العدد 121 منها. بما انه حاول، أكثر من بقية الرفاق في قيادة الحزبين، توضيح هذه السياسة والرد على منتقديهم، اود ان أسئل عن رأيك بصدد شرحه للأسباب التي يطرحها دفاعا عن السياسة المذكورة والمتبعة من قبلهم.
مؤيد احمد: صحيح ان الرفيق ريبوار احمد ضمن قيادة الحزب الشيوعي العمالي في كوردستان تولى أكثر من غيره مهمة الرد على المنتقدين، ولكن باعتقادي لو لم يتول هو هذا الامر لربما كان أفضل بالنسبة له شخصيا وللحزبين كذلك، اذ ان اعذاره وردوده المتعصبة وغير المنطقية جعلت السياسة التي يدافع عنها أكثر وضوحا من حيث انها سياسة بعيدة عن المنهج الماركسي تجاه مسالة البرلمانية البرجوازية وموضوع المشاركة فيها او مقاطعتها في هذه المرحلة من تطور الصراع الطبقي في العراق. إضافة الى ذلك، وفي معرض رده على منتقدي الحزبين من الماركسيين الثوريين والشيوعيين يوجه اهانات متكررة لهم ويحط من دورهم ونضالهم وتضحياتهم بشكل غير رفاقي ومتكرر دون أي اعتبار لهم، وكأننا نقرأ حوار شخص غريب على الماركسية والحركة الشيوعية، لا بل ومن أوساط المثقفين البرجوازيين.
انه بأسلوبه هذا ونمط جداله في هذا الحوار الذي يطغى عليه طابع ثقافة التيارات السياسية البرجوازية، لم يسجل لنفسه ولتاريخه النضالي نقطة إيجابية، لا بل وقدم خدمة مجانية للبرجوازية واحزابها ودعايتها المتواصلة بالضد من الشيوعيين بكونهم هامشيين وبعيديين عن المجتمع والسياسة وغيرها من هذه الاقاويل. لقد كان المفروض به شرح سياسة الحزبين للجماهير البروليتارية والحركة العمالية والشيوعية واقناعها بتلك السياسة، لا تحويل الحوار الى مسرح للتطاول المتكرر على الشيوعيين باسم "اليسار المهمش" وساكني "الجحور" ...وغيرها من الاهانات المستعارة من ثقافة التيار القومي في إقليم كوردستان.
والان لنرى ماذا قال في هذا الحوار، يحاول الرفيق ريبوار احمد شرح سياسة الحزبين، ولكن من شدة امتعاضه من منتقديهم يتيه في الرد ويتطرق الى مواضيع شتى لا علاقة لها بشرح سياسة معينة وهي تكتيك المشاركة في البرلمان والانتخابات. فهو ينفي وجود ارتباط بين الثورة والعملية الثورية داخل المجتمع بموضوع تكتيك المقاطعة او المشاركة في البرلمان وهذا بطبيعة الحال انعكاس لنظام نظراته المبنية على "التجريبية"، لا الماركسية والمادية الديالكتيكية. مادام ليست هناك الثورة بشكل ملموس فهو يعتقد اذاً الحديث عن الثورة وارتباطها بسياسة المقاطعة او المشاركة في البرلمان ليس سوى مساعي ذهنية غير واقعية "لليسار الهامشي"، او مجرد ذريعة لديه للتخلي عن مهام سياسية على صعيد المجتمع، حسب قوله. في حين ان تجربة الحركة الشيوعية العالمية والنضال البروليتاري الثوري بخصوص الاستفادة من البرلمانية البرجوازية من عدمها، مشروط بمدى الاستفادة منها للثورة والعملية الثورية وذلك في عهد الرأسمالية الامبريالية، وهذا يعود الى ان هناك في الادب الشيوعي في هذا العهد مفهوم "البرلمانية الثورية"، أي مقاطعة البرلمان او المشاركة فيه بالارتباط مع مسار تطوير الثورة البروليتارية في أي بلد كان.
ان مهمة الشيوعيين الأساسية هو تنظيم الثورة الشيوعية للبروليتاريا في المجتمع الرأسمالي وجميع نضالاتهم تصب في تحَضير هذه الثورة وتحقيق هذا الهدف النهائي. ان الأرضية المادية لتحقيق هذه المهمة هي الصراع الطبقي الموجود في المجتمع بين البروليتاريا والبرجوازية، وهي مهمة يتم تحقيقها في صلب هذا الصراع وبالارتباط معه. ان هذا الهدف النهائي هو الذي يسود على نضال الشيوعيين في كل مرحلة وفي كل ميادين هذا النضال الطبقي. ان التخلي عن المهام الشيوعية فيما يخص تحضير الثورة وتبني سياسة المشاركة في البرلمان بسبب عدم وجود الثورة الفعلي هو التجريبية (إمبريسم) في الفكر، وسياسة راديكالية يسارية للتيارات غير البروليتارية، التي لا يربطها شيء لا بالماركسية ولا بنظرية النضال الطبقي لماركس ولا بالثورة البروليتارية. ان هذا ليس مجرد رؤية فلسفية غريبة عن الماركسية انما رؤية وخط سياسي لا يرى في الصراع الطبقي تغيير العالم وإيجاد التغيير الثوري، انما يراه في حزب خارج الطبقة العاملة وصراعها الطبقي والعملية الثورية الجارية في المجتمع. ان التوجه الجديد هو هذا الخط السياسي والذي يعتبره الرفيق ريبوار بانه خط سياسي وفعال ومتدخل وقوي ويدخل البرلمان ويتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي ويهاجم الشيوعيين المنتقدين له.
ان عدم اخذ مصالح الثورة الاشتراكية بنظر الاعتبار في ترسيم السياسات العملية للحركة العمالية والاشتراكية ليست جديدة. ان الصراعات التي نشبت في بدايات القرن الماضي داخل الحركة الاشتراكية بالضد من البرنشتاينية ومدافعي النظرية المعروفة بـ "الحركة العملية هي كل شيء، والهدف النهائي لا شيء". ان إضفاء الهدف النهائي أي الثورة الشيوعية على نضال الشيوعيين يشكل احدى خصيصتي الشيوعيين كما مشار اليه في البيان الشيوعي. ان دور الشيوعيين هو التحضير للثورة ضمن الصراع الطبقي البروليتاري وفي مختلف مراحل تطور الحركة البروليتارية. فلا يمكن ان نقول مادام الثورة غير موجودة بشكل فعلي اذا ان الثورة ليست عاملا جوهريا في ترسيم سياسة عملية لحزب شيوعي ما، مثل تبني تكتيك سياسة المشاركة او المقاطعة.
وهنا أيضا في الوقت الذي نحن نتحدث عن علاقة الثورة بالمشاركة او المقاطعة في البرلمان فهو يرد بشكل مهين على منتقديه الشيوعيين ويكرر ما تطلقه البرجوازية بالضد منهم، ويقول "اليساري المُهمَّش ليس في مكان يسمح له بإصدار الأحكام أو القضاء على مدى ثوريتنا. ليس لهؤلاء أي دور أو مكانة في المجتمع ولا في الجدالات السياسية والاجتماعية".
كما انه، على نفس المنوال، يبتعد عن جوهر الموضوع ويلهينا بالخوض في تفاصيل لا تزيد ولا تنقص شيئا عن كنه المسالة، اذ يشرح لنا كيف ان الحرية السياسية متوفرة في البلاد، وكيف ان "اليسار الهامشي" لا يريد الاستفادة منها لخوض الانتخابات البرلمانية، ويوجه الاهانات لهم لهذا السبب. ليس هذا فحسب، لا بل يتجاوز حدود الاحترام بحقهم ويقول بأنهم، أي الشيوعيين "لا يخرجون حتى عنوة من جحورهم"، من اجل ان يستفيدوا من أجواء الحرية الموجودة للمشاركة في الانتخابات والبرلمان، أي تلك التي وفرها وجود الصراعات بين الكتل البرجوازية المختلفة التي تشكل النظام.
كل هذا، والقارئ الشيوعي ينتظر ان يفهم منه توضيح سياسة المشاركة لا التهجم وتوجيه الاهانات للآخرين من هذا الرفيق الذي يعتبر نفسه ماركسي ولا القاء المحاضرات حول ابعاد الحرية السياسية المتوفرة في البلاد. يخوص كل هذه التفاصيل وكأن الجدال لم يكن حول السياسة، بل حول وجود الحريات السياسية من عدمها. ان أي شخص له ابسط اهتمام بالسياسة يعرف انه عندما يكون هناك شكل برلماني للحكم البرجوازي، يفترض ان تكون هناك درجة معينة من الحرية السياسية للمشاركة في الانتخابات، وهذا واضح. ولكن هناك سياسة خلف كل هذه الشروحات من قبل الرفيق ريبوار وهي جلب الانتباه لغير ما هو رئيسي وذلك لتشويه انتباه القارئ واستغلال ذلك لمهاجمة الشيوعيين المنتقدين لهذه السياسة.
في سياق رده على انتقادات الشيوعيين لسياسة المشاركة وتأكيداتهم على الطابع الرجعي والميليشي والقومي والطائفي لنظام الحكم والبرلمان في العراق يحاول بشكل اصطناعي ان يلصق صفة "اليمين" بمخالفيه الذين وصفوا سياسة المشاركة في الانتخابات باليمينية في الظروف المشخصة الحالية في العراق. لتحقيق هذا الغرض يكشف نظرية غريبة مفادها ان من يصف البرلمان العراقي كبرلمان يضفي عليه الطابع القومي والطائفي والميليشي ونتاج للاحتلال الأمريكي للعراق، فهو اذا يقسم البرلمانات الى برلمانات "اصيلة وغير اصيلة"، برلمانات "جيدة وسيئة"، وهذا بنظره خطيئة كبرى و"يمينية" بامتياز. من اين اتى بهذا الاستنتاج اذاً؟ لأنه وحسب نظريته، يضعك في ميدان اجراء المقارنة بين برلمان اصيل واخر غير اصيل، وهذا غير مسموح به في هذه النظرية لكون البرلمانات جميعها رجعية من حيث الأساس. واضح ان هذا مجرد اختلاق لكلمة "يمينية" بشكل ميكانيكي بعيد عن المنطق كي يرد به على الذين يصفون سياسة المشاركة في البرلمان في الوقت الحالي بسياسة يمينية.
وفي المقاطع الأخيرة من الحوار وفي معرض رده على سؤال خاص بمدى جواز مشاركة الأحزاب الشيوعية العمالية في حكومة إقليم كوردستان على ضوء ما قاله الرفيق منصور حكمت في مناسبة ما بهذا الصدد، يقول الرفيق ريبوار ما يلي:
"إن أقوال منصور حكمت واضحة جداً بخصوص إمكانية أن تشارك الشيوعية في حكومة الإقليم. أي، أنه مبدئيا لا يرفض مشاركة الشيوعية في الحكومة........لا شك، هذا لا يعني أن الشيوعية العمالية ستشارك فيها بأي ثمن كان، بل تُقيمها ولها حساباتها. لكن، إذا جاءت هذه الفرصة يوماً ما، فلا ينبغي على الشيوعية أن تخشى من المشاركة وتعدّها محرّمة."
من الواضح باننا الان نتحدث عن المشاركة في الحكومة وليست في البرلمان والانتخابات، وهذا تحول نوعي في هذا المنهج والخط السياسي الذي يعتبره الرفيق ريبوار بانه خط فعال سياسي شيوعي يخوض النضال السياسي في ميادين الحياة السياسية على صعيد المجتمع. من المعلوم بان تاريخ الحركة الاشتراكية العالمية شهد صراعات حامية نشبت داخلها بسبب المواقف المضادة تجاه نفس الموضوع، أي المشاركة في الحكومات البرجوازية. لقد خاض الاشتراكيون الثوريون نضالا واسعا بوجه مدافعي المشاركة في الحكومات البرجوازية بداية القرن الماضي، وهو معروف بالنضال ضد المليراندية، أي الظاهرة التي عرفت باسم الكساندر مليرائد النائب الاشتراكي الفرنسي الذي أصبح وزيرا في الحكومة البرجوازية الفرنسية عام 1899.
ان سياسة الميليراندية في الحركة الاشتراكية تطورت وعلى أثر هذا التطور عبّر التيار الانتهازي الإصلاحي في تلك الحركة عن نفسه بشكل واضح وصريح في بدايات القرن الماضي وظهرت البرنشتاينية. هنا يأتي الرفيق ريبوار، وبالاستناد الى موقف الرفيق منصور حكمت تجاه هذه المسالة، في مناسبة ما اثناء حياته، ويدخل هذا الموضوع وسط رده على منتقدي سياسة الحزبين في المشاركة في الانتخابات.
حبذا لو كان الرفيق منصور حكمت على قيد الحياة الان كي نناقش معه تفاصيل هذا الطرح، على أي حال، ما اريد التركيز عليه هنا هو على ما يقوله الرفيق ريبوار بهذا الصدد.
يبدو ان الرفيق ريبوار لا يكتفي بالدفاع عن سياسة المشاركة في البرلمان وانتخابات عام 2025، بل وادامة لتطبيق هذا المنهج، فانه لا يستبعد مشاركة "الشيوعية العمالية" في حكومة الإقليم او ربما في الحكومة المركزية على صعيد العراق إذا توفرت الظروف الملائمة. وهنا نصل الى بيت القصيد، وهو بدل ان يحل إشكالية سياسة المشاركة في البرلمان يساهم في زيادة "الطين بلة"، كما يقال.
ان المشاركة في الحكومات البرجوازية هو نفس نمط المشاركة التي يمارسها الحزب الشيوعي العراقي. ان الراديكالية السياسية لأحزاب الشيوعية العمالية وللرفيق ريبوار لا يغير شيئا من كون المشاركة في الحكومات البرجوازية هي المشاركة مع البرجوازية لاضطهاد الطبقة العاملة والجماهير المفقرة والمضطهدة. في معرض تبريراته للمشاركة في البرلمان الحالي في العراق أشار الرفيق ريبوار بان سياسة المشاركة هي لتدمير البرلمان والبرلمانية وينتقد من يصف هذه السياسة بتقوية اليمين وإعادة انتاج نفس المنظومة. وهنا يبارد الى الذهن السؤال التالي: هل ان المشاركة في الحكومات البرجوازية هي أيضا لتدمير الدولة والحكومة البرجوازية؟ ام انها لتحمل تبعات ومسؤولية الحكم البرجوازي واضطهاده وقمعه لجماهير الشغيلة والمحرومين. أي منطق بعيد عن الماركسية واي اغفال لتجربة الحركة الشيوعية يمارسه هنا الرفيق ريبوار وهو يعطي الضوء الأخضر للمشاركة في الحكومات البرجوازية.
هناك فرق شاسع بين المشاركة في البرلمان وبين المشاركة في الحكومات البرجوازية فالأخيرة ليست فقط سياسة يمينية، انما هي المساهمة في حكم البرجوازية وفي تنفيذ دكتاتورية الطبقة البرجوازية على الطبقة العاملة وجميع الكادحين والمفقرين.
لست متأكدا أي طريق سيسلكه الحزبان الان ومستقبلا على ضوء هذا التوجه الجديد، ولكن حسب اعتقادي، ان سياسة المشاركة في البرلمان والتوجه باتجاه المشاركة في الحكومة البرجوازية ألحق وسيلحق ضررا بالماركسية والشيوعية وبالحزبين كذلك، وهذا ما عبرت عنه في حوار مشترك اجراه رفيق شمال على معي على قناة هيوا قبل أسابيع.

عبدالـله صالح: لا يغيب عن البال بان هذه السياسية التي انتهجتها قيادة الحزبين كانت بالتنسيق مع الحزب الشيوعي العمالي الإيراني الحكمتي – الخط الرسمي، بالإضافة الى ذلك فان صدى هذه السياسة تلقته بقية أحزاب وتنظيمات وكوادر الحركة الشيوعية العمالية في إيران بشكل او بآخر، موافق ومخالف، علاوة على النشطاء اليساريين والشيوعيين في العراق. وسط هذه النقاشات والجدالات، هل لك من خطاب توجهه الى مجمل هؤلاء الرفاق؟
مؤيد احمد: أرى من الضروري ان يتقوى أصحاب الراي الماركسي بصدد هذه السياسة داخل الحزبين
وان يعي قادة الحزبين بان الحركة الشيوعية والبروليتارية الثورية في العراق منظمة وقوية بما فيه الكفاية وبإمكانها ان ترفع صوتها بحزم بالضد من أي خطأ سياسي قد يقع داخل هذه الحركة وظهور أي ميل سياسي لا يخدم تطورها. هذا، واعتبر مساهمتي في هذا الجدال وظيفة شيوعية بعيدة عن أية رؤية ضيقة تنظيمية او شخصية.
كما وأتمنى ان تكون المواقف الحازمة التي عبر عنها صف واسع من الشيوعيين الاعزاء في العراق وبالأخص في إقليم كوردستان في رفض سياسة المشاركة والتعبير عن مخالفتهم لها، مبعثا لتقوية الحركة الشيوعية سياسيا وتنظيميا وفكريا وتشارك في تطويرها بعيدة عن الوقوع في الصراع على قضايا ثانوية.
وهنا انتهز الفرصة كذلك كي اناشد الرفاق الأعزاء في الحركة الشيوعية العمالية في إيران وأحزاب وكوادر وأعضاء هذه الحركة بان الجدال الذي اثارته سياسة المشاركة في انتخابات العراق من قبل الحزبين، جدال سياسي مهم وله تبعات على مسار الحركة الشيوعية في العراق.
نحن في منظمة البديل الشيوعي في العراق تبنينا سياسة المقاطعة وقمنا بما هو ضروري لتبيان موقفنا المخالف للمشاركة. ان مواقفكم إيها الرفاق لا تسجل في ذاكرة تاريخ الصراع البروليتاري والشيوعي في العراق فحسب، بل في لحظته الحاضرة ومستقبل هذا الصراع.
من المعلوم ان الحزب الشيوعي العمالي الإيراني- الحكمتي -الخط الرسمي، تبنى مع الحزبين في العراق وكوردستان سياسة المشاركة في البرلمان، كما ودافع أطراف وافراد في الحركة الشيوعية العمالية في إيران عن هذه السياسة أيضا. وعلى العكس من هؤلاء انتقد الرفاق في هذه الحركة سياسة المشاركة من ضمنهم الحزب الشيوعي العمالي الإيراني – الحكمتي ورفاق آخرون مستقلين.
باعتقادي ان ما دار من ابداء المواقف المختلفة تجاه هذه القضية قد ساعد على وضوح الرؤيا السياسية لكل الأطراف وهذا هو جزء من تطور الصراع السياسي داخل الحركة الشيوعية في المنطقة والتي ستعود عليها بالفائدة.

عبدالـله صالح: بالنسبة لموقف منظمة البديل الشيوعي في العراق من هذه الانتخابات والذي يتلخص في المقاطعة وتعرية الوجه الحقيقي لهذه السلطة وانتخاباتها وبرلمانها، وقد بينتم ذلك في بيان المنظمة حول الانتخابات، الا ان هناك من يقول بان المقاطعة المستمرة للعملية السياسية لم تسفر لحد الآن عن نتائج تَقلب موازين القوى لصالح الطبقة العاملة والكادحين والمفقرين والشباب العاطل عن العمل والخ. ما هو ردكم على هذه الادعاءات وعلى ماذا يستند موقفكم آنف الذكر؟
مؤيد احمد: اعتقد باننا وضحنا في هذا الحوار مختلف جوانب سياسة المشاركة او المقاطعة، وكما سبق واشرت اليه في سؤالك، فانه تم توضيح موقفنا تجاه الانتخابات هذا العام في بياننا الصادر من قبل منظمة البديل الشيوعي في العراق. بالإضافة الى ذلك، تمت مناقشة محتوى البيان في الاجتماع الموسع الرابع للجنة المركزية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق الذي عُقد في 24-26 أكتوبر هذا العام، وتم الإقرار عليه مجددا باسم الاجتماع. هذا وان مجمل مسار الأوضاع بما فيها نتائج الانتخابات تؤكد صحة سياستنا في مقاطعة الانتخابات.
وكما أكدنا في هذا الحوار فان المهمة الأساسية هي النشاط السياسي الجماهيري البروليتاري خارج البرلمان، وهذا يشكل مركز الثقل السياسي الشيوعي في هذه المرحلة من تاريخ الصراع الطبقي في العراق. ان خوض النضال التنظيمي والسياسي والنظري والمساهمة الفعالة في مختلف أوجه النضال الاقتصادي والسياسي والفكري البروليتاري والسعي لتوحيدها في نضال طبقي شيوعي واحد للخلاص من اغلال الرأسمال والرأسمالية ونظامه السياسي القومي والإسلامي والميليشي الفاسد، يشكل بمجمله مهاما غاية في الأهمية.
رغم كل المشقات والصعاب التي تواجه طريق نضالنا الا اننا ماضون بخطى ثابتة وبحزم في قلب هذه الحركة الطبقية والاجتماعية الواسعة للبروليتاريا، رافعين راية الماركسية وراية النضال الطبقي البروليتاري الثوري بشكل منظم جنبا الى الجنب مع هذه الحركة.
ان مقاطعة الانتخابات والبرلمان عمل ثانوي في هذه المسيرة النضالية الا انها وفي التحليل الأخير يجب ان تكون في خدمة هذا العمل العظيم الذي هو مبعث اعتزانا الشيوعي والثوري والإنساني التحرري.

آواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2025

-----------------

1. الحزب الشيوعي والبرلمانية: من قرارات المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية المنعقد في يوليو 1920 بروسيا. - المناضل-ة
2. نفس المصدر السابق.
3. نفس المصدر السابق.
4. لينين- مرض" اليسارية" الطفولي في الشيوعية دار التقدم موسكو 1967 ص 56
5. نفس المصدر ص58.



#مؤيد_احمد (هاشتاغ)       Muayad_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شبح الثورة الاجتماعية في اجندات البرجوازية، ملاحظات حول مؤتم ...
- بصدد الموقف تجاه الحرب والهدنة في حرب إسرائيل وأمريكا على اي ...
- على هامش قيام عمال ميناء (فوس سور مير) الفرنسية برفض تحميل ا ...
- رسالة عبد الله أوجلان ومستقبل الاضطهاد القومي في كوردستان حو ...
- ترامب والمد الرجعي العالمي، تغييرات في النظام السياسي البرجو ...
- ما بعد تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق مرحلة جديدة في ...
- احداث سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ما بعد سقوط نظام الأسد
- ‌الخطوة الأولى هي فضح الطابع البرجوازي للنظام وانتخاباته في ...
- الماركسيون والموقف من الحرب الحالية في الشرق الأوسط
- تعديل قانون الأحوال الشخصية! لماذا؟ الإسلام السياسي والرعب م ...
- في الذكرى السنوية الخامسة لانتفاضة أكتوبر 2019، شعار (كل الس ...
- التيار الماركسي ومسارات الأوضاع السياسية الراهنة في العراق
- التعديل الرجعي لقانون الاحوال الشخصية؛ هدية الامبريالية الام ...
- في الذكرى السنوية السادسة لتأسيس منظمة البديل الشيوعي في الع ...
- الرأسمالية النيوليبرالية وبيع “مكان الصلاة” في إقليم كردستان
- الاوهام حول قرار المحكمة الاتحادية بصرف الرواتب، والانجرار و ...
- رسالة تهنئة الى المؤتمر الرابع لاتحاد المجالس والنقابات العم ...
- الاحتكار الرأسمالي لثمار التكنولوجيا والبحث العلمي العائق ام ...
- ما يحسم صرف الرواتب في الاقليم هو إيجاد توازن قوى طبقي جديد
- حوار حول حرب الابادة في قطاع غزة


المزيد.....




- السيسي يستقبل خليفة حفتر ونائبه.. وبيان رئاسي يكشف ما بحثوه ...
- شهادة صادمة.. سائق في الجيش السوري بعهد الأسد يكشف لـCNN عن ...
- الكشف عن -أسد- التميمة الرسمية لنهائيات كأس أفريقيا 2025 الت ...
- تحقيق -ملفات دمشق-: ما هو جهاز - الراشدة- الذي استخدمه نظام ...
- أحمد الشرع: العلاقات مع تركيا والسعودية وقطر والإمارات -مثال ...
- سوريا : احتفالات بالذكرى الأولى لسقوط نظام الأسد
- الاتحاد الأوروبي يصادق على إجراءات تهدف إلى تشديد سياسة الهج ...
- -إعلان غرناطة- يضع أسسا عالمية لمكافحة الإسلاموفوبيا بختام م ...
- رئيس المجلس الأوروبي: لن نقبل بتدخلات وتهديدات أميركا في سيا ...
- الأميركيون من أصول صومالية يحملون جوازاتهم بالشوارع خوفا من ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مؤيد احمد - انتخابات برلمان العراق، موقف الطبقات والأحزاب منها