أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سعد خير الله - ومضة ضوء : دولة التلاوة: حين يتحول برنامج تلفزيوني إلى أداة للإقصاء الديني.














المزيد.....

ومضة ضوء : دولة التلاوة: حين يتحول برنامج تلفزيوني إلى أداة للإقصاء الديني.


محمد سعد خير الله
محمد سعد خيرالله عضو رابطة القلم السويدية

(Mohaemd Saad Khiralla)


الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 14:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في الرابع عشر من نوفمبر الجاري انطلق في مصر برنامج "دولة التلاوة"، وهو مسابقة دينية كبرى لاكتشاف ورعاية المواهب الشابة في ترتيل وتجويد القرآن. جاء إطلاقه بتعاون مباشر بين وزارة الأوقاف والشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المملوكة رسميًا لجهاز المخابرات العامة المصري، وبمشاركة واسعة تجاوزت أربعة عشر ألف متسابق. وتبلغ قيمة الجوائز نحو 3.5 مليون جنيه، وتشمل تسجيل المصحف بصوت الفائزين وإمامة صلاة التراويح في مسجد الإمام الحسين. ويُبث البرنامج على قنوات الحياة وCBC والناس ومصر قرآن كريم ومنصة Watch It مساء الجمعة والسبت.

ومنذ لحظة الإعلان عن المسابقة، أثارت جدلًا شعبيًا واسعًا عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بين فريق يرى فيها مبادرة إيجابية تستحق الإشادة، وفريق آخر يعتبرها خطوة كارثية تعمّق المسار الذي يهدد دولة المواطنة التي يحلم المصريون بالوصول إليها يومًا ما. فالمشهد برمّته يوحي بأننا أمام تطور جديد خلاصته مزيد من التشدد الديني وتوسيع حضور الخطاب الأحادي في المجال العام، على حساب التنوع الديني والفكري الذي يفترض أن تقوم عليه الدولة الحديثة.
وفي خضم هذا الخلاف المحموم، تلقيتُ العديد من الأسئلة والاستفسارات حول رأيي فيما يحدث، وقد وصلتني عشرات الرسائل عبر مختلف تطبيقاتي. لذلك رغبتُ أن يكون هذا المقال بمثابة ردّ واضح على كل تلك التساؤلات.

وعليه أقول إن هذا البرنامج بما يحمله عنوانه قبل مضمونه ليس مجرد مسابقة دينية، بل مؤشر على توجه سياسي يعيد تشكيل المجال العام وفق هوية عقائدية واحدة، ويقصي كل ما عداها. كما أن توظيف أدوات الدولة الإعلامية والدينية في مشروع واحد بهذا الحجم يكشف انتقال السلطة من إدارة الشأن الديني إلى هندسة الهوية نفسها، بما يثير مخاوف حقيقية حول مستقبل التعددية، وحدود ما تبقّى من مفهوم "المواطن" في جمهورية العساكر.

هذا الخطاب يحمل بوضوح طابع الإقصاء، إذ يُخرج من المجال العام ملايين المواطنين الذين لا تتطابق هوياتهم مع القالب العقائدي المفروض. وتشمل هذه الفئات(الأقباط بمختلف طوائفهم ((الأرثوذكس، الكاثوليك، البروتستانت، الموارنة)، والبهائيين، والملحدين، واللادينيين، واللاأدريين، إضافة إلى أقليات دينية صغيرة أو شبه منقرضة مثل اليهود الذين كان عددهم يُقدَّر بنحو ثمانين ألفًا وأصبح اليوم أقل من(( عشرة أشخاص فقط)). كما يطال الإقصاء جماعات مثل شهود يهوه، والطرق الروحية والصوفية غير التقليدية.

الرسالة هنا تتجاوز حدود الخطاب الثقافي؛ إنها عملية تفكيك منهجي للنسيج الوطني وإعادة تعريف للمواطنة وفق معيار اعتقادي ضيّق. وبصيغة أوضح: الدولة تُوجّه إنذارًا صريحًا لمن لا مكان لهم في الفضاء العام. هذا الإنذار لا يقتصر على التهميش الرمزي، بل يفتح الباب أمام(( مرحلة كارثية)) من التضييق الاجتماعي بسبب الإيمان أو عدمه. وعليه، لا يعد مسمى ((دولة التلاوة)) مجرد عنوان لبرنامج تلفزيوني، بل إعلانًا سياسيًا وثقافيًا يُمنح فيه النظام حق صياغة الهوية الوطنية بمنطقٍ ذي هوى داعشي. وهنا يكمن الخطر الحقيقي وقتما يصبح(( الاختلاف العقيدي)) سببًا للإقصاء، تتفكك المواطنة وتتلاشى العدالة، ويُلقى بالمجتمع إلى هوّة التهميش الهيكلي التي تبتلعُ ملايين من أبنائه.

ولنا أن نتخيّل، ولو للحظة، شعور ملايين المصريين المختلفين عقائديًا (من الأقباط وباقي الفئات التي أشرتُ إليها) وهم يفتحون أجهزة التلفاز في بيوتهم ليجدوا برنامجًا تموّله الدولة من ضرائبهم ويُسخَّر لتمجيد "كتابٍ آخر" لا يؤمنون به أصلًا. والأشدّ فداحة أن يخرج علماء ينتمون إلى هذا التيار ليفتوا ويحللوا ويشرعنوا استباحة هذه الفئات بلا أدنى تردد، وكأنهم يعيشون في دولة تُعرّف نفسها رسميًا بوصفها دولة إسلامية.

وهنا تبرز المفارقة الصارخة: فالحقيقة المؤكدة التي لا تقبل تشكيكًا هي أن أقباط مصر هم السكان الأصليون لهذا البلد، وهم الذين( حافظوا بكل السبل الممكنة)على جذور الحضارة المصرية القديمة منذ الغزو، أكرر: الغزو الإسلامي لمصر، الذي وقع بين عامَي 19 هجريًا (640 ميلاديًا) و21 هجريًا (642 ميلاديًا)، بقيادة الغازي المحتل عمرو بن العاص.

وهنا أتذكّر مقولة الفيلسوف جون رولز حين قال: "العدالة هي الفضيلة الأولى للمؤسسات الاجتماعية"، وهو تذكير صارخ بأن الدولة التي تُقصي بعض مواطنيها تفقد فضيلتها الأولى. ليت حكّام وطني (( المبعدُ عنه)) يسمعون.



#محمد_سعد_خير_الله (هاشتاغ)       Mohaemd_Saad_Khiralla#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ومضة ضوء : موريس سيربيكو عصرنا.
- ومضة ضوء :من المنيا إلى جنيف صرخة ضد التهجير المقدس.
- ومضة ضوء : غزة بين الوهم والواقع .
- ومضة ضوء: رسالة إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان: ما أحوج ...
- ومضة ضوء:خطاب محمد سعد خيرالله في ميدان غوستاف أدولفس بالسوي ...
- ومضة ضوء:في مصر ومكان آخر موقفان يُعيدان سؤال دور العسكر
- ومضة ضوء:خيرالله يحاور مجدي خليل حول معاناة أقباط مصر / الجز ...
- ومضة ضوء: سياسيون وإعلاميون يعرقلون السلام لدعم نظام سلطوي.
- هل أنا يهودي مؤقت في السويد؟
- ومضة ضوء: إلى أسطول الصمود الوجهة الحقيقية هي الدوحة لا غزة
- ومضة ضوء:-قطر والانتهاكات عار الصمت الدولي وروحاني نموذجًا.-
- ومضة ضوء: -الإبادة الأرمنية التي اعترفت بها إسرائيل: العدالة ...
- ومضة ضوء: خيرالله يجري حوارًا مع مجدي خليل حول معاناة الأقبا ...
- ومضة ضوء: إحياء حركة أنصار السلام المصرية حلم قديم لضرورة ال ...
- ومضة ضوء: محمد سعد خيرالله يحاور مجدي خليل حول محنة الأقباط ...
- ومضة ضوء:المهزلة المزدوجة لمصر مع إسرائيل- العداء الشعبي وال ...
- ومضة ضوء : نتنياهو مرشدا جديدا لجماعة الإخوان المسلمين
- ومضة ضوء: الذكرى الثالثة والسبعون لليوم الأسوأ والأكثر سوادً ...
- ومضة ضوء : الفتاوى التكفيرية تهدد السلام: صَنِّفوا الأزهر تن ...
- ومضة ضوء انهيار - دولة الحزم العليا - يستدعي تشكيل حكومة إنق ...


المزيد.....




- إيرباص تكتشف مشكلة جديدة في طائرات الركاب A320 الأكثر مبيعًا ...
- صانعا محتوى مصريان يثيران جدلاً بشأن سلامة بعض المنتجات الغذ ...
- البابا لاون يزور لبنان ويصلي في ضريح مار شربل
- ترامب يوجه إنذاراً نهائياً لمادورو: غادر البلاد الآن واترك ا ...
- الباحثة الإسرائيلية المُفرج عنها في العراق تثير الجدل.. ما ع ...
- -جيش بلا وجوه-.. إسرائيل تكشف كواليس -التحرك الخفي- لقواتها ...
- خلاف على ملكية وحق رعاية كلب تصل إلى القضاء الألماني
- معهد -سيبري-: شركات الأسلحة تجني أرباحًا طائلة من حرب أوكران ...
- الإنكارُ الغربيُّ لوجودِنا كشعوبٍ وأمّةٍ.
- فنزويلا: مكالمة بين ترامب ومادورو وغارات أمريكية مثيرة للجدل ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد سعد خير الله - ومضة ضوء : دولة التلاوة: حين يتحول برنامج تلفزيوني إلى أداة للإقصاء الديني.