محفوظ بجاوي
الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 08:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كان الصحابة يرون القرآن كلام الله الخالص، المصدر الوحيد للتشريع، وكانوا يدركون أن كلام النبي بشري مرتبط بزمانه ومكانه واجتهاده، ولهذا لم يدوّنوا الأحاديث ولم يعاملوها كمصدر يكمّل القرآن أو ينافسه. ظل المسلمون عقودًا بعد وفاة النبي يعملون بكتاب الله مباشرة من دون أن يشعروا بنقص أو فراغ تشريعي حتى جاء زمن اتسعت فيه الدولة وتداخلت فيه الثقافات، فظهر رجال من خارج البيئة العربية مثل البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه وغيرهم، يسعون إلى جمع كل ما نُسب إلى النبي في وقت لم يبقَ فيه شاهد واحد من عصر الرسالة. اعتقد هؤلاء، أو أوهموا الناس، أن الإسلام يحتاج روايات لتكتمل صورته فتحول ما جمعوه مع الوقت إلى سلطة تشريعية موازية للقرآن، وأصبح الحديث ينسخ الآية، وأصبحت الرواية أقوى من الوحي في حياة المسلمين.
من هنا بدأت المشكلة الكبرى، فقد نشأت طبقة جديدة من رجال الدين تتحكم في الناس باسم الحديث والتراث، وفرضت فتاوى لا تنتهي، ووسّعت دائرة الحرام، ورسخت طاعة الحاكم مهما كان ظالمًا، وأدخلت المسلمين في شبكة من الخوف والتكفير والتحريم. تشكل دين موازٍ للدين القرآني البسيط، دين يعقّد الحياة ويقيد العقل ويحوّل الإنسان إلى تابع للفتوى بدل أن يكون صديقًا للكتاب. وهكذا تراجع المسلمون، وتخلفوا عن ركب الأمم، وابتعدوا عن روح الإسلام الأولى التي جعلت العقل قيمة، والعدل أساسًا، والحرية مبدأً ثابتًا.
إن الحل ليس في هدم الدين أو ترك الإيمان، وإنما في إبعاد رجال الدين عن احتكار التفسير، وتنقية الدين من التراكمات البشرية التي أُدخلت عليه، والعودة إلى القرآن وحده كمصدر أصيل يحرر النفس ويصالح الإنسان مع إنسانيته. فالقرآن كتاب يفتح الأفق ولا يغلقه، يقوّي التفكير ولا يعطله، ويعيد للمسلم مكانته بين الأمم إن تحرر من الأغلال التي صنعها الدين الموازي. إن الإسلام الحقيقي لم يكن يومًا في كثرة الروايات ولا في سلطة الشيوخ، بل في نقاء الوحي الذي نزل ليكون رحمة، وفي بساطة الرسالة التي ضاعت بين دفاتر المحدثين. العودة إلى القرآن ليست خروجًا من الدين، بل هي العودة إلى الدين ذاته، قبل أن تغطيه طبقات كثيفة من الروايات والتأويلات التي صنعت أزمات المسلمين وما زال أثرها يعطل حياتهم حتى اليوم.
#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟