أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد الطيب - رفض تاريخي آخر: لماذا تبتعد المرجعية عن لعبة الكراسي؟














المزيد.....

رفض تاريخي آخر: لماذا تبتعد المرجعية عن لعبة الكراسي؟


عماد الطيب
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 14:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ عام 2003 وحتى اليوم ظلّت علاقة المرجعية الدينية في النجف بالسياسة علاقة شديدة الحذر، تجمع بين التأثير الأخلاقي والابتعاد عن تفاصيل السلطة. ورغم تغيّر المشهد السياسي وتبدّل الحكومات وتعدد القوى، بقي خط النجف ثابتاً تقريباً: تقديم النصح العام، والدعوة إلى الإصلاح، وتجنّب التورط في لعبة الأسماء والمناصب. لذلك حين رفضت المرجعية مؤخراً استلام ظرف يتضمن أسماء مرشحين لرئاسة الوزراء من الإطار التنسيقي، بدا الموقف طبيعياً في سياق تاريخي طويل، لا خطوة استثنائية أو رد فعل انفعالي.
في عام 2003 وبعد سقوط النظام مباشرةً، حاولت سلطة الاحتلال وبعض القوى السياسية جلب المرجعية إلى قلب العملية السياسية لتكون “مرجعاً أعلى” يضفي الشرعية على قرارات سياسية، لكن النجف رفضت منذ اللحظة الأولى أن تكون جزءاً من المؤسسات التنفيذية، واكتفت بالمطالبة بانتخابات حقيقية يختار فيها العراقيون ممثليهم بدل التعيين. بعد 2005 وبعد تجربة أول حكومة منتخبة، تزايدت الضغوط على المرجعية للتدخل بين الفرقاء، لكنها اكتفت بدور الناصح والموجه، ونأت بنفسها عن اختيار الوزراء أو دعم قوائم انتخابية. وفي وقتها قال ممثلو المرجعية عدة مرات إن “العملية السياسية مسؤولية القوى السياسية، والمرجعية لا تدعم قائمة ولا شخصاً”.
وفي 2010 حين اشتد الصراع بين الكتل حول تشكيل الحكومة، خصوصاً بين المالكي وعلاوي، حاولت بعض الأطراف إدخال المرجعية كمرجّح، لكنها رفضت استقبال وفود تحمل أسماء أو مقترحات، كي لا تُحسب على طرف وتُفقد حيادها. وفي 2014 حين تمدد داعش وانقسمت القوى السياسية، قدّمت المرجعية خطاباً إنقاذياً عبر الفتوى التي أطلقت الحشد الشعبي دفاعاً عن البلاد، لكنها رغم ذلك لم تتدخل في اختيار رئيس الحكومة، بل اكتفت بالتأكيد على ضرورة أن يكون “قوياً وشجاعاً ويضرب الفساد”. بعدها اختارت القوى السياسية حيدر العبادي، وقالت المرجعية صراحة إن الاختيار مسؤولية القوى وليس مسؤوليتها.
أما في 2018 فالمشهد كان أكثر وضوحاً؛ إذ أعلنت المرجعية أنها لن تستقبل أي سياسي ولا تريد أن تُذكر أسماؤها في قضية اختيار رئيس الوزراء، وأنها لن تؤيد أي شخصية. هذا الموقف كان مكملاً لمنهج ترسّخ منذ سنوات: إبعاد المؤسسة الدينية عن التنافس الحزبي، وعدم إعطاء “شرعية دينية” لأي حكومة. وحتى عندما ظهرت أزمة احتجاجات تشرين 2019 وتصاعد الغضب الشعبي، كانت المرجعية تحثّ على الإصلاح ومحاسبة الفاسدين، لكنها لم تقدّم مرشحاً ولم تزكّ أحداً، وصرّحت بأنها لن تتدخل في اختيار البديل. القوى السياسية حينها قدّمت عدة أسماء لكن المرجعية رفضت الرد على أيٍّ منها، ثم اختير عادل عبد المهدي ثم مصطفى الكاظمي من خلال المساومات السياسية لا من خلال “تفويض ديني”.
في هذا السياق، يبدو الرفض الأخير لاستلام مظروف يحمل أسماء المرشحين امتداداً للمسار نفسه. المرجعية تدرك أن استلام الأسماء يعني عملياً الدخول في اللعبة السياسية، فكل اسم ستقبله أو ترفضه سيوضع في خانة سياسية، وسيُستخدم لاحقاً كدليل على انحياز أو دعم. المرجعية تريد أن تتجنب أن تكون غطاءً لخيارات سياسية قد تفشل أو تفسد أو تُتهم بالتحزب. النجف أيضاً تعرف أن القوى السياسية كثيراً ما تحاول الحصول على “ختم الموافقة الدينية” كي تمنح نفسها شرعية شعبية، ولذلك تحرص المرجعية على أن تبقى خارج هذه الدائرة، لأن التجربة العراقية أثبتت أن الصراعات لا تتوقف، وأن الأحزاب قد تتقاتل اليوم وتتصالح غداً، بينما المرجعية يجب أن تبقى فوق هذا التقلّب.
إن تدرج مواقف المرجعية خلال العقدين الماضيين يكشف أن الرفض الأخير ليس موجهاً ضد الإطار التنسيقي وحده، بل هو موقف عام متكرر تجاه جميع القوى. المرجعية لا تتدخل عندما تكون الحكومة ضعيفة، ولا عندما تكون مستقلة، ولا عندما تكون حزبية، بل ترفض دائماً أن تصبح جزءاً من الاختيار التنفيذي. هي تتدخل فقط عندما ينهار أمن الدولة، أو حين يمسّ الخطر الوجودي البلاد، أو عندما تتجاوز السلطة على الشعب. لكن اختيار رئيس الوزراء، من وجهة نظرها، شأن سياسي خالص، وإذا فشلت الطبقة السياسية في إنتاج مرشح كفوء فهذا ليس مجال عمل المرجعية بل مسؤولية البرلمان والكتل.
وبالتالي، فإن مقارنة الموقف الحالي بالمواقف السابقة تُظهر سلسلة متصلة من المبادئ: الحفاظ على استقلال المؤسسة الدينية، منع القوى من توظيف النجف في الصراع، تعزيز فكرة أن الشرعية تأتي من صناديق الاقتراع لا من المؤسسة الدينية، وتأكيد أن وظيفة المرجعية أخلاقية لا تنفيذية. ولعل هذا ما يجعل رفضها اليوم أكثر وضوحاً وقوة: فالعراق يعيش جموداً سياسياً، والقوى تريد غطاءً، لكن المرجعية لا تمنح الشرعية إلا للشعب، ولا تمنح مباركتها إلا للمواقف الإنسانية والوطنية الكبرى، لا للأسماء ولا للمناصب.



#عماد_الطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماض لن يعود .. كوجه جميل غادره الضوء
- أحملك بقلبي وأدفنك بصمتي
- جمال الموت
- أجمل المحطات
- دروع الإبداع… حين صار الوهم أعلى من الحقيقة
- جريح الثقة لا يُشفى
- لا تمنح الحقيقة كاملة .. انهم لن يفهموك !!
- بين الثائر والطاغي شعرة
- لقد كانت معركة عظيمة كلفتني قلبًا بأكمله
- ظل الآخر
- قلب مسافر عاشق
- رحيل في منتصف الطريق
- السيادة.. ليست علماً يرفرف ولا نشيداً يصدح
- خرابٌ تحت قبّة الجامعة: حين يتحوّل الجهل إلى لقبٍ أكاديمي
- عندما تتحوّل الكتابة إلى مطرقة لا ترحم
- الكتابة واشكالية المتلقي
- في المسافة بين إنسانيتهم… و ( انسانيتنا )
- حين يفقد الوطن كرامته
- من قال إن الزمن يشفي؟
- امرأة بين السطور


المزيد.....




- أمين عام الناتو: ترامب هو الشخص الوحيد القادر على كسر الجمود ...
- زراعة الشعر للنساء.. بين الإيجابيّات النفسيّة ونسب النجاح ال ...
- تنظيم القاعدة يقترب من -ذهب بوتين- في مالي.. والنظام العسكري ...
- مسابقة -يوروفيجن- تواجه قراراً حاسماً بشأن مشاركة إسرائيل
- بوتين: سنسيطر على دونباس بالقوة إذا لم تنسحب قوات أوكرانيا
- ترامب ووزير دفاعه يتوعدان فنزويلا ومادورو يقول إنه أجرى محاد ...
- مجموعة -ميتا- تحذف حسابات الأستراليين دون سن الـ 16 عاما من ...
- حماة.. المدينة التي أرادها حافظ الأسد عبرة فكانت بوابة سقوط ...
- جبل زين العابدين.. المعركة الحاسمة التي فتحت الطريق لسقوط ال ...
- نتنياهو والعفو.. كيف ينظر الشارع الإسرائيلي للطلب؟


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد الطيب - رفض تاريخي آخر: لماذا تبتعد المرجعية عن لعبة الكراسي؟