أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - ترامب والتناقضات الهيكلية في الديمقراطية الليبرالية الغربية














المزيد.....

ترامب والتناقضات الهيكلية في الديمقراطية الليبرالية الغربية


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8547 - 2025 / 12 / 5 - 12:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يكن دونالد ترامب هو السبب الأساس لأزمة الديمقراطية الليبرالية الغربية، بل كان عاملاً كاشفاً أسهم في تسليط الضوء على العيوب البنيوية والتناقضات العميقة التي تنطوي عليها هذه الأنظمة. هذه العيوب تنبع أساساً من سيطرة رأس المال وهيمنة المصالح الاقتصادية على اختيارات الشعوب وإرادتها.

لم تُحدِث فترة حكم ترامب تغييراً جوهرياً في الأنظمة الأساسية بقدر ما غيّرت الطريقة التي يتم عرضها بها. فقد كشفت عن نقاط الضعف الكامنة في قلب الليبرالية الغربية، وأبرزت—على سبيل المثال—تسييس القضاء. إذ إن ممارسات ترامب تجاه القضاء لم تكن خروجاً عن قواعد مثالية، بقدر ما أزالت الغطاء الذي كان يخفي الطبيعة السياسية للنظام القضائي ومدى تأثره بالتمويل وحملات النفوذ السياسي والاقتصادي.

كذلك، تحوّلت العلاقة من كونها "إدارة ناعمة" إلى مواجهة علنية ومباشرة، حيث وصف ترامب وسائل الإعلام بـ"عدو الشعب". هذا الوصف ساهم في تعرية وهم استقلال الإعلام، وأكد دوره في تكريس روايات السلطة والنخب.

على المستوى الخطابي، تجنّب ترامب اللجوء إلى الشعارات الأخلاقية المعقدة مثل "تعزيز الديمقراطية"، واكتفى بالإعلان بوضوح أن كل ما يقوم به يصب في خدمة "مصالح أمريكا". هذا النهج أظهر بوضوح واقع السياسة الخارجية الأمريكية، وأزاح الستار عن الواقعية السياسية والمصالح الإمبريالية التي تقوم عليها.
جذور الأزمة تمتد بشكل أعمق إلى البنية الاقتصادية والاجتماعية، وليس إلى شخص ترامب تحديداً، إذ إن السبب الأساسي للأزمة يكمن في تفاقم عدم المساواة، وسيطرة الشركات متعددة الجنسيات، وهيمنة الإعلام، وتحويل السياسة إلى تجارة مربحة. ترامب، كرجل أعمال وأحد منتجي النظام الاقتصادي غير العادل، استطاع استغلال غضب الطبقة العاملة تجاه "النخبة"، بينما دعم في الوقت ذاته البنية الاقتصادية التي ولدت هذا التفاوت منذ البداية.

في المقابل، حاولت النخب ووسائل الإعلام التركيز على "فرادة ترامب" و"غرابة أطواره"، لتصوير التهديد على أنه خارجي وغير متوقع، في محاولة يائسة لإنقاذ فكرة أن "النظام الليبرالي" يرتكز على القيم والمبادئ، بدلاً من الهيمنة الجيوسياسية والاقتصادية.
أثبت ترامب بما لا يدع مجالًا للشك أن ما يمكن أن يُطلق عليه "قواعد اللعبة الشكلية"، التي تشمل الآداب السياسية واحترام المؤسسات الديمقراطية، هي في واقع الأمر أضعف مما كنا نتخيل، ويمكن تخطيها أو التجاوز عنها علنًا دون عواقب تُذكر. هذا التجاوز لا يُعتبر مجرد إهمال للبروتوكولات، بل يحمل خطرًا أعمق يتمثل في إضفاء شرعية على تحدي النظام القائم بشكل علني. وبهذا، أصبح ترامب رمزًا ومرجعًا بارزًا للحركات الشعبوية القادمة، سواء كانت تنتمي إلى اليمين أو اليسار، حيث كسر الحواجز ووفر نموذجًا للتحرر من القيود التقليدية والأعراف المؤسسية المتعارف عليها.

ما فعله ترامب لم يتوقف عند هذا الحد، بل أدى إلى تغيير جذر مفهوم السياسة السائد. فلم تعد السياسة ساحة تستند إلى التوافق والالتزام بالقواعد المشتركة، بل تحولت إلى صراع مباشر للإرادات، حيث يتم تفضيل الفوز في الانتخابات وتحقيق الأهداف الملموسة على الالتزام بالقواعد المؤسسية أو التسويات بعد تلك الانتخابات. وعلى الصعيد العملي، يتم تقديم مصلحة الفوز بأي ثمن على التضحية بأي جزء من الأنظمة التقليدية التي تمثل أساس العمل الديمقراطي.

ما كشفه تصرف ترامب هو مدى هشاشة الحواجز التي تُفترض أنها تمنع أصحاب النفوذ، مثل ملياردير مثله، من تجاوز حدود اللعبة الديمقراطية. وهذا الكشف لا يثير فقط المخاوف بشأن استغلال هذه الثغرات من قبل الشعبوية اليمينية، بل يُمهّد الطريق أيضًا للشعبوية اليسارية التي قد تستغل هذه الفجوة لإعادة طرح قضايا أكثر راديكالية. فاتصال نقد النخبة الاقتصادية بتوجيه انتقادات حادة إلى المؤسسات الليبرالية التي سمحت لتلك الثروة بالتركز قد يمنح الصوت الشعبوي اليساري قوة متزايدة. وفي ظل هذه الظروف، يصبح من السهل على هذه الحركات المطالبة بإصلاحات جذرية للنظام الاقتصادي برمته، ما يجعل النظام القائم عرضة لإعادة صياغة شاملة بعيدًا عن إطار القواعد الحالية.
الأزمة الراهنة عميقة في شرعية النظام الليبرالي ذاته، حيث بات هذا النظام عرضة لنقد جذري يتناول أركانه الأساسية. إن هذا النقد لا يعبر بأي شكل من الأشكال عن دعوة للعودة إلى أنظمة استبدادية أو ديكتاتورية، بل يسعى بشكل واضح إلى فك ارتباط القداسة المصطنعة التي تحيط بالنموذج الليبرالي وكشف حقيقته. فالديمقراطية الغربية الحالية، التي يُفترض أن تعمل لصالح الشعوب، تبدو في واقع الأمر أكثر ميلاً نحو خدمة مصالح رأس المال الضخم والشركات الكبرى وجماعات النخبة المحدودة، على حساب الأغلبية العامة من المواطنين.

وإن المطلب الأساسي ضمن هذا السياق هو السعي نحو ديمقراطية حقيقية تتجاوز الشكل السطحي الذي ينحصر غالباً في آليات مثل التصويت الدوري والانتخابات الشكلية، لتصل إلى المضمون الحقيقي والجوهري الذي يعكس المعنى الفعلي للديمقراطية، أي السلطة الشعبية الحقيقية وتحقيق مساواة اقتصادية تضمن العدالة للجميع. الهدف الأسمى من هذه العملية هو توعية الشعوب وإزالة الحجاب الذي يُظهر النخبة كحامية لمبادئ الديمقراطية، بينما الحقيقة تشير إلى أنها في معظم الأحيان تسعى فقط لحماية مصالحها الاقتصادية الخاصة. هذا الوعي هو ما يفتح الباب أمام المطالبة بإحداث تغييرات هيكلية جذرية تعيد بناء النظام على أسس أكثر عدلاً وشمولية.

لمعرفة المزيد حول كيف تم اعتبار سياسات ترامب عملية "نقل ثروة هائلة من الطبقة الوسطى إلى قمة الهرم المالي"، يمكنك مشاهدة هذا الفيديو:
أكبر عملية نصب في تاريخ أمريكا.. كيف سرق ترامب الاقتصاد لصالح الأغنياء؟
https://www.youtube.com/watch?v=jrOAQZPBJrE

2025-12-05



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -التفوق الزائف-: كيف يفرّغ العنصريون إحباطهم العالمي في حقد ...
- وهم الحضارات الكبرى: تفكيك الأسس الدينية والثقافية للتمايز ف ...
- ترامب يفقد السيطرة: هل هذه بداية النهاية؟
- الفردوسي ودوره المحوري في سياق التاريخ الثقافي الإيراني
- الترجمة الأيديولوجية: بين أفيون -الشعب- و -الشعوب-
- التباين الجمالي بين الشعر العاطفي والسياسي
- فجر الاعترافات
- التأطير الأحادي للإبداع -2
- التأطير الأحادي للإبداع -1
- الأزمة الهيكلية في بلدان الشرق الأوسط
- الترجمة العربية: تحريفات لأسباب إيديولوجية
- أسباب ضعف السلع الاستهلاكية في الاتحاد السوفيتي
- الأهمية المستمرة لكتاب -رأس المال- في عصر الرقمنة
- الشوفينية الفارسية أمام تحديات العقلانية والأممية
- حقبة الركود السوفيتية
- بين مزيج الأمواج والذكريات
- ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر
- أزمة اليسار في العالم العربي: تحديات الهيمنة القومية والليبر ...
- ضرورة تحريم التقية: بين رخصة الضرورة وخطرها على المجتمع
- اختلاف الآراء في اشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق


المزيد.....




- بملامح زوكربيرغ وماسك.. كلاب روبوتية برؤوس تُشبه البشر تثير ...
- -نتفليكس- تعلن التوصل إلى اتفاق لشراء -وارنر براذرز- وHBO
- الرئيس اللبناني لوفد مجلس الأمن: اعتمدنا خيار المفاوضات مع إ ...
- العراق.. صرخة مواطن بسبب أزمة البنزين
- -أمريكا أولا-... ترامب يعلن استراتيجية تركز على تعزيز الهيمن ...
- بحضور ترامب.. الكونغو الديمقراطية ورواندا توقعان اتفاق سلام ...
- يوروفيجن 2026: دول أوروبية تعلن مقاطعة المسابقة بعد قرار عدم ...
- شهيد بجنوب نابلس ومستوطنون يهاجمون بلدة شرق رام الله
- إستراتيجية جديدة لترامب تركز على أميركا اللاتينية وتحذر من م ...
- -غروكيبيديا- لا تقبل التعديلات إلا بعد موافقة الذكاء الاصطنا ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - ترامب والتناقضات الهيكلية في الديمقراطية الليبرالية الغربية