أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - لا يلد القهر سوى انكسارا














المزيد.....

لا يلد القهر سوى انكسارا


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 1837 - 2007 / 2 / 25 - 12:40
المحور: الادب والفن
    


يمر وقت طويل على اعتكافه في زنزانة القهر متنحيا عن النشاط العام , وراح ببطء يعيش على هامش إيقاع حياته اليومية , هاجرا الوتيرة العادية للحياة المحيطة حوله , و علائقه , إلى وحدته ليتوحد معها , يلتحفها فتلازمه , فيشعر أنها تقيه الخذلان المحيط الذي راح لا يتوالد إلا حقدا ونفاقا , طائفيا كان أم شخصيا , ويعمه روعة الهجران للغط أناس اعتادوا قتل الآخر لأنه مختلف عنهم , اللذين راحوا يجترون شعار الديموقراطية ثم يلوكون بعضهم البعض لكي يستمروا في الحياة .
وينقضي زمن طويل يقبع في الزنزانة والزنزانة تقبع فيه , لا تجدي كل محاولات الخروج منها , فأي محاولة للخروج في الشروط المحيطة لا يودي إلا إلى زنزانة .

روحه مكبلة , هكذا يشعر , مشدودة للكآبة واللوعة , فالحلم خارج عالم الزنزانة , بعد طغيان الحقد , قد انكسر .

ويمر الزمن , والزنزانة في داخله تكبر , يعتكف الحركة والناس والحقد المتبادل , ويكره العيش بينهم , يهجر الحياة , يفقد ذاكرته رويدا رويدا لتتحطم ‘ في أواخر المحاولات , يجلل قلبه سحابة من الألم , تعصره ثم تكسره , و تتحجر في عينيه الدموع , ولما تعاند في الخروج تقع على حجر فتتكسر .

يذكر أن كان له , قبل عصر الغول , ذاكرة يقظة , كانت الدنيا مفعمة بالحياة , و القلب عامر بالحب والأمل , والعيون جذلة , والشفاه مجندلة بالابتسام .

يذكر أنه وبالرغم من الصعاب التي كانت ترافق جميع أنشطة الحياة التي كانوا يحاولونها , كانت العزيمة أقوى , كانوا يمتشقون جراحهم ويمضوا , يعضّون آلامهم , يواجهون المستحيل يحبوهم الأمل علّ وعسى فالغد القادم مليء بالآمال , يتعاضدون بصبر , فقد كان الحلم بالخلاص يدغدغ آمالهم فيصبرهم ويمسح التعب عن جبينهم .

فجأة هجم الغول على المدينة وعاث فيها وبالقرى المجاورة فسادا , وزرع في كل قرية منها طائفة وفي كل حارة من حارات المدينة دينا ومذهبا معلنا انطلاق عصر العولمة , وأعلن أن العولمة تريد أن تعيد تعديل الروابط بينهم والحدود , لقد انتهى عهد تآلف القلوب و تشابك الأيدي بين الناس , فالعولمة وزعت الناس بين الطوائف والمذاهب والأديان ووزعت على الأديان والمذاهب بنادق , والبنادق تحتاج للكثير من الأيادي والأصابع للضغط على الزناد لأن العولمة أعلنت الحرب وتحتاج جنودا لها .

تبخرت الآمال المشتركة وجف الابتسام من الشفاه وانكسر الحلم .

يجلس إلى الزاوية من زنزانة عزلته , يراجع ماضيه , يكتشف فجأة كم كان طيبا , بل غبيا وأبلها , تمد له الدنيا لسانها ساخرة , وتنفث في وجهه سمومها .

راح يلوب ظمأ , لاماء , لا ظلا , لا رؤيا تحوم , تبددت الآمال , وانكسر الحلم , الوطن , الحب , الزوجة , الأولاد , الرفاق , ولم يبق له للانتساب إليه سوى العولمة , ولأنه نأى بنفسه عنها وأبى انسدت عليه الحياة وانفتحت زنزانة , فالعولمة صارت هي الحياة , ولا حياة بلا عولمة .

يا حكت عيناها حكايا يخطئها الكلام , دنيا كانت مليئة بالأحلام , تحطمت مرة واحدة , انكسرت , وتركت قلبه يعتصره الماضي والحنين . لاذ بالصمت , يحبوه شوق لا ينقطع لسر دفين لا يدري كنهه ولا يستطيع التصريح به .

تذبحه اللوعة , ويسيح مع المدى , توجعه ارتعاش الندى المتهادية الذابلة , لقد ساد القهر وصار العهر لغة المحيط .

وتمضي به الفصول , ويطفح العهر والقهر في النهر حد الفيضان والثمالة , وتخنق النهر الرواسب واندفاعات السيول , فالعولمة تحب الفوضى الخلاقة .

يوجعه الشوق , يضغط الحلم المترنح على جدران زنزانته , يسأل نفسه : ألا من نهاية لهذا القهر ؟ لهذا العهر ؟ متى ؟
متى يأتي طوفان الحب فتتفجر جدران الزنزانة وحواجز الحقد وسدود الطوائف فينفلت التمرد بلا حدود وتتشابك الأيادي من جديد , ويعود النظام إلى المدينة وتنتهي الفوضى ؟

يمر الوقت , تعم الفوضى , وتزداد الحروب حربا أخرى , ويزداد حبه المغلول غلا , وقلبه المفطور انفطارا .
ينادي , يجرحه النداء , ينزوي وحده يكابر اللوعة نهارا , وفي الليل تجتذبه المرارة وامتدادات القهر , لم تستهويه الحياة العولمية المحيطة أبدا فيصدها عنه , ويدافع عن حلمه بالتشرنق خوفا على الحلم , على المباديء , على القناعات , يبقى الحلم والأمل مع وقف التنفيذ , ويجيش فيه الألم .

في كلمات البدء في أوائل الأشياء كان هناك ثورة لاهثة , كان هناك أملا , كان هناك نسمة , كان هناك فجرا ..
عاد بذاكرته لبدء الكلام , وأحس بنسائم البدء ينفذ إلى صدره , وما كادت النشوة تغمره حتى انتبه لعبء الذكرى , وتعود كآبة العولمة تعمه , حقد كثيف , قهر مزدحم بطغيان دخان المعركة , ونذر شؤم , ولعنة .
لا بأس عليه , حلم وانكسر .
يعود بذاكرته إلى هناك , عند حافة أول الأشياء , حيث وجهها , ابتسامتها , وبريق عينيها , وشفتيها العطشى , يقف , هو النهائي , يمد يده إليها فلا يطولها , فيدرك أنه في بقايا حلم .
ناداها , تمنى أن تأتي إليه , آه لو تأتي...
لو تأتي سيقدم طفولته لها , حزنه , وجهه , حلمه و زنزانته .
يتطلع وجهها إليه مشفقا , ويفر رشيقا إلى هناك , حيث اللهو , حيث الفوضى , حيث العولمة .
وتذكر كم كان يشتهي أن يساعدها لتكون أنثاه الناضجة إخلاصا لأمه الطبيعة حيث بدء الكلم .
وتذكر كيف كان هناك في أول الرشاقة , قبل العولمة , حيث كان وجهها عصفورا قد جعل من كتفه له متكأ , كان كثيفا جدا كشجرة لما تهزها يديها تتساقط رطبا .
و لأن الغول لا يحتاج إلا للحروب قطع كل الشجر وجلب البنادق , ووزع الحقد بين الناس , ووزع الناس إلى فيالق دينية وطائفية ومذهبية , فانكسر الحب , والحلم , والأمل , وهاجرت العصافير أعشاشها , فقد اندلعت الحرب وساد القهر , فانكسر الحب .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رثاء لصديقي الذي كان يسكن في الضفة الأخرى من المنفى وقضى فيه ...
- أمنيات
- نداءا للحياة
- الصيغة اللبنانية الطائفية المتفجرة دوريا 3
- الصيغة الطائفية اللبنانية المتفجرة دوريا 2
- الصيغة اللبنانية الطائفية المتفجرة دوريا 1
- في الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن
- ونحن نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا
- نهاية طاغية ولكن لو.....
- المسكوت عنه
- قصة........حدث في مركز اللجوء المركزي في Halberstadt
- طبيعة الصراع الطبقي في حركة التحرر الوطني متابعة
- إلى صديقي الساكن في الضفة الأخرى من المنفى
- في حركة التحرر الوطني القومي من الإمبريالية ...متابعة
- الامبريالية وكيفية الخروج من أزمته الراهنة ...متابعة
- البنية الطبقية للنظام الامبريالي
- قصة قصيرة ......فسحة صغيرة من الحرية
- قصة قصيرة جدا......فسحة صغيرة من الحرية
- من أين يأتي هذا الإيغال والمبالغة في سفك دماء الأطفال والغلو ...
- وين العرب.....وين الإسلام ؟؟


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” .. ...
- مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا ...
- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود جلبوط - لا يلد القهر سوى انكسارا